كلمة في افتتاح اللقاء اليساري العربي السابع
خالد حدادة
الحوار المتمدن
-
العدد: 5040 - 2016 / 1 / 10 - 14:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كلمة الامين العام للحزب الشيوعي د. خالد حدادة في افتتاح اللقاء اليساري العربي السابع
حدثت، منذ اللقاء السادس، تطوراتٌ كثيرةٌ في منطقتنا. ومن المفيدِ الإشارةُ والتاكيدُ في هذه المرحلة على السماتِ الرئيسةِ، المستمرةِ او المستجدة في الوضع السياسيِّ في المنطقة وعلى أساسها تجري صياغةُ المهامِ الرئيسةِ لليسارِ العربيِّ.
لنبدأْ من آخر سلمِ الأحداث، المتمثل بالتوتر الذي أحدثه إعدامُ الشيخ النمر في ملكية آل سعود. وقد شكّل هذا الحدث- من دون شك- خطوةً اساسية في إطار المخطط الأميركي للمنطقة؛ فبعد تغييرات كثيرة حدثت على أكثر من مستوى، عملت السعودية على استعادة جوهر المشروع الأميركي، بتأمين شروط جديدة لوضع المنطقة في ظل صراع مذهبي طائفي، بعد أن بدأ هذا المشروع بالتخبط على أكثر من مستوى.
ولعل فهمَ هذا الحدث يدلنا على ثلاثةِ مواقعَ للصراع، لعل الأهمَ والأكثرَ استهدافاً، هو القضيةُ الفلسطينية. فكنا قد اتفقنا في السنوات السابقة على أنّ جوهر المشروع الأميركي هو الغاءُ القضية الفلسطينية، باعتبارها محور الصراع الرئيس في المنطقة، والغاءُ أرضية الصراع العربي – الاسرائيلي وإبدالها بأرضية جديدة للصراع، أساسها الصراعات ذات الطابع المذهبي – الطائفي والعرقي.
إن الانتفاضة البطولية الثالثة للشعب الفلسطيني، في كل فلسطين، أعادت الاعتبار بقوة إلى مركز التناقض الرئيس في المنطقة، وهي تصارع ببطولة لإعادة قضيةِ فلسطينَ إلى قلب الصراع لتشكلَ جوهرَ أيِّ مشروعٍ عربيٍّ مشترك. وأمام عجز العدو الصهيوني عن إنهاء هذه الانتفاضة، كان لا بد للمشروع الأميركي الأساس من أن يقوم بهذه المهمة. وطبيعي أن يلجأَ الأميركيُّ في هذا الإطار إلى تلميع الصراعِ الطائفيِّ والمذهبيّ، كأساسٍ في مشروعه، ولا يمكنُ تفسيرُ الأجراءِ السعوديِّ الأخيرِ إلاّ في هذا الإطار.
والموقعُ الثاني هو حكماً سوريا. إن التغييراتِ الأخيرةَ في خارطة الصرع داخل سوريا، أدت إلى تعزيز وحدة الجيش السوري وموقعِهِ، وإلى تعزيزِ وحدات الحماية الشعبية الكردية وإلى تراجعٍ جدّيٍّ في وجود القوى المعارضة المسلحة المحتضَنة من قبل اميركا والسعودية وتركيا، وكذلك إلى تراجع القوى الإرهابية. وأدت هذه الوقائع إلى تقدّمٍ - ولو جزئيّا- على مستوى المفاوضات من أجل حل سياسي للأزمة السورية.
إن الوقائعَ السياسيةَ والعسكريةَ المستجدة، وإنْ لم تؤدِّ إلى حسم للصراع وتجاوز الأزمة ، مهدت لتقدم المفاوضات. وبرز ذلك بشكل رئيس في مؤتمري فيينا، ولا سيّما الثاني، وكذلك في قرار مجلس الأمن.
إن مثلَ هذا الاتجاهِ يحرج الهجمةَ المضادةَ، ويحرج السعوديةَ وحلفاءَها، ولعله هو الذي دفع باتجاه التقاربِ السعودي – التركي من جهة، والتركي– الاسرائيلي من جهة أخرى، بحيث تلعب تركيا على الأقل دور الوصل في هذا التحالف.
إن انزعاجَ أصحابِ هذا المشروع من اتجاه الحل، يفسر التصعيدَ التركيَّ بإسقاط الطائرة الروسية، كما يقدمُ تفسيراً للتصعيد السعودي يإعدام الشيخ النمر. أما الموقعُ الثالثُ فيتمثل في تطورات الاعتداء السعوديِّ على الشعب اليمنيّ، وفي تطوراتِ الصراعِ في هذا البلدِ الذي يشهد أبشع حربٍ عدوانية، مصحوبةٍ بحربٍ أهلية تعجز قوى الصراعِ الداخلي حتى الآن وبسبب طبيعتها وتبعيتها الإقليمية عن البدء بمفاوضات تنهي هذه الحرب، من أجل الحل السياسي الداخلي، الأمرُ الذي يهدد جدياً، بمزيد من الدمار والتفتيت، تكونُ القوى الإرهابيةُ، والقاعدةُ خاصةً، المستفيدَ الأساسيَّ منه .
الرفاقُ الأعزاء،
انطلاقاً من هذه التطورات، يمكن القولُ إنَّ منطقتَنا وبلدانَنا، تمر بمرحلة انتقالية تاريخية. وبقدر ما تشهد اليوم تطوراتٍ خطيرةً، فأنها قد تساهم في فتح أفق باتجاه عالم عربي جديد، إذا ما تمكنت القوى المواجهة للمشروع الأمبريالي الأميركي، من فتح كوة باتّجاه تكوينِ حركةِ تحررٍّ عربيةٍ مقاومةٍ وجديدة، تقدميةِ التوجه، وممثلة حقيقية لمصالح شعوبنا وبشكل خاص لفقراء المنطقة وللفئات الأجتماعيةِ الأكثرِ فقراً.
إن لقاءَنا، مدعو للارتقاء في تنسيقه وتشكله، برنامجاً وتنظيماً. وهذا ليس اتجاهاً انتقائياً، بل هو حاجةٌ موضوعيةٌ لشعوبنا قبل أن يكون حاجةً لأحزابنا وقوانا.
فالمشروع الأميركي واضحُ الأهداف. ولقد استطاع عبر هجمته المضادة تشكيلَ تحالفِه الدوليّ، والأقليميّ أيضاً، كما أشرنا سابقاً.
و قد بدأ الإرهاب، الذي أتى كأحد مكونات المشروع الأميركي، وبدعم من قوى هذا المشروع مادياً وفكرياً وسياسياً وعسكرياً، يأخذ منحىً خطيراً ومستقلاً. وهذا ليس بجديدٍ في التاريخ؛ فكل الفاشياتِ نشأت من رحم الرأسمالية وبفعل الحروب. وهذه الحروبُ هي صفة ملازمة لأزمة الرأسمالية. هكذا نشأت ونمت الحركاتُ النازية والفاشية في أوروبا. وهكذا تكونت الدولةُ الداعشية الأولى في منطقتنا، أي الدولةُ الصهيونية. وهكذا تنشأ اليومَ الحركاتُ الفاشية الجديدة في الولايات المتحدة نفسِها وفي أوروبا.
هذا الإرهاب يعمل على كل ساحاتنا. فلا يوجد أي بلد عربي أساساً وحتى أيُّ بلدٍ في العالم بمنأى عن الخطر الإرهابي. و استطاع بهذا المعنى، كما المشروع الأميركي، تكوينَ خطته وبرنامجه الموحد، وأدواته.
في مقابل هذين المشروعين، وفي المواجهة معهما، يبرز محورٌ آخرُ، أقلُّ تجانساً ولكنه استطاع حتى الآن، تحقيقَ إنجازٍ يتمثل في وقف التقدم الذي حققه المشروع الأميركي في المرحلة السابقة. وفي هذا الإطار، لا بد من التأكيد على أننا، من موقعنا اليساري، تجاه هذا المحور نسجّل المواقف التالية:
أ- إننا ونحن في موقع المواجهة مع المشروع الأول، حكماً في موقع التقاطع، وفي خلال عملية المواجهة هذه مع المحور الآخر.
ب- وانطلاقاً من فهم طبيعة هذا المحور الطبقية والفكرية، ورغم التقاطع لسنا جزءاً منه. وعلينا صياغة برنامجنا للمواجهة، من موقعنا السياسي والاجتماعي، الذي تشكل الاستقلالية إحدَ أسسه.
ت- إن الموقعَ الدينيَّ لبعض قوى المواجهة (دولاً وتنظيمات) يشكل نقطة ضعف في منطق المواجهة للإرهاب وللمشروع الأميركي، إذ إنه بجانب منه يخدم نظرية صراع المذاهب والأعراق، بغض النظر عن طبيعة المواقف المواجهة لهذه القوى.
ونحن كيسار وكقوى تقدمية، لم نتشكل بعدُ كمحور مستقل، قادرٍ على المواجهة من موقعه، يأخذ قراره بالتقاطع والتحالف من موقعه المستقل أيضاً.
إن هذه المهمةَ اليومَ أصبحت راهنة، وهي مهمة بالنسبة إلينا، وهي حاسمة في تأسيس حركة تحرر وطني عربية، تمنع التفتيت وتأخذ على عاتقها طموحاتِ شعبنا في التحرير، وفي التحرر الاجتماعي والرفاهية.
وقد أثبتت نهاياتُ القرن الماضي وبداياتُ القرن الحالي، أن القدرة على التغيير في أي بلد عربي مرتبطة بالمُناخِ الديمقراطيّ التحرري العام وتوافره في المنطقة.
أيها الرفاق،
إن نضالاتِ حزبنا وشعبنا في لبنانِ أثبتت هذه الحقيقة، إذ انخرط الشيوعيون واليسار في معركة التحرير عبر إطلاق المقاومة، واستطاعوا في البدء تحرير معظم أرضنا، ثم تابعوا مع المقاومة بشكلها الراهن(المقاومة الاسلامية) إنجاز التحرير في أيّار 2000, ولكن كل ذلك لم يتحول ليشكل - كما هو منطق الأمور- رافعةً للتغيير في الداخل ولتحقيق الرفاهية والتقدم لشعبنا، فبقي هذا الشعب ينوء تحت ثقل الأعباء التي يتركها النظام الأقتصادي التابع للرأسمال العالميّ كما بقيت الخدمات غائبة والقمع حاضراً بوجهيه، ونظام التحاصص هو السائد. وكلما خضنا ومعنا قوى سياسية ونقابية مختلفة، المعاركَ الاجتماعية والسياسية، عبر حراكات نقابية وشبابية متتالية، انبرى النظام، ليستنفر قوته الداخلية المتمثلة بالنظام الطائفي نفسه، وقوّته الإقليمية المتمثلة في الإطار الأقليمي والدولي المحتضن لهذا النظام.
وهذا ما جعلنا نطرح، في إطار التحضير للمؤتمر الوطني الحادي عشر، سؤالاً عن امكانية التغييير في بلدنا بمعزل عن حالة اقليمية ديمقراطية وطنية ومقاومة في العالم العربي.
ونعتقد أن هذا الأمر ينطبق على كل العالم العربي.
نحن لا نبغي من خلال هذا الطرح، تقديمَ اقتراح غير واقعي وغير موضوعي وبالتالي غير ثوري راهناً. بمعنى آخر لا نبغي تشكيل إطار حزبي موحد لليسار. ولكننا نؤكد حتماً أن مستوى العلاقة والتنسيق الراهنة لم تعد قادرة على تأمين دور فاعل ومستقل لنا، في مواجهة المخططات العادية، وفي تحقيق طموحات شعوبنا بالتحرر والتغيير الديمقراطي.
إننا مدعوون في خلال هذا اللقاء، للاتفاق على العناوين التي تشكل معيارَ انتمائنا الموحد على المستوى السياسي. وعلى أساسها يجري تحديدُ الإطار التنظيمي الملائم الذي يدفعنا خطوة على طريق تأسيس جديد، لحركة التحرر الوطني العربية، بهويتها التقدمية والمقاومة.
طبعاً لا بد من أن نأخذ بعين الاعتبار، الوقائعَ التي خلّفها التقسيمُ الامبرياليّ الأول، أي سايكس- بيكو الأول. ولكن البقاءَ أسرى هذه الوقائع يجعلنا حتماً عاجزين عن المساهمة في مواجهة مشروع سايكس – بيكو الثاني.
إنها عناوين بسيطة وحاسمة،
الأول: جوهر هذا المشروع التحرري هو قضية فلسطين وشعبها. وببساطة حقُّ هذا الشعب بدولته، دولةِ فلسطين وعاصمتُها القدس، وحقُّه بالعودة إلى أرضه، كلِّ أرضه. ولذلك علينا الدعوة لإسقاط كل أنواع الاتفاقات التي ترعاها أميركا، ولا سيّما أوسلو، وكذلك دعمُ الانتفاضة الشعبية وكلِّ أشكالِ المقاومة.
الثاني: استرجاعُ الثرواتِ العربية، من نهبها في الخارج وممن امن شروط هذا النهب من الأنظمة الرجعية العربية. وهذا الشعار يترابط مع شرط التنمية الاقتصادية الاجتماعية، التي تؤسس لتكامل اقتصادي حقيقي يضع أسساً ديمقراطية للتكامل السياسيِّ بين دولنا وشعوبنا.
الثالث: دعمُ الحراك، في كل بلد وعلى المستوى العام، من أجل بناء دولٍ ديمقراطيةٍ علمانية مقاومة كهدف أساسيّ لكل منا ولنا مجتمعين، دولٍ ديمقراطية تؤمن الحقوق الديمقراطيةَ لكل الشعب بتنوعه الثقافي والحضاري.
الرابع: دعم نضالات الفئات الاجتماعية من أجل حقوقها في مواجهة النهب الرأسمالي المحلي والعالمي.
على أساس هذه العناوين نطرح الموقف من كل القضايا المتفجرة اليوم والتي قد تصادفنا غداً، نتيجة المشروع الأميركي في المنطقة ومنها:
1- موقفٌ واضحٌ من الحركاتِ الإرهابية واعتبارها خطراً يساوي ويستكمل الخطرَ الصهيوني. والانخراطُ في مواجهة هذين الخطرين، بكل الوسائل والأشكال وعلى المستويات المختلفة.
2- اعتبارُ أيِّ حل في سوريا، يجب أن يكون على قاعدة:
- وحدةِ سوريا، أرضاً وشعباً وجيشاً ودولة.
- حوارٍ سياسيٍّ لسوريا الديمقراطية العلمانية الموحدة والمقاوِمة.
- تحريرِ المناطق السورية المحتلة من العدو الصهيوني.
- إعادةِ بناء سوريا، على قاعدة بناء الاقتصاد الوطني وتأمين شروط الرعاية الاجتماعية لأبنائها، بدءاً من عودة المهجرين إليها.
3- دعوةُ كل القوى اليمنية الديمقراطية، لتشكيل إطار وطني ديمقراطي يتصدى للعدوان الخارجيّ من جهة ويشكل بديلاً من الأشكال القبلية وما قبل الوطنية من الصراع، ويواجه الإرهاب ويؤسس لحل على قاعدة ديمقراطية تأخذ بعين الاعتبار وحدة اليمن وتنوعها.
4- دعم الأهداف التي أسست للحراك الشعبي في العراق، من أجل عراق موحد سيّدٍ ومستقل وديمقراطي يحمي التنوعَ المتفاعلَ داخلَه، ويمنعُ الفسادَ والسرقة السائدة على مستوى السلطة.
5- التصدي لعملية النهب الشامل الذي تتعرض له ليبيا بالترافق مع سياسة تفتيتها وتعميم الحرب الأهلية فيها.
لقد أكدتُ على القضايا الملتهبة حالياً دون إهمال القضايا الأخرى التي لا تقل أهمية، ومنها دعمُ شعبِ مصرِ وشبابها، من أجل استكمال أهداف انتفاضتها، وكذلك دعمُ شعوب الخليج من أجل الخلاص من أنظمة الاستبداد والتبعية، ودعمُ الشعب اللبناني ومقاومته ضد العدو الاسرائيلي والارهاب، ومن أجل التغيير الديمقراطي وأهدافِ الحَراك الشعبي والاجتماعي الهادف إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية، دولةِ الرعايةِ الاجتماعية.
وكذلك الأمر، في قضايا شعوب المغرب العربي، أرضِ الانتفاضةِ الشعبية الأولى، انتفاضةِ تونس، وطروحاتها في الاستقلال والعدالة والتنمية والتطور الديمقراطي، وفي دعم الشعب السوداني، في معركته من أجل إزالة نظام القمع، ولتحقيق المجتمع الديمقراطي والعدالة الاجتماعية.
الرفاقُ الأعزاء،
ليكن لقاؤنا السابع، لقاء تأسيسياً لإطار أكثر ثباتاً وتنظيماً وتنسيقاً، يرتكز على ما حققناه ولا يقع فريسةَ الرتابة والاكتفاء المؤديين حكماً إلى الإحباط.
بيروت في 09/01/2016