في ذكرى تأسيسه، الحزب الذي يستولد ذاته من قضايا شعبه
خالد حدادة
الحوار المتمدن
-
العدد: 4959 - 2015 / 10 / 18 - 10:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس من باب التخيل، رؤية طيف فؤاد الشمالي ويوسف ابراهيم يزبك، حاملين يافطات تطالب بحق العامل والفقير، ويهتفان بالحرية والديمقراطية والمساواة، بين شباب الحراك. وفي الموكب الآتي من برج حمود، تلتمع صورة أرتين، محمولاً على الأكتاف يهتف باللغة الأرمنية مطالباً بحقوق عمال الميكانيك والمدابغ....
وكذلك يوسف الحايك، يشبك يده بيد وردة بطرس ونعيم درويش يسألون عن مصير عمال غندور ومزارعي التبغ وأحوال عائلاتهم. كما انهم لم يترددوا بالسؤال عن أحوال الصناعة والزراعة، التي لم يروا لها أثراً يذكر في البلد اليوم. وطبعاً هم صعقوا بأحد الصعاليك الذين دمروا الاقتصاد الوطني وحولوه رهينة في يد الشركات العقارية وأصحاب المصارف، صعقوا بنقولا الشماس، يتحدث عن ماركس والشيوعية وهو لا رصيد عنده في ميدان الفكر والعلم والعقل، إلاّ ترداد ما تم تلقينه اياه بواسطة الأموال التي ورثها عن والده وتلك التي ساهم في نهبها وتراكمها مع شركاته من مال وعرق اللبنانيين وفقرائهم من أبناء "ابو رخوصة".
وفي الحراك أيضاً أطياف شهداء لبنان، وفي مقدمهم فرج الله وجورج، ينظران باتجاه فلسطين، فرحين بحجارة أطفالها، فتيانها وفتياتها، يخيفون بالأبيض من السلاح، ترسانة الولايات المتحدة والدولة الصهيونية ويسخرون من عالم عربي، من ملوك ورؤساء، يدعون لإجتماع بعد شهر من الإنتفاضة ويتلهون في مواجهة "التدخل الروسي على إرهاب ادعوا هم وحلفاؤهم محاربته، ففلسطين في عرف هؤلاء انتهت ومرحلة البحث بتحالف دولي يكونون فيه إلى جانب نتنياهو قد قطعت أشواطاً كثيرة.
ينظر فرج الله وجورج، إلى أطفال فلسطين، كما إلى شابات وشباب لبنان مجددين الأمل بمرحلة جديدة من النهوض الشعبي، تستعيد معه قضية فلسطين نقاوتها وجوهرها، وتعود القضية معها إلى أبنائها، في كل فلسطين، المحتلة عام 48 والضفة والقطاع. يضغط الأطفال أولاً على قيادتهم الفلسطينية، لترك كل أنواع المراهنة على عدو يقتل الأجنة الفلسطينية لأنه يخشاها ومن أجل قيادة موحدة تتجاوز البلدية والإمارة من أجل استعادة قضية العودة والدولة بجوهرها الحقيقي.
وفي لبنان، يتجدد الأمل، بأن يشكل هذا الجيل، عنواناً لمشروع قديم جذوره في العام 1924 وخطواته استشهد على طريقها فرج الله وجورج من أجل أن يكون في هذا الساحل حركة وطنية عربية من نوع جديد...
إنه الحزب، الذي تأسس عام 1924 ويتأسس ويستولد نفسه في كل مرحلة تستدعي وجوده، كحالة تقدمية عربية مقاومة. كحالة تمثل فقراء لبنان ومنتجيه ومثقفيه، نساءه وشبابه، عماله ومزارعيه معلميه وطلابه، إنه الحزب الذي يتأسس ويستولد نفسه أمام كل تحد خارجي أو داخلي، أدوات تجديده من الداخل، تغتني بقضايا الوطن والشعب وتنشأ و"تتفولذ" في المعارك الفعلية التي تستدعيها مصلحة هذا الوطن والشعب.
واليوم، في مرحلة عربية تستدعي مواجهة عربية شاملة، لمشروع أميركي محمول ومدعوم من الرجعية العربية، في مرحلة يعيد فيها دم أطفال فلسطين بريق قضيتهم التي حاول ملوك النفط إزالتها من الوجود، خدمة للمشروع الأميركي إياه، في مرحلة يعيد فيها شباب لبنان النبض لإمكانية بناء دولة مدنية ديمقراطية، على انقاض سلطة نهبت المال العام ودمرت المؤسسات وعممت الفساد وأغرقت البلاد في العتمة وفي رائحة النفايات، دولة المحاصصة التي استنفدت قدرتها على التحاصص، في هذه المرحلة، هو الحزب أمام تحدي استيلاد نفسه من داخل المعركة ومعها. انها الذكرى الواحدة والتسعون، ذكرى الإستيلاد الجديد...
* * *
وفي هذا الإطار، ومن أواليات الإستيلاد، بدون الحاجة إلى قابلة خارجية، تأتي مهمة تطوير بعض الثوابت والمبادئ. ومنها بشكل خاص مقولة "النقد الذاتي" التي تستدعي التطور للوصول إلى فعل "التقويم الذاتي" الذي يتضمن إضافة إلى النقد، القدرة على تقويم المرحلة وظروفها، وبشكل خاص تستدعي إيجاد الحافز على الاستمرار.
تحدثنا سابقاً عن ظروف الحراك الشعبي ومبررات دعمنا وانخراطنا فيه. فالبلد في ظل سلطة فاشلة في كل مؤسساتها. استنفدت قدراتها على النهب للمال العام والأملاك العامة.
واستنفذت بشكل خاص قدراتها على المساومة، الضعيفة أصلاً، في غياب الراعي الخارجي العاجز عن التدخل أو غير الراغب فيه في المرحلة الراهنة. والمثال على العجز، في صلب القضية التي أخذ الحراك منها شعاره المطلبي، أي قضية النفايات. فالدولة بحكم تكوينها عاجزة عن تنفيذ خطتها التي اعتمدتها مع اضطرارها إلى إلغاء المناقصات بفعل التحرك الشعبي. وعبثاً محاولة السلطة وأطرافها، تحميل مسؤولية استمرار الأزمة، للحراك. فالدولة بحكم تكوينها عاجزة عن تأمين قواعد الحل لهذه الأزمة. عاجزة حكومتها عن الاجتماع لإقرار المراسيم الضرورية لتنفيذ الخطة وبشكل خاص ما يتعلق بأموال البلديات المنهوبة لصالح "سوكلين"، عاجزة عن محاسبة الفاسدين في هذه القضية، معطلة فعل القضاء في هذا الإطار.
وكما النفايات، كذلك الكهرباء، يتقاذفون المسؤولية عن الفساد فيها الذي راكم النهب حتى وصل إلى أكثر من 20 مليار دولار كانت كافية لكهربة الصين. ويمنع القضاء مجدداً من استدعاء من تقاذف التهم بالهدر والسرقة والفساد. فالنواب كانوا أشد وأقسى على أنفسهم من الحراك نفسه وهم بذلك صادقون.
وحتى لا نستفيض، ليس هنالك قطاع، من قضية النفط، إلى المياه، إلى الاتصالات إلى تلزيمات الأشغال العامة، إلى الجمارك إلى ... إلى.... إلاّ ويتحمل الشعب التبعات، عاملاً ومواطناً ومعلماً ومستأجراً ومعطلاً عن العمل.
والفساد يصل أو ينطلق من الرأس المعطل، فلا حكومة ولا مجلس ولا رئيس، واليوم يدفعون القضاء ليكون جزءاً، عبر استكمال تنفيذ القمع الأمني للتحرك بواسطة القضاء والذي يزداد خضوعه للتوجيه والقرار السياسي. وليس غريباً أن يستنفر أطراف السلطة ويتوحدون، رغم اختلافاتهم، على قمع الحراك. فخلافاتهم حتى الآن هي على قيمة الحصة وليس مبدأ التحاصص الطائفي في تكوين السلطة. ولذلك ومن حيث المنطق الشكلي ذاته فإن مسارعة الأبواق والأزلام من كل الأطراف إلى حملة موجهة ضد الحراك واتهامه بالإعتداء على الأملاك العامة وبالشغب ليس مستغرباً. ولا يستفزنا في هذا المجال اتهام حزبنا، بإنتمائه للحراك، فهذا الإتهام بالذات هو صحيح ونعتز به، ونفتخر بكوننا جزءاً من الحراك وداعمين له ونفتخر أيضاً بأننا لسنا الوحيدين، ولسنا القوة الأكبر لا نحن ولا غيرنا، فالشعب اللبناني بمعظمه معني بالحراك ونتائجه.
في كل التظاهرات، في العالم "المتحضر" الذي يتلطى خلفه "النواعم" من أبناء السلطة تجري حوادث أكبر بكثير من صورة هذا "المعلم الحضاري والمقدس" الذي صوروه أي الفندق الذي تضررت بعض بلاطاته وزجاجه.
لو كان التحطيم، قد طال مواقع وأبنية بعيدة عن ساحة "الصدام" أو بالأحرى ساحة القمع الذي أخذت به السلطة قراراً، لكان طبيعياً اتهام بعض الحراك بالشغب، أما أن الضرر الطفيف قد لحق ببناء كان بمثابة متراس يحتمي به المتظاهرون من القنابل والرصاص. المطاطي وخراطيم المياه، فهذا يستدعي الضحك والاستهزاء، ومن جهة أخرى ما يستدعي توجيه تحية لشباب الحراك الذين لم يطالوا أي بناء في المنطقة المحيطة التي كانت ملكاً للشعب ومعلماً حضارياً لبيروت وأصبحت ملكاً خاصاً جرى نهبه منذ التسعينات.
ولم يسأل هؤلاء جميعاً عن عشرات الجرحى وعشرات المعتقلين، الذين تم التعامل معهم بحقد السلطة السياسية التي باتت تخشى أبناءها وتخشى مجموعة الشابات والشباب الذين يتحركون لإنقاذ الوطن.
إن هذه الظروف جميعها، تستدعي الإستمرار في الحراك وتجعل الاستمرار مهمة كل اللبنانيين التواقين لبناء دولة مدنية ديمقراطية، دولة للرعاية الاجتماعية. وبما أن هذه السلطة، أثبتت عجزها عن حل المشكلات المطلبية التي كانت شعاراً دافعاً للتحرك، وهي عاجزة بالفعل، بحكم شلل مؤسساتها جميعاً بما في ذلك الخطر الذي بدأ يتهدد الأجهزة الأمنية نفسها، فلا بد للحراك من أن يخطو خطوة أوسع للخروج هو أيضاً من خطر الوقوع في الرتابة وفي ساحة يختارها أطراف السلطة أنفسهم...
الخطوة المطلوبة من الحراك، تطال الشعار أولاً، وهنا تصبح قضية تكوين الدولة المدنية، عبر أولوية قانون للانتخابات على أساس النسبية وخارج القيد الطائفي، والدائرة الواحدة، مدخلاً إجبارياً لتجاوز الأزمة من جانبها السياسي وصولاً للكهرباء والمياه والنفايات.
وعلى قاعدة الشعار أيضاً تأتي أهمية مراجعة شكل العلاقة بين مكونات الحراك وأطرافه وإطار التنسيق بينها. وكذلك شكل التحركات.
* * *
الخارج مشغول عنهم، سيزدادون حقداً وتآمراً، الفرصة متاحة وظروف الحراك مؤاتية والإستمرار ضرورة. علينا جميعاً تقويم الحراك من داخله وفي حركته وليس خارجه...