من - النداء- إلى الوطن المحاصر بنظامه الطائفي
خالد حدادة
الحوار المتمدن
-
العدد: 5053 - 2016 / 1 / 23 - 15:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مثل هذا اليوم، تحضر "النداء". تلك الصحيفة التي اختزنت تاريخ هذا البلد الحقيقي، تاريخ فقرائه، تاريخ مقاومته، تاريخ كل الكادحين فيه ونضالاتهم. اختزنت النداء، تاريخ القرى المنسية في لبنان، لم يزرها أحد إلاّ لجمع الأصوات وزارتها النداء، لتغطي جمالها، عذريتها، حاجتها للتنمية والتقدم وحاجة أبنائها للصحة والتربية.
اختزنت تاريخ السيادة الوطنية، تاريخ المقاومة العربية وبشكل خاص مقاومة شعب فلسطين من أجل حقوقه في العودة والدولة الوطنية الواحدة.
وبالخاص، بالنسبة لي، ولأي تقدمي وشيوعي في لبنان، اختزنت تاريخي. في أيام الاحتلال الصهيوني، والسلطة اللبنانية التابعة له. في أيام المقاومة الأولى ونحن في سكن غير معروف. كانت تتسلل الينا، بيضاء أغلب الأحيان مثلها مثل "السفير". نحبها وهي "بيضاء"، نجلس أمامها قارئين ما وراء الأبيض، نستعيد كلمات حسين مروة في حديثه عن انتفاضة الأطفال، انتفاضة برجا الأولى. ومحاولين ترجمة الأبيض بما يكتبه خليل الدبس وسهيل طويله أو ربما نرى من وراء الأبيض ذاته تصريحاً لجورج حاوي.
لم يمنعها الرقيب من أن تنقل لنا، لكل الشيوعيين، نهج المقاومة وأخبارها وروح التحرير، كنا نتلمسه حتى بالأخبار التي "يقصر" بحقها مقص الرقابة. نحاول تلمسه في أخبار الفن والرياضة.
هي الآن، في مرحلة أخرى، مرحلة "الكمون" الذي يمنعه الواقع والأمكانيات من الانطلاق. تواكب بتواضع ولكن بوضوح. ما زالت تحتفظ بصلابة المقاوم وانحياز المناضل من أجل حقوق الفقراء في بلدنا. ما زالت تحتضن ولو بيدين ضعيفتين وقبلات متواضعة تمتد لأسبوعين، تحتضن قضايا الصحة والتعليم الرسمي والجامعة الوطنية والتنمية والبيئة ودائماً شعب فلسطين. نتمنى أن نعمل جميعاً هذا العام، لتعود النداء ولو بالتدريج من ذاكرتنا الى الواقع.
تحية لها في عيدها وتحية لمن يمسك بإمكانيات ضعيفة بيديها من أجل البقاء....
* * *
وفي هذا الوقت، تستمر رقصة "زعماء البلد" على جثة نظامهم، محاولين استحضار الأرواح لأنقاذه، ممارسين لكل الشعوذات، بما فيها "تزويج الذكر للذكر"... كل شيء مباح.. لا حدود للتنازلات. ليس مهماً أن يكون رجل السعودية الأول هو من يرشح "ابن الخط"... ولا هم ان يستعرض حكيم آذار طروحاته الإمبراطورية، ليتوج بما يقارب الإذلال، شيخاً طامحاً لوظيفة الرئيس ولو تحت يافطة الحفاظ على الطائف. سيما وأن رفض الطائف كان دائماً مصدر مباهاة الشيخ التغييري.
سيفسرها البعض، بانها انتصار لقوى 8 آذار التي أصبح التنافس الرئاسي محصوراً بين مرشحيها. وبعض آخر بأنها استعادة لقوة المسيحيين ووحدتهم. وبعض ثالث "خبيث"، سيقول ان قوى 14 آذار تحتفل على أبواب عيد الفصح، فيفاقس سمير جعجع رأس عون، برأس فرنجية الذي يحمله سعد الحريري. والرأسان في هذه الوضعية، سيكونا ملك من يحملهما كما بيض الفصح.
إنها ليست كل هذه الاحتمالات. هي رقص فوق جثة وطن يحتضر هي رقصة فوق نظام ما زال يتمتع بقوة نحر الوطن لخدمة مكوناته، زعامات وحركات طوائف. نظام يختلف أربابه على الحصص. ويتفقون على إبقاء النفايات تملأ الشوارع. الفساد ينخر كل شيء، من صحة المواطن إلى سكنه إلى جامعته ومدرسته، ومؤخراً قضاءه، الذي وبفعل السوس السياسي داخله، أطلق سراح ميشال سماحة والعميل الإسرائيلي العلم بينما يتبختر القضاء وقوى الأمن فيه على شباب، انتفضوا من أجل الشعب والوطن.
يتصارعون بالناس، وهم يعرفون جميعهم بأنهم ليسوا مستقلين وقرارهم ليس بيدهم، بل بيد الخارج. يتباهون بانهم ينتظرون المفاوضات السعودية الإيرانية، بعد أن أصبحت ممكنة على ضوء الاتفاق الأميركي ـ الإيراني، يتباهون بأنهم ينتظرون الحل من طهران والرياض...
سيرقصون طويلاً... لأن الحل في سوريا ليس قريباً إلى الحد الذي يجعل قدرتهم على انتخاب رئيس أصبحت كافية.
* * *
والأسوأ في كل هذه الحركة السياسية، هو محاولة إنقاذ النظام عبر الإصرار على الطائف. وكأن ربع قرن من القهر والظلم والفراغ والسرقة والفساد، لم تكن كافية. كأنهم يريدون مجدداً وضع أسس حرب أهلية جديدة يتقاتلون فيها بالفقراء، لاستعادة أسس محاصصة جديدة "تطور" اتفاق الطائف. وذلك كله تحت شعار "وحدة الطوائف"، كمقدمة لوحدة الوطن.
إن تاريخنا أثبت، أن "حقوق الطوائف" لم تكن يوماً إلاّ على حساب المواطن وعلى حساب الوطن، الذي تسلب حقوقه، وحقوق المواطن، لصالح زعامات الطوائف ونساءهم وأبناءهم وعائلاتهم وأزلامهم. فيصبح دون سكن، ودون ضمانات إجتماعية ووظيفته مهددة وتعليمه الرسمي منحدر.
على حساب الوطن، لأن كل محاولة من هذه المحاولات، كانت تستلزم حرباً أهلية، هي مستمرة اليوم، لا تهدأ إلاّ في عاصمة خارجية وعلى أساس اتفاق إقليمي ودولي.
وهل من يطالب باستعادة حقوق المسيحيين اليوم، على قاعدة ثنائية تتماهى بالثنائية الشيعية وأحادية السنة والدروز، يعتقد بأن أبناء المناطق الأخرى قد وصلت لهم حقوقهم؟
من قال لهؤلاء، أن أبناء الجنوب والبقاع، سعداء بثنائية (حزب الله ـ أمل) وهي الثنائية التي إذا استثنينا المقاومة منها، لم تفعل إلاّ فرض نمط حياة على أهالي هاتين المنطقتين واغتصبت الحقوق المشروعة للمواطن. ومن جهة أخرى من قال لهم ان ابناء هذه المناطق "سعداء"، وخانعون، راجعوا الانتخابات البلدية وراجعوا التحركات الشعبية في هذه المناطق.
ومن قال لهؤلاء أيضاً ان أهالي الجبل سعداء بأحادية "جنبلاط". هل هم سعداء بحالة القمع المقنع التي يمارسها، وهل هم سعداء بمطمر الناعمة ومعمل سبلين والمشاريع الأخرى.
وبشكل خاص، من قال لهؤلاء أن أهالي بيروت وطرابلس، سعداء بأحادية سيطرة المستقبل وتفرعاته وهي احادية وهمية على كل حال. هل ان هذه الأُحادية وفت بتعهدات الحريري لعكار وطرابلس والإقليم وصيدا والبقاع الأوسط والغربي؟
إن الشعب اللبناني، وفي مجالات عديدة عبر عن رفضه لهذه الثنائيات والاحاديات ولحكومتهم ونظامهم الفدرالي الطائفي. لنظام المحاصصة. صحيح ان التحركات لم تؤد إلى نتيجة حاسمة بنتيجة "قوة النظام" والظروف الإقليمية والمحلية وضعف القوى الديمقراطية، ولكنها أثبتت أن الشعب اللبناني يرفض هذا الواقع بما فيه جماهير الثنائيات والاحاديات. والخطير اليوم، هو اقتران بناء الثنائيات داخل كل طائفة، مع بناء الثنائيات الطائفية، أي بتكرار سياسية العزل الطائفي التي انتجت ما أنتجت من حروب في بلادنا.
واليوم، نحن أمام تحد جديد، يتمثل برفض محاولات تجديد النظام على حساب الوطن والشعب. أمام تحدي رفض المسرحيات، سواء تلك التي جرت في باريس أو على المسرح الإمبراطوري في معراب.
إننا مجدداً أمام ضرورة، العمل من أجل الدولة المدنية الديمقراطية دولة الرعاية الاجتماعية، التي وحدها تعيد حقوق المواطنين كل المواطنين.
المدخل الوحيد، إعادة تكوين السلطة باتجاه انتخابات ديمقراطية، تشكل مدخلاً لبناء الدولة المدنية الديمقراطية والمقاومة. عبر انتخابات على أساس نسبي وخارج القيد الطائفي وعلى أساس الدائرة الوطنية الواحدة، ليشكل الإطار المنتخب، مجلساً تأسيسياً، إنقاذياً للوطن يصيغ دستوراً جديداً ويؤمن حماية حقيقية للوطن والمواطن.
وعلى الطريق، نحن أمام تحد جديد، ندعو شباب لبنان وديمقراطيه من أجل إعطائه الأولوية. إن انتخاب بلدية اليوم أهم بكثير من مسرحيات انتخابات الرئاسة أو بذل جهد لإحياء الحكومة أو إنقاذ مجلس نيابي مهترئ ومجمد.
إن شعبنا مدعو للمحافظة على حقه بهذه الانتخابات واستباق محاولة إلحاقها بالمؤسسات الأخرى، كمدخل لمصادرة دورها في التنمية وللتحاصص على حسابها وحساب أبناء المدن والقرى، ومدعو أيضاً لاستعادة حقوق البلديات وأموالها المغتصبة، تحت شعار مشاريع وهمية ومشبوهة وأقله عاجزة عن حل مشكلة النفايات وغيرها من المشاكل.
وعندما نقول شعبنا، نقول أحزابنا وقوانا الديمقراطية، التي عليها المبادرة بهذا الإتجاه.
.