المشروع العروبي التقدمي


خالد حدادة
الحوار المتمدن - العدد: 4904 - 2015 / 8 / 22 - 02:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


بدون الوقوع في إطار مبالغتين، حول الاتفاق النووي الإيراني ـ الغربي، ودوره في حل موازين القوى، لا بد من التأكيد على أن نجاح إيران والدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية في اقرار الاتفاق ومن ثم في تأمين شروط إبرامه في المؤسسات الشرعية في كلا الدولتين وفي الأمم المتحدة لن يمر مرور الكرام في إطار أحداث المنطقة.

نظرة سريعة إلى أحداث المنطقة المتفرقة ـ المترابطة، تؤكد هذه الواقعة في النظرة لتأثير الاتفاق. فالتأثير، أقله في المدى المنظور، لن يكون تأثيراً ايجابياً بمعنى التهدئة أو الدخول في بوابة الحلول. بل على العكس من ذلك فإن التأثير المباشر والسريع (السريع الذي قد يمتد الى سنوات) هو التصعيد على مختلف الجبهات وإعادة رسم المواقع، والمحادثات والمؤتمرات لن تكون الحاسمة في تحديد آفاق الحلول أو في الوقائع أقله في الوقت الراهن.

ففي العراق، يزداد التوتر المتعدد والجبهات. على جبهة حكومة العبادي، مع من يسميهم هو قوى الفساد التي حكمت العراق في الفترة السابقة وساهمت في تعميق الخلافات والتفتيت المذهبي والعرقي، لمصلحة تحاصص يكاد يشبه في طبيعته المرض السرطاني للبنان. وكردستان أيضاً تغرق في الصدام بين من يدعو الى تقسيم العراق وانفصال الإقليم ومن يدعو إلى الحكم الذاتي المعزز في ظل الوحدة الوطنية العراقية، وما يتفرع عن هذا الصدام من تأثير للمجزرة التي يرتكبها نظام أردوغان بحق الأكراد في سوريا وتركيا والعراق، وبشكل خاص ضد حزب العمال الكردستاني ومناضليه. والبارز هنا هو النقاش في دور رئيس الإقليم، لجهة التغطية على هذه المجزرة أو على الأقل السكوت عنها. وفي هذا الإطار أيضاً الصدام بين الفصائل الحاكمة في العراق وبين الحراك الشعبي لمواجهة الفساد في الإدارة والحكم والذي أضطر معه العبادي إلى أخذ إجراءاته الأخيرة.

وفي اليمن أيضاً، تتسارع الأمور، ليس باتجاه استعادة وحدة اليمن. وعوض ان يدفع العدوان الأميركي ـ السعودي، لوحدة اليمنيين في مواجهته، شكلت طبيعة القوى المواجهة لهذا العدوان، أحد أسباب التطورات الحالية التي أدت واقعياً الى عودة الانقسام اليمني الى شمال وجنوب، بعد ان تعامل الجنوب (بمعظمه) مع الحوثيين وعلي عبدالله صالح كمحتلين لمناطقهم وهذا مفهوم بإطار الواقع التاريخي للصراع في اليمن، وهذا ما تم التحذير منه مباشرة أو غير مباشرة من قوى يمنية وطنية معادية للعدوان السعودي، ومن خارج اليمن...

وفي سوريا، يتأخر "الحوار" بإنتظار انتهاء معارك تثبيت موازين القوى العسكرية، أو تغييرها، سواء أتت من خارج سوريا أو من داخلها. فالشمال السوري يتعرض لمؤامرة خطيرة لا يمكن تسميتها إلاّ باحتلال عثماني جديد وبحجج مختلفة. وتستهدف هذه المؤامرة بالإضافة الى التأثير في الوضع السوري، العمل على ضرب النهوض الكردي ودوره والى تغيير موازين القوى داخل تركيا نفسها، بإستعادة روح الإنقسام التركي ـ الكردي وإعادة توحيد الأتراك تحت شعار التصدي للخطر الكردي مما يجعلنا نستذكر بألم، صور المجازر التي ارتكبت ضد الأرمن في القرن الماضي واستعادتها اليوم ضد الأكراد وضد الشعب التركي نفسه. وكما في الشمال كذلك في الوسط والجنوب تستمر المواجهات المستهدفة ضرب سوريا ومؤسساتها ووحدتها، ويغرق الجميع في وحل المجازر المرتكبة بحق المدنيين، الذين لا تشكل حمايتهم أولوية لا عند النظام ولا عند القوى الإرهابية المعارضة.

أما في لبنان يستمر نظام الانتظار والفساد، في القضاء على مؤسسات الدولة، حتى دولته، فإنتخابات الرئاسة بالإنتظار، والتعيينات الأمنية في الجيش وقوى الأمن أدخلت هذه الأجهزة في البازار السياسي ولعبة التحاصص والتجاذبات مما يهدد دورها ووظيفتها ووحدة بنيتها. والحكومة ومجلس النواب، المعطلين، دخلا بازار التبادل بين النفايات والتعيينات والتشريع....

وشكل اعتقال الإرهابي أحمد الأسير، مناسبة جديدة لإظهار الإنقسام. فرغم الترحيب الجماعي الشكلي، تدخل بعض القوى على خط الضغط للمساومة وتضييع المسؤوليات، وضرب ما تبقى من استقلالية القضاء والأجهزة الأمنية.

طبعاً في كل هذه التطورات، من العراق الى اليمن وسوريا ولبنان لا يغيب طيف السعودية وقطر ومراهناتهما وتمسكهما بخياراتهما المرسومة في إطار المشروع الأميركي نفسه.

في هذه "البانوراما" وحدها فلسطين، القضية والشعب هي المغيبة من الخارج ومن الداخل الفلسطيني المنكفئ والمتصارع بين "الإمارة" و"البلدية" فأطفالها يذبحون وأسراها يضربون عن الطعام والاستيطان يتقدم ضارباً مشروع الدولة المستقلة وحق الشعب الفلسطيني بالعودة.

* * * *

نعم "قوى المواجهة" اليوم بحاجة الى مراجعة نقدية واضحة وصريحة. المراجعة لا تطال حتماً تحديد مكمن الخطورة على بلادنا. فالخطر الأول والثاني والثالث، على شعوبنا هو من المشروع الأميركي، الهادف الى إعادة رسم المنطقة على قاعدة تفتيتها وعلى أساس هدفين مستمرين، نهب ثرواتنا وحماية أمن الكيان الصهيوني وإنهاء قضية فلسطين وضرب حقوق شعبها... والمراجعة لا تطال الحلفاء الإقليميين لهذا المشروع من السعودية ودول الخليج الى تركيا وقوى الإرهاب المدعومة من هؤلاء جميعاً...

ولكن المراجعة يجب ان تطال، المشاريع الأخرى "المواجهة" وقواها وبنية هذه القوى والدور الذي تلعبه ايجاباً في التصدي لهذا المشروع الأميركي في أكثر من مكان وإعاقته، وسلباً لجهة طبيعة المواجهة التي تساهم الى حد كبير في ملاقاة التفتيت والحروب ذات الطابع المذهبي في نقطة ما...

وفي هذا المجال لا بد من المصارحة، بأن تحالف الحوثيين مع علي عبدالله صالح، وانتشارهم على مدى جغرافية اليمن وخاصة في الجنوب لم يلعب دوراً مهماً في مواجهة العدوان ولا في توحيد اليمن، بل على العكس من ذلك.

ولا بد من المصارحة أيضاً بأن "الحشد" في العراق لن يكون في مواجهة التقسيم، حتى ولو حسنت نوايا قيادته العراقية أو الخارجية، بل سيكون مصدر تعبئة تساهم في إضعاف الجيش الوطني، الذي ضرب من حكام العراق وبقرار أميركي واضح، وفي تشجيع دور "قوى الإرهاب" من خلال منطق "الحماية المذهبية" في وجه الميليشيات ذات البنى الطائفية والمذهبية.

والمصارحة تصل الى سوريا، فالشكل الحالي من المواجهة، يؤدي حتماً الى افشال مخطط السيطرة على سوريا وبالتالي سيكون له دور ايجابي في المواجهة ولكن في المقابل فإن هذا الشكل وطريقة تعاطي النظام والقوى الحليفة وبنيتها وغياب منطق المواجهة الوطنية والحوار مع القوى الوطنية في الدولة والمعارضة، سيضع سوريا حتماً أمام خطر التقسيم الواقعي.

ولبنان، الذي عاش منذ أيام، كما في السنوات السابقة، يوماً باهتاً وعيداً فاتراً للنصر فلم يكن، ولا هو اليوم، عيداً وطنياً رغم أهمية وتاريخية الانتصار ودوره في ضرب الدور الوظيفي للكيان الصهيوني. طبعاً طبيعة "مشروع المقاومة" بصيغته الحالية لا يساهم في استكمال هذا الانتصار. إن عزل المقاومة عن مهمة التغيير يسهل جعلها مادة انقسام إضافية في التركيبة الطائفية من جهة، ويلعب دوراً سلبياً في "تأبيد" النظام الطائفي من جهة أخرى.

* * * *

إن استكمال هذه المصارحة، لا بد ان يطال "المشروع الآخر "للمواجهة هذا المشروع الجنيني، الذي لم يأخذ دوره...

إن عدم بلورة مشروع "العروبة التقدمية" المتنوعة، في مواجهة المشروع الأميركي ومخاطره لم يعد مجهول المسؤولية.

إن قوى اليسار بأوجهها المختلفة بما في ذلك مسؤولية القوى القومية، هي أساسية في هذا المجال. فغياب هذه القوى عن المواجهة وتنظيمها يفسح المجال أمام تقدم المشروع المعادي من جهة وتقدم "المواجهات" ذات الطبيعة الدينية والمذهبية من جهة أخرى.

هذا الموضوع سيكون حتماً مجال نقاش لاحق. ولكن لا بد من مصارحة قوى اليسار، بأن "فترة الحمل طالت" وليس حتمياً ان يولد حياً...

*الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني

.