كلمة افتتاح المؤتمر الوطني 11 للحزب الشيوعي اللبناني
خالد حدادة
الحوار المتمدن
-
العدد: 5145 - 2016 / 4 / 27 - 23:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كلمة الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني
الدكتور خالد حدادة في افتتاح المؤتمر الحادي عشر
ممثلو وسائل الاعلام المحترمين
الضيوف الكرام
الرفيقات والرفاق ،
يرتدي المؤتمر الحادي عشر لحزبنا أهمية استثنائية. فهو يأتي في ظروف عالمية وعربية وداخلية لبنانية غاية في الأهمية والخطورة في آن معاً. مرحلة انتقالية خطيرة وطويلة على كل المستويات. وهو الى ذلك يأتي في ظل استمرار أزمته الخاصة بأحد جوانبها والمندمجة مع أزمة البلد في جانب آخر. والتحدي الأساسي أمام المؤتمر وأمام الشيوعيين، كان وسيبقى في الفترة اللاحقة. هو كيف سيواجه هذا الحزب، هذه الأزمات الخطيرة، كيف سيواجه المشروع الأميركي- الصهيوني، كيف سيواجه التحديات على المستوى العربي وعلى مستوى تواطؤ النظام العربي الرسمي بشكل خاص، مع المشروع الأميركي. كيف سيواجه النظام اللبناني المتواطىء بطبيعته مع المشاريع الخارجية والممارس لأقسى درجات القمع الداخلي، السياسي والاقتصادي- الاجتماعي كيف سيمارس الفساد في مواجهة المعمم في أجهزة الدولة ورأسها، كجزء من طبيعة النظام، كيف سيواجه التحدي الاسرائيلي المستمر، والارهاب على الحدود الشرقية، في غياب دولة مقاومة وفي انقسام قوى النظام نفسه حول الموقف من أعداء لبنان، العدو الصهيوني او الارهاب.
كيف سيواجه الحزب والشيوعيون، هذه التحديات الكبيرة، وما يستكملها من أوضاع حزبية داخلية، بما يساعد في ارساء استقلالية قراره المستند الى برنامجه الطبقي الجامع بين القضية الوطنية ومبادىء الصراع الطبقي التي يستمر الحزب معها ممثلاً للطبقة العاملة وللفئات الكادحة التي باتت تشمل كل الشعب اللبناني ما عدا فئة قليلة، يمثلها تحالف اهل النظام مع اصحاب الرأسمال المالي والريعي في البلاد.
أيتها الرفيقات والرفاق،
تشن الامبريالية اليوم ، بهدف الخروج من أزمتها المستعصية والمتفاقمة واستعادة سيطرتها الكاملة على العالم، ومنع القطب الجديد (دول البريكس) من الاستفادة من تلك الأزمة لمزاحمتها على مناطق النفوذ، حروبا عدوانية في كل الاتّجاهات، خاصة في أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرقين الأوسط والأقصى. وقد تجلت خطورة هذه التطورات بصورة مباشرة في عالمنا العربيّ ، سواء من خلال العدوان على ليبيا، وتقسيم السودان والسعي لتفتيت لبنان وسوريا، وإنهاء القضية الفلسطينية بتحويل الكيان الصهيونيّ الى "دولة اليهود في العالم"، أم من خلال مواجهة الانتفاضات والثورات الشعبيّة ضد الأنظمة الديكتاتورية المرتبطة بها، كما جرى ويجري في مصر وتونس، مع السعي، في بعض الأحيان، الى تغيير بعض الأنظمة التي لم تعد مجدية لتنفيذ مخططاتها... كل ذلك تكريسا لمسار مشروع "الشرق الاوسط الجديد" المستند الى دور أساسيّ للسعودية والى ما يسمى بالنموذج التركي (حتى الباكستاني) الذي هو نموذج أنظمة هجينة قائمة على الجمع بين قوّتين: الجيش والقوى السياسيّة الدينيّة.
وتجدر الإشارة، في الوقت عينه، الى أن الانتفاضات والثورات الشعبيّة المستمرة، رغم محاولات القمع والتدجين التي تلجأ اليها القوى المضادة للثورة، بدأت تفرز قوى سياسيّة جديدة، نقيضة للقوى السياسيّة الدينيّة المدعومة امبرياليا، تحمل مضمونا طبقيّا واضحا يتجلى في الدور المتقدم للطبقة العاملة وللأحزاب الجذرية داخلها، كما يتجلّى في المشاريع التي تقدمها والمستندة، في آن معا، الى ضرورات التغيير الديموقراطيّ الجذري على الصعيد الداخليّ، من جهة، والى تطوير المواجهة مع المشاريع الامبرياليّة، السابقة والحالية، ومنها بالتحديد مشروع "الشرق الأوسط الجديد".
وفي السنة الماضية أخذت هذه المواجهات أبعاداً جديدة، من خلال نمو عامل الإرهاب الذي جاء بداية كجزء مكوّن من المشروع الامبرياليّ وكجزء من التعبئة الأصولية (التي تشكلها الأفكار الدينيّة الأصولية وبشكل خاص الوهابية السعودية)، وبدعم ماليّ مباشر من دول الخليج، ولوجستي وعسكري من تركيا والولايات المتحدة الأميركيّة ودول رأسمالية أخرى في أوروبا... علما أن الإرهاب، بأشكاله المختلفة، بدءا من الحركات الدينيّة القديمة العهد وصولا الى الحركة الصهيونيّة وإلى الحركات الإرهابيّة الحديثة، هو النتيجة الحتمية للأزمات الرأسماليّة، وإنْ تطوّرَ أحيانا ليشكل إطار نمو مستقل وخاص .
وفي التطورات المستجدة، تجدر الإشارة أيضاً إلى تطوّر المواجهة بين المحورين العالميّين، من مستوى الإمكان إلى الواقع، عبر الدخول العسكريّ الروسي ، في مواجهة التدخلات السابقة له من الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة، الى تركيا والخليج الى العدوان السعودي المدعوم اميركياً على اليمن وشعبها . وقد تحوّل هذا الدخول، وبغض النظر عن كونه بشكل أساسيّ دفاعا عن مصالح الاتّحاد الروسي ودول البريكس ، الى عامل جدّي أعاد رسم خطوط الصراع في المنطقة، وبالتحديد في سوريا والى حد كبير في العراق ، نظراً لكون ايران لاعباً أساسيّاً في مساحته .
والجديد الواعد على المستوى العربيّ هو الانتفاضة الشعبيّة الفلسطينية التي يعوّل عليها أن تعطي القضية الفلسطينية وموقعها على المستوى العربيّ أبعاداً جديدة. لذا أعلن حزبنا، مع بوادر هذه الانتفاضة، رهانه على دورها في تجديد مشروع المقاومة على المستويين الفلسطيني والعربيّ ، وعلى انبثاق قيادة فلسطينية ميدانية لهذه المقاومة، وعلى بعدها السياسيّ المتمثل باستعادة هوية القضية لتشمل فلسطين كل فلسطين .
لقد واكب الحزب، وم.س بشكل خاص، الانتفاضات الشعبيّة في العالم العربيّ منذ بداياتها . انطلاقا من وعيه ، لحقيقة ان تجاوز الأزمة البنيوية في لبنان لا يمكن ان يحصل إلاّ من خلال جوّ عربيّ تغييري وديموقراطيّ..
في إطار هذا الهم ، اي التكامل و التداخل في عملية التغيير العربيّة واللبنانيّة، ندعو إلى النظر الى نشاط الحزب في اللقاء اليساريّ العربيّ الذي تأسس قبل شهرين على انطلاقة الشرارة الأولى في تونس، انطلاقا من توقعنا لاحتمالات التغيير (بفعل نضوج ظروفه الموضوعيّة وكذلك ترصّد آلاف التحركات الجماهيريّة)؛ كما ندعو كذلك إلى النظر في رؤية الحزب للانتفاضات ومواقفه منها (خاصة في مصر وتونس).
فقد انطلق الحزب في تحديد موقفه، من اعتبار أن ما جرى ويجري في العالم العربيّ يشكّل سيرورة ثوريّة ، متجسدة بانتفاضات قامت كلها بوجه النظام الرسميّ العربيّ السائد. ولذلك فالمهمّ اولاً تحديد الحالة السائدة المطلوب تغييرها وبذلك نستطيع تحديد الاتّجاه العام لهذا التغيير. وهذه القراءة ليست جديدة، بل تضمنتها بيانات م.س منذ الانتفاضة التونسية، فضلا عن العديد من التقارير والتعاميم التي صدرت عن الحزب، أو تلك التي أعدّها الحزب لاجتماعات "اللقاء اليساريّ العربيّ " ... هذه النظرة لاقت معارضة ممن نظروا بسلبية الى الانتفاضات العربيّة، خاصة بعد ما جرى في سوريا، واعتبروها جزءاً من "سايكس – بيكو" الجديد ومن فعل المخابرات الأميركيّة ...
وقد انطلق موقفنا من تحديد طبيعة الأنظمة السائدة، التي تتحمل مسؤوليّة ضياع القضية الفلسطينية والسيادة الوطنيّة. تلك الأنظمة التابعة التي ربطت الاقتصاد الوطنيّ بالنيوليبرالية، واعتمدت بالتالي شروط المؤسسات النقدية الدولية، وتحول الحكام فيها عبر التحالف المثلث (السياسيّ - العسكريّ – الأمنيّ، والبرجوازي المحلي) الى وسطاء للاقتصاد العالميّ... بمن فيهم الأنظمة "القومية" التي كانت في قيادة حركة التحرّر وفقدت تدريجاً الفئات الاجتماعيّة التي أوصلتها الى السلطة، فاختفت "البرجوازية الوطنيّة" ليتحول قسم كبيرمنها من الاقتصاد المنتج الى الاقتصاد الافتراضي... ( واستطراداً، وتبعاً لطرح البعض للجبهات الوطنيّة، لا بدَّ من التذكير بأن "البرجوازية الوطنيّة" أو ما سمّيت كذلك على المستوى الطبقيّ كانت عماداً من أعمدة الجبهات الوطنيّة في العالم العربيّ ).
إن الحركات التي جرت في العالم العربيّ هي حركات تغيير لأنظمة مدانة، وتغيير لتحالف طبقيّ- سياسيّ وأمنيّ، همّش وأفقر وجوّع البشر، وتخلّى عن السيادة ورهَن المنطقة للخارج. إذن فالخلاص منه تقدُّم، والتغيير بهذا المعنى يشكّل عملا ثوريّا...
وهنا يطرح سؤال: بأي اتّجاه سيكون التغيير؟ وأي نظام سيكون البديل؟
الجواب عن مثل هذا السؤال هو أنّ ما جرى في العالم العربيّ حالة ثوريّة بامتياز؛ إنما ليس من الضروريّ أن تؤدي كل حالة ثوريّة حتماً الى الثورة أو الى التغيير... وفي الرد على من يعيب على قيادة الحزب عدم توقّع الثورات، نعيده الى ما قاله لينين نفسه، بصفته منظّرا وقائدا لإحدى أكبر الثورات التي طبعت القرن العشرين بطابعها، بأن "لا أحد يستطيع توقُّع تاريخ الثورة، فلها تعقيداتها ومسارها الخاص"...
لقد حدد حزبنا أيضاً، بوضوح ، مكونات الهجمة المضادة، التي تقودها الولايات المتحدة وتشتمل على ما يسمى أنظمة الاعتدال الإقليمية وقوى وأحزاب الإسلام المعتدل الراعي لرأي الإخوان المسلمين وبعض القوى السلفية) وحددنا في ورقة الحزب المقدمة للكونفرانس، الخطة المضادة، بسلسلة من المحاور التي توقعناها (قبل حزيران 2011) وهي:
أولاً: في البلدان التي نجحت فيها الثورات في تحقيق مهمة إسقاط الرئيس . والعنصر الأساسيّ في هذه الهجمة هو منع استكمال أهداف الثورة، واحتواءها عبر العناصر التي تشكلها قوى الثورة المضادة (بقايا الأنظمة+ القوى الإسلاميّة..).
ثانياً: تشديد عوامل التحرك في البلدان القليلة التي تتمتع بالمواصفات السياسيّة- الاجتماعيّة- الأمنيّة للنظم الديكتاتورية، ولكنها لم تكتسب صفة "الاعتدال" بمضمونها الأميركيّ (سوريا كنموذج وحيد).
ثالثاً: تحصين موقع الدولة الصهيونيّة وتعزيز التواجد العسكريّ المباشر للولايات المتحدة في دول الخليج. وضمن هذا الإطار قمع أية تحركات في إطار الخليج (البحرين والسعودية والكويت).
وفضحنا في هذه الفترة،الأهداف السياسيّة من إبراز القوى الإسلاميّة، وأعلنا عدم خوفنا من سيطرة الإسلاميين في مصر وتونس، وثقتنا بقدرة الجماهير التي انتفضت على إعادة تنظيم انتفاضتها في مواجهة تآمر الإخوان وعجزهم وعجز الحركات الإسلاميّة والدينيّة بشكل عام، على أن تقدم ممارسة ديموقراطيّة أو اقتصاديّة تلبي شروط العدالة الاجتماعيّة وتنمية وتوازن الاقتصاد الوطنيّ وبشكل خاص عجزها عن تلبية شروط السيادة الوطنيّة وعن حمل قضية فلسطين... توقعنا بالتالي المرحلة الثانية من الانتفاضة في تونس ومصر. ومع إعلاننا موقفا واضحاً مؤيداً لطموحات المعارضة الديموقراطيّة السوريّة بدولة مدنيّة ديموقراطيّة، أعلن الحزب ومنذ نيسان 2011 موقفه المدين لممارسة الائتلاف السوريّ واتّجاهه التابع للخطة المضادة وكذلك اتّجاهه لعسكرة الانتفاضة.
وقد رأينا في النموذج السوريّ منذ البداية أنّ المرحلة الانتقاليّة ستكون الأخطر والأكثر دمويّة، انطلاقا من استمرار حالة القمع وتمسك النظام بسياسته تجاه المطالب الشعبيّة الإصلاحيّة، ومن بروز التدخّل الخارجيّ وتسارعه باعتباره عاملا أساسيّا من عوامل الثورة المضادة؛ وهو الأقوى في معادلتها لكونه يدرّب ويسلّح ويموّل ويتدخل مباشرة... وهذا الوضع المستجد لا بدَّ من أن يضغط حتماً على موقف اليسار وموقعه من الداخل والخارج.
وعلى هذا الأساس فإن حزبنا تناول دور اليسار انطلاقا من عدة ثوابت:
الأول: إن تحالف المشروع الأميركي- الصهيونيّ مع الأنظمة الرجعية المنطقة يتحمل مسؤولية أزمة المنطقة والوضع الراهن.
الثاني: إن بعض الأنظمة التي لم تكن جزءاً من هذا المشروع، ولكنها كانت على المستوى ذاته في ممارسة القمع تجاه شعوبها، ولعدم الثقة بهذه الشعوب، تتحمل من موقعها،مسؤوليّة أساسيّة بالمستوى الذي وصلت اليه الأزمة.
الثالث: إن اليسار مستمر في أزمته التي أخذت أبعاداً مثلثه: عالمية، إقليمية ومحلية وفي مستويات مثلثة أيضاً، فكرية سياسيّة وتنظمية في خلال العقود الماضية.
الرابع: إن إمكانيّات القوى السياسيّة الأخرى، في المعارضة التقليدية للأنظمة، ومن قبْل المساومة التاريخية المعلنة في خطاب أوبأما الذي ألقاه في جامعة القاهرة وبشكل خاص القوى الإسلاميّة، هي إمكانات كبيرة مرتكزة على دعم أنظمة الخليج وتركيا، ومرتكزة أساسا على تحالفها مع البرجوازية وبشكل خاص على مصادرتها للثقافة السائدة والفكر الدينيّ السائد والنطق باسمه.
الخامس: رغم ظروف المواجهة الحالية، فاننا نؤكد على ثقتنا بأن مواجهة هذه الهجمة الامبريالية – الصهيونية ، وبشكل خاص مواجهة الارهاب المتلبس لباس الدين، لايمكن ان تكون من المنطق الطائفي والمذهبي ذاته . لان المواجهات ذات الطابع المذهبي والطائفي ، سواء كان ذلك ضمن خطتها او خارجها، تساهم في زيادة قوة الارهاب مستفيدة من التعبئة المذهبية والطائفية المقابلة .
إن هذه الثوابت تؤكد، ان المرحلة الانتقالية التي يمر بها العالم العربيّ ، ستكون حتماً، مرحلة طويلة، قد تتعرض فيها الحالة الثوريّة لنكسات؛ وقد تشهد بلادنا حالة قمع جديدة تكون سمة القوى السياسيّة التي قد تسود بدعم خارجيّ في خلال الفترة المقبلة. وهذا لن يغير أبداً من قناعتنا بأن ما جرى في العالم العربيّ هو حالة تقدّميّة، بل سيضاعف من تطلّعنا تجاه اليسار وخطته، لتجاوز هذه المرحلة باتّجاه المستقبل...". وعلى هذا الأساس وضع الحزب أمامه، بعد مهمة العمل لتكوين اللقاء اليساريّ العربيّ ، مهمة أخرى هي المساعدة في تكوين الأطر اليساريّة المشتركة داخل كل بلد عربيّ.
أيتها الرفيقات والرفاق
أمّا على الصعيد الداخليّ اللبنانيّ فيتفاعل الانقسام الطائفيّ مع انقسام مذهبي قديم مستجد، أساسه طبيعة النظام السياسيّ الطائفيّ المتفاعل مع التطورات التي تعيشها المنطقة منذ العدوان الامبرياليّ على العراق. هذا ال انقسام، كما أشارت الوثيقة السياسيّة للمؤتمر العاشر للحزب، وضع لبنان "على شفير حرب أهليّة، حصلت فعلا، وبأشكال وصيغ جزئية ومؤقتة، في أكثر من مكان ومرحلة، وبين أكثر من طرف وجهة"... وهو يتجدد اليوم على وقع الأزمة التي تعيشها سوريا وتداعياتها الخطيرة على وطننا.
ويمكن القول إن عامل الفتنة المتنقّلة بين المناطق اللبنانيّة، من تلك المحاذية للحدود مع سوريا الى بيروت والجنوب (حيث ينتظر العدو الاسرائيلي الفرصة المناسبة للثأر من الهزائم التي مُنيَ بها منذ العام 1982 بفعل المقاومة الوطنيّة)، والمترافق مع انغماس أطراف الطبقة المسيطرة في الحرب الدائرة في سوريا وفتح أبواب الوطن مشرّعة أمام دخول العوامل الخارجيّة، قد أصبح يهدد وجود لبنان بالأساس... خاصة إذا ما أضفنا اليه انعدام وجود الدولة وطغيان الفساد والإفساد وتفشي الفقر والبطالة في ظل شلل كامل لمؤسسات الدولة وعدم اتخاذ الإجراءات الآيلة الى وضع سياسات اقتصاديّة واجتماعيّة تسهم في التخفيف من وطأة وتأثير الأزمة الرأسماليّة العامة.
وتطورت أزمة النظام، لتعمق شلل المؤسسات، وتجلى ذلك عبر تعطيل الحكومة ومجلس النواب والفراغ الذي قارب السنتين في موقع رئاسة الجمهورية. إنّ الهريان الحاصل في مؤسسات الدولة فاقم من إبراز الدور المباشر للقوى البرجوازية وللرأسمال المالي في القيادة السياسيّة والتصدي لقوى التغيير وبشكل خاص للحَراك الشعبيّ الأخير، حيث تجلى واضحاً تحالف القوى السياسيّة الطائفيّة مع حيتان المال في التفافهم ( العنيف والسلمي) على الحَراك الشعبيّ ، الذي جاء رداً على الفراغ السياسيّ وعلى غياب الخدمات الاجتماعيّة بشكل شبه كامل وصولاً إلى قضيّة النفايات .
إنّ المرحلة الأخيرة شهدت تصاعد سلوك قوى السلطة في مواجهة التحركات الشعبيّة وأبرزها حركة هيئة التنسيق، لوأد أيّ محاولة تخترق حدود المذاهب والطوائف، وتشكل تهديداً حقيقياً لمصالح القوى السياسيّة ولمصلحة حيتان المال، وتلبي الحقوق والطموحات المحقة للفئات الشعبيّة والمحدودة الأجر.
استنادا الى هذه الأسس والظروف، يأخذ تقييم عمل الحزب وقيادته في خلال الفترة الماضية، أهمية استثنائية، سواء من حيث تحديد النجاحات والإخفاقات ومكامن الصواب والخطأ في تنفيذ برنامج الحزب، أم من حيث كون هذا التحديد يسهم في استشراف المرحلة المقبلة بما يساعد على التحضير الأفضل والأفعل لخطة الحزب في المرحلة المقبلة، وتحقيق هدفنا بأن يؤدّي هذا المؤتمر الى دفع الحزب باتّجاه استنهاض جِدّيّ، يجعله يلعب دورا في تطوير حركة اليسار العربيّ ويكون معها قادرا على تلبية تمثيل اليسار لطموحات الحركة الشعبيّة في مسارها الثوريّ المستمر وفي مواجهة المؤامرات التي تستهدف هذه الطموحات وتستهدف دور اليسار والقوى الديموقراطيّة داخل هذه الثورات والانتفاضات.
وعلى هذا الأساس فإننا نرى أن التقييم يجب أن ينطلق من المعايير الآتية:
الاول: استعادة مقررات المؤتمر العاشر على المستويات السياسيّة والتنظيميّة، وإجراء محاسبة نقدية لعمل قيادة الحزب والهيئات المختلفة على قاعدة تلك المهام وكيفية تنفيذها، وأداء الحزب عموما.
الثاني: تحديد التطورات التي استجدّت في الفترة التي تلت المؤتمر العاشر، و شكلت تطورا غير مسبوق أو متوقّع في الوثيقة السياسيّة التي أقرّها (الثورات والانتفاضات الشعبيّة العربيّة كمثال) وأداء الحزب تجاه هذه التطورات وكيفية تعاطيه معها.
الثالث: التمييز بين حالتين، الأولى هي حالة الحزب العامة والناتجة أساسا من تراكم بدأ يحدد مسار التأزم في الحياة الحزبيّة إرتباطا بأزمة البلد العامة وصولا لوضع المنطقة. والثانية هي عمل الحزب والقيادة الحزبيّة، منذ المؤتمر العاشر حتى الآن.
الرابع: وهو معيار أساسيّ يكمن في التدقيق في مفهوم الحزب ودوره، وفي مفهوم العمل الحزبيّ عموما، والعمل القياديّ على وجه الخصوص، وما تعنيه الطواعية في الانتماء للحزب وللوطن. وبهذا المعنى، التدقيق في البعد الطبقيّ لمفهوم الحزب ولدور القيادة الحزبيّة والسلطة الحزبيّة، وذلك ربطا بمفاهيم التنظيم اللينيني وبشكل خاص مفهومي القيادة الجماعية والمركزية الديموقراطيّة.
وعلى أساس هذه المعايير، ناقشت اللجنة المركزية للحزب عملها وعمل الهيئات الحزبيّة والحزب . ووضعت بالتالي مشروع التقييم لعملها في الفترة الفاصلة بين مؤتمرين ، وهو موجود بين ايدي الرفاق، وجرت مناقشته في اجتماعات للمندوبين .
أيتها الرفيقات والرفاق،
تأخر المؤتمر الحزبي عن موعده الطبيعي ثلاث سنوات، ولكن لا بد من ذكر عدة حقائق تظهر ان هذا التأخير جاء بمعظمه بنتاج ظروف موضوعية وبشكل خاص برغبة حقيقية تجلت بعد المجلس العام الأخير، بتوفير شروط حزبية وديمقراطية أفضل لعقد مؤتمر الحزب.
باشرت القيادة الحزبيّة بالإعداد للمؤتمر الوطنيّ الحادي عشر، في الموعد الطبيعيّ له، وأقرّت بدء النقاش السياسيّ والتنظيميّ العام داخل اللجنة المركزيّة كأساس في تشكيل اللجان التحضيرية وصياغة الوثائق.
وبعد هذه الفترة، ساهمت التطورات الأمنيّة الناتجة من أحداث عرسال في تأجيل البدء في البحث عدة أشهر، ومن بعدها أتت مرحلة التفجيرات الإرهابيّة في بيروت والمناطق لتستكمل عملية التأجيل... علما أننا سعينا، رغم التفجيرات إلى متابعة النقاش التحضيريّ مع اضطرارنا إلى تغيير أماكن الاجتماعات؛ ولكن ذلك طبعاً لم يساعد في جعل التحضير يجري في ظروف طبيعية. ثم جاء عقد المجلس العام ليشكّل خطوة جِدِّيّة في محاصرة الأجواء السلبيّة التي سادت، داخل الحزب وفي الإعلام وتركّزت حول نقاش الوضع التنظيميّ خارج الهيئات، وهذا ما نتحمل مسؤوليته جميعاً.
إنّ الخطوات التي أقرتّها اللجنة المركزيّة بعد المجلس العام جاءت لتكرس الجو الإيجابيّ الذي استهدفناه من وراء عقد الكونفرانس. فلقد بادرت القيادة الحزبيّة إلى اقتراح تشكيل اللجان التحضيريّة الثلاث للمؤتمر، وأعطتها مساحة واسعة من حرية العمل، وحرصت على التنوع في تشكيلها.
وعملت اللجنتان السياسيّة والتنظيميّة بكل مكوّناتها بجِدِّيّة في هذا الإطار، وأنتجت قاعدة الوثائق التي وضعت اليوم بتصرف الحزب. والخطوة الثانية التي اصرت عليها القيادة كانت تشكيل مكتب سياسيّ جديد انطلاقا من إصرارها على أن معالجة الأجواء السلبية تكون من خلال تحقيق اقصى قدر من الوحدة في قيادة العمل الحزبيّ،وكذلك من الاستفادة من مجموعة الكادرات المتوفرة في اللجنة المركزية.
إن مشاركة الحزب، عبر قطاع المعلمين والمنظمات الحزبيّة في المناطق، وكذلك عبر الصلات التي قامت بها القيادة الحزبيّة الصلات والمتابعة الحزبيّة اليومية للتحرّك، كانت أساساً في نجاح تحرك هيئة التنسيق، وهي أيضاً كانت أساساً في حملة قوى الطوائف عليها. وفي هذا الإطار يصح القول أن قيادة الحزب وضعت نفسها بتصرف رفاقنا في هيئة التنسيق وكانت كل قراراتها ومواقفها تتخذ وتنفّذ بالتنسيق مع هؤلاء الرفاق..
ولقد واكبت القيادة الحزبيّة، ومعها الحزب كله، حَراك هيئة التنسيق سابقا ومن ثم الحَراك الشعبيّ. بل يمكن القول أن الحزب وقيادته ساهما في التحضير لهذا الحَراك الأخير، وإن لم يكن جائزاً اختصاره بدورنا. ولعبت المنظمات الحزبيّة دوراً في اطلاق أكثر من تحرك وتحقيق اكثر من نجاح، خاصة في إقليم الخرّوب ( تنظيم تحرّك برجا) وبيروت (التحرّك في منطقة الزيتونة) والشحار وعكار. كما ساهمت المنظمات الأخرى (الجنوب والبقاع) في رفد التحرك المركزي. ولولا مساهمة الحزب، لكان الحَراك قد انتهى منذ الأسبوع الأول،
في كل الحالات، يمكن التأكيد، رغم التأخير في تنفيذ وجهة المؤتمر العاشر في التأسيس لحركة ديموقراطيّة نقابية وشعبيّة، ما هو موضوعيّ من اسبابها وما هو ذاتيّ واشرنا له سابقاً، فإنه وبفعل التطورات السياسيّة والنقابية، نستطيع التأكيد أن أسس تنفيذ هذه المهمة بدأت بالتبلور سابقاً من خلال الاعلان عن تحالف الاتّحادات الأربعة المستقلة واتفاقها على تطوير العمل من خلال الاتّحاد الوطنيّ وبعد ذلك من خلال التيار النقابي المستقل في الميدان التربوي ولدى الموظفين. إن هذه التطورات الايجابية تفرض جهداً من قبل كل الرفاق والقطاعات المعنية بهذه الوجهة.
كما ان المرحلة المقبلة واستمرار تعمق أزمة النظام واستمرار الوضع الاقليمي غير القادر على مساعدته يفرضان معالجة جدية للثغرات واتّجاهاً اكثر للتحركات الشعبيّة على قاعدة برنامج يجمع الشعار السياسيّ الأساس بتحقيق الدولة المدنيّة الديموقراطيّة ودولة الرعاية الاجتماعيّة ومدخلها قانون انتخاب نسبي خارج القيد الطائفيّ وعلى أساس الدائرة الواحدة، مع القضايا الاجتماعيّة الملحة.
لقد حقق الحَراك مكتسبات جدية، أهمها إجبار القوى الطائفيّة على أخذ موقع دفاعي تمثل بالإسراع بعقد "طاولة الحوار" وبالدفع الى إنزال "الميليشيات" لمؤازرة القمع الرسميّ؛ كما انه ساهم بشكل أو بآخر في إطلاق "المبادرات" حول موضوع الرئاسة، حتى لا يفلت الوضع من أيدي القوى السياسيّة ذاتها،
إن الحَراك، ليس إطاراً، بل تفاعلا شعبيّا ـ سياسيّا، تساعده الظروف والتطورات السياسيّة على التبلور. ولو كان الحَراك هبة مؤقتة لما رأينا الإصرار على التحركات الاجتماعيّة وهيئة التنسيق والحَراك الشعبيّ، بعد انتهاء حَراك إسقاط النظام الطائفيّ.
إن مجمل التحركات وضعت تراكماً ضرورياً لمتابعة الحركة الشعبيّة في الفترة المقبلة والسعي لتوسيع إطار التحرك وتطوير شعاراته، بما يساعد في بلورة وملمسة شعارالحزب المطالب بمؤتمر وطنيّ للإنقاذ، كأساس لإعادة صياغة اسس الدولة على القاعدة المدنيّة الديموقراطيّة وانطلاقا من السعي لتجميع القوى القادرة على فرض توازن شعبيّ، يدفع إلى إقرار نظام انتخابيّ على قاعدة النسبية والدائرة الواحدة وخارج القيد الطائفيّ. وفي إطار الحَراك الشعبيّ، ستشكل الانتخابات البلديّة محطة جدية لناحيتين: الأولى ضرورة التحرك لمنع إمكانيّة التأجيل وهي إمكانيّة مطروحة من قبل القوى السياسيّة، والثانية لبدء التحضير لخوض الانتخابات البلديّة على قاعدة الموقف السياسيّ للحزب واستنتاجات التقييم الذي اقرته ( اللجنة المركزية) حول الانتخابات الماضية.
في هذا الاطار ، نحن كحزب نعتبر ان سياسة القوى الطائفية، من خلال منطق المحاصصة الثنائية والثلاثية، انما تستهدف الالتفاف والتفلت مجدداً على اولوية اقرار برامج البلديات الذي نعطيه اولوية وبعد ذلك يأتي اختيار الاصلح لينفذ هذا البرنامج والمفاضلة بين المرشحين من اجل تشكيل فريق تنموي جدي يعكس رغبات وحاجات التنوع السكاني .
سيكون ردنا على الشكل التحاصصي المعلن والممارس للتوافقات الثنائية مع اختلاف الثنائيات،اولاً بعدم وقوفنا ضد توافق الناس في القرى لانتاج مجالس بلدية ، بل ردنا يكون باعطاء المعركة الانتخابية مضمونها التنموي المباشر .
اما اذا اتجهت الامور عكس ذلك، وتمسكت الثنائيات الطائفية المختلفة، بتجديد تحالفاتها وممثليها بغض النظر عن المحاسبة والبرامج واستمرار روح المحسوبية والزبائنية والفساد . فأننا سنخوض المعركة بلوائح مستقلة، تعبر عن نظرتنا للتنمية وشروطها بالشراكة مع القوى الديمقراطية والكفوءة والنظيفة الكف .
أيتها الرفيقات والرفاق،
تؤكد مجمل التطورات التي عاشها لبنان، منذ تشكله حتى يومنا هذا، أنه يعاني أزمة بنيوية عميقة تكمن في عجز النظام القائم عن مواجهة مواطن الاختلالات والأزمات التي تنخر فيه، وهي تتمثل في عاملين أساسيين هما: سيادة الطائفية في بنيته ومؤسساته، وسيطرة سلطة تمثل تحالفاً (مع تبدل في أشكاله ومسمياته بين الأمس واليوم) بين الطغمة المالية وبقايا الاقطاع السياسي وزعماء الطوائف. تحالف يغلب، على الدوام، على أركانه الحفاظ على مصالحهم الخاصة على حساب المصلحة الوطنية، وعدم توانيهم عن إثارة النعرات الطائفية وبث الفرقة والانقسامات بين اللبنانيين وصولاً إلى إشعال الحروب عندما تتعرض مواقعهم وامتيازاتهم لأي انتقاص أو خطر.
وفي ظل إمعان أركان النظام في السير بالبلاد في مسار لا يمت بصلة إلى مصالح اللبنانيين وحاجاتهم الحقيقية في العيش والاستقرار والأمن والوحدة الوطنية، بتنا اليوم أمام دولة فاشلة بكل المعايير، تستند إلى تأجيج الصراعات المذهبية خياراً وحيداً لإعادة إنتاج نظامها السياسي. لذا أصبح وقف هذا المسار المأزوم والتدميري مهمة وطنية راهنة وملّحة أمام الشيوعيين اللبنانيين باتجاه "الدولة الديمقراطية العلمانية المقاومة على طريق بناء الاشتراكية، بعد أن انهار وهم "الدولة الطائفية"، وفقد النظام القائم، المبني على اتفاق الطائف، مرتكزاته الخارجية والداخلية وأصبح عاجزاً عن الاستمرار والبقاء.
إن النضال لقيام الدولة الديمقراطية العلمانية المقاومة ينبغي أن يرتكز إلى محورين أساسيين متداخلين، يكمّل أحدهما الآخر: تحرير لبنان من النظام السياسي – الطائفي، وتحرير الاقتصاد من سيطرة القلّة المحتكرة من رجال المصارف والمال وتجار العقار، وتبعيتهم للنظام الرأسمالي العالمي، وصولا الى بناء اقتصاد وطني منتج يتوجه أساساً لخدمة أوسع طبقات الشعب وفئاته. لذا، يرى الحزب الشيوعي اللبناني أن توفير فرص النجاح لهذين المحورين يستدعي بالضرورة تعزيز القدرات الذاتية للشيوعيين، عبر الانخراط في المهام النضالية، وكذلك عبر التدريب والتثقيف وامتلاك القدرات المعرفية والمهنية والتفاعل المسؤول والبنّاء مع الناس ومع شبكات التواصل والإعلام.
ومن المؤكد أن الدعوة إلى قيام الدولة الديمقراطية العلمانية المقاومة لا تتحقق بالمناشدة؛ بل أنّ هذا الأمر له شروطه ومستلزماته، وفي طليعتها العمل على خلق ميزان قوى قادر على إحداث خرق في البنية القائمة لتحقيق الأسس المادية الآتية: والتي يفصلها مشروع البرنامج المرحلي لحزبنا والموجود بين ايديكم .
أولاً - البرنامج السياسي المرحلي للحزب
1- القضية الوطنية:
رغم مضي أكثر من سبعة عقود على استقلال لبنان لا يزال اللبنانيون يشعرون ان استقلالهم غير ناجز وسيادتهم منتقصة، بسبب ما أحدثه النظام في لبنان من هشاشة في الوحدة الوطنية والتباس في الانتماء والولاء للوطن، ومن تشظ وقلق وخوف داخليين جعلت من الرهان على الخارج والاستقواء به لازمة لتاريخ لبنان.
واذا كانت الأسس التي ينبغي ان تقوم عليها عملية بناء الدولة الديمقراطية العلمانية المقاومة في لبنان تسعى إلى بلورة هوية وطنية جامعة تعيد اللحمة إلى اللبنانيين وتزيل القلق والخوف، ومعه الالتباس في الانتماء وتجعل من الدولة كاملة السيادة على أراضيها، فإن هذه الدولة لن تستقيم إن لم تعمل على مواجهة المخاطر التي لا تزال تتهدد لبنان اليوم والمتمثلة بالأطماع والتهديدات الإسرائيلية، الدائمة والمستمرة، وبالإرهاب المستجد والذي يحمل معه كل مشاهد الذبح والقتل والدمار، يتوسلها سبيلاً لفرض سلطته وبناء دولته؛ وهو يمثل عدواناً على لبنان، يصيب سيادته وأرضه ووحدته. وهو أداة فتنة واقتتال داخليين، ولا يختلف، في خطره المباشر، عن الخطر الذي يمثله الكيان الصهيوني.
ان مواجهة هذين الخطرين واجب وطني. وينبغي لهذه المواجهة ان تجري وفق خطة وطنية شاملة ترتكز على الجمع بين القضية الوطنية والقضية الاجتماعية، وتوحّد إمكانات لبنان وقدراته السياسية والعسكرية والاقتصادية والشعبية.
ان الشيوعيين اذ يدعون إلى وضع تلك الخطة، يتطلعون إلى أن يكونوا في طليعة القوى التي تمارس واجبها الوطني في الدفاع عن الأرض والشعب والسيادة، ويعملون على تهيئة إمكاناتهم وأشكال نضالهم وتطويرها للعب دورهم الوطني كما هو تاريخهم النضالي.
2 – الإصلاحات السياسية المرحلية، وأولها قانون الانتخاب:
شكلت قوانين الانتخاب الطائفية ـ المتخلفة في لبنان الأداة الأساسية لديمومة النظام الطائفي وإعادة إنتاج السلطة السياسية المتولدة عنه. كما شكلت أداة لتعطيل الحياة السياسية، لما انطوت عليه من تقسيم للبنانيين إلى طوائف ومذاهب ومناطق، ومن تزوير لإرادتهم في التمثيل، ومن تشويه للممارسة الديمقراطية.
وتتحقق هذه المتطلبات في ظروف لبنان عبر قانون يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة، خارج القيد الطائفي، ضماناً للوحدة الوطنية على أساس البرامج السياسية، بعيداً من الشعارات الطائفية والمذهبية، ويعتمد النسبية ضماناً لتمثيل لجميع مكونات الشعب. تلك المبادئ ينبغي ان تتعزز بمشاركة الشباب والنساء في الحياة السياسية من خلال خفض سن الاقتراع إلى الثامنة عشرة، واعتماد مبدأ الحصة النسائية في التمثيل النيابي، واستكمالها بإجراءات تحقق المساواة بين المرشحين وتأمين الشفافية والنزاهة بإلغاء رسم الترشيح، وضبط النفقات الانتخابية تحت سقف يصبح تجاوزه سبباً لإبطال الانتخابات، وتنظيم عادل وعصري لاستعمال الإعلام وقمع الرشوات على اختلافها.
ولا بد من التركيز أيضا على أهمية فصل السلطات، وعلى دور السلطة القضائية وضرورة إصلاح القضاء واستقلاليته ... بالإضافة إلى استحداث قانون جديد للأحزاب، يحظّر وجود الأحزاب الطائفية والمذهبية التي شكّلت الأساس للانقسامات الداخلية والحروب الأهلية.
بناء على ذلك، بات إقرار القانون المدني الموحّد للأحوال الشخصية في لبنان (الذي دعا إليه الحزب الشيوعي اللبناني منذ تأسيسه) المدخل الضروري الوحيد لإرساء وحدة وطنية جامعة من خلال الانتماء إلى الوطن بدل الانتماء إلى الطائفة كما بات المدخل الضروري لقيام دولة القانون والمؤسسات من خلال تكريس سيادة الدولة على كامل اراضيها وحدها بقوانينها دون سائر القوانين، اضافة إلى تكريس حق المواطنة دون تمييز أو تفضيل بين اللبنانيين واحترام الحرية الشخصية للأفراد.
وهذا يعني، أول ما يعنيه، إقرار المساواة بين المواطنين والمواطنات على كافة الصعد وفي جميع المجالات، وإعادة النظر بقانون مكافحة العنف ضد المرأة، والتأكيد على حق المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني في منح جنسيتها لأبنائها، إضافة إلى الافراج عن عقود الزواج المدني المبرمة في لبنان بحسب القرار 60 ل. ر.
4 ـ الإصلاح الإداري واللامركزية الإدارية:
يشكّل الإصلاح الإداري حلقة مهمة من حلقات الإصلاح الأساسية التي يناضل الحزب من أجل وضعها موضع التنفيذ، وعليه يتوقف تدبير شؤون النّاس وتنظيم حياتهم، وتأمين مصالحهم، وحفظ حقوقهم، كما سلامتهم وأمنهم ورفاهية عيشهم.
وهذا الأمر يتطلّب فتح ملف الاصلاح الإداري على مصراعيه بالتلازم مع الاصلاح السياسي، والعمل على الشروع الفوري في تنفيذ هذا الإصلاح، ولا سيما وقف التدخلات السياسية في الإدارة العامة، وضمان استقلالها، وفي نظام التوظيف الذي جرى الاخلال به مؤخراً عبر بدعة "التعاقد الوظيفي". كما يتطلّب تعزيز أجهزة المحاسبة والمراقبة وتقييم الأداء (مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة وهيئات الرقابة والمحاسبة الأخرى)،
ثانياً - التوجهات البرنامجية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي
إن النموذج الاقتصادي المعتمد في لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية، والذي تجسّد بشكل خاص في السيطرة المباشرة لرأس المال المالي والزعامات الطائفية على الدولة وسياساتها في المجالات كافة، قد انتهى إلى أزمة بنيوية شاملة تمثّلت بضرب القطاعات المنتجة لصالح القطاعات الطفيلية.
- الحق في العمل والنضال من أجل سياسة جديدة للأجور
ويناضل الحزب الشيوعي اللبناني, من ضمن الحركة النقابية العمالية الديمقراطية المتحالفة مع كل المتضررين من السياسات الحكومية في مجال الأجر (معلمون، أساتذة، موظفون، أصحاب مهن حرّة... إلخ)، من أجل تحسين شروط العمل وظروفه بالاستناد إلى:
- ربط تطور الأجور بتطور كلفة المعيشة، واعتماد السلّم المتحرك (السنوي) للأجور في القطاعين الخاص والعام.
- تطوير القطاعات المنتجة التي تتيح توفير فرص عمل بالحجم والنوع الذي يكبح البطالة، التي تصل اليوم إلى أكثر من 25 بالمائة داخل القوى المنتجة، ومنها الشباب والنساء على وجه التحديد.
- التركيز على تطبيق قانون العمل لجهة المساواة في الأجور، خاصة بين العامل والعاملة، والتأكيد على مبدأ "الأجر المتساوي للعمل المتساوي".
- إن كل ذلك يقتضي إنتاج قانون جديد للعمل يستند إلى تعزيز استقلالية الطبقة العاملة وحركتها النقابية، ومنع التدخلات السياسية (والطائفية) في شؤونها الداخلية، وإجراء إصلاحات جدية في بنية وتوجهات الاتحاد العمالي العام والاتحادات النقابية، باتجاه إعادة النظر بالتراخيص وتحقيق الشفافية وزيادة الفعالية وتوسيع قاعدة المنتسبين على قاعدة هيكلية جديدة للإتحاد العمالي العام.
- كما يقتضي تعديل قانون الموظفين وتحديثه، بما يؤدي إلى إقرار حق التنظيم النقابي للعاملين في القطاع العام
- الحق في الصحة والطبابة:
●-;---;-- التغطية الصحية الشاملة وجودتها:
تطبيق جميع مندرجات القانون رقم 220 الخاص بالدفاع عن حقوق المعوقين، وذلك لتسهيل اندماجهم الطبيعي في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما يدعو إلى الاسراع في إقرار قانون ضمان الشيخوخة.
●-;---;-- كسر احتكار الأدوية وإصلاح السياسات المتعلقة بالدواء:
- الحق في السكن:
منذ بدء تنفيذ "خطة الإعمار" في تسعينيات القرن الماضي والطغمة المالية مع حلفائها كبار الملاكين العقاريين، تسعى إلى إفراغ العاصمة بيروت، بالتحديد، من سكانها الفقراء، وذلك عبر تحرير عقود الايجارات القديمة لتكريس عقود الايجار الخاضعة للتعاقد الحر من دون وضع سقف محدد للزيادات الاعتباطية يتناسب مع معدل الدخل، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي ويضرب الحق في السكن.
إن مواجهة سياسات تهجير الفقراء وضمان حق السكن من خلال تطوير النضال الذي أطلقته "لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين"، - التصدي لكل قوانين الايجارات التهجيرية ولمحاولات تطبيقها بالقوة.
- تطوير برامج قروض ميسرة ومدعومة تستهدف قدامى المستأجرين، ووضع خطط إسكانية شاملة، بإشراف المؤسسة الوطنية للاسكان،
- اعتماد سياسة إسكانية وطنية تهدف إلى زيادة فرص تملك المساكن من جانب الأسر ذات الدخل المتوسط والمتدني
- الحق في التعلّم وأولوية تطوير التعليم الرسمي
يعتبر الحزب الشيوعي اللبناني أن تمكين أطفال لبنان وشبابه من التمتع بمستوى تعليمي نوعي يشكّل الركيزة الأساسية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولتطوير الثقافة الوطنية؛
●-;---;-- تعزيز التعليم الأساسي الرسمي، العام والمهني والتقني، وتطويره
- تحديث المناهج في التعليم العام والتعليم المهني والتقني
- تطوير مؤسسات التعليم العام والتعليم المهني والتقني،
- مكافحة الظاهرات الطائفية المنتشرة في التعليم الخاص، وفي ما يسمى "المدارس المجّانية" بالتحديد
●-;---;-- تعزيز الجامعة اللبنانية وتطوير التعليم الجامعي
كما يناضل الحزب، من ضمن الحركة الطلابية الديمقراطية، من أجل استعادة الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية، كضامن حقيقي يحفظ استقلالية الجامعة الوطنية ويحصنها
وهي علاقة مهمة في رؤية الحزب لها؛ ذلك أن الابداع، فكراً وأدباً وفناً، يتطلب بالضرورة هامشاً من الحرية يمكِّن المبدع الثوري من البحث عن أفضل الأدوات المعرفية والنظريات التي تساعد في تطور العملية الثورية وفي تحليل الواقع.
وفي هذا المجال، نقر بأننا ولأسباب كثيرة قصرنا في هذا الجانب، ونؤكد على ضرورة استعادة دور الحزب، كمحفز ومحصن للثقافة الوطنية الديمقراطية وللفنانين المبدعين ودورهم ونؤشر في هذا المجال الذي يمكن ان تلعبه مجلة الطريق والمؤسسات البحثية.
- البديل الديمقراطي للتنمية الاقتصادية – الاجتماعية
أ- تعزيز الجانب الإنتاجي من الاقتصاد الوطني،
صياغة مشروع البرنامج الزراعي، والتركيز على مسألتي الأمن الغذائي ودور العاملين في القطاع الزراعي).
ب- تنشيط التنمية في المناطق الريفية
ج- إعادة تأهيل البنى التحتية الأساسية، من كهرباء ومياه الشفة والري والاتصالات والنقل العام
ه- ضرورة الحفاظ على الثروة النفطية والغازية وعلى حقوق الشعب في الاستفادة منها، عبر منع المحاصصات الطائفية من السيطرة عليها, وتنظيم مواجهة وطنية لمخططات مصادرة النفط من قبل العدو الصهيوني.
و- إصلاح السياسة المالية وتحفيز الإنتاج على حساب الريع.
ز - إصلاح السياسة الضريبية على أساس:
- إحلال الضريبة التصاعدية على إجمالي مصادر الدخل، وإعادة النظر في شطور ومعدلات الأجور، والتشدّد في ضبط التهرّب الضريبي.
- إقرار الضريبة التصاعدية على فوائد الودائع المصرفية ورفع معدلها بالنسبة إلى الودائع الكبرى إلى حدود 30 ٪-;---;--، ورفع الضريبة على الشركات المالية إلى 30٪-;---;--، أسوة بما هو معمول في العديد من البلدان.
- استصدار ضريبة على التحسين العقاري وإخضاع الأملاك والنشاطات الوقفية للضريبة.
- إعادة الإمساك بملف الأملاك البحرية والنهرية، ووضع نظام جديد للرسوم المستوفاة، وهدم التعديات التي ارتكبها المسؤولون وأتباعهم على تلك الأملاك.
- إصلاح السياسة النقدية باتجاه يعيد الاعتبار إلى الليرة اللبنانية ووقف "دولرة" الاقتصاد الوطني.
الى ذلك تأخذ قضية مواجهة الفساد، كمحور أساسي في مواجهة النظام الطائفي، الذي يشكل ركيزة هذا الفساد وبيئته الحاضنة.
نطمئن شعبنا اللبناني، ومن يهتم بالحزب، كأساس في عملية التغيير الديمقراطي وفي بناء الدولة العلمانية الديمقراطية المقاومة . ان حزباً كحزبكم ، له تاريخكم الذي صنعه شهداؤه، ومناضليه وصنعه كادحو لبنان وفقراؤه ومثقفوه وفنانيه .
ان هذا التاريخ يحفظه دوركم في المستقبل .
عاش المؤتمر الحادي عشر
للحزب الشيوعي اللبناني