الانتخابات البلدية حق ديمقراطي والسلطة تناور في إجرائها
خالد حدادة
الحوار المتمدن
-
العدد: 5067 - 2016 / 2 / 6 - 13:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سؤال، لا بد أن يجول في خاطر كل من يعرف ويسمع، تلك الإذاعة ... "صوت الشعب" ما سرها، كيف يمكن لها وهي المحاصرة من شركات الإعلان، وهي الصوت الغريب الذي لا يطيقه اي متمول، اي منتم لعصبة رجال الأعمال وللطغمة المالية.
هي المحاصرة على الدوام، وغريبة الأطوار، لا يكف العاملون فيها عن "النق" من موازنة هشة، تزيد كل شهر من تراكم الديون عليها وعليهم. ومع ذلك تستنجد بالفقراء، بالمستأجرين، بالعمال والمعلمين والموظفين والمتقاعدين... تفتح لهم أثيرها بما يزيد كثيراً عن الوقت المخصص للسياسة والسياسيين.
اصحاب الحظوة والمال من السياسيين والاعلاميين، يذهبون الى دول النفط. وهي "الفقيرة" تذهب الى فلسطين وشعبها.
الطوائف تمول اعلامها، وهي تذهب الى الحراك الشعبي، ترى فيه الأمل، ليس الأمل "الخاص"، بل بتراكم شروط التغيير الديمقراطي... وهذا ليس بجديد، او ليست هي الإذاعة شبه الوحيدة، التي بقيت، مع قليل من الصحف اليومية، تقارع الاحتلال الصهيوني وتلتصق "بجمول"؟
أليست هي من رفض كبت الحريات، ايام حكم الترويكا المغطى من الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية؟
نعم هذا سرها. هي بنت شعبها، وبنت حزبها وبنت الفقراء والمحرومين ورفيقة دربهم.... هي بنت العروبة التقدمية وشقيقة فلسطين وصوتها... هي عنوان الكرامة الوطنية، لا يعيبها الفقر والحصار، بل يفرحها انه رغم ذلك، هي غنية في قائمة المستمعين...
غنية بمناضليها، موظفيها، العاملين فيها، بأصدقائها، بخريجيها المنتشرين في كل وسائل الاعلام اللبناني والعربي.
لهم جميعاً، ولآخر من افتقدوه ، "لوردتهم البرية"، زينب، ألف وردة في عيدها التاسع والعشرين.....
* * *
الأيام الماضية، لم تقدم شيئاً نوعياً يؤشر لخروج البلد من محنته. بل مجدداً كرست انهيار المؤسسات. بما فيها ما اعتبره قادة النظام اللبناني، انجازاً، تمثل باجتماعات مجلس الوزراء. حتى هذا "الانجاز" كرس منطق تحول الحكومة من مؤسسة قائدة بغياب الرئيس، الى اداة تنفيذية، تنفذ ما يتفق عليه، رؤساء العشائر المجتمعين على طاولة الحوار، "وتشرع" تحاصصهم وتهمل حصة الشعب وحقوق المواطن...
بل أكثر من ذلك، تحاول إعطاء المواطن حصة وحيدة، هي ضريبة إضافية على سعر البنزين، بحيث يصبح ثمن تنكة البنزين، بمعظمه ضريبة. تستمر بحصار، موازنة الجامعة الوطنية والتضييق عليها وعلى استقلاليتها، تهمل مطلباً بسيطاً، هو حق أولي، من حقوق "الشهداء الأحياء" في الدفاع المدني، بعد وعود اسبوعية تعطى لهم من اعضاء الحكومة ومن وزيرهم المختص تحديداً...
وعلى المستوى السياسي، يستمر تعطيل المجلس الممدد، وبموازاته تستمر لعبة "الثلاث أوراق" بين الاصطفافين السياسيين، وداخل كل منهما، ويمارسون لعبة كسب الوقت بإنتظار، اتضاح مسار الوضع الاقليمي وبشكل خاص تطورات الأزمة السورية.
أما الملاحظة الأخطر في هذا الإطار، هو ما جاء على لسان وزير الداخلية، عن موضوع عرسال، وقوله "عرسال محتلة" ولكن تحريرها يتم عن طريق ابنائها من الداخل.
نعم، ابناء عرسال، حريصون دائماً على كرامة بلدتهم، وهم مستعدون على الدوام للتضحية من أجلها، وليس فقط من أجلها بل أجل الوطن. أليس في كل مكان من لبنان، شهيد من هذه البلدة؟ ألم يشكل ابناؤها مكوناً رئيسياً من المقاومة الوطنية للإحتلال الاسرائيلي، وسقط العديد من ابنائها شهداء في مواجهته؟
نعم ابناء عرسال مستعدون للتضحية. ولكن من وضعهم في ظرف معيشي وأمني يصعب معه قيامهم بدورهم في هذا المجال؟ من سمح بتمدد القوى الإرهابية في جرودها وفي الداخل؟ من حمى المتواطئين داخلها وما زال يحميهم ويحمي خروجهم على القانون وتهربهم من العدالة؟ من تضامن مع من ترك ابناء عرسال، مجردين من أدنى مقومات الصمود. من الصحة والتربية الى سواها.
ماذا أمنتم للمؤسسات المعطلة لأبناء عرسال، على المحاور وفي الداخل، ليعوض عليهم ولو القليل من الخسارة التي يفرضها الوجود الإرهابي؟
لا يمكن فهم هذا التصريح، إلاّ في إطار تخلي الدولة عن واجباتها تجاه عرسال وأهلها. وكذلك إلاّ تخلياً عن ايجاد غطاء سياسي كافي للجيش اللبناني والقوى الأمنية ووضع حدود لدوره، في مواجهة الخطر الارهابي المتنامي.
إن الخطر الإرهابي، هو خطر حقيقي، بعد التطورات الأخيرة في سوريا مما يزيد من حاجة المجموعات الإرهابية الى الانتشار في مواقع بعيدة عن ساحة الصدام داخل سوريا، ومما يزيد من خطر التمدد داخل لبنان سواء بالتواجد المباشر، أو بالأعمال الإرهابية.
إن الدولة اللبنانية من خلال هذه النظرة، تستمر في سياسة التخلي، التخلي عن دورها الوطني بالأساس، من خلال تأمين شرط صمود اهلنا في عرسال والقرى المجاورة وتأمين التواصل بينهم، ومن خلال تأمين التغطية الكافية، السياسية والمادية للجيش اللبناني.
والى ذلك، فإن دور القوى في عرسال وفي قرى بعلبك والهرمل هي في تأمين الدعم الشعبي للجيش والوقوف خلفه وتعزيز صموده.
* * *
شيء ايجابي وحيد، برز من خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير، تمثل بإقرار التغطية المالية للإنتخابات البلدية والإنتخاب الفرعي في جزين.
لا بد من الإشارة هنا، الى ان الحركة التي بدأت من خلال المجتمع المدني والمنظمات الشبابية والأهلية المطالبة بإجراء الانتخابات البلدية، كان لها دور بارز في إقرار هذه الخطوة الأولية.
إن هذه القرار، لا يعني ابداً ان الدولة جادة في إجراء هذه الانتخابات، فإمكانيات التراجع والتعطيل لا زالت موجودة، وهي دائماً صفة من صفات الطاقم السياسي. إذ ان تصريح رئيس الحكومة واشتراطه التوافق السياسي لإجراء الانتخابات يؤشر الى امكانية جدية للإلتفاف على هذا القرار خاصة وأن جزءاً اساسياً من هذه القوى، إن لم يكن كلها، تدفع باتجاه استمرار سياسة التمديد للمؤسسات وبالتالي تعطيلها، تسهيلاً لمنطق المحاصصة وغياب المحاسبة.
والذي يعزز شكوكنا، هو ممارسة السلطة تجاه قضية النفايات، وحرص الحكومة وأطرافها على التحاصص، على حساب أموال البلديات، من خلال المناقصات والقرارات المعتمدة، والتي رست على موضوع الترحيل المشبوه. والأهم بالنسبة للتحالف الحكومي القائم، هو ان اجراء الانتخابات البلدية يكشف زيف ادعاءاتهم بعدم القدرة على اجراء الانتخابات النيابية وسوى ذلك من الممارسات اللاديمقراطية مما قد يدفعها للإلتفاف على هذه الوجهة وربما التذرع بالأوضاع الأمنية مجدداً لمنع الانتخابات البلدية وتأجيلها. أمام هذه الاحتمالات، فإن القوى الديمقراطية والجمعيات الأهلية والشبابية على المستوى الوطني وفي كل قرية ومدينة، مدعوة لممارسة كافة اشكال الضغط الديمقراطي والشعبي، كحماية الحق بإجراء الانتخابات البلدية ولفرض إجرائها.
وبالوقت عينه، وفي مواجهة الشكل الآخر من مصادرة الديمقراطية ووأدها ومن مصادرة حق القرى والبلدات في التنمية من جهة والحق في مواجهة الفساد والمحاسبة على مستوى كل قرية ومدينة، اي الشكل التحاصصي بين "الثنائيات" قديمها والمستجد منها. فإن خلق حالة ديمقراطية داخل كل قرية ومدينة، يشكل مهمة وطنية أمام هذه القوى.
إن الانتخابات البلدية والضغط من اجل تكريسها، كلاهما يرسم طريقاً جدياً لإنشاء اطر ديمقراطية داخل كل قرية ومدينة، تضع اساساً لبناء إطار ديمقراطي وطني، يشكل قاعدة للإنقاذ الوطني ولإعادة بناء الدولة على اسس ديمقراطية علمانية.
من هنا، تأخذ معركة الانتخابات البلدية، معركة فرضها والمعركة بذاتها، اهمية وطنية كبرى، تتعدى اليوم صيغتها التقليدية.