انهيار الدولة وضرورة تغيير النظام
خالد حدادة
الحوار المتمدن
-
العدد: 5039 - 2016 / 1 / 9 - 12:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتذاكى الكثير من السياسين اليوم، بالتحذير من أن استمرار التصعيد في المواجهات السياسية الداخلية قد يؤدي إلى تدمير الدولة اللبنانية.
حُكماً يعرف هؤلاء، وخاصة كبيرهم، أن مؤسسات الدولة كلها اليوم إما غائبة أو مشلولة. فرئاسة الجمهورية بانتظار الإفراج الإقليمي عنها، والحكومة معطلة بآليات عملها. ومجلس النواب مشلول بحكم فلسفة التمديد له والمستهدفة أيضاً أن يبقى معطلاً بانتظار التسوية الإقليمية والتوازن الجديد الذي على أساسه يمكن ترميم المؤسسات.
ليس الهيكل في أزمة، بل أيضاً، الدور. فالدور الأساسي للدولة في رعاية شؤون الوطن والمواطنين غائب وهذا ليس بجديد. فلا دور للدولة في قيادة عملية الحفاظ على حدود الوطن، سوى الدور الذي يقوم به الجيش بما تسمح به قدراته. إلى الدور المفترض في حماية الاقتصاد الوطني، وهو دور تخلت عنه القوى الممسكة بالدولة وقرارها لصالح رأس المال المالي، من أصحاب المصارف والعقارات. ولم تعمل على الاستفادة من ثروات الطبيعة فالماء مهدور، في الخلاف على الحصص في بناء السدود وكذلك في الخضوع للتهديد الصهيوني وكذلك النفط، المُعطل، بفعل عدم اكتمال شروط المحاصصة المسبقة.
أما التقصير، الجريمة الأكبر فهو تغييب الدولة عن دورها في الرعاية الاجتماعية لمواطنيها وخاصة الفقراء منهم. بحيث أصبح هذا الغياب يطال مؤسسات الرعاية المكتسبة أصلاً وبشكل رئيسي الضمان الاجتماعي. والرواتب مجمدة عند الحدود التي أرادها "حيتان المال" من السياسيين.
أما الدولة فدورها محصور، بقمع من يريد الاحتجاج على هذا الواقع والمطالبة بحقوق العمال والمستأجرين والموظفين والمعلمين والمتعاقدين والأُجراء بما فيهم الأجهزة الأمنية، أي باختصار معظم الشعب اللبناني.
لم نذكر طبعاً، القضايا والخدمات الأساسية التي تشكل الحد الأدنى من واجبات الدولة ـ أية دولة ـ أي تأمين المياه والكهرباء وشروط النظافة وخاصة النظافة، حيث أصبحت قضية النفايات، مصدراً جديداً للنهب المنظم من قبل الزعامات السياسية على حساب المواطن وصمته.
* * * *
لا نتهم هذه القوى السياسية بالغباء بل هي في منتهى الخبث الذكي تريد التبرؤ من دم يعقوب. فالمشكلة في الدولة، والنظام لا يتحمل أية مسؤولية! وبالتالي استنتاجها الخبيث أن لحماية الدولة من الانهيار، الأولوية لحماية النظام.
وهنا تبدأ المحاولات. أولها طبعاً، منع أية محاولة شعبية أو شبابية أو نقابية ترتقي بشعاراتها إلى حدود المس ببنية النظام الطائفي أو بجوهر النظام الاقتصادي الحاضن له. وعلى طريق هذا المنع، تسخير كل الوسائل الممكنة لتعميق الاختلافات المذهبية والطائفية لتشكل مانعاً طبيعياً أمام إمكانية اتهام النظام.
النظام الطائفي، تتأمن حمايته من مصدرين، الأول هو التوازن الإقليمي الضامن له والمشكل لحصصه. وهذا الضامن اليوم معطل وإن كان المتصارعون الإقليميون متفقين على تحييد لبنان (حتى لحظة إعدام الشيخ النمر؟) أما الثاني فهو العوامل الداخلية وبشكل أساسي التحالف الطبقي الحاضن للنظام الطائفي. إذن فإن هاتين الحمايتين تتعرضان اليوم لإهتزاز ولذلك تستنفر القوى الطائفية ورموزها "المعتدلة" من أجل حماية النظام واختصار الأزمة على مستوى مؤسسات الدولة، ومحاولة حل هذه الأزمات حتى لا تشكل تهديداً جدياً للنظام نفسه.
وفي هذا الإطار، فإن قوى النظام السياسية والطبقية، مستفيدة حتماً من ضعف البديل الديمقراطي ومنه بشكل رئيسي قوى اليسار بجانبي هذا الضعف، الموضوعي أساساً والذاتي في بعض المراحل. ولذلك فإن المسؤولية على عاتق القوى الديمقراطية والعلمانية كبيرة، لم توحِ عملية غياب الاحتضان الواسع، لرحيل أب العلمانيين اللبنانيين غريغوار حداد، بنهضة كبيرة على هذا المستوى تستكمل مهام الحراك الشعبي ونحن أمام استحقاقين ديمقراطيين رئيسيين، قانون الانتخاب والانتخابات البلدية المحاصرة بدورها والمعرضة للإلغاء.
إن إنهيار الدولة ومؤسساتها، وضعف الحماية الإقليمية، يشكلان جواً ملائماً لتغيير النظام فهل نستفيد؟
* * * *
إحدى مظاهر قوة النظام، هي أن الخلافات الكبرى بين القوى السياسية المشكلة له، لا تكون حول قضايا الناس. بل دائماً تنفجر وتستفز المشاعر المذهبية والطائفية، وتصل بالبلد إلى حدود الحرب الأهلية أو تدخلها على قاعدة خلاف الاستقطابات الإقليمية.
لم نشهد هذا السجال حول القضايا التي اثارها الحراك الشعبي، وهي قضايا تهم الوطن والمواطنين ومنهم "رعايا" الأطراف المتراشقة إلى حدود الاحتراب. ولم نشهد هذا السجال حول سلسلة الرتب والرواتب، بل شهدنا إئتلافاً لضرب الهيئات النقابية التي قادت التحرك حولها.
ولم نشهد هذا السجال حول الشلل في مؤسسات الدولة فالكل متفق على استمرار الشلل حتى الضوء الأخضر الإقليمي.
إننا من موقعنا المستقل والمقاوم، كنا دائماً في صف مقاومة العدو الإسرائيلي وضرورة الرد عليه، خصوصاً بعد عملية اغتيال القائد الشهيد سمير القنطار وسنكون إلى جانب الرد على أي اعتداء إسرائيلي محدود أو شامل.
ومن الموقع ذاته، كنا دائماً ضد أنظمة القمع، ضد الإعدام من حيث المبدأ وبشكل خاص كان موقفنا واضحاً مما اسميناه دائماً "ملكية آل سعود" الحليفة الطبيعية للعدو الصهيوني، مباشرة، أو من خلال التبعية الكاملة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً للراعي العالمي لهذا العدو، أي الولايات المتحدة الأميركية وذلك منذ تأسيس هذه الملكية.
والرعاية تشمل أيضاً الإرهاب، الذي يجد مصدره الأساسي في التحالف الديني ـ السياسي، الذي شكل هذه الملكية.
ونحن بشكل أكثر تحديداً نعتبر أن إعدام الشيخ النمر، يستهدف التقدم الحاصل لإنهاء أزمة سوريا. ذلك أن التوازن الموجود حالياً داخل سوريا وكذلك داخل اليمن والعراق لا يخدم حلاً يناسب الملكية السعودية وحلفاؤها في العالم وفي الإقليم ولذلك هي بحاجة إلى إعطاء زخم جديد للمشروع الأميركي، عبر تسعير الخلافات والصدامات على أساس مذهبي وطائفي، وخاصة على المستوى السني ـ الشيعي.
والاستهداف الآخر، من هذا الإعدام، ومن تسعير القضية المذهبية هي مساعدة العدو الصهيوني، الذي يواجه اليوم خطراً حقيقياً على مشاريعه يتمثل بالإنتفاضة البطولية للشعب الفلسطيني.
في مواجهة هذه الاستهدافات، نحن لا ننكر على بعض الدول والقوى، حاملة الفكر الديني نفسه الذي يحمله الشيخ النمر، حقها في الاحتجاج والغضب. ولكننا نسجل مجدداً، عقم مواجهة تعبئة مذهبية مشبوهة، بتعبئة مذهبية أخرى وإن كانت من موقع آخر وفي مجال رد الفعل...
هذه القضية، تثير حتماً مشكلة غياب القوى القومية، التقدمية عن الفعل في إطار مواجهة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي وحلفاؤه. لم يعد كافياً ترداد المواقف المبدئية. بل أصبح ضرورياً العمل على صياغة البرنامج القومي التقدمي، واليساري بالأساس، في مواجهة المشروع الامبريالي وفي التخلص من حال التشرذم أحياناً والناتج عن غياب البرنامج الموحد للأولويات.