سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 4633 - 2014 / 11 / 14 - 16:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
-الأديان بشرية الفكر والهوى (42) .
أقول دوماً أن الإنسان لم يؤمن بالخرافة عن طريق العقل والمنطق بل تحت إلحاح حاجاته النفسية للأمان والسلام لذا لن يخرج الإيمان بالعقل لأنه لم يدخل به ,بل بتحرير الإنسان من جهله عن طريق فهمه لكيفية إيفاء حاجاته النفسية , فمن يخوض فى غمار المقدس قد تلمس توازنه ونضجه النفسى أولا قبل ان يمتلك زمام عقله .
هذا المقال يأتى فى سياق تأكيد فكرة بشرية المنتج الدينى من حيث الفكر والرؤية والخيال ليخوض فى رؤية وإيمان الإنسان القديم ورسمه لمنطق الله وغاياته وعلاقته بالإنسان لتشوب تلك العلاقة الكثير من الضبابية وعدم وضوح الرؤي نتيجة الحيرة الإنسانية لذا لم تخلو رؤيته من التخبط والتناقض فى سعيه لبلورة ورسم فكرة العلاقة مع الإله لتصيب فى طريقها فكرة الإله ذاتها باللامنطقية والتناقض , كما تصل الأمور إلى حالة من التهمييش الوجودى للإنسان , فلا تكتفى الحالة الإيمانية بالإذعان والإستسلام والرضوخ بل لحالة من السحق والتهمييش الوجودى لن نجنى منه سوى تشوه نفسى وفكرى وتبديد الحياة فى التهافت واللامعنى والعبثية .
* الإيمان بدون العلم بتأويله .
شئ غريب جدا فى ظاهرة الإيمان وهى أن تؤمن بدون أن تفهم وإذا كان هذا الشئ مألوف فى كافة أشكال وتمظهرات الإيمانات المختلفة ولكن الجديد أن عدم الفهم ليس نتاج القولبة أو التقصير أو القصور الذهنى بل لأن الله لا يريدك ان تفهم .! (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) .
لنتوقف أمام ( آيات محكمات وآيات متشابهات ) (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ ) (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) آل عمران: 7.( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ) الأعراف: 53. لنسأل ما معنى أن يكون هناك نصوص متشابهة فى الأصل اذا كانت هناك نصوص واضحة محكمات أخرى تشرح المعنى ؟! وهل هناك نصوص متشابهة لاتوجد مقابلها نصوص مُحكمة لتفسير المعنى ؟! فإذا كان الجواب بالايجاب فمن سيفسرها اذن ؟! وإذا كانت النصوص لا يعلم تأويلها الا الله فما الفائدة من وجودها اصلاً ؟! وهل الله يتعمد الغموض و تضليل عباده ؟؟
إذا كانت الآيات لا يعلمها الا الله والاحتكام هو للآيات المحكمات فما الغاية من وجود المتشابهات ليقع المتشككين فيها بحسن نية ولا أظن سوءها ,فالمرء لن يتعمد أن يضل نفسه ويسعى لهلاكها .. فلماذا لا يعلم كل البشر الآيات بيسر إذا كانت لهدايتهم ولكونها من كتاب مبين للهداية .
وفقا للآية نجد أن الراسخون في العلم لا يعلمونه ولا يعلمون التأويل حسب القرآن بل يؤمنون به دون التحقق منه كونه من عند الله !! .. لماذا كل هذا الغموض وأين الإدعاء بأنها آيات بينات شديدة الوضوح .؟!
كتاب لا يعرف تأويله إلا الله فكيف هو بكتاب مبين واضح المعنى والدلالة لحكم الله لكل البشر ,فهناك غموض لا يعرفه المؤمنون وليس لهم أن يعرفوه بل حتى الراسخون فى العلم لا يعلمونه ولا يعلمون تأويله حسب القرآن بل يؤمنون به هكذا ولنسأل بداية كيف يستقى المسلم إيمانه فى ظل هذا الغموض والحجب والضبابية وعدم المعرفة فهناك مقاصد للآيات ذات تأويل لا يعلمها إلا الله ,أما الراسخون فى العلم فلم تشير الآية لمعرفتهم بها وحتى لو سلمنا أن الراسخين فى العلم على علم فكل من يتطوع بالتفسير والاجتهاد هم من العلماء سواء سنه أو شيعه الخ مختلفون متباينون ومتضاربون فى أحيان كثيرة وهم بشر فى البداية والنهاية يحتمل إجتهادهم خطأ التفسير أو صحته ,فكيف يستقى المسلم إيمانه ووعيه بناموس الله فى ظل هذه الضبابية والحجب والغموض والتضارب .
* كيف نعلم الناسخ من المنسوخ .؟!
آية ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) سورة البقرة 106- شديدة الحرج فهى حافلة باللا منطق لتنتهك منطقية الله ذاته وتفقده مصداقيته وقدراته الإلهية فتصيبه بالعجز وتنزع عنه المعرفة والحكمة الكلية وتصيبه بالتردد فهو يرمى بآيات ليكتشف بعدها أنها غير صالحة فينسخها بآيات أخرى .. فهل لم يكن يعلم أنها غير صالحة وأدرك بعدها أم أن الله يُنزل آياته حسب الطلب والمزاج والقبول الشعبى ..أليس من المُفترض أن ناموسه وكلماته غير قابل للتعديل والتبديل وفق قوله ( لا مبدل لكلماته ) ,كما هناك إشكالية غريبة فى قوله نأتى بمثلها فإذا كانت مثلها فلماذا ينسخها .؟!
لن نتوقف عند إشكالية الناسخ والمنسوخ كثيراً بالرغم أنها تستحق التوقف ملياً ,ولكن لنا أن نتوقف أيضا أمام إشكالية كبرى وهى أن الله لم يحدد الآيات النَاسخة من المنسُوخة بالرغم أن هذا لن يكلفه شيئاً بالإشارة للآيات التى فقدت صلاحيتها هذا إذا إعتبرنا أن هناك إله يرسل آيات منها الناسخ والمنسوخ .
خطورة عدم تحديد الآيات الناسخة من المنسوخة تكمن فى أن المسلم يمكن له أن يتبع حكم آية نسخها الله فماذا يكون تقييمه حينها فهل نعتبر إيمانه ومسلكه ضال و فاسد وهل يعاقب على تطبيقه لآية منسوخة .
قد يقول قائل أن الذى يحدد الآيات الناسخة والمنسوخة هم العلماء وهنا الطامة الكبرى فقد تحول الإسلام لكهنوت بالرغم أنه يلفظ هذا الأمر عنه بشدة..عالعموم قصة أن العلماء يحددون الآيات الناسخة والمنسوخة تعتمد على تقدير أهل العلم , وأهل العلم بشر يمكن ان يخطأوا ويصيبوا علاوة على إختلافهم فى التقدير وهو ما يحدث دوماً ,فكيف يترك الله أوامره حسب فكر وهوى العلماء فهناك تضارب وإختلاف شديد بينهم وفق تقديرات ورؤى كل منهم فمنهم من يعتبر تلك الآية منسوخة ومن لا يرى ذلك بل هناك فصيل من العلماء لا يعترفون بنسخ الآيات من أساسه ليقع المسلم فى ضبابية ,فإلهه نسخ آيات ولم يحددها .
* فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا !!
( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ )10 لو نظرنا لهذه الآية الغريبة بتمعن فهى تقول أن فى قلوبهم مرض فماذا يفعل الله كلى الرحمة والحكمة والعدل فهو يزيدهم مرض وبؤس وضلال فهكذا منطق الله فى القرآن الذى يخالف ألف باء حكمة ورحمة وعدل , فالمريض يذهب للطبيب ولديه فيروس الأنفلونزا فلا يتركه الطبيب إلا بعد ان يمده بفيروس الإيدز والسرطان !.. أليس هذا غريباً وشاذاً فبدلاً أن يعالج الله المرضى بهدايتهم وحتى تتفعل فى داخله صفة الهادى فإنه يزيدهم مرضاً ,وبدلا من أن يتركهم لحال سبيلهم بلا إعتناء يزيدهم شقاءاً , فأى إله هذا .؟!
* أين " لا تزر وازرة وزر أخرى" .
يقول الله للملائكة الذين يحرسون جهنم ( أحشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) الصافات 22-23 , ولكن الله نفسه يقول ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) الأنعام 164 , الإسراء 15 , فاطر 18 , فما هو ذنب زوجات الذين ظلموا؟ فربما تكون الزوجات مؤمنات فألم تذهب نساء من مكة إلى محمد بالمدينة ليبايعونه وتركن أزواجهن المشركين , وأنزل الله فيهن قرآنا ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن) الممتحنة 10 ,وحتى امرأة فرعون التى يقول عنها أنها مؤمنة بينما كان فرعون طاغية وقد طلبت من الله أن يبني لها بيتاً في الجنة ( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربِ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) التحريم 11. .. فهل يزر وازرة وزر اخرى أم نفض هذا وسيحشر زوجات الذين ظلموا ؟!
* الإله يصنع الفتنة ويضل عن عمد فكيف تفلفص .!!
أن يضع الله الإختبار للإنسان الذى لا نعرف جدواه بالنسبة لإله كامل وغنى ,ولكن معنى الإختبار أن يترك الله الإنسان حراً يملى بإجابته فلا يجبره على الإندفاع فى الخطأ أو فى الصلاح ,ولكن الإله الإسلامى لديه منظور آخر فهو يضل الإنسان ويفتنه رغماً عن أنفه ولن تفلح أى محاولة للإصلاح أو الهداية فهو وضع الإنسان فى دماغه كما يقولون .( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ " هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ " تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) الأعراف 155 - ( وَكَذَلِكَ " فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ" لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)الأنعام 53 - ( وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ " وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ" وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَانًا كَبِيرًا )الإسراء 60.
( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ" وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً " وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)الأنبياء 35 - ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ " وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً " أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) الفرقان 20.-( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )العنكبوت3 .
من هذه الآيات نجد أن الله يقر بأنه يَفتن البشر ويجعل بعضهم فتنة للبعض الآخر!. ولنلاحظ أنه لم يقول أن الناس هم الفتنة بل هو من جعلهم فتنة فما ذنب الناس الذين يُفتنون ويَفتنون وكيف ينجون إن كان الإله فاعل ذلك؟! .. ولنلاحظ أن نفس القرآن يحذر وينهى عن الفتنة ويستقبحها لدرجة أنه يلصقها بالشيطان ( الفتنة أشد من القتل) و( قاتلوهم حتى لا تكون هناك فتنة) كذلك يحذر من فتنة الشيطان ولكنه فى الآيات السابقة يُبدع فى الفتنة ويُخطط لها .فما الفرق بين الإله والشيطان إن كانوا جميعهم يفتنون البشر ؟!
* الإنسان بين مطرقة الاقدار والمكتوب وسندان المشيئة والترتيب .!
يخيم عليك وأنت تقرأ القرآن فكر الترهيب الشديد من الجحيم والعذاب وفكرة أن أقدار الإنسان وخطواته وهمساته مُقدرة ومكتوبة وليس فى يده شئ لدرجة أن الهداية والضلال فى يد الله فمثلاً لو اخذنا سورة الحديد 22: (ما اصاب من مصيبةٍ في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير). فالله يُخبر هنا أنه قد قَدر كل شئ من قبل أن يخلق الارض ومن عليها .
القَدر من أهم تعاليم وفلسفة القرآن فهو سبب سعادة أو شقاء الإنسان في الآخرة. كما جاء في الإسراء 17: 13 و (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اِقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً )- أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ =ألزمناه عمله. وفي إبراهيم 14: 4 ( فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) وورد نفس القول في المدثر 74: 31 ( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) كذلك فى البقرة 2: 5 و6 والنساء 4: 9 والأنعام 6: 125 والأعراف 7: 77 و78 إلخ. ثم نجد في الأعراف 7: 179 ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا-;- لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ) ذَرَأْنَا = خلقنا-;- وفي هود 11: 119 (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) السجدة 32: 13- وبما ان جهنم لا تمتلئ فيقول لها هل إمتلات فتقول هل من مزيد فيبدو أن هكذا هو غرض الله من الخَلْق وغايته لذا يجب أن يظل أكثر الناس كفار حتى يملأ الله بهم جهنم لأنه سبق منه القول بذلك، والله لا يخلف قوله , فهل نحن أمام شعور سادى من إله يستعذب أن يملأ جهنم من البشر .؟1
لك أن تعلم أن موضوع الايمان بالله وبرسوله ليس في أيدي البشر ،فها هي الاية الثانية من سورة التغابن تخبرنا: (هو الذي خلقكم فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمنٌ والله بما تعملون بصير) .وتفسير هذه الاية يقول: هو الخالق لكم على هذه الصفة وأراد منكم ذلك فلا بد من وجود كافر ومؤمن وهو البصير بمن يستحق الهداية. أي بمعنى آخر حتى لو أردت ان تؤمن، لا يمكن لك أن تؤمن إلا إذا قدر لك الله إنك تستحق الهداية ودَون ذلك في اللوح المحفوظ .!
مرة اخرى يخبرنا القرآن في سورة النحل الآية 93 أن الايمان لا يكون الا بإرادة الله :(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون) . فهو يضل من يشاء ثم يسألهم عما كانوا يعملون !. فهل يستوي هذا المنطق مع الارادة الحرة ؟!.
الله يختم أيضا على قلوب من إختارهم للكفر حتى لا يفهموا القرآن فيؤمنوا به، ففي الآية 46 من سورة الاسراء نجد ( وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهون وفي آذانهم وقراً واذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفوراً ). والآية 111 من سورة الانعام تقول:( ولو انا انزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قُبلاً ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون) . هذا يعنى أن كل محاولات الغير مؤمنين فى فهم القرآن والإيمان به لن تُجدي إلا اذا كان الله قد قرر مسبقاً لهذا الفرد أن يؤمن، وإلا سيجعل الله في أذنه وقراً وسيطبع على قلبه فلا يؤمن.!
سورة يونس، الآية 100 تكرر لنا نفس الرسالة: ( وما كان لنفسٍ ان تؤمن الا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون). وفي نفس سورة يونس الآية 99، ( ولوشاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعاً، أفانت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) . وفي سورة هود الآية 118: ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين ) .نرى هذا الإلحاح الشديد من القرآن على التأكيد بأن الانسان لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وإنما هو مُسيّر حسب ما قدر الله له هو ، فالآية 49 من سورة يونس تقول : (قل لا املك لنفسي ضراً ولا نفعاً الا ما شاء الله.) .!
الأحاديث تؤكد هذه النزعة القدرية الجبرية بشكل واضح وجلىّ ففى صحيح مسلم ( ما منكم من أحدٍ إلا وقد عُلم مقعده من الجنة ومقعده من النار، فقال بعض الصحابة: فيم العمل يارسول الله؟ فقال: إعملوا فكلٌ ميسر لما خُلق له، إما أهل السعادة وإما أهل الشقاوة ) صحيح مسلم- .فكل إنسان محكوم عليه أن يعمل ما كُتب له في اللوح المحفوظ حتى إن كان شراً مستطيراً كالكفر بالله فيصبح من أهل النار لأن الله قرر ذلك .! .. وتتأكد هذه الرؤية ذلك بحديث آخر: ( إن الله قد قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء) صحيح مسلم.- فالله قد إختار مسبقاً من منا سوف يؤمن ويدخل الجنة ومن منا سوف يكفر ويُشوى في نار جهنم.!
ورد في الأحاديث القدسية كتاب بدء الخلق، حديث خلق الإنسان: ( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون بينه وبينها ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ) !!. وقد يحدث العكس مما يجعل دخول الجنة أو النار متوقِّف على ما قُدِّر مسبقاً على الإنسان .!
من آية :( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) قال عمر : (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها فقال إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره بيده فإستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل ففيم العمل يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار إستعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار.) !! -الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 1/97
وفى حديث آخر: ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ).
وفى حديث رواه البخاري رقم : 3208 ويؤكد ما قاله مسلم (فوالله الـذي لا إلــه غـيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنه حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتي ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) .!!
هل لنا أن نسأل : لما كل هذه الجلبة ووجع القلب والراس ..إذا كان كل شئ ُمُقدر ومعروف قبل الخلق فلما الرسل والملائكة والكتب وجبريل رايح جاى , فليرمى الله على جهنم عالطول ويملأها كما قرر بدون جلبة !!
* ستدخلون الجنه رغم أنف أبي ذر .!
تضارب خطير وغريب وطريف عما سبق فالمسلمون سيدخلون الجنه ولا داعى للأعمال ووجع القلب فيكفى الإقرار ب "لا إله إلا الله" وكفى .!
( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض ، وهو نائم ، ثم أتيته وقد استيقظ ، فقال : ما من عبد قال : لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق. قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر ) !!. الراوي: أبو ذر الغفاري خلاصة الدرجة:صحيح- المحدث: البخاري المصدر: الجامع الصحيح الصفحة أو الرقم: 5827- فى هذا الحديث الصحيح للبخارى يقول محمد أن من قال بلسانه : لا إله إلا الله دخل الجنة, حتى و إن زنى و إن سرق .. ولتندهش من تلك العبيثة الإيمانية ولتسأل ما معنى السلوكيات والأخلاق الدينية إذا كان ترديد "لا إله إلا الله " كاف لدخول الجنه حتى ولو مارس المؤمن كل الموبقات .. فأى منطق وعقل يقبل بهذا.؟! - هذا الحديث يمرر فكرة أن إرتكاب الكبائر في الإسلام ليس بذات أهمية أمام تصديق وإعتماد وجود إله يعيش في السماء السابعة, كذلك الأخلاق ليست بذات أهمية ,فالإيمان يمكن أن يحل محله و يستبدله, و ليس الإيمان بل إعلان الإيمان أو القول بأن ذاك الشخص مؤمن .. ولكن هذ لا يعنى أن النص القرآنى خال من النهى والنهر والزجر عن فعل الموبقات ولكن فى مشهد "رغم أنف ابى ذر" تتجلى بشرية الدين والفكر وما يعتريه من موائمات ومدى برجمايته وتلاعبه بمشاعر ورغبات المريدين لتتأكد تهافت وعبثية فكرة الإيمان
يمكن تفسير هذا الحديث فى إطار إعتناء محمد بمشروعه وذلك بجلب المزيد من المؤيدين والداعمين له فقد منح لهم الجنه متى اشهدوا "لا إله إلا الله" ومن هنا سيشجعهم على الإنخراط وإعطاءهم ميزة تفاضلية عن الآخرين بدون تكلفة, فالجنه مضمونة لمجرد قول " لا إله إلا الله ".
يمكن تفسير قصة التأويل والنسخ الذى يظلل المشهد بالغموض والحيرة والتخبط أن مُسطر النص أدرك أن هناك تخبطات وتناقضات أشار إليها الكافرين واليهود فأراد تحصين النص بالقول بأن هناك أمور لا تدركونها والله يعلمها وأن الله يعدل ويبدل كما يشاء .
كما يمكن تفهم صورة الإله الذى يفتن ويضل ويختم القلوب ويزيد الكافرين مرضاً والذى يحشر فى جهنم مع كل الوعيد والترهيب ليقود فى النهاية الإنسان إلى وضعية المُسير والمُجبر وفقا لأقداره لأراه يحتمل تفسيران الأول أن محمد أراد سحب البساط من تحت المشككين لنبوته وأقواله وذلك بتحقيرهم وتهييفهم فهم لا يشككون ولا يثيرون التناقضات والمغالطات من قوة حجتهم ورجاحة عقلهم بل لأن الله ختم على قلوبهم بالضلال ووضع عليها أقفالها فهو يفتنهم ويبعدهم عن الفهم الصحيح فليس رفضهم له بإرادتهم بل هم مُجبورون ومقهورن على الضلال وهذا التفسير مازال حاضرا فى الثقافة الإسلامية ليكون الرد على من ينتقدون الإسلام أنهم أصحاب أجندات صليبية أو إلحادية أو ماسونية وليس لقوة حجتهم ,أما التفسير الثانى فأتصوره فلسفياً فمحمد تماهى كثيراً فى فكرة قدرات ومقدرات الله المطلقة ليصل به المقام بدون أن يدرى من الإعتزاز الشديد لقدراته ومشيئته إلى نزع الحرية والإختيار عن الإنسان ليقع فى حبائل القدرية والجبرية , فالله المتحكم المهيمن المقدر بتفرد .
هكذا نرى العملية الإيمانية يعتريها اللا منطق بقوة ويصيبها الضبابية والتخبط لتصل لحد العبثية , ولنقول فى النهاية أنها فكر بشرى لحماً ودماً وإنفعالاً ومزاجاً مواكباً للحدث والمشهد الحياتى وللحظته الخاصة وتقييماته وموازين القوى لتخرج بهذا التهافت والتخبط والضبابية .
دمتم بخير وعذراً على الإطالة وإلى لقاء مع الجزء الثالث من منطق الله .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته" - حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟