عبد الحسين سلمان
باحث
(Abdul Hussein Salman Ati)
الحوار المتمدن-العدد: 3828 - 2012 / 8 / 23 - 14:41
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ملاحظة بسيطة:
في الجزء الاول, كتب عدداً من الزملاء... ملاحظاتهم وتركزت حول كلمة الإغتراب في اللغة العربية, هل تعطي نفس المعنى المراد للفظ الانكليزي والفرنسي والالماني....فشكراُ لهم جميعاَ.
أصل كلمة الإغتراب هو لاتيني من الاسم ... alienatio..وهذا مشتق من الفعل .... alienare ..وتعني ...... estrange, وترجمتها
يُبعِد..... يُقصي...يُنفر..
ودخلت على لانكليزية ... alienus .... ....alien
بمعنى أجنبي..غريب ..وقد أسُتعملت هذه الكلمة منذ العصور القديمة في انجلترا في الاشارة الى الجماعات الاجنبية وبشكل يوحي بالازدراء...
ويذكر معجم لالاند الفلسفي: ليس المُنسَلِبُ ... aliéné من مفردات اللغة الطبية, ولا حتى اللغة العلمية, إنه مصطلح من مصطلحات اللغة الشعبّية , أو بكلام أدقّ , لغة الشُّرطة: فالمنُسلب شخص خطِر على الاخرين وعلى نفسه........
أنا أعتقد أن كلمة الإغتراب في اللغة العربية لا تؤدي المعنى المطلوب سياسياً وأقتصادياً وأجتماعياً ونفسياً...ويفضل عند أستعمالها في اللغة العربية , أن يضاف لها ما المقصود به,
فنقول..إغتراب نفسي...إغتراب ديني..أغتراب إنساني...وهكذا.
3
ومع انطلاق عصر النهضة في أوروبا، صرْنا نلمح الاغتراب بوضوح؛ كما عند رينيه ديكارت , الذي دعا إلى العيش وَفق رؤية جديدة تعتمد العلم من خلال شعاره المعروف بـ"الكوجيتو" (Cogito). فالاغتراب، في نظره، إنما هو اغتراب الذات عن نفسها بالأساس. كما أن الاغتراب في الفلسفة الديكارتية يظهر
في عدة مجالات، منها:
أ- الكوجيتو الديكارتي؛ حيث يتبين اغتراب الأنا عن ذاته، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم "الاغتراب الميتافيزيقي" (Aliénation métaphysique).
ب- الاغتراب الأنطولوجي؛ حيث ترَدُّ الحياة الانفعالية إلى آلية الأرواح الحيوانية.
ج- الاغتراب الوجودي؛ حيث تعيش الذات تجربة الانفعال في نطاق "الأنا أفكر".
ثم إن الذي يطَّلع على سيرة ديكارت يكشف من كثبٍ - أنه كان يفضَّل حياة الاعتزال والاغتراب (أعتزل في هولندا) إلى درجة أن بعض الباحثين يصفون حياته بكونها "حياة فيلسوف مغترب". وينتفي العجب إذا علمنا أن ديكارت عاش أكثر حياته خارج بلده فرنسا، وفي عزلة بالغ فيها إلى حدِّ إخفاء مقرِّ إقامته عن مَعارفه.
4
ومع جان جاك روسّو أنتزعت الكلمة من لغة المختصين و أعطيت معنى سياسياً , وهي عند روسّو تعبر عن جوهر العقد الاجتماعي : (الذي تتلخص بنوده في بند واحد وهو : التخلي الكلّي لكل مشترك عن كل حقوقه لفائدة الجماعة, وذلك يقضي . أولاً, بانخراط كل واحد انخراطاً كلياً وتكون المكانة متساوية الى الجميع, وثانياً : أن تساوي المكانة هذا يجعل في غير مصلحة أي كان أن تكون مكلفة بالنسبة للآخرين , وبما أن التخلي يقع دون تحفُّظ , فإن الاتحاد يكون على أحسن حال من الكمال بحيث لا يعود لأي كان موجب للمطالبة بأي شئ , لأنه إذا ما تبقى للأفراد بعض الحقوق وبما أنه لا يوجد لطرف أعلى مشترك بوسعه الحسم بينهم وبين العموم , وبما أن كل فرد هو, نوعاً ما, حاكم نفسه, فإنه سرعان ما قد يرمي الى أن يسيطر على الجميع وبالتالي فإن الحالة الطبيعية ستسمر ويصير التجمع حتماً استبدادياً أو غير ذي جدوى)..
ويستمر روسّو بالقول : أن تغترب يعني أن تعطي أو أن تبيع , فالإنسان الذي يصبح عبداً لآخر لا يعطي ذاته, وإنما يبيع ذاته على الاقل من أجل حياته .
5
وقد تأثر هيجل بهذا الفصل من كتاب روسّو و بالاغتراب انطلاقاً من هذه المدلولات الى مستوى وقار الفلسفة.
في كتابه فنومولوجيا الروح, يربط هيجل بين الثقافة والإغتراب. فالثقافة عند هيجل تعني أن يعارض الفرد ذاته , ذلك أن الذات الفردية تسلب ذاتها من أجل الحصول على حقيقتها الشاملة , وحقيقتها الشاملة هي الثقافة لأن الثقافة هي كل ما ينتجه الإنسان , وأنتجه مكثف في عنصرين: الدولة والثروة.
والدولة عند هيجل تنطوي على ثلاثة عناصر: الأسرة , والمجتمع المدني ( المجتمع البرجوازي) , والدولة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة من حيث أنها تمثل الوحدة العضوية للحياة السياسية, وهذا المعنى الثالث للدولة يقابل الفكرة الشاملة عند هيجل, إما المجتمع البرجوازي فهو مجرد ظاهرة, حيث أن الفكرة الشاملة فيه في حالة وحدة..لا ..واعية كامنة في التفاعل بين الأفراد , هيجل مقتنع بأن الكل سابق على الأجزاء, وأن الأجزاء موجودة من أجل أن يحقق الكل وجوده الواقعي..وذلك يعني أن التناقض قائم بين المجتمع البرجوازي والحياة السياسية, وهذا التناقض هو الذي يولد الوعي التعس أو الإغتراب.
وهذا الإغتراب هو إغتراب سياسي يلازمه إغتراب ديني, لأن الفرد حين يغترب سياسياً يلجأ الى الاحتماء في طبيعة أبدية تجاوز ذاته. وقد حاول هيجل رفع هذا التناقض بين الفرد والدولة حين تصور امكان تحول الفرد الى مواطن , وتحول مملكة السماء الى الارض.
وهذا..ما.. سوف يعترض عليه ماركس في الايدلوجية الالمانية, كما سوف نرى عند الحديث عن الإغتراب عند ماركس.
6
مهد مفهوم هيجل عن الإغتراب لفيورباخ ببناء نظرية كتابه : جوهر المسيحية 1841 عن الإغتراب الديني : إن الدين كما يقول فيورباخ , أو على الأقل المسيحية , هو علاقة الإنسان بنفسه أو بصورة أدق بجوهره كما لو كان آخر. ليس الكائن القدسي شيئاً آخر غير الجوهر الإنساني , بل جوهر الإنسان منفصلاً عن حدود الإنسان الفردي, أي الحقيقي, الجسدي...أي أنه يُرى ككائن آخر, متميز منه ومنفصل أيضاً....إن كل مححدات الكائن القدسي هي إذاً مححدات الجوهر الإنساني...
لقد تأثر فيورباخ بمقولة هيجل : الوعي التعس. ومفهوم فيورباخ عن الإغتراب الديني تعود الى مقولة ( المفارق) التي تعني أن اللة هو السيد والإنسان هو العبد, ومن ثم يُحال الإنسان الى عدم وجودي يتولد منه احساس بالضعة . هذا المفهموم دفع ماركس الى البحث عن أصل الإغتراب الديني في الواقع المادي للإنسان .كتب ماركس في المقدمة لكتابة مساهمة في نقد فلسفة الحق عند هيجل" 1844 يقول:
أن الإنسان هو الذي يصنع الدين, وليس العكس . فالدين في حقيقته , هو الوعي الذاتي للأنسان طالما أنه لم يجد نفسه أو أنه فقد نفسه.
7
كتب البير كامو روايته الغريب , والتي يعالج فيها مشكلة الشاب الفرنسي –الجزائري..ميرسو, والذي يجد صعوبة في فهم المجتمع الذي يعيش فيه, كانت تنقصه القدرة على مسايرة الاخرين وعلى التنازل عن مشاعره و أرائه الصادقة الامينة , وكان يبدي رأيه الصريح الموضوع (البارد) في مشكلات الحياة, فتصدر عنه كما لو كانت صادرة عن غيره, وبذلك كان يعاني من الإغتراب من المجتمع الذي يعيش فيه.
وهذه الحالة ترددت بصورة مختلفة عند بيكيت و جان جانيه و أونسكو.
الجزء الثالث: مفهوم الإغتراب عند ماركس
م: المصادر والمراجع في الجزء الاخير
#عبد_الحسين_سلمان (هاشتاغ)
Abdul_Hussein_Salman_Ati#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟