|
الديالكتيك الماركسي غطاء للمسيحية - 1-3
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 3689 - 2012 / 4 / 5 - 13:10
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الديالكتيك التأملي:
في موضوع: (كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك) المنشور في 6 أجزاء في الحوار المتمدن:
"قد تناولنا بصورة مفصلة تقريبًا أطروحات ماركس الأساسية حول المنطق الديالكتيكي ودور المولعون بالمنطق التأملي الهيغلي في العصر القديم. أما اليوم فهناك صناعتين لإنتاج المنطق الديالكتيكي التأملي: المثاليين الديالكتيكيين والماديين الديالكتيكيين .. أما الماديون الديالكتيكيون قد استخدموا المنطق الديالكتيكي من أجل المزيد من (الاكتشافات) التأملية حتى يفسحوا المجال لنسف كل أساس المعرفة المادية عن التاريخ؛ فالماديون الديالكتيكيون، أو الماركسيون، ينفصلون بين تأملات هيغل ومنطقه الديالكتيكي، فكأن للمنطق الديالكتيكي جانبين مختلفين، جانبًا مثاليًّا وجانبًا ماديًّا. وهكذا فكل من طرفي الديالكتيكيين يتحدثون عن علاقة ماركس بالمنطق الجدلي الهيغلي، ولكن دون أن يَرَوْا ضرورة إثبات ما يقولونه عن ماركس من خلال أطروحات ماركس نفسه، وحسب لينين فلا يمكننا فهم (رأس المال) ماركس، دون فهم مسبق للمنطق الديالكتيكي الهيغلي، أما كما رأينا سابقًا، فليس المنطق الديالكتيكي لدى ماركس، سوى محاولة لاكتشاف أسرار العالم، والأوحد في المعادلات المنطقية أو الإبدالات، وإنقاذنا من القلق والحيرة إزاء العالم وارتباطنا المنطقي أو اللاتاريخي به، وكما رأينا أيضًا فليس مضمون الأوحد سوى الصيغ الجوفاء للمناطقة عما يجري في رؤوسهم عن علاقة الفرد بالعالم، وفن التعبير عن هذا العالم في الإبدالات، وتحويل هذه الفكرة إلى تلك، وإيجاد الكلمات الوسيطية بين هاتين الفكرتين، أما الإبدال ليس غير شكل منطقي لسلسلة متقطعة من الأفكار المجردة، ليست لها أي أثر في الواقع؛ فلدى المناطقة يمكن النظر إلى كل العصور التاريخية ثم كل العلاقات بين البشر في كل عصر على حدة، من خلال بعض كلمات ومفاهيم مجردة، لا نجد أصلها في الواقع المادي، وهكذا فكل التاريخ يصبح سلسلة من الإبدالات، بدل سلسلة من التطور الصناعي والتجاري. فلماذا إذًا لا يمكننا فهم (رأس المال) دون فهم هيغل المثالي؟" المصدر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=204085
وهكذا، فلا الماركسيون ولا منتقدو ماركس ينطلقون من أطروحات ماركس الاقتصادية - التاريخية نفسه. ولكي نعرف ما الفرق بين طريقة ماركس التجريبية وطريقة المنطق الديالكتيكية في البحث، فعلينا البدء من أطروحات ماركس نفسه في (بؤس الفلسفة) و(العائلة المقدسة) و(الإيديولوجية الألمانية) التي تعطينا فرصة الفهم الكامل لمنهج ماركس المادي للتاريخ، فيبدو أن ماركس يناقض مجمل تصورات هيغل عن التاريخ بما فيها طريقة المنطق الديالكتيكية بتفاصيلها، الطريقة المجردة من أية مقدمات مادية، فماركس ينطلق من مقدمات واقعية تاريخية. والبشر الواقعيون لا البشر المعزولون عن بعضهم البعض في الديالكتيك هم الأساس المادي المشخص لدراسات ماركس التاريخية، فالديالكتيك يبحث علاقات البشر التاريخية في بعض لوائح ديالكتيكية تصبح لاحقًا لوائح أخرى تتحول إلى نقيضها في صورة فكرة مناقضة لذاتها وتعمل على نفي ذاتها ونفي نفيها، فتنقسم إلى فكرتين متناقضتين – الايجابي والنفي، نعم ولا، حسب ماركس، وهذا (النعم) تصبح لا، ولا تصبح نعم، نعم تصبح لا ونعم، ولا تصبح نعم ولا، وهذه هي حركة الديالكتيك المطلقة. لذلك فبدلا من أن يلجأ ماركس نفسه إلى تطبيق هذه الطريقة (نعم و لا) في البحث عن التاريخ المادي للبشر وحركة القوانين الاقتصادية وتناقضاتها مثل قانون فائض القيمة، وقانون معدل الربح، وقانون العرض والطلب ..الخ، فهو يسخر من برودون حين يطبق طريقة المنطق الديالكتيكي على الاقتصاد السياسي، ويقول:
" طبِّق هذه الطريقة على لوائح الاقتصاد السياسي فتحصل على منطق وميتافيزيك الاقتصاد السياسي" (ماركس، بؤس الفلسفة).
والآن لنسأل أنفسنا: هل (فائض القيمة) و(معدل الربح) و(العرض والطلب) قوانين مادية؟
ما جواب المنطق الديالكتيكي؟ انه نعم ولا في آن واحد.
يقول ماركس: "إن ما يشكل حركة الديالكتيك هو وجود جهتين متناقضتين وصراع هاتين الجهتين المتناقضتين وادغامهما في لائحة جديدة" (بؤس الفلسفة).
وهكذا، فمن خلال جواب السؤال أعلاه، سنواجه سلسلة متواصلة من اللوائح المتناقضة ومن الـ (نعم و لا)، ولكن دون الوصول إلى أية نتائج ايجابية، أي دون الوصول إلى أصل هذه القوانين الاقتصادية.
يقول ماركس: "لم يكن لدى هيجل مسائل ليضعها في قواعد. كان عنده ديالكتيك فقط. ولم يأخذ برودون من ديالكتيك هيجل إلا اللغة. وبالنسبة له فإن حركة الديالكتيك هي التفريق المبدئي بين الخير والشر"، "يرى برودون أن كل لائحة اقتصادية لها جانبان – جانب الخير وجانب الشر. وهو ينظر إلى هذه اللوائح كما ينظر البورجوازي إلى العظماء في التاريخ: كان نابليون رجلا عظيما، قد فعل كثيرا من الحسنات وفعل كثيرا من السيئات" (بؤس الفلسفة).
وهكذا، فاذا نظرنا إلى فائض القيمة مثلا، فعلينا البحث عن الجوانب الديالكتيكية المختلفة للقانون: جانب الخير وجانب الشر، حسناته وسيئاته.
أما إذا نظرنا إلى هذه القوانين المادية من وجهة نظر هيغل نفسه، فلا نصل إلا إلى التأمل الهيغلي عن العالم المسيحي.
يقول ماركس: "العلاقة التي اكتشفها الهر برونو ليست في الواقع سوى تحقيق نقدي كاريكاتوري لمفهوم هيغل عن التاريخ، وهذا المفهوم بدوره ليس سوى تعبير تأملي للعقيدة المسيحية الألمانية عن التعارض بين الروح والمادة، بين الله والعالم" (ماركس، العائلة المقدسة). و" .. يقبل شترنر هذه الجدلية المسيحية مغمض العينين، ومن ثم يطبقها على فكرنا بالذات" (ماركس، الأيديولوجية الألمانية).
لذلك لا نستغرب إذا يقول ماركس: "ومن الطبيعي أنه من المحال فهم سلوك الناس التجريبي والمادي بواسطة الجهاز النظري الموروث عن هيغل" (ماركس، الايديولوجية الالمانية، ص 247)
"إن الفلسفة الهيغلية قد حولت جميع الأمور إلى أفكار، إلى مقدس، إلى أطياف، إلى روح، إلى أرواح، إلى أشباح" (ماركس، نفس المرجع، ص 189).
و"غالبا ما يقدم هيغل عرضا حقيقيا، يحيط بالشيء نفسه، ضمن العرض التأملي. هذا العرض الواقعي ضمن العرض التأملي يوقع القاريء في الضلال فيأخذ التأمل على أنه الواقع والواقع على انه التأمل" (ماركس، العائلة المقدسة ، ص 73).
"هذه الطريقة، مثل كل طرافات النقد المطلق، هي تكرار لطرفة تأملية. يجب على الفلسفة التأملية، وان شئت الدقة فقل فلسفة هيغل، ان تحول كل المسائل من الحس الانساني العام إلى شكل الفكر التأملي، وان تغير المسألة الحقيقية إلى مسألة تأملية لتكون قادرة على الاجابة عنها" (العائلة المقدسة، ص 114).
اذن هل ممكن أن يبدأ ماركس من هذه الطريقة المسيحية للبحث عن القوانين المادية التاريخية؟
ان طريقة ماركس طريقة بعيدة كل البعد عن الطريقة الديالكتيكية للبحث عن علاقات البشر المادية، وكما يقول ماركس نفسه وبشكل من الاعتزاز، فطريقته انجليزية لا ألمانية، وتجريبية لا ديالكتيكية، فلا يرى ماركس في الطريقة الجدلية سوى السفسطة الهيغلية، أي الأفكار الهيغلية الديالكتيكية الفارغة من المعنى:
"يرى سيابر، أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة كييف، فيما يختص بالنظرية، على وجه التحديد، أنَّ طريقة ماركس هي طريقة المدرسة الإنجليزية كلها، إنها الطريقة الاستنتاجية التي نرى حسناتها ومساوئها عند أعظم منظري الاقتصاد السياسي" (ماركس، رأس المال(.
إذن ما التناقض بين طريقة ماركس التجريبية والطريقة الجدلية المسيحية في البحث؟
يتبع
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أطلقت اليونان شرارة الثورة المجالسية
-
نقد مفهوم الاشتراكية عند ماركس – 2 – 2
-
نقد مفهوم الاشتراكية عند ماركس - 1 – 2
-
ما مهمات الاشتراكيين؟ 2 - 2
-
ما مهمات الاشتراكيين؟ 1 - 2
-
ما بديل الكساد العظيم: الهمجية أم الاشتراكية؟
-
النظام الاستعماري يسبق النظام الرأسمالي -3-3
-
النظام الاستعماري يسبق النظام الرأسمالي -2-3
-
النظام الاستعماري يسبق النظام الرأسمالي -1-3
-
الدولة وثورة الكومونة – 5-5
-
الدولة وثورة الكومونة – 4-5
-
الدولة وثورة الكومونة – 3-5
-
الدولة وثورة الكومونة – 2-5
-
الدولة وثورة الكومونة – 1-5
-
مهزلة الليبرالية وضرورة الاشتراكية
-
كل شيء لأجل تطوير الحركة الاشتراكية العالمية: التضامن لا الج
...
-
الأخلاق الإسلامية والأخلاق الشيوعية
-
الاشتراكية بداية التاريخ
-
نقد الأخلاق عند لينين
-
الأزمة المعاصرة في تأملات الليبراليين الأخلاقية
المزيد.....
-
-حل العمال الكردستاني مقابل حرية أوجلان-.. محادثات سلام مرتق
...
-
عفو «رئاسي» عن 54 «من متظاهري حق العودة» بسيناء
-
تجديد حبس المهندس المعارض «يحيى حسين» 45 يومًا
-
«نريد حقوق المسيحيين» تظاهرات في سوريا بعد إحراق «شجرة كريسم
...
-
متضامنون مع المناضل محمد عادل
-
«الصيادون الممنوعون» في انتظار قرار مجلس الوزراء.. بشأن مخرج
...
-
تيار البديل الجذري المغربي// في خدمة الرجعية يفصل التضامن م
...
-
جريدة النهج الديمقراطي العدد 585
-
أحكام ظالمة ضد مناهضي التطبيع مع الكيان الصهيوني والجبهة تند
...
-
السيد الحوثي: العدو اعتدى على متظاهرين بسوريا واطلق عليهم ال
...
المزيد.....
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
المزيد.....
|