من وضع الجزائر في عين الإعصار؟


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 8312 - 2025 / 4 / 14 - 15:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لم تعرف الجزائر منذ إسترجاع إستقلالها وضعا ملتهبا على حدودها كما عرفته اليوم، بل أصبحت الجزائر محاصرة من كل الجهات تقريبا، وكأن هناك مخططا وضع بدقة يبدأ بوضعها في كماشة ثم الإنقضاض عليها في الوقت الملائم، كما أنه في السنوات الأخيرة لا تعرف الجزائر إلا صدامات متتالية مع جيرانها غربا وشرقا وجنوبا، وكذلك مع دول شمال المتوسط كإسبانيا ثم فرنسا التي وصلت العلاقات معها إلى أسوء أحوالها، ولو أن السلطة في الجزائر تفسر ذلك بتأثيرات اليمين المتطرف في باريس، لكن لا ننسى أن في الجزائر أيضا من يدفع إلى ذلك الصدام عمدا ليس خدمة لمصالح الجزائر، بل خدمة لمصالح دول أخرى يوالونها، ويخدمون مصالحها على حساب الجزائر، وقد تغلغل هؤلاء بقوة في دواليب الدولة مستغلين الحراك الشعبي في 2019. فهذه الأطراف لا تعمل فقط لخدمة الدول الأجنبية التي يوالونها، بل يدفعون عمدا الجزائر إلى الصدام مع الكثير من الدول لإضعافها من جهة، وممكن دفعها إلى حرب تسمح لهذه الأطراف بالإستيلاء على السلطة بشكل تام في الجزائر. ان هناك عدة أسئلة مطروحة كيف تحولت الجزائر من سياسة تعتمد على التوازن مع كل الدول وعلاقات جيدة معها سواء كانت فرنسا أوتركيا أو الصين وأمريكا وغيرها إلى سياسة صدامات لا تخدمها على الإطلاق. ونحن نعلم جميعا بأن الصدامات مع الدول بدل التعاون سيجعلك خاسرا على كل الخط، وممكن ان يضرب إستقرارك الداخلي.
لا نعلم كيف لم ينتبه النظام في الجزائر أنه قد وقع تحت تأثير أطراف تعمل لقوى خارجية وموالية لها، ولا يعلم ان أخطر شيء على أي دولة ما هو سماحها بوجود قوى موالية لدول أجنبية، وتحتمي بهان وتتصارع تلك الدول بواسطة وكلائها، فهل نسينا كيف انهار لبنان بسبب هؤلاء الوكلاء، وكذلك ليبيا وغيرها الكثير من الدول. هل نسيت السلطة في الجزائر مثلا كيف غيرت تركيا سياستها ب180درجة مباشرة بعد إندلاع الربيع العربي بعد ما كانت على علاقات وطيدة جدا مع نظام بشار الأسد، ودعمته بقوة؟، فهل نسيت كيف قفزت حركة حمس من الباخرة بمجرد ما بدأ الربيع العربي بعد ما كانت حليفة موثوق فيها مع أحزاب السلطة آنذاك الأرندي والآفالان. ما يؤسف له أن الوطنيين في الجزائر الذين يضعون مصلحة الجزائر فوق كل إعتبار قد همشوا بشكل كبير، وأخذ مكانهم داخل دواليب الدولة أطرافا موالية لقوى خارجية معروفة، وهي فرنسا وتركيا والإمارات العربية المتحدة، فأصبحت هذه الأطراف تتصارع فيما بينها، وكل واحد منهم يريد إبعاد الآخر ليس خدمة للجزائر، بل خدمة للدول التي يوالونها، خاصة في المجال الجيوستراتيجي والإقتصادي والأسواق وغيرها. فجزائر السنوات الأخيرة لم تهمش فقط الوطنيين، بل همشت الكفاءات الدبلومسية والإعلامية والثقافية والفكرية وغيرها، وعوضتها بأطراف ليس فقط رديئة، ولا تمتلك خبرة، بل إنتهازية ووصولية بإستعدادها لتبرير كل شيء حتى ولو تعلم أنها ضد مصلحة الجزائر، إضافة أنها منغلقة في تفكيرها دون أن ننسى ممارستها الشعبوية في إتخاذ القرارات، وتعتقد أن السياسة هي ممارسة العنتريات، وهي الذهنية التي يستغلها أعداء الجزائر بطريقة لعبة الثيران الإسبانية كي تقع الجزائر في الأخير مثل ذلك الثور الذي يقع نتيجة ردود أفعاله المميتة. كما نضيف أمر خطير آخر هو الإستناد على مواقع التواصل الإجتماعي في رسم السياسات وإتخاذ القرارات غافلين بأن ذلك ما تعرفه القوى المعادية، فاصبحت تؤثر بواسطة عملائها في تلك المواقع كي تدفع الجزائر إلى قرارات تصادمية تخدم القوى المعادية دون أن ننسى غلق أي نقاش في وسائل الإعلام والسماح للتعبير فقط للأصوات المطبلة لا غير. وسنشرع الآن في إعطاء أمثلة على هذه التغيرات في سياستنا الخارجية، وكيف أدت على محاصرة الجزائر من كل الجهات وتحويل الأصدقاء والحلفاء إلى أعداء.
فمثلا كي نفهم ما يحدث مؤخرا على حدودنا الجنوبية يجب أن نشير بأن الإستعمار الفرنسي عندما خرج من البلدان الأفريقية أقام عدة دول بشكل مصطنع، وليس على أسس طبيعية كي تبقى دائما غير مستقرة، ويسهل التدخل والتحكم فيها، إضافة إلى مشاكل حدودية، مما جعل منظمة الوحدة الأفريقية تقر في 1963 مبدأ "احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار" كي لا تتحول القارة إلي ساحة حروب حدودية. ومن هذه الدول جمهورية المالي التي تعرف صراعا بين شمالها(توارق) وجنوبها، وعندما استرجعت الجزائر استقلالها، وبعد تولى بن بلة السلطة ارتكب خطأ فادحا بوقوفه مع باماكو ضد الشمال بتأثير من مصر عبدالناصر آنذاك، لكن بعد تولى الرئيس هواري بومدين المعروف برفضه أي ولاءات للخارج السلطة في1965 صحح الوضع، فأصبحت الجزائر منذ تلك الفترة تضغط على حكومة باماكو، وتؤثر عليها كي لا تمس بحقوق سكان الشمال، أي التوارق، لأنه كان يدرك بأن اي انفصال للشمال، سيؤثر على الجنوب الجزائري لأن مسألة التوارق تشبه تقريبا مشكلة الأكراد في الشرق الأوسط، فهم موزعون على حدود عدة دول متجاورة، ولهذا كانت الجزائر دائما مؤثرة في المالي ودول الساحل حفاظا على إستقرار ووحدة هذه الدول، ومن خلال ذلك الحفاظ على الأمن الإستراتيجي للجزائر ، ولم تتخل الجزائر عن هذا التأثير حتى عندما كانت تعاني من الإرهاب، وكانت تراقب كل صغيرة وكبيرة فيها. لكن منذ سنوات أصبحت منطقة الساحل محل صراع قوى دولية وأقليمية، خاصة بعد التدخل العسكري الفرنسي في2012 بسبب ما تحتويه المنطقة من ثروات هائلة جدا، خاصة الذهب واليورانيوم، ومن هذه القوى، نذكر فرنسا وأمريكا وروسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والسعودية. ففي هذه الفترة عرفت الجزائر صراعات داخلية حادة، وتعرض الوطنيون داخل مؤسسات الدولة بعد عملية تغنتورين لهجمة شرسة من وكلاء لقوى خارجية، خاصة فرنسا والإمارات، ليضاف لهم مؤخرا وكلاء تركيا الذين تغلغلوا بقوة داخل بعض المؤسسات، فبذلك ضعف النفوذ الجزائري في هذه الدول، وترك الساحة لقوى دولية وإقليمية، ومنها فرنسا وروسيا وتركيا والإمارات، وكذلك المناورات المغربية، ليقع الإنقلاب في المالي لأول مرة منذ عهد الرئيس بومدين دون علم الجزائر وضدها. وهو ما حول الجزائر إلى دولة محاصرة من كل الجهات، وتنفذ ضدها كل المخططات لإضعافها، وأحيانا بدعم داخلي من وكلاء فرنسا وتركيا والإمارات. أكيد الكثير سيقولون ما هو الحل اليوم؟. اعتقد انه يجب التصرف بحذر شديد ودراسة كل السيناريوهات لأن هناك من يريد جر الجزائر إلى حرب هي في غنى عنها، وليست في مصلحة المنطقة كلها، ويبدو انه هذا ما يراد منه من اختراقات درون الأخيرة حيث يجب الرد عليها حسب الاعتداء فقط لا غير، أي الاكتفاء بالدفاع عن سيادتنا وحدودنا الجوية والبرية فقط كما يقره القانون الدولي، فجيشنا جيش دفاعي أصلا، فلنحذر من الوقوع في مخطط قديم وراءه الكيان الصهيوني وقوى غربية، وهو إثارة حروب بين أفريقيا البيضاء والسمراء، كي يسهل لهذا الكيان التغلغل في المنطقة، وقد حاولوا ذلك في1972 عندما اندلعت حربا حدودية بين موريتانيا والسنغال، لكن لحسن الحظ تمكن حكماء وعقلاء أفريقيا من إجهاض ذلك المخطط الخبيث في مهده، وكان من ضمن هؤلاء بومدين وجوليوس نيريري وغيرهم. وللأسف هناك من يغذي صراعا على أساس اللون في أفريقيا وفق مخطط أستغلت فيها حتى السنيما عندما تم تصوير ماسنيسا الجزائر وكيليوبترة المصرية في أفلام إيطالية وأمريكية بأنهم ذوي بشرة سوداء، وكأن البيض جاءوا من الخارج وأحتلوا أفريقيا التي كلها ذو بشرة سوداء متغافلين عوامل المناخ وغيرها في لون البشرة، فسكان شمال أفريقيا يطلون على البحر المتوسط ويعيشون في جنوبه وغربه، ولهذا لونهم مثل لون سكان شمال المتوسط، لكن للأسف أبتلع الطعم من الكثير، مما جعل البعضن حتى ولو كانوا أٌقلية يطالب بطرد ذوي البشرة البيضاء.
كما تشكل قضية الصحراء الغربية مدخلا لعزل الجزائر، فيكاد يقع إجماع بأن قضية الصحراء الغربية تحولت في السنوات الأخيرة إلى عامل أساسي في الاصطدام مع عدة دول وقوى إقليمية وعالمية، مما جعل الجزائر تفقد الكثير من مصالحها، بل أصبحت مهددة حتى في أمنها الإستراتيجي، ولم يحدث هذا اطلاقا للجزائر منذ بداية هذه القضية في1975. وهو ما جعل الكثير يرون بأن هذه القضية أصبحت عبئا ثقيلا على الجزائر، ويطالبون بالتخلي عنها حفاظا على مصالح الجزائر وأمنها ووحدتها. نعتقد ان التخلى عنها أمرا خطيرا، وسيضر الجزائر أكثر، لكن يجب علينا تصحيح دبلومسية عرجاء في السنوات الأخيرة سببها تهميش الكفاءات والاستعانة بالرداءة والإنتهازيين والمتملقين، وكذلك بعناصر تغلغلت في دواليب السلطة مؤخرا، وتريد الدفع بالجزائر الي الهاوية كي يستولوا على السلطة. فهل من المعقول ان تقطع الجزائر علاقتها أو تهدد بقطعها مع كل دولة تؤيد الموقف المغربي حول قضية الصحراء الغربية؟. ان هذا التصرف أما انه ينم عن عدم فهم لماذا تقف الجزائر مع الشعب الصحرواي او عن انعدام الكفاءة أو الدفع بالجزائر الي صدام مع دول أجنبية كي تكتسب السلطة دعما داخليا او إضعافها ودفعها إلى الهاوية كي تسنح الفرصة لأطراف يريدون الإستيلاء على السلطة مستغلين ذلك الضعف.
ان قضية الصحراء الغربية هي قضية بين الصحراويين والمغرب الأقصى لا غير، وتدعم الجزائر الصحراويين لأنها قضية تصفية استعمار، وتدعمها كما ندعم كل قضايا التحرر في العالم بناء على مبدأ أساسي في سياستها الخارجية. كما أنها تعي بأن للمغرب سياسة توسعية، فأخذها الصحراء الغربية معناه المطالبة بآراض أخرى في المنطقة وفقا لما يسميه ب"الحدود التاريخية للمغرب" الممتدة من ميناء سانت لوي في السنغال الي أجزاء في الجنوب الغربي للجزائر - حسب خريطة علال الفاسي في 1956-، وهي حدود تدعي المغرب أنها قد وصلتها في عهد السلطان اسماعيل في القرن18، فلهذا لا تعترف بمبدأ "احترام الحدود الموروثة عن الإستعمار" الذي اقرته منظمة الوحدة الأفريقية في1963، وهو ما يعني عدم احترام المغرب للقانون الدولي، وتريد تحويل القارة الافريقية إلى ساحة حرب خدمة لمصالح تجار الأسلحة والقوى الإستعمارية. فالجزائر تؤيد الصحراويين على هذه الأسس لا غير.
ولهذا لا نعلم لما نصطدم ونهدد بقطع علاقتنا مع كل دولة تقف ضد الصحراء الغربية، وهو ما لم نكن نفعله في الماضي منذ عهد الرئيس هواري بومدين الى عهد بوتفليقة. كما أن الدبلومسية تسير بالتدرج وحسب الامكانيات سواء في اتخاذ المواقف او ردود الفعل على مواقف دول وسياساتها، وليس بالذهاب الي أقصى المواقف والردود من البداية، ثم تضطر إلي التراجع، فتتحول إلى اضحوكة أمام العالم وقواه التي ستكتشف ضعفك، فتبتزك شيئا فشيئا بعد ما كشفت كل أوراقك، ورميت بها على الأرض. فلنواصل في دعم قضية الصحراء الغربية بصفتها قضية تصفية استعمار مع عدم ربط علاقاتنا مع دول العالم بها لأنها قضية تخص فقط الصحراويين والمغرب. فنبقى بذلك أوفياء لمبادئنا دون المساس بمصالح الجزائر والاصطدام بدول يمكن أن ندفع بسبب ذلك ثمنا باهظا بدل ما نبني معها علاقات جيدة في إطار مبدأ "رابح-رابح"..
نعتقد أنه نفس الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية، فالجميع يعلم بأن مثلا الرئيس بوتفليقة كان يدعم الشعب الفلسطيني بقوة، لكن لا يتباهى بذلك، ويظهر كأنه عنتر بن شداد في زمن إنتهت فيه العنتريات، فما يمنعنا أن نقوم بنفس الشيء اليوم. لكن نعتقد أن ممارسة الشعبوية لإكتساب شرعية أصبحت عاملا رئيسيا حتى في تحديد سياساتنا الخارجية، وهو أمر خطير لأن أذا مارسنا ذلك، وحاولنا إرضاء الذين لايفهمون شيئا في الشؤون الدولية وأسرارها سنجد أنفسنا نصطدم بالحائط، وسنعادي العالم كله، فلنتصور مثلا لو أن الجزائر سمعت لضغط الشارع عندما هوجم العراق على يد التحالف الثلاثيني بعد غزوه الكويت في 1990، ماذا كان سيقع لنا؟. قد حان الوقت لنضع مصالح الجزائر فوق كل إعتبار وإبعاد كل من يخدمون مصالح قوى أجنبية على حساب الجزائر التي يجب أن تكون قبل كل شيء.