ما هي المعرفة ، وما هو دور الممارسة في عملية المعرفة وأساسها ؟ وحديث عن المعرفة الحسية والمعرفة المنطقية .......


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 8259 - 2025 / 2 / 20 - 18:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

المعرفة هي الانعكاس الفعال الهادف للعالم الموضوعي وقوانينه في مخ الإنسان ومصدر المعرفة هو العالم الخارجي المحيط بالإنسان، فهو يؤثر على الانسان ويثير لديه الاحاسيس والتصورات والمفاهيم المعنية. فالانسان يرى الغابات والحقول والجبال، ويشعر بالحرارة ويدرك ضوء الشمس، ويسمع تغريد الطيور ويشم عبير الزهور، ولو لم تؤثر عليه هذه الأشياء الموجودة خارج وعي الانسان لما كان لديه أقل تصور عنها.
الاعتراف بالعالم الموضوعي وأشيائه وظواهره باعتبارها المصدر الوحيد للمعرفة الانسانية هو المسلمة الأساسية لنظرية المعرفة الماركسية المادية الجدلية.
"إن السمة المميزة الأساسية لنظرية المعرفة الماركسية هي انها وضعت عملية المعرفة على أساس من الممارسة ومن نشاط الناس المادي الإنتاجي ففي مجرى هذا النشاط بالذات يعرف الانسان الاشياء والظواهر، والممارسة في الفلسفة الماركسية هي نقطة انطلاق، أساس عملية المعرفة ومعيار صحة المعارف على حد سواء.
ففي النشاط العملي للناس والإنتاج المادي بالذات تظهر الفعالية والتوجه للمعرفة الانسانية. فالإنسان لا يمارس تأثيرا فعالا على العالم المحيط به وحيدا ، بل بالتعاون مع غيره من الناس ، مع المجتمع ككل. وهذا يعني أنه إذا كان العالم المادي هو موضوع المعرفة ومصدرها فإن المجتمع الانساني هو الذات بالنسبة للمعرفة وحاملها، والاعتراف بالطبيعة الاجتماعية للمعرفة سمة مميزة هامة لنظرية المعرفة الماركسية.
فالمعرفة من وجهة نظر المادية الجدلية هي العملية اللامتناهية لاقتراب التفكير من الموضوع الجارية معرفته ، وهي حركة الفكر من الجهل إلى المعرفة، ومن المعرفة غير الكاملة وغير الدقيقة إلى معرفة أكثر كمالاً ودقة، وتسير المعرفة إلى الأمام كاشفة عن جوانب جديدة متزايدة للواقع ومستبدلة النظريات البائدة بنظريات أخرى جديدة، ومضيفة مزيداً من الدقة على النظريات القديمة" .
في هذا الجانب أعتقد أن من المفيد والضروري أن أشير إلى هزال وهشاشة المعرفة في بلداننا العربية مستعينا بوجهة نظر المفكر العلماني الليبرالي أدونيس الذي يرى بحق أن " المعرفة العربية السائدة معرفة غير نقدية ، ذلك أنها نشأت وتنشأ في أحضان الجواب. ومن هنا كان طابعها الغالب فقهياً - شرعياً ، حتى في الآداب والفنون. وفي هذا ما يوضح كيف أن الثقافة العربية المهيمنة تمارس النقد بصورة غير نقدية ، والفكر والفلسفة بصورة غير فكرية وغير فلسفية ، والعلم بصورة غير علمية ، والشعر والفنّ بطرق غير شعرية وغير فنّية.
ذلك إن الثقافة العربية المهيمنة _ كما يضيف أدونيس _مجموعة من المؤسسات الاجتماعية - الأخلاقية - السياسية. إنها ثقافة بلا ثقافة "

- الممارسة نقطة انطلاق عملية المعرفة وأساسها:
الممارسة هي النشاط الفعال للناس في تحويل الطبيعة والمجتمع، وأساس الممارسة هو العمل، الانتاج المادي، كما تشمل الممارسة كذلك النضال السياسي، الطبقي وحركة التحرر الوطني والتجارب العلمية. والممارسة اجتماعية من حيث طابعها، فهي ليست نشاط افراد معزولين بل نشاط جماعات كبيرة من الناس، نشاط جميع الشغيله، أي أولئك الذين ينتجون الخيرات المادية، إلى جانب نشاط الأحزاب والحركات الثورية.
والممارسة هي نقطة انطلاق المعرفة وأساسها :
"إن الممارسة ليست فحسب أساسا للمعرفة بل هي كذلك هدف للمعرفة، فإن الانسان لا ينكب على معرفة العالم المحيط به وكشف قوانين تطوره الا بغية استخدام نتائج المعرفة هذه في نشاطه العملي ".
- وحدة النظرية والممارسة :
المعرفة أحد أشكال نشاط الناس، انها نشاطهم النظري، غير ان النظرية بذاتها عاجزة عن تغيير الواقع، هذا ما يميزها عن الممارسة. فالنظرية انما تعكس العالم فحسب، تعمم خبرة البشرية العملية، ولكنها إذ تعمم الممارسة تترك تأثيراً معاكساً عليها وتسهم في تطورها، فالنظرية دون الممارسة عديمة المعنى، والممارسة دون النظرية عمياء، فالنظرية تهدى الممارسة إلى الطريق وتشير إلى اكفأ وسائل تحقيق الأهداف العملية . فالوحدة بين النظرية والممارسة هي المبدأ الأعلى للماركسية .

- من التفرج (أو التأمل) الحي إلى التفكير المجرد:
المعرفة لا تقف ساكنة، بل تتحرك وتتطور على الدوام، وبحد تطور المعرفة تعبيراً عنه في حركتها من التفرج الحي المباشر إلى التفكير المجرد. يقول لينين: "من التفرج الحي إلى التفكير المجرد ومنه إلى الممارسة – هذا هو الطريق الجدلي لمعرفة الحقيقة، لمعرفة الواقع الموضوعي".
- المعرفة الحسية:
تبدأ المعرفة دائماً بالإطلاع على أشياء العالم الخارجي عن طريق الحواس ، فالحواس أشبه بنافذة "ينفذ" منها العالم الخارجي إلى ذهن الإنسان، وتمكن الحواس الإنسان من معرفة ألوان وروائح وأصوات الطبيعة ومذاق مختلف ثمارها وإلخ. والإحساس هو الشكل الرئيسي للمعرفة الحسية، والإحساس ، هو انعكاس لمختلف الخصائص والسمات والجوانب للشيء، فالاشياء قد تكون ساخنة أو باردة، معتمة أو فاتحة، ناعمة أو خشنة، وكل هذه الخصائص وغيرها تولد احاسيس معينة بتأثيرها على حواسنا.
والأمر الذي يجعل الاحاسيس ذات أهمية هائلة في عملية المعرفة هو انها تعطينا المواد التي تمكننا من الحكم على الشيء، وتقوم كل عملية المعرفة اللاحقة على المعلومات التي تقدمها لنا احاسيسنا عن الشيء.
"إن خبرة الانسان اليومية ومعطيات العلم تبين أن الحواس لا تخدعنا ، فإذا ثار لدينا شك في بيانات احد هذه الحواس فإننا نلجأ إلى غيرها من الحواس، فإذا لم يصدق الانسان عينيه فإنه يلجأ إلى استخدام اصابعه، وإذا لم تكن هذه كافية فإن في خدمته اعين واصابع الاخرين، وإذا لم يكن هذا كله كافياً فإن الانسان يلجأ إلى الأدوات والتجارب والخبرة العملية.
وهكذا فإن الحواس إذ تتم مراجعتها ببعضها البعض وباحاسيس الآخرين وبالخبرة والتجربة والممارسة تقدم لنا بشكل عام فكرة صحيحة عن الأشياء المتاحة لنا.
ومن أشكال المعرفة الحسية، إلى جانب الإحاسيس ، المدركات والتصورات، فالادراك شكل أرقى من أشكال المعرفة الحسية، وهو يعكس الشيء في كليته الحسية المباشرة وفي مجموع جوانبه الخارجية وسماته المميزة.
أما التصور فهو استرجاع في ذهن الانسان لما تم إدراكه سابقاً، فنحن نستطيع ، مثلاً، أن نسترجع في ذهننا، ان نتصور، هيئة معلمنا القديم رغم اننا لم نشاهده منذ سنوات طويلة".
- المعرفة المنطقية:
إن الصورة التي تقدمها حواسنا غنية متنوعة للغاية ورغم ذلك فإنها محدودة بعيدة عن الكمال. فالمعرفة الحسية لا تعطينا الا فكرة عن الجوانب الخارجية للاشياء، فمن الممكن بواسطة الحواس ان نرى مصباحاً كهربائياً مثلاً ، ولكن لا يمكن أن نتصور ان الكهرباء تيار من الاليكترونات التي تتحرك بسرعة معينة. كما انه من غير الممكن ان ندرك عن طريق حواسنا سرعة الضوء الهائلة وحركة الدقائق الأولية في الذرة وكثيراً غيرها من ظواهر الطبيعة والحياة الاجتماعية المعقدة.
"وباختصار فإن المعرفة الحسية لا تستطيع ان تكشف عن الطبيعة الداخلية للأشياء ، عن جوهرها، عن قوانين تطورها، في حين أن هذا هو الهدف الرئيسي للمعرفة.
ومن المعلوم جيداً أن معرفة القوانين وجوهر الأشياء هي وحدها التي تصلح كمرشد للانسان في نشاطه العملي، وهنا يهب لنجدته التفكير المجرد أو ، كما يسمى أيضاً، التفكير المنطقي.
ان التفكير المنطقي هو مرحلة جديدة كيفياً وأرقى في تطور المعرفة، ودوره ان يكشف عن خواص الشيء وسماته الرئيسية، ففي مرحلة التفكير المنطقي تتحقق معرفة قوانين تطور الواقع الضرورية جداً للانسان في نشاطه العملي".