اليهود ليسوا شعبا وليسوا أمة
غازي الصوراني
الحوار المتمدن
-
العدد: 8220 - 2025 / 1 / 12 - 14:09
المحور:
القضية الفلسطينية
أشير إلى أن "هوية دولة إسرائيل" المرتبطة بمفهوم "الشعب" أو "الأمة اليهودية" ستظل هوية مزيفة، مضطربة غير قادرة على إثبات وجودها بصورة علمية أو موضوعية أو تاريخية كجزء من نسيج المنطقة العربية، وبالتالي لا يمكن تكريس هذه الهوية إلا بدواعي القوة الإكراهية الغاشمة المستندة إلى دعم القوى الإمبريالية، فإسرائيل ستظل "كياناً استعمارياً غاصباً وعنصرياً غريباً مرفوضاً في المنطقة العربية من ناحية وستظل الحركة الصهيونية عاجزة عن الحديث عن "أمة" يهودية بالمعنى الموضوعي أو العلمي، كما هو الحال بالنسبة للحديث عن "امة إسلامية أو مسيحية أو بوذية" من ناحية ثانية، ما يعني أن هذه "الدولة" لا تعدو كونها مجتمع عسكري يضم أجناساً متباينة روسية وبولندية وأوكرانية وأوروبية وآسيوية وعربية وأفريقية، كل منها له ثقافته وتراثه المختلف عن الآخر، وجدوا في الفرصة التي أتاحتها الرأسمالية العالمية لهم بالذهاب إلى فلسطين واستيطانها بذريعة "العودة إلى أرض الميعاد" مخرجاً لهم من أزماتهم أو مدخلاً لتحقيق مصالحهم الطبقية، إذ انه بدون تشجيع ودعم رأس المال الأوروبي عموماً والبريطاني خصوصاً لما كان من الممكن أن تتقدم الحركة الصهيونية خطوة واحدة إلى الأمام، ما يؤكد على أن التقدم الاقتصادي والعسكري الذي أحرزته دولة العدو الإسرائيلي لم يكن ممكناً دون الدعم المتواصل حتى اللحظة من القوى الإمبريالية والبرجوازية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
فاليهودية ليست ولا يمكن أن تكون قومية بأي مفهوم سياسي سليم كما يعرف كل عالم سياسي، ورغم أن اليهود ليسوا عنصراً جنسياً في أي معنى ، بل “متحف” حي لكل أخلاط الأجناس في العالم كما يدرك كل أنثروبولوجي، فإن فرضهم لأنفسهم كأمة مزعومة مدعية في دولة مصطنعة مقتطعة يجعل منهم ومن الصهيونية حركة عنصرية أساساً هدفها الاغتصاب والقتل وممارسة كل اشكال الارهاب وتلك هي وظيفتها في خدمة المصالح الامبريالية... فالعنصرية الصهيونية - كما يقول البروفيسور اليهودي الأمريكي نورمان فينكل ستاين وهو من أبرز المناهضين للحركة الصهيونية- "إن الفلسفة العنصرية الصهيونية قد غرست في أعماق العقل الباطن الإسرائيلي العنصري كراهية لا ترويها إلا الدماء، فلا فرق لدى العنصري أن كانت الدماء المسفوكة لأطفال أو لنساء حوامل أو كبارا في السن" ....
وفي هذا الجانب، لا بد من التأكيد على أن أحوال الضعف والتخلف السائدة في بلدان الوطن العربي، بسبب هيمنة القوى الرجعية شبه الإقطاعية والبرجوازية على قيادة الحركة الوطنية منذ أوائل القرن العشرين، ساعدت في خلق الظروف الملائمة لنجاح الاستعمار في دعم وتطوير الحركة الصهيونية وإقامة مستوطناتها ومؤسساتها السياسية والعسكرية والاقتصادية تمهيداً لاغتصاب فلسطين وإعلان "دولة إسرائيل" في 15 أيار 1948، التي لم يتم الاعتراف بها من الجمعية العامة للأمم المتحدة إلا بشرط اعتراف حكومة بن جوريون ووزير خارجيته موشي شيرتوك وتعهدهما تنفيذ كل من قرار التقسيم رقم 181 الصادر في 29/نوفمبر/1947 وقرار (194) (11/12/1949) الخاص بحق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، لكن الدولة الصهيونية، بعد حصولها على اعتراف الأمم المتحدة بها، سرعان ما تراجعت عن تعهداتها، بمثل ما تراجعت ورفضت فيما بعد كافة قرارات الشرعية الدولية ومواثيقها منذ عام 1948 إلى يومنا هذا، مروراً برفضها تطبيق اتفاق أوسلو سيء الذكر وكافة الاتفاقات اللاحقة، على الرغم من إجحاف كل هذه القرارات والاتفاقات بحقوق الشعب الفلسطيني، إلى جانب رفضها لما يسمى ب "المبادرة العربية"، خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق ترامب الاعتراف ب القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
وفي مثل هذه العلاقة الأمريكية الصهيونية منذ مؤتمر بلتيمور الذي عقد في التاسع من أيار/1942 في فندق بلتيمور في نيويورك، وهو المؤتمر الأخطر الذي تقرر فيه تنفيذ الوعد البلفوري، وهو الأهم للحركة الصهيونية – كما يقول نواف الزرو – "إذ شكل نقطة تحول تاريخية في علاقات الحركة الدولية؛ فتحول مركزها من لندن إلى واشنطن، وأصبحت الولايات المتحدة الحاضنة الاستعمارية للمشروع الصهيوني بدلًا من بريطانيا"، ومنذ ذلك التاريخ تسارع تطور الكيان الصهيوني اقتصاديا وعسكريا وصولا إلى لحظة الهزيمة الكبرى في الخامس من حزيران 1967 التي فجرت النزعات اليمينية الصهيونية بشقيها العلماني والديني، وها نحن اليوم في ضوء التطبيع العربي باتت الدولة الصهيونية أحد أهم القوى العسكرية والاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط الى جانب ايران و تركيا ، وأصبحت البلدان العربية مجرد أرقام لا قيمة لها في العلاقات الدولية، علاوة على استعدادها لتمرير الصفقات والمخططات الامبريالية/الصهيونية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وإهمال كافة قرارات الشرعية الدولية المرتبطة بحقوق شعبنا الوطنية والتاريخية، يؤكد على ذلك الصمت الجبان لمعظم حكام العرب عموما ولحكام الخليج والسعودية الذين وافقوا صاغرين على مطالب الرئيس بايدن بالنسبة للنفط وللعلاقة مع الكيان الصهيوني.