عن أهمية الوعي العميق بالنظرية وبكل جوانب الواقع المعاش كشرط للارتقاء بالحزب التقدمي الديمقراطي وانتشاره جماهيريا


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 8179 - 2024 / 12 / 2 - 16:25
المحور: قضايا ثقافية     

إذا كنا نتفق على أن المعرفة هي ثمرة أولية من ثمار الفكر باعتباره وعياً مرتبطاً بالواقع المعاش وعاكساً له، فليس معنى ذلك تطابق هذه المعرفة بالواقع مع شمولية الفكر وفضاءه الواسع؛ إذ أن حجم المعرفة ودورها يتحددان حسب نسبة أو درجة تفاعلهما مع الفكر وحركة تطوره التاريخي، وهو تفاعل مرهون بدرجة تطور وحركة الواقع وصراعاته وتناقضاته الداخلية والخارجية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) في هذه المرحلة أو تلك من جهة، وبدرجة عمق وقوة الوعي الذاتي لدى المثقف العضوي في إطار العقل الجمعي أو الحزب الماركسي ودوره في مجابهة الواقع وتغييره من جهة ثانية؛ فبدون امتلاك الوعي بالنظرية والواقع تتعرض حركة الحزب وصيرورته لمخاطر الارتجال والعفوية والتفكك التنظيمي التي تولد بدورها مظاهر الشللية والانتهازية والهبوط السياسي والفكري، إلى جانب مظاهر التطرف العدمي الانتهازي، ما سيؤدي بالحزب إلى التفكك والتلاشي.
وفي كل الأحوال؛ فإن الممارسة هي أحد المعايير الهامة للحكم على وعي قيادة هذا الحزب أو ذاك وأعضائه.. فالممارسة هي التي تدل على الوعي بالنظرية ووضوح الرؤية، بمثل ما تدل أيضاً على الإرباك والتخبط السياسي والفوضى وانتشار الشعور بالاغتراب بين الأعضاء تجاه أفكار الحزب ومبادئه، ومن ثم يكون من الطبيعي أن تتراجع القناعات والدافعية الذاتية جنباً إلى جنب مع تراجع فكرة الانتماء والالتزام بالحزب، وفي هذه الحالة لا يكون مستغرباً أن يعيش الحزب حالة عميقة من العزلة عن الجمهور؛ يستحيل تجاوزها بدون خروجه من حالته المأزومة صوب النهوض، وتلك مهمة صعبة، لكنها قابلة للتحقق عبر كل المخلصين لمبادئ الحزب وأهدافه من الكوادر والأعضاء؛ الأمر الذي يفرض بداهة مزيداً من الاهتمام بكل من الوعي والممارسة في الحزب الماركسي لمحاولة تحديد الإشكالية والخروج منها صوب نهوض الحزب؛ فمن الظواهر الخطيرة لدى معظم أحزاب وفصائل اليسار العربي، أنها تتحدث عن الوعي والممارسة في وثائقها ومنشوراتها دون متابعة أو تفعيل وتفاعل على صعيد الممارسة يجسد انتماء الأعضاء واقتناعهم ودافعيتهم، مما أدى إلى مزيد من عزلتها عن الجماهير، بينما في المقابل، لا تمتلك الجماهير أطر منظمة فعالة، وبالتالي فإن وعيها العفوي البسيط لا يمكن أن يوصلها إلى حراك ثوري جذري أو تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبرى، بل بعض المتغيرات في ديكور السلطة أو تحقيق بعض المطالب الاقتصادية الصغيرة، وعلى الرغم من أن فقر الجماهير ومعاناتها وبؤسها وحرمانها يدفعها للتمرد العفوي، إلا أن السلطة الحاكمة (ليبرالية أو دينية) تمتص تمردها - بصورة انتهازية أو قمعية - وتدعوها للسكينة أو ترهبها. فالنشاط العفوي؛ يوجد الأزمة الشاملة التي تحاصر الفئات الحاكمة، وإذا لم يتوفر الحزب الطليعي الثوري الملتصق بالجماهير والمعبر عنها، فإن قوى اليمين أو قوى الثورة المضادة تتولى السيطرة على حركة الجماهير وافراغها من مضامينها.
ويطرح هذا الوضع قضيتين نقضيتين: الوعي والتنظيم؛ فهل تستطيع الجماهير تطوير وعيها وتنظيم صفوفها؟
وجوابي إنها عاجزة عن ذلك، لأن العمل التنظيمي (الحزب)، وكذلك مواجهة القوى الحاكمة، بحاجة إلى تقنية عالية مسبوقة بالوعي والرؤية والبرامج الواضحة، بحاجة إلى الثقافة، والدراسة والاضطلاع والمتابعة اليومية لكل شأن من شئون الصراع مع العدو الوطني أو على مستوى التناقضات الداخلية والصراع الطبقي؛ فالممارسة هي التي تدل على طبيعة الوعي.
وهنا يبرز دور الفئات الواعية، والمناضلة والمثقفة، لأنها القادرة على تأسيس الإيديولوجيا المناهضة للإيديولوجيا السائدة، والقادرة على هزيمتها، وفي هذا الجانب نؤكد على أن الوعي دون ممارسة ثورية، لا يؤدي الى انتصار، وكذلك فإن الممارسة الثورية دون وعي ثوري، لا تحقق نفس الغرض؛ إنهما معاً طريق الانتصار، لأن الوعي الثوري يضيف للحركة العفوية؛ العقل والتنظيم، وهما مكمن قوة.، وتجعل التقدم صوب إنهاء مظاهر التبعيةوالاستبداد والتخلف ممكناً، بل وضرورياً، لأنه يعطي التنظيم (بعد أن يستكمل كافة الشروط) القوة الجبارة التي تدعمه وتجعل انتصاره محتماً.