مقارنة غير منطقية بين تطور المجتمعات الاوروبية وجمود وتخلف المجتمعات العربية.................


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 8035 - 2024 / 7 / 11 - 22:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


في حين ان اوروبا تطورت وانتقلت من العصور الوسطى، عصور الظلام وهيمنة الكنيسة ، الى عصر النهضة عبر حركات الاصلاح عبر انتشار مفاهيم التنوير والعقلانية والحريات الفردية والملكية الخاصة ودور الحركة الانسانية ، وحركات الاصلاح الديني التي قادها "مارتن لوثر" واتباعه في القرن السادس عشر، ثم الثورة العلمية عبر انتشار وتطور العلوم الحديثة مع انتشار الفلسفة التجريبية التي ترفض الرؤى الميتافيزيقية، ثم ظهور نظريات كوبرنيكوس (في القرن 16) وجاليلو (القرن 17) وجوردانو برونو ، وظهور المنهج العلمي الجديد (فرنسيس بيكون 1561-1626) الذي دعا صراحة الى استخدام العلم للسيطرة على الطبيعة (صاحب المنهج التجريبي)، ثم ديكارت (1596-1650) الذي دعا الى المنهج التحليلي (الحدس والاستنباط) ثم نيوتن (الجاذبية) (1642-1727) ثم جون لوك والديمقراطية الليبرالية والعقل الانساني ثم عصر التنوير والافكار العظيمة والتحولات الكبرى التي تحققت فيه، ثم المذاهب الفلسفية العقلانية والعلمانية التي صاغت أفكاراً ثورية في المجتمع والاقتصاد والسياسة في أوروبا، وأصبحت المحرك الاساسي للثورة الصناعية وللثورة الفرنسية .
لقد عرفت اوروبا كل هذا التطور الشامل، من خلال عملية تواصلية تراكمية كمية ونوعية لم تتوقف منذ القرن الخامس عشر الى يومنا هذا ، في حين بقيت المجتمعات العربية اسيرة للتخلف العميق في كل مظاهر الحياة المادية والروحية، التي ظلت محكومة للرؤى والمنطلقات الغيبية الرجعية قبل الاستعمار التركي واثناءه وصولا الى انظمة الاستبداد والتخلف والتبعية المتغلغلة في المشهد العربي الراهن .
المشكلة ان مجتمعاتنا لم تظل اسيرة للتخلف والتبعية فحسب، بل انها قد عانت –معاناة شديدة- وما زالت حتى اللحظة من آثار التطور والتقدم الاوروبي، الراسمالي بالطبع، الى درجة لم تستطع هذه المجتمعات ان تتلمس طريق التنمية او التحرر الذاتي او ابراز هويتها القومية الى حيز الوجود الفعال.
وبالتالي نشأت الاشكالية –حسب د. محمد كامل ضاهر- بين التيارين التحديثي، والسلفي او الاصولي، بعد ان تغلغل وتعمق الحضور الاكراهي او الاستعمار الغربي ثم الامبريالي لبلادنا، على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي...الخ ، بحيث بدى واضحاً طبيعة الأزمة وضعف المناعة لدينا امام النموذج الحضاري الاستعماري الغربي. وهي ازمة عميقة وتاريخية وشاملة على جميع المستويات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية والثقافية والعلمية، وكذلك على المستوى الديني قبل ذلك، حيث شهدت المراحل التاريخية السابقة، تصدعاً كبيراً في وحدة المسلمين الذين توزعوا منذ القرن الاول للاسلام، الى فرق ومذاهب مختلفة في اطار من الصراعات الدموية المتواصلة على مدار القرون الثلاثة عشر اللاحقة من التاريخ الاسلامي حتى اللحظة.
في هذا السياق كان مشروع الاخوان المسلمين – وما يزال – مشروعاً دينياً ينظر لمفهوم المواطن والمواطنه ومفاهيم العقل والعقلانية والعلمانية والحرية والمساواة نظرة تشكك وريبة ونظرة رفض وتكفير، كما يصفها المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد.
هكذا تم تجريف الوطن باختصاره في دين الأغلبية، وتم تجريف الدين باختصاره في الرؤية الفقهية للعالم !!! ، وصولاً إلى المرحلة الراهنة حيث صارت " الصدقات" وموائد الرحمن مجال للمنافسة بين الاثرياء، وصارت عشرات الفضائيات تعرض الفتاوي الدينية الشكلية في زواج المتعة والمسيار وإرضاع الكبير وتفسير الاحلام ... إلى آخر هذه الفتاوي ، ضمن اقتصاد السمسرة الكومبرادوي ، بحيث نلاحظ – في ظل استشراء خضوع الأنظمة وتخلف المجتمعات العربية في هذه المرحلة – ولادة ظاهرة طارئة ، فحواها أن التراث والفكر الديني السلفي المتعصب بات اليوم يسحب المجتمعات العربية إلى الوراء ، وأعتقد أن السبب في انتشار هذه الظاهرة يعود إلى " طبيعة " هذه المجتمعات التي تغلغلت في أوساطها مظاهر القلق والإحباط واليأس الناجم عن تزايد المعاناة والفقر والبطالة والفساد ، دونما أي أفق أو ضوء يؤشر على الخلاص ، وبالتالي لم يكن مستغربا عودة هذه المجتمعات بسبب عفوية جماهيرها وقصور وعجز قوى اليسار - وبتأثير الفضائيات العميلة ومشايخها امثال القرضاوي - إلى الخلف بالمعنى التراثي ، أو إلى الفكر الديني السلفي ثم تستسلم له ، ليقودها بحيث أن مظاهر وأوضاع البطالة والفقر والهبوط السياسي والفساد وكل مشكلات المجتمع العربي " تُحَوّل إلى قضايا تحلها العودة إلى قيم الدين ، وعلى رأسها عودة المرأة إلى البيت والحجاب والنقاب" ،وهذه التحولات السلبية قد تعزز خلق ومراكمة ما أسميه ذهنية العبيد آلتي يبدو لي أنها بدأت في الانتشار في العديد من مجتمعات الوطن العربي.
ولذلك لا بد أن تكرس كافة القوى الديمقراطية واليسارية العربية ، كل الجهود النظرية وأشكال النضال - الميداني اليومي -السياسي والديمقراطي من أجل تحقيق هدف الدولة الديمقراطيةعلى قاعدة فصل الدين عن الدولة ...اذ انه بدون تحقيق هذا الهدف لا يمكن أن تحقق المجتمعات العربية أي تطور اجتماعي اوسياسي او ثقافي أو اقتصادي أو تنموي أو تكنولوجي أو عسكري ..بل ستعيد انتاج التبعية والتخلف عبر صيغ جديدة في سياق تطوير العلاقات مع الشروط والسياسات العدوانية الامريكية والخضوع لها..