صيغة بنية الدولة هي الكلمة المفتاحية لمعالجة أزماتنا


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 8217 - 2025 / 1 / 9 - 16:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


ينتظر أغلب المواطنين انعقاد مؤتمر الحوار الوطني ونتائجه، التي ستحدد الملامح العامة لمستقبل بلادنا، وتزداد الأسئلة حول السبل الكفيلة بأن يصبح هذا المؤتمر شاملاً ومجدياً حقاً؛ وفي مرحلة التحضير لمؤتمر الحوار تبقى مسائل السلم الأهلي، والأمن، وإعادة الإعمار، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحسين الواقع المعيشي من الأولويات التي تشغل بال النّاس، مثلما تشغلهم مسألة إقرار دستور دولة المواطنة المدنية المنشودة، وإزالة أسباب الأزمات، والفتن، والنزعات الطائفية، فالحوار في حاجة إلى بيئة سليمة مطمئنة.
من حق كل مواطن سوري أن يثق بأنّ صوته سيُسمع في هذا الحوار، الذي ينبغي أن يتصف بالشفافية، والصراحة، والمقاربة الحضارية للمسائل المطروحة، ولتحقيق هذه الغايات من المفيد وضع خطة علنية واضحة للتحضير لأعمال المؤتمر ومهماته، وسبل إنجازها؛ ومن المفيد في هذا المجال المبادرة إلى:
- تشكيل لجنة مركزية في العاصمة من ذوي الخبرة المشهود لهم بنزاهتهم، وفكرهم الوطني المستنير، وانتمائهم الوطني من مختلف مكونات المجتمع لصياغة مشاريع الوثائق التي ستعرض في هذا المؤتمر، وتحديد محاور النقاش الأساسية التي سيبحثها، ويمكن تشكيل لجان فرعية في المحافظات تفسح المجال أمام أوسع الشرائح من الشبّان والنساء وباقي فئات المواطنين للمشاركة في هذا الحوار.
- إعلان أسماء أعضاء هذه اللجان لمعرفة مواقف الرأي العام منهم... إذ إنّ سمة أي سلطة وسمعتها تتحدد بصفات الأشخاص الذين تعتمد عليهم، ومدى نزاهتهم وكفاءاتهم، وليس بانتمائهم، أو مدى ولائهم لها، والنّاس عموماً يعرفون أبناء بلدهم، ويبنون مواقفهم الحقيقية بناء على هذه الاعتبارات...
- دعوة ممثلي مراكز البحوث، والمنتديات والهيئات الفكرية، والثقافية، والاجتماعية، والسياسية الوطنية للمشاركة في أعمال المؤتمر، مع التأكيد على ضرورة التخلص من النزعات الأيديولوجية الإقصائية المتطرفة، والاعلان الصريح والواضح بقبول الآخر، والاستعداد إلى سماع الرأي الآخر مهما كان مختلفاً، وتفنيده بالحجة العقلانية، لا بالتسفيه والتخوين والشتائم، والاستفادة من سمة التنوع الفكري والثقافي، التي يتسم بها المجتمع السوري، ومن ثقافة الحداثة التي أغنت هذا التنوع.
- افتتاح منصة في شابكة الانترنت، ومختلف وسائل الإعلام تتضمن محاور النقاش الأساسية، ومشاريع الوثائق التي سيبحثها المؤتمر، بما في ذلك مشروع الإعلان الدستوري، والسماح بالتعليق عليها، وتقديم التوصيات والمقترحات المتعلقة بها، وتشكيل لجنة لاستقبال تلك التعليقات، وتبويبها في ملف خاص تستفيد منه لجنة صياغة توصيات المؤتمر وقراراته.
- وضع خطة عمل المؤتمر تتضمن مراحل عمله، ونشر مداخلات الأعضاء، والنقاشات في وسائل الإعلام، وفي منصة المؤتمر الإلكترونية، ويمكن التجديد في أعضاء المؤتمر لمناقشة وإقرار مختلف المحاور والوثائق، التي تبحث في أسس بناء دولة المواطنة المدنية العصرية المتحضرة.
- من المفيد التنويه إلى أنّ مهمة مؤتمر الحوار الوطني الرئيسة هي الاتفاق على صيغة وشكل الدولة المنشودة ودستورها، وقوانين تشكيل الأحزاب السياسية، والنظام الانتخابي، وغيرها من الأسس القانونية الناظمة لعملها، على أن تنسجم صيغة الدولة المنشودة وأحكامها مع متطلبات العصر، إذ إنّ أحد أسباب انفجار حركات الربيع العربي، فضلاً عن الظلم، والطغيان، والفساد، والاستبداد، تكمن في التناقض في صيغة الدولة السائدة عموماً في العالم، ولا سيّما في بلداننا العربية، التي تعود أسسها النظرية إلى القرن التاسع عشر، وعدم انسجامها مع تحديات الحياة العصرية، وتلبيتها متطلبات عصر المعلوماتية في القرن الواحد والعشرين.
- ينبغي الإقرار بأنّ المرحلة الانتقالية تسبب القلق لدى المواطنين، من المهم تجاوزها بأقل الإثمان، وعدم إطالتها لإشاعة جو من الاستقرار والإقلاع بعملية التنمية الشاملة، وفي هذا السياق يمكن الاستفادة من تجارب الدول النامية كتركيا وماليزيا وغيرها، فضلاً عن الخبرات السورية المتراكمة، بما فيها خبرات مراكز البحوث السورية المعاصرة، لإنجاز عملية صياغة الدستور في أقرب الآجال على ألا تتجاوز السنة ونصف، مع التأكيد على أن الفضاء السليم لتطور المجتمع ودولة المواطنة العصرية المتحضرة هو فضاء اجتماعي سياسي أساسه حرية الكلمة والتعبير والانتماء السياسي، وصون كرامة الإنسان، وعدم الجمود، والاستفادة من الفضاء الإلكتروني والإعلام الحّرّ، كي يؤدي المواطنون نساء ورجالاً أدوارهم، وللرقابة على نهج الحكومة المرتقبة وموظفيها خدمة لمواطنيها.
إنّ صيغة بناء دولة المواطنة المدنية العادلة التنموية الشاملة، التي ينتفي فيها الاستغلال والاضطهاد والظلم والفقر والجهل، التي تلبي متطلبات الحياة المتحضرة، وتحقق حرية الإنسان، وتضمن كرامته، وتنسجم مع تحديات عصر المعلوماتية في الألفية الثالثة ستسهم في حلّ الأزمة السورية، كما أنّ التأخر في بناء هذه الدولة سيفاقم مختلف التناقضات في المجتمع، وسيترك الباب مفتوحاً أمام تفاقم الأزمات والصراعات التناحرية في بلادنا... فصيغة بنية دولة المواطنة المدنية العصرية المتحضرة العادلة والمناهضة للظلم والاستبداد، التي تحفز التنمية الاقتصادية والثقافية واسعة الآفاق، هي الكلمة المفتاحية لمعالجة أزمات مجتمعنا، ومواجهة تحديات عصر المعلوماتية والذكاء الاصطناعي.
الصفصافة 9/1/2025