غمّامات الفكر
شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن
-
العدد: 8135 - 2024 / 10 / 19 - 20:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كلما ازداد تبحر الإنسان في الثقافة الإنسانية، ازداد غنى ويقيناً أنّ الحقيقة عصية على أن يمتلكها... الإنسان الحقيقي يراجع أفكاره وقناعاته باستمرار، ليكتشف بواطن الخلل فيما يؤمن به؛ من المعروف، على سبيل المثال، أنّ النحل يبني ببراعة خليته على شكل سداسي، إلا أن هذه البراعة لا تعني أنّ النحل يمتلك معرفة مكتملة ببناء جميع الأشكال الهندسية، وحينما يردّد الإنسان فكرة تتملكه وتسيطر على دماغه، قد تكون فكرة بارعة كفكرة النحل، ينبغي أن يُدرك أنّ فكرته ليست الوحيدة الصائبة... ومن المعروف، أيضاً، أنّ عدداً من الشعوب استخدمت الحمار دليلاً لتحديد مسارات بعض الطرقات الجبلية الوعرة المليئة بالمنعطفات، وثمّة مثل يقول: "الحمار يعرف الطريق إلى الطاحونة"، هذا لا يعني أنّ الحمار مهندس مواصلات، مع التقدير لجماله ومقدراته وخدماته العظيمة، هذا ينطبق على من يتشبثون بآرائهم بحجة المواقف المبدئية، مهما تغيرت الظروف والأحوال، مثلما عُرف عن كثيرين من الشيوعيين، وكثيرين من المتحزبين الآخرين المبجلين لآراء زعماء أحزابهم (الذين لا يخطئون) في مراحل تاريخية محددة، إذا وصفوا أنفسهم بالجياد التي ركب الحوذي غمّامات Blinders لعيونها (بالعامية طرميشات) كي تسير في خط مستقيم (مبدئي) حسب إرادته، على الرغم من زعمهم تبني المنهج الديالكتيكي في التفكير الذي يرى أنّ الحياة صيرورة متغيرة باستمرار لا تعترف بالجمود ولا الركود... إنّ ذلك الجمود والركود والزعم بثبات المواقف المبدئية هو مقتل الإنسان الحيّ، فالإنسان المثقف هو من لا يعبد أي فكرة، ولا يقدّسها...