زمن -أحمد سعيد- ولى، يا أولي الألباب!


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 8014 - 2024 / 6 / 20 - 14:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في صراع العرب مع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية مرّوا بمراحل وتجارب ودروس متنوعة، حبّذا لو نستفيد منها، ونتلافي ثغراتها؛ من تلك التجارب تجربة لغة الخطاب الغريزي البعيد عن العقل؛ من قبيل الزعيق، والمبالغة والمغامرة، والتهديد، والوعيد... لقد تجلى ذلك في خطاب الإذاعات والخطباء، لا سيما، خطابات "أحمد سعيد" قبيل هزيمة حزيران 1967، والحروب التي لم تجلب إلا الدمار، وعرقلة استعادة الأراضي المحتلة، ونيل الشعب العربي الفلسطيني حقوقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس...
إنَ نضال الشعوب ضد الاحتلال ومحاربته حق مشروع من حقوقها الطبيعية، وهذه أبسط الحقوق، إنّما ينبغي في كلّ مرحلة من مراحل النضال والمواجهة معرفة موازين القوى، ونتائج هذه المواجهة، واتباع أنجع السبل لتحقيق الأهداف المرجوة...
يواجه العرب حالياً في صراعهم هذا طرفاً يستند إلى ترسانة الولايات المتحدة الأمريكية، وأقوى الدول الأوربية في حلف الناتو... علماً أنّ هذه الدول، التي تظهر أحيانا تعاطفها الإعلامي الشكلي مع الضحايا، لن تتخلى عن دعم إسرائيل وحماية وجودها، ولا تأبه بتدمير دول المنطقة، وقتل شعوبها في سبيل ذلك...
لقد أخذت ترتفع أصوات في الطرف الآخر تدعو إلى معالجة هذا الصراع بإقامة الدولة الفلسطينية، مقابل اتجاه متطرف يدعو إلى الاستمرار في الحرب والتدمير وتوسيعها لتدمير الدول العربية المجاورة بالاستناد إلى الدعم العسكري والاقتصادي والتقني اللامحدود من قبل حلفاء إسرائيل وداعميها.
ثمّة دولٌ تبني قطاعاً ضخماً من اقتصادها على النفقات العسكرية والحروب، الولايات المتحدة الأمريكية هي إحدى تلك الدول، تالياً يزعم البعض أنّ من يؤجج الحروب ويزكيها يقدم أكبر خدمة للولايات المتحدة ولتلك الدول والقوى المتطرفة المعادية لحق الشعوب في تقرير مصيرها.
إنَّ حقّ الشعوب في النضال ضد الاحتلال، ومحاربته، لا يلغي ضرورة إعمال صوت العقل، ومعرفة موازين القوى في كلّ مرحلة من مراحل الصراع، والسعي إلى دعم الاتجاه العقلاني في الطرف الآخر الداعي إلى معالجة هذا الصراع بإقامة الدولة الفلسطينية، واستعادة الأراضي العربية المحتلة؛ هذا يتطلب وقف التصعيد ونزع سلاح الحرب والتدمير من الاتجاه المتطرف، تفادياً لمزيد من الدمار العبثي وقتل الأطفال والنساء، ومزيد من الضحايا، وإفساح المجال للشعوب كي تتنفس الصعداء وتنال حريتها بعيداً عن دخان الحروب والدمار، ويتطلب ذلك، أيضاً، عقلاً منفتحاً، ولغة خطاب عقلانية بعيدة عن الضغينة والحقد والاستفزاز...
لقد أورث جيل الهزيمة الأجيال التي تلته خطاباً غريزياً مبنياً على الزعيق، والتهديد والوعيد، الذي عُرف بخطاب "أحمد سعيد"، والذي لم يجلب إلا مزيداً من القتل، والتدمير، والضعف، والهوان... وقد آن الأوان لهذا الجيل أن يورّث أبناءه وأحفاده خطاب العقل والحكمة والصوت السياسي العقلاني الرشيد تلافياً لمزيد من الدمار العبثي.