هل للإنسان قيمة؟


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 8065 - 2024 / 8 / 10 - 00:50
المحور: الادب والفن     

في إحدى صباحات بحر طرطوس الرائعة، حدثتني إحدى صديقات السباحة عن بؤس ما تقرأ في عدد من صفحات التواصل الاجتماعي من مقالات لكتاب يظنون أنفسهم مفكرين لا يفلّ لهم غبار، قائلة:
"هل تساءل أولئك (الكتاب) عن غايتهم وهدفهم من تلك المقالات التي تعبّر عن شخصياتهم، وعن مكنوناتهم، إذ يفيض بعض منها بالشتائم، والحقد، والكراهية، والغلّ، والبغضاء، والزعم بتعليم القارئ أصول الكتابة، والحياة والنضال، فألفت عنها وأربأ عن متابعة قراءتها، وإن صادفت اسماء كتابها في زوايا ومواقع أخرى أتجاوزها كيلا ألوّث ذهني بترهاتهم..."
فأُلقيت في ذهني، وأنا أغوص في زرقة بحرنا الهادئ الجميل، أفكار شتى دفعتني إلى الأعماق متسائلاً بصمت:
"هل تساءل هؤلاء (الكتاب) عن القيمة المعرفية والفائدة، أو المتعة، التي تقدمها الشتائم والحقد، والنبرة الفوقية إلى القارئ؟! أم أنّ أمرهم ميؤوس منه، وينطبق عليهم قول أمير الشعراء أحمد شوقي:
"مُتَفَكِّكونَ فَما تَضُمُّ نُفوسَهُمْ
ثِقَةٌ وَلا جَمَعَ القُلوبَ صَفاءُ"
النص كائن حي كالإنسان إما سليم جميل مفيد، أو مسخ مشوّه عديم الفائدة... في كلّ نص غاية وهدف، فإن سمت الغاية منه وسمت أهدافه، هذّب النص، وإن هبطت الغاية وانحط الهدف سقط النص وصاحبه إلى مستوى الشتائم، التي تفيض من جنباته...
لكم كان شوقي مصيباً إذ قال:
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه ... فقوم النفس بالأخلاق تستقم
والنفس من خيرها في خير عافية ... والنفس من شرّها في مرتع وخم
تطغى إذا مكنت من لذة وهوى ... طغي الجياد إذا عضت على الشكم
قيمة الإنسان فيما يقدمه من فائدة لنفسه وللآخرين، وليس في شتمهم... أما أفضل فضاء لتهذيب النفس وإيصال الفكرة القيمة بتمام قيمتها إلى مستحقيها فهو فضاء مزين بأخلاق وقيم المحبّة والجمال؛ فإن شعر القارئ أنّه استفاد من النصّ، وارتقى بمشاعره الجمالية وسما بإنسانيته؛ فهو نص يستحق القراءة، أما كلّ مشوّه مليء بالشتائم والنبرة الفوقية، فمكانه سلة المهملات، وتُفقد قيمته التافهة، وتحط من قيمة كاتبه؛ وفي ذلك خسارة كبيرة للكتاب والقراء، ولأهدافهم النبيلة"...
ولمّا ارتقت الشمس فوق أبنية مدينتا الصامتة، وحان موعد فراق البحر، تساءلت صديقتي، وهي تلوح بيدها عاتبة:
"ما بالك اليوم صامت؛ كأنّك عاجز عن البحث في سبل معالجة هذه المعضلة، للارتقاء بمنزلة الإنسان وقيمته المكللة بالحبّ والجمال؟"