جبل الدروز جبل العرب


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 8000 - 2024 / 6 / 6 - 22:17
المحور: الادب والفن     

يا حبّذا جبل الريان من جبل وحبّذا ساكن الريان من كان
"في 18/5/1937 استهل العلامة "عجاج نويهض" خطابه الوداعي للمجاهدين - الذين ترأسهم "سلطان باشا الأطرش" في حفل الوداع الذي نظم لهم في عمان – قائلاً: (أنتم الآن عائدون إلى جبل الدروز، لا بل إلى جبل العرب)؛ فوقف القائد العام وقال: (نعم هذا هو الاسم الذي نريده، وهو الذي يجب أن يُسمى به الجبل)، واستمرت التسمية حتى الآن، ولا يزال الاسم المفضّل لدى سكان الجبل". هذا ما جاء في كتاب: "انتفاضة العامية في جبل حوران (الدروز)" - تأليف المهندس "نبيه القاضي" –ص35
مؤلف الكتاب المهندس نبيه القاضي مواليد امتان – السويداء 1946 نشر مجموعة من المقالات العلمية في تخصص النفط، وشارك في تأليف كتاب "تنبوء سلوك المناجم من خلال محرك الغاز" وكتب أخرى باللغة الأسبانية، أما في اللغة العربية فقد أصدر كتابي: "المرأة في التوحيد"، و"التقمص".
لقد حمل الكاتب في ضميره ووجدانه – كما يقول د. الكسندر نبيه القاضي – آلام الفلاحين، وتحسّس عيشهم، وهم يقهرون مظاهر الاستبداد والاستغلال، لينتزعوا حريتهم، ويحققوا كرامتهم، لعلّهم يؤسسوا نسبياً لحياة تسودها عدالة اجتماعية.

يُعرّفنا كتاب "انتفاضة العامية في جبل حوران (الدروز)"، الذي راجعه وقدم له الدكتور "فندي أبو فخر" - إلى تاريخ هذا الجبل منذ إعادة إعمار مدنه وقراه إلى العام 1891.
يقدّم الدكتور "فندي أبو فخر" دراسة غنية في انتفاضات الفلاحين في لبنان، وأهمها انتفاضة كسروان (1858-1860)، وأوجه التشابه بين ثورتي كسروان وجبل حوران، واصطفاف الفلاحين والعامة خلال ثمانينيات وتسعينات القرن التاسع عشر في اندماج مجتمعي على أسس مغايرة للوضع الراكد آنذاك أدت إلى انتفاضة عامة عُرفت بـ"العامية". ص9
في مستهل كتابه يلقي المهندس نبيه القاضي نظرة على سكان الجبل منذ قدومهم من جبل لبنان، ووادي التيم، والجبل الأعلى، وجبال الجليل، وصفد، وكيف تمت هجرتهم، وما تعرضوا له من معاناة مع البداوة، ومع بعض سكان سهل حوران، إلى أن استقروا في جبل حوران الذي أسمي فيما بعد باسمهم، بعد أن أصبح أغلب سكانه من الدروز، وبعد الشهرة الكبيرة، التي اكتسبها سكانه على إثر انتصاراتهم الباهرة على جيوش إبراهيم باشا، ومن ثم على الحملات التركية التي حاولت السيطرة على الجبل. ص25
يتألف الكتاب من بابين وأربعة فصول في كل باب.
ويعرفنا بالهجرات الدرزية بدءاً من الهجرة الأولى عام 1685، فالهجرة الثانية (1711)، والثالثة (1812)، والرابعة (1860 – 1866)، من ثم نتعرف إلى توطين المهاجرين، ومرحلة الاستقرار، والوئام الديني: "لم تكن العلاقات الاجتماعية بين السكان قائمة على الانتماء الديني أو المذهبي، بل كانت تعتمد على تفاعل هذا المواطن مع الآخرين، ومعاملته لهم؛ فمنذ البداية كانت علاقة الدروز بالمسيحيين، الذين كانوا يستثمرون السفوح الغربية من الجبل علاقة متميزة؛ اتسمت بالتحالف والسلام، فالمسيحيون رحبّوا بهم كحماة."ص56
كما نتعرف، في هذا الكتاب، إلى الانتفاضات في لبنان ومقارنتها بكومونة باريس، وأثر ذلك في حركة العامية في الجبل، والكاتب موفق جداً في هذه المقارنة والمقاربة، إذ إنّ "الشعور الإنساني السليم واحد: يأبى الذل ولا يقبل العبودية"، ويتطلع إلى العدالة الاجتماعية (الاشتراكية)، مهما اختلفت الانتماءات القومية.
ويعرض الكتاب حروب الجبل: حروب اللجاة (1837 – 1838)، والثورة على سياسة إبراهيم باشا، ودسائس الأتراك (1856)، وسقوط مشيخة الحمدان، وانتفاضة العامية على الطرشان (1889 – 1890) بسبب سياسات الطرشان التعسفية، وتشكيل التكتلات الفلاحية لموجهة هذه السياسات الظالمة؛ "لقد أصبحت الثورة الاجتماعية عامة وشاملة، وقادرة على التواصل والتكافل في المقارن الأربعة (الجهات الأربع)، والعاصمة (السويداء) أيضاً، لقد استطاعوا أن يلتقوا فيما بينهم ليقفوا في وجه الظلم، والاستبداد وأن يفرضوا معظم شروطهم من أجل إحقاق العدالة والمساواة.
مِن ثّم تحولت كلمة (عمعمت) إلى رمز شعبي محبب لدى أكثرية الفلاحين، وأخذو يرددونها بفرح وزهو إينما اتجهوا في أرجاء الجبل." ص191
يُختتم الكتاب بملاحق تتضمن وثائق تعزز مضمونه التاريخي.
ملاحظة:
حبّذا لو تضمن الكتاب نبذة عن نشأة الدروز، وأصلهم، ومعتقداتهم، لتكتمل الصورة في هذا الكتاب المهم، الذي بيبين طبيعة أهلنا في الجبل وخصالهم النبيلة، التي تأبى الذل، ولا تقبل العبودية، وتنشد الحرية، والكرامة، والعدالة، ووحدة تراب سورية وأهلها.
صدر الكتاب عن دار دلمون الجديدة عام 2023.