الاشتراكية إرث إنساني عام وحبل نجاة البشرية


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 8104 - 2024 / 9 / 18 - 15:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لكم تبلبلت عقول بني البشر بعد ذلك الانهيار المزلزل الذي ستبقى البشرية تدفع ثمنه عقوداً من زمن الضياع، والخبل... إلا أن خيانة قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي، والروسي للفكر الاشتراكي وقيمه، ومساهمتهم في ذلك الانهيار، وتنفيذ أكبر عملية نصب واحتيال وسطو ونهب اقتصادي وسياسي عرفتها البشرية على مرّ التاريخ - إذ سرق الأبناء المهوسين ببهارج الرأسمالية آباءهم وأجدادهم، وبنوا أسوأ مافيا اقتصادية ليبرالية في التاريخ - لا يعني أنّ البشرية لم تعد تحلم ببناء مجتمعات عادلة أسماها خيرة مفكري البشرية (قبل أن يعرفها الروس) بالاشتراكية... ويزيد هذه القضية إلحاحاً أنّ الرأسمالية الليبرالية المتوحشة، بما فيها المافيوية في بلدان الانهيار، تثبت يومياً أنّها تقود البشرية إلى الهلاك...
أما تغني الليبرالية المتوحشة بشعارات الحرية الخادعة فيفضحه سلوكها اليومي، ونزعتها الفئوية الطائفية النخبوية اللإنسانية والأقرب إلى الفاشية، وقد أعجبني مقال للكاتب والروائي الروسي المعاصر زاخار بريليبين يصف حقيقة تلك الليبرالية التي تكتوي البشرية (بما في ذلك الروس) بخداعها وعنصريتها؛ يقول فيه:
"إنّ الليبرالي واثق بحلول أزمنة أخرى، ولن يدخل هذه الأزمنة إلا المختارون... أي إنّ الليبرالي وحده هو من سيدخل الزمن الجديد، كأنّه عار. كما أنه يدعو الآخرين إلى خلع ملابسهم: اتركوا كل شيء، وتعالوا ورائي عراة، بلا محراثكم، ولا أسلحتكم، ولا قيمكم، أو أساليب حكمكم...
هكذا تترك كلّ شيء، وتذهب عارياً، وتغطي عارك، إنّما يديك لا تكفيان: فالعار ينتشر في كل مكان: أنت وحدك عاري، والعار يلاحقك من كلّ حدب وصوب. ترمش بجفون عينيك؛ وفجأة يتبين أنك قد خدعت. إنّ صديقنا الليبرالي الجديد يرتدي ملابسه! إنه ليس عارياً على الإطلاق، بل على العكس من ذلك، فهو يرتدي ملابسه مدججاً بالسلاح، يحرك هوائياته، ويحدد مواقعه، ويمسح بالسكنر الخرائط، ويحسب حساب كلّ شيء بدقة".
ويسعى الليبرالي المنتصر إلى تحديد السبيل نحو المستقبل، لكنّ نهجه وسلوكه ونزعته الليبرالية النخبوية الطائفية التي تزعم بـ"نهاية التاريخ" تتناقض مع إرادة التاريخ والحياة، اللذين لا نهاية لهما، كما تتناقض مع الأخلاق الإنسانية السليمة، ومع كلّ ما هو جميل، ومع مصالح الأغلبية... ويفاقم السلوك الليبرالي ونهجه العام من مشكلات البشرية وأزماتها، التي تغدو في أمس الحاجة إلى الصحوة ومكافحة هذا الخبل المهلك، وتقتنع أنّ حبل النجاة يتلخص ببناء نظام العدالة الاجتماعية، الذي اتفق أغلب مفكري البشرية وعقولها المستنيرة عموماً على تسميته بـ "الاشتراكية"...
ويبقى السؤال متى ستصحو البشرية وتتخلص من هذا الخبل الذي تغذيه الليبرالية المتوحشة اللاأخلاقية، وتبني المجتمعات الحرة غدها الاشتراكي الجميل؟