هل تذكرون رواية نيكوس كازانزاكس -الأخوة الأعداء-؟


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 8117 - 2024 / 10 / 1 - 20:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كم من الأبناء الكاثوليك، أو البروتستانت قتلوا آباءهم، أو أبناءهم، وأصدقاءهم، وجيرانهم المختلفين معهم في العقيدة، في حرب الثلاثين عاماً في أوروبا؟! ترى لو عاد هؤلاء اليوم أحياء فكيف سينظرون إلى أنفسهم، وإلى قناعاتهم؟!
في كثير من النزاعات التي نشأت، وتنشأ في المجتمعات البشرية، نصادف على مرّ التاريخ أشقاء، أو أصدقاء حميمين، أو أقارب من أبناء الوطن الواحد، والبيت الواحد يتخاصمون، ويتمترس كلّ واحد منهم خلف أقنعة وقناعات نظرية، وأيديولوجيا يعدّها الحقّ الساطع، ويصنّف من يخالف أيديولوجيته، أو رأيه بأنّه نصير الباطل والعدو، وتعميه أفكاره ودوغماته (المبدئية) الغريزية، التي يرى أنّها تطابق الحقيقة، فضلاً عن أنّها تلبي مصالحه، وتعزز مكاسبه، وتمنعه من إعطاء نفسه فرصة للتساؤل في أسباب عدم تطابق أفكار شقيقه، أو صديقه، أو جاره مع أفكاره، وإن كان في رأي الآخر شيئاً من الحقيقة، ويرفض أحياناً سماع رأي الأخر، أو السماح له بالإدلاء برأيه، قائلاً: "ها قد بان الحقّ، ومن ليس مع الحقّ فليصمت"، إذ إنّ تفجير الذرة أسهل من تغيير قناعة مسبقة، كما يقول أنشتاين، فكيف لو كانت تلك القناعة معززة بفائدة أو مصلحة؟ فلا يخطر في بال هؤلاء أنّ الحقّ والحقيقة أسمى، وأوسع، وأعمق من أن يمتلكها عقل إنسان واحد، فلا إنسان يمتلك الحقيقة...
هؤلاء هم الأخوة الأعداء؛ لقد عاشوا، وسيواصلون الحياة معاً في مكان واحد يسميه كلّ طرف منهما الوطن، وستجبرهم ضرورات الحياة أن يعملوا معاً، ويوفروا متطلبات الحياة معاً، ويتحدثون اللغة نفسها، ويتنفسون الهواء نفسه، ويشربون من ينابيع الوطن نفسه، فما بالك لو تعرضوا إلى كارثة طبيعية كالزلازل، والفيضانات، والأوبئة، أو أن يظهر في بيتهم الواحد ثعبان سام قاتل؟!... إنّ عداءهم يضعفهم، ويضعف الوطن، والدولة: فما السبيل إلى معالجة هذه الحال؛ لكي يبقى الأشقاء أشقاء، والأصدقاء أصدقاء، وأبناء البلاد متكاتفين متحابّين متعاضدين لمعالجة قضاياهم ومشكلاتهم، وتنمية وطنهم ورفعة شأنه؟
ثمّة مهمات كثيرة ينبغي تنفيذها لمعالجة هذه الحال، وفي مقدمتها نشر الوعي والثقافة الإنسانية والوطنية العلمانية المتحضرة.