عن ( تغيير القضاء والقدر / السجون التركية والمصرية / يا حسرة على مصر .! )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 8027 - 2024 / 7 / 3 - 14:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

السؤال الأول :
ما رأيك فى قصة صاحب موسى الذى قتل غلاما وقال إن ذلك بأمر الله تعالى وليس بأمره . الآية تقول : (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) ، وتقول :( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) الكهف ) هل يجوز أن نقتل طفلا لأنه سيكون خطرا فى المستقبل ؟ . يعنى مثلا هل كان يجوز قتل الطفل هتلر لأنه فى المستقبل سيسبب الحرب العالمية ويقتل الملايين ؟
إجابة السؤال الأول :
1 ـ ذلك لله جل وعلا وحده ، وهو الذى أرسل العبد الصالح ليتعلم منه موسى الصبر وعدم الاندفاع . هذا العبد الصالح هو نبى مجهول الاسم بدليل إنه يتلقى الوحى الالهى ، ويأتمر به ، ومنه ان يلتقى موسى ويفعل ما هو مأمور به . وقد قال لموسى ( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82)الكهف )
2 ـ بعض الأنبياء يعلمون بعض الغيوب بالوحى الالهى . ومنهم ذلك النبى ( العبد الصالح ). البشر ومعظم الأنبياء لا يعلمون الغيب الالهى ، وبالتالى لا يمكنهم معرفة إن هذا الطفل أو ذلك الشخص سيفعل كذا فى المستقبل . وليس فى الشريعة الاسلامية ولا فى القوانين الوضعية معاقبة شخص على جريمة لم يرتكبها بحجة أن سيرتكبها فى المستقبل. العقوبة تكون عن جريمة وقعت فعلا .
3 ـ حتميات ( الموت / القتل ، الميلاد ، المصائب والرزق ) هى بمشيئة الرحمن جل وعلا ، وهى مسجلة فى ( أم الكتاب ) ، وهو وحده جل وعلا الذى يملك المحو الإثبات فى ( أم الكتاب ). قال جل وعلا : ( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) الرعد ). بالتالى يمكن بالدعاء تغيير بعض الحتميات إذا إستجاب الله جل وعلا دعوة الداعى .
السؤال الثانى :
شىء عجيب حين تفارن بين السجون التركية والسجون المصرية . لم ادخل سجن مصرى ولم ارى على الحقيقة سجن تركى ، ولكنى شاهدت اعمال درامية تركية كانت فيها السجون التركية وأحوال المساجين فيها ، وهم يعيشون فى زنزانات واسعة يطبخون طعامهم ويتحدثون ويتسامرون كانهم فى بيوتهم . ورأيت فيلم أمريكى متحامل على تركيا يتهم مدير السجن بالشذوذ ، ولكنه جاء فيه أيضا نفس أحوال المساجين . قرأت المكتوب عن السجون المصرية من عهد عبد الناصر وحتى عهد السيسى الذى توسّع فى بناء السجون . وفيها التعذيب وسجن المعارضين السياسيين وقتلهم ، وسجل السيسى مؤسف فى تقارير حقوق الانسان . أحترمك كثيرا يا دكتور صبحى فى هجومك على الديكتاتوريين وفضح التعذيب وانت كما تقول ضد أكابر المجرمين ومع المستضعفين . ولا أحد يزايد عليك فى هذا فأى شيخ فى مقدرتك العلمية كان يمكن أن ينافق ويصل الى أعلى المناصب فى الأزهر . ولكنك إخترت الطريق الصعب ودفعت الثمن بينما شيخ الأزهر الحالى ومن سبقه لا يفتح فمه بكلمة ضد الظلم والتعذيب . اريد منك إجابة مختصرة : لماذا كل هذا التعذيب فى مصر بالذات ؟ ومتى يتوقف التعذيب فى مصر ؟
إجابة السؤال الثانى :
1 ـ تم فى تركيا تقليص سلطة العسكر ، وعرفت نوعا من الديمقراطية . وهذا يخالف الوضع المصرى حيث يحكم العسكر من عام 1952 ، وتشهد مصر الآن أحقر العسكر فى تاريخها الممتد من 70 قرنا من الزمان .
2 ـ إذا كان العدل أساس المُلك كما يُقال فإن التعذيب اساس الاستبداد . لا بد للمستبد أن يُرهب الشعب بالتعذيب ويوقعه فى الفقر والجهل حتى يستقر حكمه . ومصر فى تاريخها الممتد عرفت الاستبداد المتطرف والاستبداد المخفف ، وعرفت السجن ، وهو مسجل عنها فى القرآن الكريم فى قصة يوسف حيث تلفيق التهمة لبرىء ( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ) (37) يوسف ) ( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) ) وفى قصة فرعون الذى هدد موسى بالسجن ( قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ (29) الشعراء ).
3 ـ لم تعرف مصر هوانا مثل هوانها على يد السيسى ولم تعرف تعذيبا للأبرياء والأطفال مثل عهد السيسى . لا يعادل تطرف السيسى فى الاستبداد والفساد سوى تطرفه فى التعذيب.
السؤال الثالث :
هل تذكر يا دكتور أحمد حين زار الشيخ السلفى العريفى مصر وعملوا له زفة واحتفالات ، وخطب فيها واتضح انه سرق الخطبة من واحد أجهل منه ؟ تحسّرت وأنا أتذكر كيف تضطهد بلدنا مصر عالما مفكرا مثلك وتجعله يلجأ الى أمريكا وتحتفل بواحد منافق افّاق مثل العريفى . ويوجعنى انك تكرر انك تحمل مصر جرحا فى قلبك ..لا اريد تجديد مواجعك يا استاذى . ولكن هل هناك أمل فى التغيير بحيث ترجع الى مصر لتساهم فى اصلاحها ؟
إجابة السؤال الثالث :
شكرا لك فقد أثرت مواجعى وشجونى فى موضوعين : .
1 : وأنا أقترب من ال 76 من العمر مثقلا بالأمراض تبدد الحلم بالعودة لمصر وأن يسقط فيها حكم العسكر . لقد أفسد العسكر مصر والمصريين فسادا يحتاج عقودا من الزمن لإصلاحه . صحيح أننى لا أتصور من هو أسوأ من السيسى واعوانه ، ولكن الذى سيأتى بعده ـ حتى لو كان أقل فسادا ـ فسيتحول الى نسخة من السيسى وربما أسوأ . المشكلة فى أجيال تعودت الخضوع والخنوع وإستعذبت الإذلال والمهانة وأن تتظالم فيما بينها . الشعب الذى ينحنى ليركبه أى شخص لا يمكن إصلاحه فى بضع سنين . هذا يحتاج عقودا .. ويالنسبة لى ، فقد مضى قطار العم يا ولدى .
2 ـ موضوع الاستقبال الاعلامى للسعودى السلفى المسمى ( العريفى ) . فعلا أثار شجونى . جعلنى أتذكر رائعة أمير الشعراء أحمد شوقى التى يتوجع فيها بسبب نفيه بعيدا عن وطنه مصر ، والتى يقول فيها :
أحرام على بلابـله الدوح حلال للطير من كل جنس؟
كل دار أحق بالأهل إلا في خبيث من المذاهب رجس
وفى بدايتها يقول :
وسَلا مِصْرَ هَلْ سَلا القلْبُ عَنْها
أَوْ أَسَا جرْحَهُ الزَمانُ المُؤَسِي؟
كُلَّمَا مرَتِ اللَّيالي عَلَيْه
رَقَّ والعَهْدُ في اللَّيالي تُقسِي
مُسْتطارٌ إذا البَواخِر رَنَّتْ
أوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ عَوتْ بَعْدَ جَرْسِ
رَاهِبٌ في الضُلوعِ للسُفْنِ فَطْنٌ
كُلَّمَا ثُرْنَ شاعَهُنَّ بنَقْسِ
وطَني لَو شغِلتُ بِالخلدِ عَنهُ
نازَعَتني إِلَيهِ في الخلدِ نَفسي
قبل حكم العسكر بعشرات السنين حكموا على أمير الشعراء بالنفى الى أسبانيا بسبب خلاف سياسى . بعد عشرات السنين أدخلنى العسكر السجن مرتين ، وتعرض أهلى وأهل القرآن لأربع موجات من السجن بسبب دعوتنا السلمية للإصلاح . لو كنا فى عصر أحمد شوقى ما حدث لنا هذا . أى إن مصر تحت حكم العسكر لا تتقدم فقط الى الخلف بل الى خلف الخلف .
رحم الله جل وعلا أحمد شوقي وأحمد صبحى .!!