عن : التعليم ومؤسسات الصوفية : ( مدخل / التعليم فى : المدارس والخوانق والجوامع)


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 8017 - 2024 / 6 / 23 - 18:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب : أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية
الفصل الثانى :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )
أثر التصوف فى الحركة التعليمية :
التعليم ومؤسسات الصوفية : ( مدخل / التعليم فى : المدارس والخوانق والجوامع )
مدخل عن أثر التصوف فى الحركة التعليمية :
قاد الصوفية الحركة التعليمية في العصر المملوكي ، وكانت المؤسسات الصوفية مسرح الحركة التعليمية، وقد أقامها المماليك أو الصوفية انفسهم ، مع اجتذاب المؤسسات الصوفية لمشاهير العلماء من غير الصوفية. وهذا ولا شك جهد إيجابي، الا ان هذا الجهد للأسف ــ لم يجن الثمار المأمولة منه ، وذلك راجع لأن التصوف نفسه هو السبب في تدهور الحياة العلمية. لذا فإن النشاط التعليمي ــ مع اتساعه وسيطرة التقليد ثم الجمود ــ بدأ فى الانحدار شيئا فشيئا . فالتعليم لا يمكن ان يتقدم الا بقيادة حركة علمية متطورة وأساتذة باحثين ، وإلا تحكم في قيادته انصاف المتعلمين ، ولا عبرة حينئذ بالكثرة التي لا تغني .
(1) التعليم ومؤسسات الصوفية..
وهي الخوانق والربط والزوايا والترب والقباب والمشاهد والجوامع ، بالإضافة الى المدارس التي أضحت مؤسسات صوفية بانتشار التصوف.
المدارس والتصوف
1 ــ بدأ التصوف والصوفية يزحفون للسيطرة على المدارس التي كان وجودها سابقا للعصر المملوكي ، وظل بعضها يمارس نشاطه التعليمي بلا تصوف فيها . وقد ذكر المقريزي كثيرا من هذه المدارس وأغلبها في القرن الثامن .
2ــ ثم بدأ دور الصوفية يتقرر في المدارس بالتدريج وبانتشار التصوف ، وتجلي ذلك فيما عرف في العصر ب(الحضور) ودعاء الصوفية الحاضرين في المدرسة للواقف ، مع وجود طلبة اخرين غير صوفية يتعلمون بالمدرسة . وكانت المدرسة (الاقبغاوية) اول مدرسة ورد فيها ذكر متصوفة ، وتم تعيينهم فيها أو (قُرّروا) بها ، ويقال حينئذ عن المدرسة ومن فيها من الصوفية والطلبة : ( رُتّب فيها درس للحنفية ) أى للطلبة الفقهاء من المذهب الحنفى ( وصوفية يحضرون عصر كل يوم .) ، (ورتب فيها حضور في كل يوم للصوفية بالإضافة إلى دروس للمذاهب الأربعة). وقد تنشأ زاوية للصوفية تجاه المدرسة ، ثم يصبح الصوفية هم الطلبة في المدراس ويصبح شيخهم هو الشيخ للمدرسة فتتخذ المدرسة بذلك الصبغة الدينية ، فيقال: ( انشأ مدرسة وبها خطبة وصوفية ) ..( خطبة أى صلاة الجمعة ).
3 ـ ثم حدث الخلط بين الخانقاة والمدرسة ، فقيل عن الخاناقاه الجاولية والمهمنارية وخانقاه جمال الاستادار ومدارس برسباي انها مدراس وكان يقال على ذلك :( ان سنجق من عبد الله التركي أوقف مدرسة ورباطا ) بل وقف بعض الصوفية (مدرسة )
4 ــ وإنقلب الحال ، فكانت المدرسة تنشأ داخل الخانقاه الصوفية ، ويعني بها مكان تلقى العلم ، فأنشأ الأمير سودون مدرسة بخانقاه سرياقوس وجعل بها خطبة . وحكى عن صوفي من خانقاه سعيد السعداء (انه سرق قمحا من حاصل المدرسة، فقام الصوفية عليه) ، أى كانت هناك مدرسة داخل تلك الخانقاة الصوفية المشهورة ، وأن أحد الصوفية سرق قمحا من مخزن تلك المدرسة الملحقة بالخانقاة ، وقال ابن الصيرفي عنهم (ان لهم مباشرة بالمدرسة بالخانقاه المذكورة) ، وهنا ترادف بين المدرسة والخانقاة .
5 ــ وفي عصر المماليك البرجية وجدت المؤسسات الصوفية المكتملة او المدرسة الخانقاه كالظاهرية وبرقوق والغورية ) . وفي هذا العصر كان الصوفية هم الطلبة والمدرسون والناس جميعا...
6 ــ وما لبث الخلط أن وقع بين المدرسة والزاوية حين أقيمت المدارس في القرافة وبني بها ضريح ويسكنها شيخ . يقول السخاوى عن ( مدرسة ) زين العابدين الدهوطي : بها قبر الشيخ العارف بالله (ودفن بزاويته ) ...
7 ــ وحدث خلط آخرين بين المدرسة والجامع ، فقيل عن جامع المؤيد شيخ : ( ذكر نزول السلطان مدرسته.. نزل السلطان الى جامعه الذي بناه بحذاء باب زويلة ) وقيل عن جامع السلطان حسن (هذا الجامع يعرف بمدرسة السلطان حسن ) .
ونتعرض سريعا للتعليم في المؤسسات الصوفية الأصلية ...
التعليم في الخوانق:ـــ
1 ــ ظهرت بعض الخوانق في أوائل القرن الثامن وأضيفت اليها وظيفة التدريس بجانب وظيفتها الأصلية ) وكان ذلك مبررا للخلط بينهما وبين المدرسة . واشتهرت خانقاه جمال الدين الاستادار بالتدريس حتى يقال (أن الأصح أن يقال فيها مدرسة ) وقد قسم الصوفية بها الى المجردين ( المتفرغين ) للعبادة وغير مجردين ، ورتب الطلبة من المجردين ودرسوا الفقه على المذاهب الأربعة كمادة أساسية الى جانب التفسير والحديث والعربية اختيارية . وكان الاهتمام في تلك الخانقاه بالفقه الشافعي ، وعينت وثيقة الوقف مكان جلوس الشيخ في كل مادة، فشيخ الفقه الشافعي مثلا يجلس في الايوان فيما بين طلوع الشمس على الظهر. وبينت الوثيقة طريق التعليم : ( فهو حل المشكلات وكشف الغامض وتسهيل العسير والإرشاد ) بالنسبة للفقه الشافعي ، وبالنسبة للحديث (يقرأ الطالب ما تيسر من الأحاديث ويفيدهم الشيخ .. ) بل شارك فيها الراغبون من خارج الخانقاة ، فعن الحديث تقول وثيقة الوقف : ( على ان الشيخ المذكور يتصدر في كل سنة الاستماع للطلبة ومن تيسر حضوره من المسلمين كتب الصحاح السند) وعن القراءات (ويفهمهم القرآن ومن تيسر حضوره من المسلمين من اهل المذكور ومن غيرهم تجويدا او تجهيرا وتلقينا ) ولقد كان الفقه على المذاهب الأربعة مع الحديث والتجويد أهم المواد التي درست في الخوانق .
التعليم في الجوامع :ـــ
صار الجامع مؤسسة صوفية في العصر المملوكي ، فكان الصوفية يقررون في الجوامع بعد انشائها . وقد بنى السلطان الناصر محمد بن قلاوون الجامع الجديد (ورتب فيه صوفية يحضرون بعد العصر كما في الخوانق ، وهو من احسن الجوامع ) وقيل عن جامع شيخون (جعل فيه خطبة وعشرين صوفيا )
ونشاط الصوفية والجوامع على نوعين :
1 ـ وظيفة التصوف . وهى حضور الصوفية في مواعيد معينة في الجامع : في الصباح أو بعد العصر ، وتُفرق عليهم أجزاء القرآن الكريم فيقرأ الشيخ ما تيسر وتقرأ الصوفية ويختمون القراءة مع الشيخ ثم يدعون للواقف ) وتُذكر وظيفة التصوف في المؤسسات الصوفية الأخرى .
2ــ التعليم : أو ترتيب الدروس في الجوامع ) فقد قرر الشيخ الديري في مشيخة الصوفية وتدريس الحنفية في جامع المؤيد شيخ . بل ان بعض الصوفية اقام الجوامع مثل ابن المنزلاوي.. الذي انتمى إليه في جامعة الفقراء والمريدون والطلبة . ورتبت دروس الفقه على المذاهب الأربعة في الجامع المالكي الذي جدده بيبرس الجاشنكير ت 704 والجامع الأشرفي برسباي الذي قرّر المعاليم ( المرتبات ) للطلبة على ان يحضروا وظيفة التصوف ) وفي الجامع الحاكمي رتب إلى جانب الفقه دروس الحديث والقراءات والنحو والقاء العلوم وميعادا للعامة وفقيهين لتعليم الايتام )
وفي حجة أو وثيقة وقف المؤيد شيخ على جامعه أعدّ مكان الدرس: ( واما الأواوين المشار إليها أعلاه فانه وقفها وجعلها معدة لإقامة الصلوات الخمسة فيها ولجلوس المدرسين وطلبتهم والصوفية فيها على العادة ) وكان مدرس الحنفية من بين الصوفية والطلبة من الصوفية : ( فيرتب من أرباب الوظائف بالجامع المذكور الآتي ذكرهم رجلا من اهل الصلاح والعلم حنفي المذهب عالما بمذهب الامام ابي حنيفة النعمان ، ويكون شيخا للصوفية ، ويكون له قدم عالى في شروط الصوفية ، ويكون حسن الهيئة حسن الاعتقاد ( أى يكون صوفيا معتقدا فى الأولياء ) حافظا لنقول الفقهاء واختلاف المذاهب ونصوص الامام ابي حنيفة ، عارفا بحل كتب الحنفية) (ويسهل عسيرها...) ( ويكون الرجل المذكور الموصوف بما ذكر والقائم بتدريس الحنيفية بالجامع الكبير .... ويحضر وظيفة التصوف بعد الصلاة للعصر... على العادة في الخوانق والجوامع بالديار المصرية ... ويحضر معه جماعة الصوفية .... وطلبة العلم وغيرهم المرتبون بالجامع المذكور وظيفة التصوف )
وقد أوردنا ما سبق للتدليل على أن نشاط الصوفية في الجوامع سار في اتجاهي التصوف والتدريس معا...