أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رويدة سالم - السياسة المحمدية. جزء ثاني















المزيد.....



السياسة المحمدية. جزء ثاني


رويدة سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3572 - 2011 / 12 / 10 - 12:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إلى جانب ما تقدم في الجزء الأول، حتى لو سلمنا جدلا بنبوة محمد ورعاية الله للدين الجديد والأخير الموجه للإنسانية جمعاء، فإن النصوص الإسلامية تطالعنا بشذرات متفرقة من الأخبار التي تستشف منها أنه كان في جانب آخر من شخصيته كاهن ذي أطماع سيادية تحول بفعله إيمانه المطلق بدعم الله له ولفكره الروحي الذي نسبه لوحي منه إلى قائد عسكري لمجموعة من المنسلخين عن قبائلهم يستمد قراراته العسكرية من ظرفه الموضوعي دون أي دعم رباني. يخطئ ويصيب ويلجئ إلى دعم أهل الخبرة من أصحابه كما يعقد تحالفات ويتجنب صراعات مع شيوخ قبائل قوية يخشاها ويداهن علنا "منافقين له" وكفارا يلعنهم سرا بين أصحابه ليمثل سلوكه بالتالي زنا بيّنا بين السياسي والكاهن في العديد من مواقفه التي تتناقض في تعاطيها مع ذات الحدث باختلاف الأشخاص المشاركين فيه ولا سبيل إلى فهم التناقض إلا بالتسليم بأن القائد العسكري ورجل الدين هو ابن بيئته وظرفه ينطلق منه لرسم حدود فكره وعمله السياسي حسب المصلحة الشخصية أو حاجة الجماعة التي يسوسها لإثبات وجودها والتوسع جغرافيا لكسب موارد اقتصادية اكبر أو لتجنب مواجهات عنيفة خاسرة مسبقا مع كيانات أخرى تضاهيها أو تفوقها قوة لكن لا مجال إلى جعل مواقفه تلك تنطلق من أجندة سياسية وثقافية واضحة وقطعية ملمهة من لدن الله وبذلك تتخذ من القداسة ما يجعلها قوانين أبدية وحقائق تاريخية مقدسة ومطلقة وقابلة للتطبيق في كل زمان ومكان لأنه كما سنرى لاحقا يوجد من المواقف المتضاربة والتي تظهر مدى ضعفه ما يتجاوز أي تبرير آو محاولات تجميل.
محمد سواء كان نبيا فعلا آو مجرد شيخ عشيرة من بين عدة شيوخ عشائر أخرى أو كاهنا اعتنق الحنيفية التي كانت شائعة في الفضاء الجزيري انطلق منها كأرضية ثقافية ليكون لنفسه مذهبا خاصا بإضافة ما تعلمه في تجارته من أبجديات عقائد الأقوام الذين احتك بهم حاول مما لا شك فيه انطلاقا من التصريحات المنسوبة إليه، كوعده أن يجعل القرشيين يحكمون العرب والعجم وان يمكن العبيد إن هم تبعوه من كنوز كسرى، أن يكون سلطة سيادية تمكنه من السيطرة روحيا وسياسيا على القبائل البدوية العربية المحيطة بعد أن كون مفهوم جديد للهوية يتجاوز اطر الهوية القبلية التقليدية الشائعة في الجزيرة إلى هوية عقائدية لم تعد تقيم وزنا للقربات الدموية خاصة بعد معركة بدر والتي اجبر فيها محمد أصحابه على قتل الملأ القرشي ومن بينهم آباءهم وأعمامهم وبذلك اثبتوا انتماءهم لجماعته وقطعوا مع المبادئ الجزيرية القديمة في تأسيس لمنهج جديد يعلوا فيه رابط الولاء على روابط الدم يصير فيه "أتباع محمد أمة واحدة دون الناس وان لا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافرا على مؤمن وان المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس".
رغم أن سلطته كانت بدئية بدون أي إستراتيجية واضحة لأن القران كان ينزل عليه مفصلا حسب الحدث والغريب انه ينزل بعد الحدث لا قبله إلا فيما يتعلق بحريمه وعلاقاته الأسرية معهن إلا أنه نجح في رسم، حسب ما تقدمه كتب السير، وجه سيادي رائد في الجزيرة العربية لفترة قصيرة من الزمن لن تتجاوز الأربعين عاما لكن سرعان ما اندثرت أهمية المكان الذي انتمى إليه هو وخلفاءه لينمو الدين الجديد بما يحويه من بعد سياسي واستراتيجي كأجندة ثقافية قومية وبما يحمله من جذور ثقافية عرقية جزيرية في فضاءات أخرى شكلته وأضافت إليه ما رآه فقهاء البلاط ومؤرخو الملوك والسلاطين، (في قصور أولياء نعمهم مما بلغهم من أخبار الأولين عبر القناة الشفهية التي توارثت الأخبار عبر أجيال،) ضروريا لتثبيت الحكم وسبغه بالشرعية والمباركة الربانية (والتي سعى دوما للحصول عليها على مر التاريخ العربي الإسلامي حكام البلدان العربية الثقافة بادعاء الانتساب إلى نبي الإسلام والبحث عن علاقات قرابة دموية به وبعلي ابن عمه) وفي هذا المجال يكفي أن نذكر أن أبا بكر قضى زمنا يجمع حديث رفيق دربه لأكثر من عشرين سنة فلم يجمع سوى 500 حديثا في حين يقول أبو هريرة الذي رافق الرسول فقط لثلاث سنوات " روى البخاري (120): " حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ : فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ (4026 حديثا)، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ "".
أيا تكن الحقائق الغائبة نجد في كل كتب السير أن محمد النبي تجنب في مواقف كثيرة الصدام مع القبائل القوية مهما كانت حدة عدوانها كما أقام تحالفات سياسية مع كفار فهل كان ذلك ضرورة عسكرية بشرية خالصة لا مناص منها أم أنها تشريع مقدس تحت مسمى التقية يجب الإيمان بقدسيته وبالتالي العودة له كلما دعت الضرورة السياسية للبلدان التي تعتبر الإسلام دينها الرسمي ومصدر تشريعها الأول أو حتمت عليها ظروف التبعية الخضوع للمستعمر سواء كان الاستعمار مباشرا أو ثقافيا؟
هل كانت المناورات السياسية المحمدية مع القرشيين والخضوع لرؤساء القبائل المعادية له أو المنافقة كما تصفها كتب السير سلوكا ملهما من الإله أم هي وجه ثان من ذات العملة التي تستعمل المقدس لبلوغ غايتها السيادية مهما كانت انتهازية ومصلحيه ضيقة لا بقيم عصرنا فقط بل وأيضا بقيم عصر محمد ويتجلى ذلك في إنكار اليهود الذين كانوا ينتظرون نبيا وقبلوا به في يثرب المدينة لاحقا في بداية دعوته لنبوته لأنه جاء بحربة وعربة وما كان الأنبياء بمقاتلين وهجاءه بالشعر من طرف كل من قام بعد ذلك بتصفيتهم جسديا إلى جانب عدم كسب مؤيدين طيلة الفترة التي بقيها يدعو في مكة ورفض كل القبائل التي طلب دعمها بعد فشله في قريش التصديق بدعوته بل ارتدت اغلبها ليبقى فقط حملة اللواء من المكيين وأهل المدينة بعد موته في حين أن مسيلمة نبي اليمامة الذي ادعى النبوة قبل محمد وجمع كل أهل نجد حول كلمته كان له أتباع يذودون عنه ويؤمنون به حتى أن عددهم في معركة اليمامة بلغ الأربعين ألفا بل بقي بعضهم على عهده إلى أن حاكمهم عبد الله ابن مسعود الذي تولي قضاء الكوفة وبيت المال في خلافة عمر وصدر من خلافة عثمان فاسلم من بينهم من اسلم وقُتل من أبى التخلي عن إيمانه، إلى جانب الأدلة الاركيولوجية كالعملة التي تحمل اسمه، انظر كتاب "خلف النبي محمد للأستاذ محمد النجار: http://www.4shared.com/document/Q7tCjX1n/_____.html صفحة 150" أو ما ورد في كتب السير من مواقف مؤمنين به وبما دعى إليه حتى بعد دخولهم تحت راية الإسلام: يذكر ابن سعد في الطبقات ج9، ص 90
بإسناد حسن عن أبي مريم الحنفي أنّ عمر بن الخطاب دخل مربدا له ثمّ خرج فجعل يقرأ القرآن، قال له أبو مريم: يا أمير المؤمنين إنك خرجت من الخلاء، فقال: أمسيلمة أفتاك بهذا؟"؟
حتما المناورات السياسية المحمدية مع القرشيين ورؤساء القبائل المعادية له او المنافقة كما تصفها كتب السير ليست سلوكا ملهما من الإله بل هي وجه ثان للسياسي الذي يستعمل المقدس لبلوغ غايته السيادية مهما كانت سبلها مداهنة أو عدائية تجاه الآخر المختلف وهي عنصر مهم البحث فيه إلى جانب ما تقدم في الجزء السابق من القرارات المجحفة من طرف النبي السياسي بحق المختلفين واستعماله لأساليب العصابات من إرهاب وتصفيات جسدية ورشوة تحت غطاء النص (ضاربا عرض الحائط بحتمية الاختلاف في الطبيعة البشرية التي من المفترض ان الله عليم بها فهو من خلقها وهو من يعلم خفاياها وهو الذي كتب في لوحه المحفوظ قبل خلق الكون قدر كل انسان سيخلقه وحدد المصائر وقدر كفر الكفار وإيمان المؤمنين).
محمد الذي تعامل بعدائية مع المخالفين له من الضعفاء وفرض عليهم الجزية سرا وعلنا وعاقبهم بأشد العقوبات كان يخشى مجموعة من شيوخ القبائل القوية المعروفين بسطوتهم وقوة قبائلهم وغناها وكثرة رجالها فقبل اهاناتهم المتكررة ولم يرد عليهم بل سكت وخضع أو اشترى رضاهم بالمال والغنائم المسروقة والنساء الاسيرات ليتجنب شرهم او ليستفيد منهم وقت الحاجة.
من بين رؤساء القبائل الذين كان يخشاهم محمد، عامر بن طفيل وهو من سادة قبيلة بني عامر البدوية المعروفة بقوتها وكثرة رجالها وقوتهم عند الحرب. أذى محمد كثيرا حيث نجد في السيرة الحلبية أن محمد ارسل 70 من القراء (كما يذكره البخاري) لنجد على طلب من أبو عامر عم عامر ابن طفيل ووعد بحمايتهم فقام هذا الاخير بأمر قبيلته بالهجوم عليهم وقتلوا معظمهم وأسروا الباقي فإكتفى محمد بالدعاء عليهم ولم ينتقم لأصحابه "عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة، ومكث يدعو عليهم ثلاثين صباحا. وفي رواية الشيخين قنت شهرا أي متتابعا يدعو على قاتلي أصحاب بئر معونة، أي بعد الاعتدال في الصلوات الخمس من الركعة الأخيرة وحينئذ يكون المراد بالصباح اليوم وليلته".
لماذا لم يعامله محمد بالمثل ولم يعلن عليه الحرب بل اكتفى بالدعاء عليه هل هي حِلم القوي الذي يعفوا حين مقدرة أم هو فقط خشية قوة القبيلة المعادية والجائرة التي لا قبل لمحمد على مواجهتها؟
لما وفد إليه عامر ابن طفيل الى المدينة في عام الوفود، لم يذكر محمد امر قتلى بئر معونة بل عرض عليه الاسلام وكان قد اتفق مع أربد على قتله ثم إشترط عليه أن يكون الامر له ولقبيلته من بعده لكن أمام الرفض هدد محمدا قائلا: ": أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا." اعلانا للحرب فإكتفى محمد بالدعاء مرة أخرى أن ينتقم له الله منه " روى البيهقي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة رحمه الله، قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحاً: (اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت وابعث عليه داء يقتله)".
اغتال محمد الشعراء الذين انتقدوه ودينه بأساليب مسرفة في الوحشية كما أمر بقتل مرتدين وان وجدوا معلقين باستار الكعبة فلماذا كان بهذا الضعف أمام عامر بن طفيل ومجاعة ابن مرارة الذي قرأ سورة البقرة وسورا من القرآن المحمدي وأعلن إسلامه وطلب من محمد أرضا مواتا كما تذكر ذلك "فتوح البلدان" ثم عاد إلى اليمامة وارتد؟ أليست هي خشية القوة ورهبة القبائل التي لا قدرة له عليها؟
يقول المفسرون أن ذلك لحكمة ربانية بليغة وهي بيان حفظ الله لنبيه من أذاء اعدائه من الكفار وأن الله ناصر لدينه من دون دعم الاقوياء من القبائل البدوية وانه منتقم من اعداء نبيه حتى لوطالت حياتهم وبلغ كفرهم وشرهم مداه على امل ان يرجعوا عن غيهم وقيل لبيان ان الطواغيت يقفون بين الحق وبين قبائلهم فهل كان ذنب الستة الذين اهدر محمد دمهم (الْحُوَيْرِث بْن نُقَيْد , وَهِلال بْن خَطَل , وَمِقْيَس بْن صُبَابَة وعَبْد اللَّه بْن أَبِي سَرْح ، قَالَ فَأَمَّا هِلال بْن خَطَل فَقَتَلَهُ الزُّبَيْر ، وأما عبد الله بن أبي سرح فاستأمن له عثمان بن عفان وكان أخاه من الرضاعة وقينتين لمقيس تغنيان بهجاء رسول الله) بأشد أذا مما فعل عامر ام انه كان يمتاز عنهم بالقوة التي جعلت نبي الاسلام يرهب جانبه ولا يقاتله ولا يأمر بقتاله؟
سلوك عُيينة بن حصن لم يختلف عن عامر وبدوره لم يطله أي انتقام بل وأي تقريع رغم كل ما بدر منه تجاه محمد بل منح ما لم يمنحه غيره من اتباع محمد المخلصين والاوفياء. هو كما تذكر كتب السير أحد سادات قبيلة غطفان البدوية القوية وكان محمد يكنيه بالاحمق المطاع. عن أبي هريرة أن عُيينة دخل على محمد وعنده عائشة بدون إذن فقال له محمد " فأين الاستئذان ؟ " فقال يا رسول الله ، ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت . ثم قال : من هذه الحميراء إلى جنبك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذه عائشة أم المؤمنين " . قال : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق ؟ قال : " يا عيينة إن الله قد حرم ذلك " . فلما أن خرج قالت عائشة : من هذا ؟ قال : هذا أحمق مطاع ، وإنه على ما ترين لسيد قومه". لم يقم محمد بالرد على إهانة عدوه وقوله لعائشة انه سيد قومه يفسر سبب عجزه. سلوكه هذا يتناقض مع سلوكه مع اصحابه الذين لم يكن يسمح لهم بالدخول اليه الا اذا استأذنوا كما في حضرة الملوك والأباطرة حيث فرض طاعة مطلقة على أصحابه فلا احد منهم يجرؤ على إيقاظه ولا التكلم بصوت عال في حضرته : أسباب النزول ص385 سورة الحجرات آية 2 "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" كما كان ينام وحراسة شخصية تحميه ولما يكون وحده لا يدخل احد إلا بإذنه حتى أن الخليفة الثاني سئل أربع مرات للدخول عليه ولم يسمح له إلى جانب انه عند الحروب لا يقاتل بل تبنى له خيمة محاطة بالحرس يتشاور فيها مع أصحابه حول سير المعركة كما حصل في معركة بدر مثلا ولما يضطر للخروج في مجموعة كبيرة لا يسير معهم بل خلفهم مع بعض من اقرب المقربين إليه قائلا خلوا الملائكة في ظهري وفي الصلاة لتخويف البدو الذين يمكن أن يفكروا في قتله كان يقول انه أنه يشاهدهم وهم يصلون .
أغار ابن حصن على ابل للرسول وقتل الراعي ورجلا من بني غفار وسبى امرأته لكن محمد لم يعامله كما عامل القوم من عكل وعيينة (حيث نقرأ في صحيح البخاري عن أنس قال: "قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتَوَوُا المدينة، فأمر لهم النبي بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحُّوا قتلوا راعي النبي واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جئ بهم فقَطَعَ أيديهم وأرجلهم وسُمِّرتْ أعينهم، وأُلقوا في الحرة، يستسقون فلا يسقوْن" وقال "فأمر بهم فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وأرجلهم وتركوا في ناحية الحرة، حتى ماتوا على حالهم") ونسأل مرة أخرى هل هي حكمة ربانية أم قرار موضوعي سياسي بحت لقائد يعرف حدود إمكانياته وعجزه عن مواجهة الأقوياء فيتجنبهم لتسقط مقولة انه لا يخشى في الله لومة لائم؟
عيينة هذا زعيم بدوي لا يهمه من يقاتل ولا مع من يقاتل. همه الاول والاخير هو الحصول على الغنائم والسبايا ففي فتح الطائف قال عُيينة "أجل ، والله مجدة كراما" فقال له رجل من المسلمين : قاتلك الله يا عُيينة ، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد جئت تنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفاً معكم ، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب من ثقيف جارية أطئها لعلها تلد لي رجلا ، فإن ثقيفاً قوم مناكير". أعطاه محمد ما جاء لأجله يذكر ذلك ابن اسحاق في المغازي "قال: قيل يا رسول الله أعطيت عُيينة والأقرع مائة مائة وتركت جُعيلاً . قال والذي نفسي بيده لجُعَيل بن سُراقة خير من طلاع الأرض مثل عيينة والأقرع ولكني أتألفهما وأكل جعيلا إلى إيمانه". وقف الى جانب القرشيين في معركة الخندق فعرض عليه محمد ثلث محصول المدينة في حين اباد بني قريضة ومنحه في موضع آخر ذهبا ورده من اليمن. نجد في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: "حدثنا سعيد قال : حدثنا قاسم قال : وحدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال : بعث علي من اليمن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذهبة في أدم مقروظ ولم تحصل من تربتها [ ص: 35 ] فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أربعة نفر : بين زيد الخير ، والأقرع بن حابس ، وعُيينة بن حصن ، وابن عُلاثة أو عامر بن الطفيل".
إلى جانب ما تقدم، علاقة محمد بعبد الله ابن ابي بن سلول أكثر اثارة للجدل. فأبي بن سلول حسب كتب السير كان مناهضا لمحمد منذ البدء ونتلمس ذلك في الكثير من محاوراته له او من مواقفه ضده وضد دعوته حيث نجد أنه في بدايات الدعوة المحمدية في يثرب لما كانت لا تزال تحوي اخلاطا من اليهود والوثنيين قال لما أتى محمد مجلسه: "لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف، فنزل ودعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أُبَيّْ: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلم تؤذينا به في مجلسنا ؟ ارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه" وان تفسر كتب السير هذا الموقف بأن عبد الله بن أُبَيّْ كان سيتوج حاكما على المدينة فلم يتم له الأمر بسبب انتشار الإسلام ونحن نعلم أن محمد لم يكن حاكما للمدينة منذ وصوله لها بل تم له ذلك بعد زمن طويل لما جمع حوله كتيبة كبيرة من المريدين سواء عن إيمان أو طمعا في المغانم فإن مواقف محمد لم تتغير معه رغم أذاه له كما أن مداهنة محمد له لم تتخذ بعدا عدائيا كما فعل مع الشاعر اليهودي كعب بن الاشرف الذي كان يهجوه ويحرض عليه كفار قريش في شعره. تذكر كتب السير ايضا :"قيل للنبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لو أتيت ‏ ‏عبد الله بن أُبَيّْ ‏ ‏فانطلق إليه النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وركب حمارا فانطلق المسلمون يمشون معه ‏ ‏وهي أرض ‏ ‏سبخة ‏ ‏فلما أتاه النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال إليك عني والله لقد آذاني نتن حمارك" عن أنس بن مالك صحيح البخاري، فما كان من محمد الا ان رجع لأنه لا قدرة له على إيذاء عبد الله بن أُبَيّْ في حين قتل ام قرفة ابشع قتل لأن قبيلتها لم تكن في مثل قوة قبيلة أُبَيّْ.
اطاع محمد أُبَيّْ في عدم قتل قبيلتي بني قينقاع وبني النظير الذين حرضهم على قتال محمد ووعدهم بالقتال الى جانبهم ونجد في سيرة ابن هشام " وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج ، منهم ( عدو الله ) عبد الله بن أبي ابن سلول ( و ) وديعة ومالك بن أبي قوقل ، وسويد وداعس ، قد بعثوا إلى بني النضير : أن اثبتوا وتمنعوا ، فإنا لن نسلمكم ، إن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن أخرجتم خرجنا معكم ، فتربصوا ذلك من نصرهم ، فلم يفعلوا " ونجد في سيرة ابن اسحاق قال أُبَيّْ "يا محمد ، أحسن في مواليّ " ، وكرّر ذلك على النبي – صلى الله عليه وسلم – وأمسكه من ثيابه حتى ظهر الغضب في وجه النبي معلّلا إصراره على هذا الموقف بقوله : " قد منعوني من الأحمر والأسود ، إني إمرؤ أخشى الدوائر " ، فقال محمد - صلى الله عليه وسلم - : ( هم لك )
ألا يعادل وعد عبد الله بن أُبَيّْ لبني النضير بالقتال في صفوفهم تواطئ بني قريظة مع قريش لو صدقت كتب السيرة في ذكر هذا التواطئ ولم يكن مجرد تمهيد لتبرير إبادتهم من طرف محمد؟
رغم ان محمد يعلم انه منافق وانه عدو له ولدعوته ورغم كل ما بدر عنه ورغم ان كتب السير تقول ان كل من بني قينقاع وبني النضير بدورهم خانوا العهود لكنهم يستدركون فيقولون ان الخيانة كانت قبل المعركة على عكس بني قريظة لم يعاقب محمد عبد الله بن أُبَيّْ حتى بالعتاب فهل كان ذلك لوحي رباني ام لخشيته من مخالفة أُبَيّْ الذي بعد غزوة أحد و لقلة خشيته من محمد وربه قال لما طلب منه أحد الانصار قائلا تركت رسول الله أذهب ليستغفر لك فيغفر الله لك فرد لا أريد أستغفاره.
تمرد أُبَيّْ في غزة أُحُد لأن محمد لم يتبع نصيحته في البقاء في المدينة لمحاربة قريش واستغرب ان يقدم رجل يكره محمد وينتظر فشله نصيحة بمثل هذه الحكمة ولأنه يعلم بعدم توازن القوى وبالفشل الذي ينتظر تسرع المسلمين في خروجهم لحرب القرشيين انسحب بثلث العسكر قائلا مقدما حجة منطقية "أطاعهم فخرج وعصاني ، والله ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس ؟ " ذكره الطبري في تاريخه ". في عرف الحرب الا يعتبر هذا الانسحاب خيانة عظمى؟ فلماذا لم ينتقم محمد من أُبَيّْ ومن انصاره كما فعل مع بني قريضة رغم انهم لم يحملوا السلاح ضده بل تأكد كتب السير انهم وان هموا بالامر فهم لم ينفذوا خيانتهم لأن نعيم ابن مسعود اوقع بينهم وبين القرشيين في اللحظة الاخيرة في حين ان انسحاب أُبَيّْ كاد يؤدي الى قتل محمد واصحابه؟
موقف آخر مثير هو قول القرآن: "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم" نجد في اسباب النزول "نزلت في ست جوار لعبد الله بن أُبَيّْ - كان يكرههن على الزنا ، ويأخذ أجورهن - وهن : معاذة ، ومسيكة ، وأميمة ، وعمرة ، وأروى ، وقتيلة .اشتكت احداهن لمحمد فنزلت الاية وبدل التنديد بسلوك أُبَيّْ المخالف للقوانين الاسلامية الجديدة التي تنص على الزواج او المتعة وتحذيره بكلام شديد اللهجة خاصة وانه ينتهك كرامتهن ويتاجر باجسادهن ((كما كان يفعل في القرآن المكي لما شهر على سبيل الذكر لا الحصر بالوليد بن المغيرة حسب تفسير يحى بن سلام وهو سيد قومه شرفا ومالا وكرما لأنه قال في محمد"ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر " (فوصفه "بعتل بعد ذلك زنيم والزنيم هو الذي ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة قال ابن عباس لا نعلم أن الله وصف أحدا بما وصفه به من العيوب فألحق به عارا لا يفارقه أبدا) وبعمه أبو جهل وزوجته أم جميل التي كانت تحمل الحطب لفقرها وهي أخت أبي سفيان أغنى أغنياء قريش واكبر سادتها)) بل جاء النص مطمئنا للجواري اللاتي يمارسن الدعارة رغما عنهن أن الله سيغفر لهن لأنهن مجبرات على هذا الفعل دون أي تنديد بذنب سيدهن أو إدانة له فهل أن الله يتخير العقوبات والتنديد حسب اصل الشخص وسطوته في قومه ومدى ظلمه المباشر لمحمد نبيه؟.
في حادثة خيانة عائشة بعد غزوة بني المصطلق وجد عبد الله بن أُبَيّْ الفرصة سانحة للتشهير بمحمد والنيل منه وبعد تبرئة محمد لزوجته التي التزمت الصمت ولم يبدر منها أي نفي للخيانة أو إقرار بها بل كان تصرفها طفوليا غير مكترث ولا مدرك لفداحة الإهانة التي طالت محمد في شرفه بإنزال عشرة مقاطع من القرآن عاقب محمد كل من تحدث بالسوء عنها وجلده ثمانين جلدة " قال الضحاك : الذي تولى كبره حسان ومسطح فجلدهما صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عذرها . وجلد معهما امرأة من قريش " إلا عبد الله ابن أُبَيّْ الذي أشار إليه في قرآنه وتوعده بعذاب عظيم دون أن يوضح من هو وأهل المدينة يعلمون انه الشخص الوحيد الذي بالغ في القصة كما تذكر كتب التفسير في سورة النور حيث نقرأ قام " خطيبا على المنبر ، فقال يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي يعني عبد الله بن أُبَيّْ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي ، فقام سعد بن معاذ فقال أعذرك يا رسول الله منه إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج فما أمرتنا فعلناه ، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن أخذته الحمية فقال لسعد بن معاذ كذبت والله لا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ وقال كذبت لعمر الله لنقتلنه وإنك لمنافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ".
ما السبب في عدم عقاب عبد الله بن أُبَيّْ بالجلد وعدم البوح باسمه على الملأ وما سر الحمية التي ثارت للقول بإمكانية عقابه هل كل هذا خوفا من أن لا يفهم الأعراب أسباب محمد إن هو عاقب احد سادات المدينة فلا يدخلون الإسلام أم لأن أُبَيّْ من أصحاب محمد والأصحاب وان جاروا وان اعتدوا فلهم حرمة خاصة أم الحقيقة أن القوة ترهب حتى الأنبياء المدعومين من طرف الله المفترض فلا يجرؤ النص على المس بهم مما يوضح حرمة أُبَيّْ في قومه؟
بعد غزوة بني المصطلق أيضا لما قام الناس و تشابكوا مما دعا محمد للقول: "أبدعوى الجاهلية و أنا بين أظهركم دعوها فإنها منتنة و أحمر وجهه و امتلأ عرق بين عينيه بالدماء و كان يعرف بذلك أنه غضب غضبا شديدا فيقولون فما رأينا النبي غضب لشيء كغضبه لخلاف بين المهاجرين والأنصار" جعل عبد الله بن أُبَيّْ يضخم الموقف ولا يكترث لكلام النبي وقال " أرأيتم ماذا فعلتم أويتموه إلى بلادنا فأخذوا من بلادنا و اليوم يعادوننا و الله ما أرى مثل محمد و من معه من المهاجرين إلا كالمثل القائل سمن كلبك يأكلك و الله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " فيغضب محمد لكن ماذا يمكن أن يفعل وكما يقول عمرو خالد الداعية الإسلامي "الموقف خطير، وسط الجيش ابن سلول معه 700 و يوجد الأوس و الخزرج و الجيش معه السلاح فماذا سيفعل النبي صلى الله عليه و سلم تجاه هذا الموقف ؟" يعني أن الخوف من ردة فعل عبد الله بن أُبَيّْ وأنصاره أكبر من قدرة محمد على العقاب فحتى لما ثارت حمية عمر لما سمعه يقول: "لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا" فقال: دعني أضرب عنق هذا المنافق قال له محمد ((دعه.. لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه))
إن كان محمد يخشى أن يؤثر قتل بن أُبَيّْ على دخول الأعراب إلى الإسلام فلماذا لم يجرؤ حتى على تكذيبه لما أثبت له أسيد بن حضير انه يكذب في حادثة يذكرها زيد ابن الأرقم الذي عانى الذل والهوان من جراء تصديق محمد لأُبَيّْ على حسابه حيث نجد في أسباب النزول
"فشت الملامة في الأنصار لزيد وكذبوه ، وقال له عمه : ما أردت إلا أن كذبك رسول الله والمسلمون ومقتوك فاستحيا زيد بعد ذلك أن يدنو من النبي" فيقول"أتى الأنصاري عبد الله بن أُبَيّْ ، رأس المنافقين ، فأخبره فغضب عبد الله بن أُبَيّْ ثم قال :لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله - يعني الأعراب - ثم قال لأصحابه : إذا رجعتم إلى المدينة فليخرج الأعز منها الأذل . قال زيد بن أرقم فسمعت عبد الله فأخبرت عمي فانطلق فأخبر رسول الله فأرسل إليه رسول الله فحلف وجحد واعتذر ، فصدقه رسول الله وكذبني ... فوقع علي من الغم ما لم يقع على أحد قط ، فبينا أنا أسير مع رسول الله إذ أتاني فعرك أذني وضحك في وجهي ، فما كان يسرني أن لي بها الدنيا ، فلما أصبحنا قرأ رسول الله سورة المنافقين".
بعد كل ما قام به ابن سلول يعده محمد من أصحابه فلا يرد الاعتبار علنا لصاحبه بل يعرك أذنه في إعلان ضمني على قناعته بصدقه وهو من أمر بقتل كتابه كالنصراني الذي لا تذكر المصادر اسمه وعبد الله بن أبى السرح الذي تقول فيه كتب السير انه أسلم أول مرة قبل صلح الحديبية وكان حسِن الإسلام وموضع ثقة النبي وأناله النبي شرف كِتابة الوحي ثم لما رأى من الوحي ما لم يقنعه بنبوة محمد إذ كان يكتب ما يفكر به ومحمد يقره على ذلك مدعيا انه كلام الله فترك المدينة وعاد إلى مكة.
ثم حتى لو سلمنا أن محمد يريد الحفاظ على وحدة الصف الداخلي ولأن الأعراب لن تفهم دوافعه إن هو قتل "صاحبه" المنافق فتفر من دعوته فإن مواقف عبد الله بن أبي كانت علنية وكان الكل يعرفها وإيجاد السبب الموضوعي لم يكن صعبا خاصة وانه كما يقول الدعاة الإسلاميين "وجد ابن سلول العتاب والبغض في كلّ موقفٍ من مواقفه ، وكان ذلك على يد من كانوا يرغبون في تتويجه ملكاً عليهم في السابق ، فنبذه أهله وأقرب الناس إليه" مستشهدين بقول ابنه : "يا رسول الله قد علمت المدينة أنه لا يوجد أحد أبر من أبيه مني فإن تريد قتله فأمرني أنا فإني لا اصبر على قاتل أبي" الذي لم يسمح له محمد بذلك لا من منطلق البر بالوالدين وذي القربى فمعركة بدر لم تترك مجالا لذلك إذ أن العلاقات منذ ذلك الحين صارت تعتمد الانتماء إلى الجماعة أكثر من أواصر القرابة بل لعلمه بمكانة عبد الله بن أبي وبحرمته في قومه مما يجعل مسألة النبذ في قومه إسقاطا لا سبيل إلى التسليم بصحته.
تواصل حسن معاملة عبد الله بن أبّي حتى بعد موته إذ انه لما توفي جاء ابنه إلى محمد فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه له (تقول كتب السير انه قام بذلك ردا للجميل لأنه يوم بدر استعار منه قميصه ليعطيه عمّه العباس وقد كان العباس طويلاً فلم يكن يناسبه إلا قميص ابن سلول) وهنا اسأل الم يُقل أن محمد دخل المدينة حاكما وصاحب أمر وقد انتشر فيها الإسلام انتشار النار في الهشيم فهل يعجز صاحب الأمر على أيجاد قميص فيضطر لاستلافه من عدو أُخذت منه الرئاسة بالقوة ثم كيف يقدم هذا السيد المنزوع الحكم غصبا قميصه في حرب لا منفعة له فيها بل ستشكل خطرا على سلطته إن انتصر أصحابها فيها؟ ثم قام ليصلي عليه ولما قام عمر فأخذ بثوب رسوله قائلا: يا رسول الله قد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ رد عليه: إنما خيرني الله فقال:اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80]. وسأزيده على السبعين (يعني محمد يصر على أن يغفر له الله بالزيادة على السبعين وهذا الود لا أجد له أي تفسير مهما كانت طيبة محمد وحلمه الذي انعدم تماما في قضايا الاغتيال التي قام بها لقوم لم يكن أذاهم بقدر أذى عبد الله بن أبي ولم يكن لهم قيمة اجتماعية وسياسية بقدر قيمته) قال: إنه منافق. قال فصلى عليه رسول الله" المصدر المكتبة الإسلامية.
أيا يكن تفسير أو تبرير دعاة الدين الإسلامي لهذه المهادنات المحمدية مع الكفار والمنافقين، أعتقد أن محمدا كان يدرك أن القرشيين لن يحموه من سطوة القبائل القوية إن هو تجرأ وأعلن ضدها الحرب لرد الاعتبار بسبب القطيعة التي نشأت بينهم واضطرته للاستنجاد بغيرهم من القبائل بحثا عن أرضية داعمة للفعل الدعوي التبشيري في خيانة وطن بيّنة. فما كانت أسباب تلك القطيعة؟
محمد كان قرشِيّا يروم تحقيق سيادة قريش بطريقته التي كانت مخالفة لرؤيتهم لذلك رفض طلب سادة القبائل التي لجأ إليها أن يكون لهم الأمر من بعده وتحرم منه قبيلته وهذا الرفض يظهر جانبا أساسيا من الدعوة المحمدية: الدين في خدمة السيادة السياسية القرشية حصرا على باقي القبائل العربية وتظهر هذه الرغبة جليا في ما نقله ابن هشام في سيرته "قال رسول الله: يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب (لم أجد في كل المصادر ذكرا لأي حادثة منعته فيها قريش عن القبائل الأخرى) فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة؟"
قريش بدورها كانت تثق في وفائه وحبه لقبيلته فلم تحاربه في عقر دارها لما كان مجرد كاهن يدعوا إلى فكرة يؤمن بها بل منحته كامل الحرية لكن رفضت دعوته إلى القول بسيادته علي القرشيين وأنكرت عليه تلك الرغبة بما انه ليس من سادة قريش موضحة خياراتها " لو أن الأمر جاء به رجل من القبيلتين عظيم"؟ ونجد شرحا لهذا السبب في تفسير ابن كثير "قَالَ اِبْن جَرِير إِنَّ هَذَا الَّذِي يَدْعُونَا إِلَيْهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّوْحِيد لَشَيْء يُرِيد بِهِ الشَّرَف عَلَيْكُمْ وَالِاسْتِعْلَاء وَأَنْ يَكُون لَهُ مِنْكُمْ أَتْبَاع وَلَسْنَا نُجِيبهُ إِلَيْهِ " ".
الخلاصة أنه كان هناك تواطؤ غير معلن بين الكاهن وسادة القبيلة لكن هذا الاتفاق خبي إلى حين. من المحتمل أنها لم تكن تثق كثيرا في قدرته على السيطرة على القلوب وكسب المريدين لذا لم تمنحه السيادة وهو ما حصل بالفعل في الفترة المكية والفترة الأولى من الدعوة في يثرب المدينة فمحمد بعد كل تلك الفترة من الدعوة في شعاب مكة لم يتجاوز عدد أتباعه العشرات ليبلغ عدد الرجال في معركة بدر بضع وثلاث مائة تقريبا (روى البخاري وغيره عن البراء بن عازب قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن عدة أصحاب بدر بضعة عشر وثلاث مائة) ومن المؤكد أيضا أن الدعوة المحمدية في بداياتها لم تكن سياسية محضة بالمقام الأول والقرآن المكي بما يقدمه من حيرة ومن محاولات إثبات النبوة لذاته قبل إقناع مستمعيه يثب أن محمد كان يشك في رسالته وانه يحاول أن يثبت لنفسه انه مختار من طرف الله وانه بالتالي نبي.
بعد هجرته وبعد أن بدأ الإغارة على قوافلها وحتى بعد غزوة نخلة رغم انتهاكه للأشهر الحرم لم ترفع قريش في وجه كاهنها الفار السلاح بل هاجمته فقط لما تمادى وتعرض لقافلة أبي سفيان وصار يمثل تهديدا كبيرا على تجارتها وهي عصب الحياة الاقتصادية فيها. بعد خسارتها في بدر وقتل الملأ القرشي لم تنتقم لقتلاها ولم تجمع مقاتليها لمحاربته كما لم تسعى للقضاء عليه رغم انه كان في عصبة قليلة العدد وانتظرت سنة كاملة لتهاجم في غزوة احد وتحقق الانتصار الساحق على محمد وأتباعه مما اضطر النبي وأصحابه لإنكار بقائهم على قيد الحياة.
في صلح الحديبية كانت قادرة على محاربته والقضاء عليه لكنها لم تسعى لذلك بل بادرت بالصلح خاصة وقد ذاع خبر إبادته وإجلاءه لليهود وتصالحه مع بعض القبائل العربية البدوية يعني أن إمكانية استغلال هذه القوة قد عاد ليداعب الحلم القرشي في السيادة على العرب. فتح مكة بعد ذلك وقبول سادة قريش بالدين الجديد لم يكن بسبب القناعة بالعقيدة بقدر ما هو التحالف السياسي السيادي القديم بين الكاهن والحاكم ومحمد غازل هذا الجانب لدى سادة قريش بتقديم كم كبير من الأحاديث التي تميزهم عن باقي البشر فالإمامة فيهم حتى وان فسق الحاكم واستبد ونزلت في القران سورة باسمهم وخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام.
وطلبت مرة أخرى الصلح مع محمد في فتح مكة رغم أنها في موقف قوة وهو عند أبوابها وبدون سلاح ومن السهل القضاء عليه لكنها بادرت للصلح كما يوضح ذلك هذا النص من سيرة بن هشام :قالت قريش لسهيل بن عمرو " ائت محمداً فصالحه ولا تلن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا, فوالله لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبداً" فلما بلغه يقول النص انه ومحمد "تكلما وأطالا الكلام وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح"
ففيما تكلما وأطال الكلام؟ أليس إحياء للعهد القديم لم يفقه عمر كنهه فقال لما قبل محمد بعرض قريش " لم يخالجني الشك إلا يومها" فمحمد قال انه رأى انه يدخل مكة ولم تصدق الرؤية فهل رؤية محمد كانت من وحي الشيطان أم انه الاتفاق السياسي القديم هو الذي ظهر على السطح من جديد بما يتطلبه من تنازلات من الطرفين في سبيل امتلاك حكم العرب وقريش كما يقول مسيلمة مخاطبا محمد قوم لا يقبلون بان تكون لغيرهم سلطة أو كلمة "في آخر السنة العاشرة بعث مسيلمة بن ثمامة كتابا جاء فيه :( من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك ، أما بعد فاني قد أشركت في الأمر معك ، وان لنا نصف الأرض ، ولقريش نصف الأرض ، ولكن قريشا قوم يعتدون ) "؟ ثم لماذا لا نجد أي حديث يصف عداء محمد لدعوة مسيلمة هذا أو ينتقص من قيمته كنبي ثان في الجزيرة إلا حديث واحد يذكر قول محمد في مسيلمة انه نبي كذاب بل أنهما تقابلا أكثر من مرة وذهب أحدهما إلى الأخر في خيمته؟ لماذا لم يحاربه محمد مع انه ليس سوى مدعي نبوة كما تذكر كتب السير وبقي على سطوته في نجد إلى أن ارتد وقومه فقام أبو بكر بإرسال خالد ابن الوليد لحربه وبالتالي للتحقيق سيطرة قريش على عموم الجزيرة وفرض سيطرتها على عموم القبائل البدوية في الجزيرة تحت السيف؟
قريش لم تكن ضعيفة وعاجزة عن حماية نفسها ولم تكن تخشى محمدا وأصحابه وتتجنب المواجهة معهم فقد أعلنت الحرب لما اضطرت لذلك (في بدر واحد والخندق) بل كانت تراقب سير الأحداث منتظرة الفرصة السانحة لقطف الثمار. لذلك عادت لترتمي في أحظان دينه بعد إن رجحت كفته في سبيل تحقيق حلم السيادة على عموم القبائل العربية البدوية مستغلة سلطته الروحية التي مكنته من السيطرة على الكثير من الأعراب (هذا العدد الذي يبلغ نسبة مهولة لا يمكن القبول بها منطقيا كالعشرة ألاف الذين رافقوه في فتح مكة كما تصور ذلك كتب السير في حين أن غزوة مؤتة والتي بعثها محمد لم تحوي سوى 3 ألاف (البلاذري فتوح البلدان) -- فأين ذهب البقية أم أنهم تخاذلوا عن حرب هي مقدسة بصريح النص؟--
كتب السير التي نجد فيها هذا التاريخ ليست بأي حال كتب تأريخية صادقة بل هي حتما ملاحم أسطورية تغرق في الخيالي والمعجز، غيبت شخصيات كانت فاعلة في عصر محمد ونسبت إليها كل ما من شأنه أن يحقرها كمسيلمة ابن ثمامة الحنفي (الذي من المحتمل أن يكون اسم "الإسلام والمسلمين" اشتق من اسمه بما أن الأديان تسمى بأسماء أنبياءها ولأننا في وثيقة المدينة التي بلغتنا نجد ذكر هذه التسمية مضافا لاسم المؤمنين من أتباع محمد كفصيلين مختلفين، "عن ابن هشام: هذا كتاب من محمد النبى بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم.— يمكن العودة إلى كتاب محمد النجار لقراءة شرح مفصل حول هذه الوثيقة صفحة 108--) أو وسمتها بالكفر أو النفاق كالنظر بن الحارث مثقف عصره أو عقبة بن أبي معيط أو طعيمة ابن عدي أو عبد الله بن أبي ابن سلول "رأس النفاق" كما منحت كل من له علاقة بالنبوة كل التبجيل والتكريم. رغم ذلك وفي ظل غياب الدلائل الاركيولوجية ومنع البحث في المدينة ومكة الحالية عن إثباتات للنبوة أو التاريخ المدون في المصادر الإسلامية والمشكوك في مصداقيته حول تلك الفترة، لا سبيل إلى معرفة بعض الحقيقة إلا بالبحث في ثنايا هذه النصوص على علاّتها عما نراه منطقيا عبر الشذرات المتفرقة هنا وهناك، لا لتقويض عقيدة أكثر من مليار مسلم فنحن نعلم أن الإيمان حاجة نفسية إنسانية ملحة لو لم يجدها الإنسان في محيطه لخلقها لكن غايتنا هي الدعوة للتعايش السلمي مع الأخر المختلف مهما كانت قناعاته العقائدية. بما أن لا شيء ثابت تاريخيا، وبما أن التاريخ طاله الكثير من التحريف فلا داعي للتعصب الأعمى لمرويات وحكايات لا تختلف كثيرا من حيث المضمون عن حكايات ألف ليلة وليلة وبالتالي يكون تكفير الناكر لها والغير مؤمن بها تجاوزا لحقه الإنساني في تقرير المصير في مجتمعه بعيدا عن هاجس أن الدين هو الحل وانه حقيقة قطعية حتى يكون ما يجمعنا اليوم بعد هذه الهوة الزمنية الهائلة بين النبع وفروعه والتي فعل فيها الزمن فعله هو الأوطان دون أن تفرقنا المذاهب أو الأديان ولن يتم ذلك إلا بتقليم الأظافر الجارحة لدعاة الحاكمية الإلهية والسلفيين الذين ينطلقون من تقديس النص متجاهلين ما يحويه من عنف وعدائية تجاه الأخر ومن هنات معرفية ومجمّلين ما قام به نبيهم من تجاوزات للنص ذاته آو ما أظهره من ضعف أمام قوى لا قبل له على مواجهتها. فالعمل السياسي النبوي حسب هذه المصادر يُظهر من الضعف النبوي الكثير خاصة لما نجد أنه كان يمرر سياساته عبر النص سواء كان هو من يخلقه أو كان يوحى إليه من ربه ويغض الطرف عنه إذا كان الوضع السياسي يفرض ذلك في منهج برجماتى وسياسي بحت.



#رويدة_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة المحمدية : الزنا الحلال بين الدين والسياسة
- الزنا الحلال بين الدين والسياسة (الجزء الثالث)
- الزنا الحلال بين الدين والسياسة (الجزء الثاني)
- الزنا الحلال بين الدين والسياسة (الجزء الاول)
- النص التشريعي الاسلامي بعيدا عن وهم القداسة: الحديث النبوى 2
- النص التشريعي الاسلامي بعيدا عن وهم القداسة: الحديث النبوى
- النص التشريعي الاسلامي بعيدا عن وهم القداسة: القرآن
- الاقليات بين المؤامرة وثقافة الاقصاء في الساحة العربية
- صناعة نبي : نبي رحمة أم مجرم حرب .
- خلعتُكَ يا وطني
- عالق على الحدود يا وطني
- بعيدا عن أوهام القداسة: الإسلام. المبحث 5 الجزء 3
- ما المصير ؟
- سري من بلاد قمعستان
- دكتاتورية الحكام وارادة الشعوب
- تونس تُسقط حائط برلين العرب ... شعب يصنع الامل .
- بعيدا عن أوهام القداسة: الإسلام. المبحث 5 الجزء 2
- ثقافتنا العربية بين عدائية التراث ومتطلبات العصر
- بعيدا عن أوهام القداسة : المسيحية. المبحث 5 الجزء 1
- أباء مقدسون أم بحث عن أصالة (المبحث4 )


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رويدة سالم - السياسة المحمدية. جزء ثاني