قبل عام من الآن – 2-
فلاح علوان
الحوار المتمدن
-
العدد: 8265 - 2025 / 2 / 26 - 21:57
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
إن الموقف النظري من أي حركة يعكس نوع العلاقة معها، فالموقف النظري ليس مجموعة معارف ومعلومات عن ظاهرة معينة، إنه تعريف العلاقة بين التصور الذي يبنيه المرء عن ظاهرة ومحتواها. وبموجب هذا التصور يمكن التعرف على المصالح المادية التي تقف وراء كل تصور أو تفسير.
نشر السيد عصام شكري مقالاً بعنوان" ألاقتصادوية شلٌ لارادة الطبقة العاملة في العراق !"بعد أقل من 24 ساعة من عقد مؤتمر العمال ورفعهم شعار " التصدي للخصخصة والسياسات الرأسمالية وسيلة الطبقة العاملة لتحقيق أهدافها ومصالحها"
والموجود على الرابط التالي:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=818653
لم يذكر السيد عصام شكري أحداً بالإسم، وحيث أنه لم يكن هنالك ما يستدعي الحديث عن موضوع السياسات الإقتصادية وعلاقة العمال بها خلال الـ 24 ساعة الواقعة بين 27 و28 كانون الثاني – يناير 2024، فإن المقال يشير بوضوح ، وليس ضمنياً، الى المؤتمر. وفي حال كان موضوع المقال قد جاء "مصادفة"، فسيكون هذا الحديث موجها لأفكار السيد عصام شكري ومرجعيته الفكرية والسياسية بالإسم والمضمون وليس بالإيحاء والترميز، لأن المسألة لا تخص خلافاً مع كاتب أو سياسي بل أرى انها مسألة تعارض بين تيارات وتوجهات فكرية وسياسية. وفي الحقيقة كنت انوي اصدار كراس بصدد هذه المسألة، ليس للرد على موقف فردي ولا على كاتب بعينه، بل للرد على تصور سياسي لدى أوساط من اليسار، وهو يتطلب بحث وتحليل هذه التصورات لا لغرض المجادلة السياسية ولكن لكون الأمر يتعلق بالموقف من حركة جارية أمام أنظارنا. وحيث أن الأمر تأخر كثيراً فسأكتفي هنا بوضع خطوط عامة للموضوع.
يقول السيد عصام شكري في مقاله:
"الاقتصادوية جزء من الميول السياسية والفكرية داخل الطبقة العاملة. وبتعبير آخر هي نقابوية نظرية تهدف الى تعميم الممارسة النقابية على السياسة العمالية بشكلها العمومي. وبهذا المعنى الاخير فان الطبقة العاملة تترك الجانب الاقتصادي يرسم لها سياساتها العامة ويهمل كل الجوانب الاخرى للتدخل السياسي في الصراع على السلطة وتحديد بديلها الاشتراكي والانساني."
يضع السيد عصام شكري المسألة بالمقلوب تماماً، فالإقتصادوية كانت تياراً داخل الإشتراكية الديمقراطية الروسية، ومحتواها حصر النضال الطبقي في إطار النضال الإقتصادي والتخلي عن النضال السياسي. وقد واجهها لينين لا باعتبارها تياراً داخل الطبقة العاملة بل باعتبارها تياراً داخل الإشتراكية الديمقراطية، أي تيار سياسي حزبي.
في حين إن ما قام به مؤتمر العمال، وهو مؤتمر على مستوى نقابي، هو نقل النضال الإقتصادي والنقابي من ميدان المطلبية الى ميدان المواجهة مع سياسات رأس المال وبلورة موقف طبقي منها. وهذا في إحدى أوجهه يعكس غياب المنظمة السياسية للطبقة العاملة في عموم العراق، حيث تقوم النقابات بالمهام السياسية للطبقة العاملة.
إن مواجهة النيوليبرالية والهيكلة والخصخصة من قبل الطبقة العاملة تقع في صلب النضال الطبقي، لإن فرض الأنظمة التي تتبنى سياسات البنك الدولي وصندوق النقد يمثل خلاصة سياسة رأس المال. إن وصف مناهضي الهيكلة والخصخصة بالقوميين أو ما شاكل هو تعميم ميل تيار سياسي والصاقه بالحركة العمالية قسراً.
وبدلاً من تقديم تصوره واستنتاجه يحيلنا السيد عصام شكري الى منصور حكمت قائلاً:
"والتي تدخل منصور حكمت بشكل واسع لشرح اهميتها وعمل على تحليلها وتلمس اهميتها الحاسمة في اي نضال اشتراكي؛ الحزب الشيوعي العمالي ذو البرنامج الاجتماعي الشامل."
إذا كان منصور حكمت ماركسياً، فكان يكفي أن ينصحنا السيد عصام شكري مشكوراً بتبني موقف ماركسي ولا داعي لتوجيهنا الى تيارات متفرعة ومتباينة، أما إذا لم يكن السيد منصور حكمت ماركسياً، فلا داعي للنصيحة. وبالمناسبة لقد قمنا بنقد طروحات وأفكار منصور حكمت في أكثر من مناسبة. فقد انتقدنا بحثه في اساليب القيادة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=530794
وانتقدنا كذلك مقالاته في النقابات والتي تعكس فقراً معرفياً ونظرياً في تاريخ الحركة العمالية العالمية، وقد جاء في الإنتقاد: " ان استنتاج منصور حكمت خاطئ بالطبع، وغير قابل للتعميم على تاريخ نشوء الحركة النقابية في العالم،" وكذلك "ان طرح منصور حكمت يتجاهل ما يقوله ماركس، ويخالفه، بل الاحرى انه يخالف الشواهد والوقائع التي اتخذها الشكل التاريخي لنشوء النقابات عالميا. ويؤرخ ج.ز. فوستر النقابي الشيوعي الامريكي المعروف لمنشأ النقابات بانفصال العامل عن وسائل الانتاج وليس بدرجة التطور الصناعي، ولا بنشوء الاحزاب، وهذا صحيح. وبحسب جورج لو فران في كتابة تاريخ الحركة النقابية في العالم، ان اول محاولة لبناء تنظيمات نقابية قد جرت في بريطانيا، وتعود بواكيرها الى عام 1720، وهي الحادثة التي عرفت بعريضة خياطي لندن." ويمكن الإطلاع على المقال المشار اليه على الرابط التالي:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=606950
كذلك انتقدنا في رسالة خاصة سانشرها لاحقاً كراس منصور حكمت "عالم أفضل" والذي جرى إعتماده كبرنامج. لقد كانت معالجات منصور حكمت في "برنامج"ـه "عالم أفضل" هي من نوع معالجات نوري السعيد في " كوك نَزَرْ"، ومعالجاته في مجال حقوق المرأة العاملة لا تصل حتى الى مستوى معالجات قانون العمل العراقي وقانون الخدمة المدنية المشرَّع مطلع السبعينيات، بل إن التشريعات العراقية تتجاوزه بكثير. وليس من المفهوم كيف يمكن لبرنامج اشتراكي أن يكون متخلفاً عن برامج البرجوازية بعقود!. أما باقي فقرات البرنامج فالكثير منها مشتق من اصلاحات ليبرالية غربية. إن الطبقة العاملة إذا تبنت برنامج منصور حكمت، لا قدر الله، فستصل الى عالم أفظع وليس عالماً أفضل.
ومن جانب آخر، ففي ردنا لنصيحة السيد عصام شكري بالرجوع الى منصور حكمت، نود القول إن الأمر لا ينتهي عند انتقاداتنا وإختلافنا السياسي معه، إذ إن هنالك مسألة اخرى وهي الألتباسات التي تثيرها الفرق المتفرعة عن منصور حكمت. فهنالك الحكمتي الرسمي، وهنالك الحكمتي الذي لايضع لاحقة رسمي مع إسمه. وسيصعب التمييز بينهما الى حد بعيد، بل سيكون مثار تشوش.
في أوائل الثمانينيات برز في العراق مطربان كلاهما يحمل اسم سعدي توفيق البغدادي، ويضيف أحدهما لقب البياتي ليصبح سعدي توفيق البياتي البغدادي، وكان كلاهما كفيف البصر وكلاهما يؤدي نفس الأطوار الغنائية المعروفة بـ " الفراﮔﻳات " والتي تؤدى في الأفراح وفي المآتم. وحيث كانت وسيلة نشر الأغاني هي الكاسيتات، فقد كان يصعب تمييز أي التوفيقين هو من يؤدي هذه الفراﮔﻳات من غيره، ويكاد يكون التعرف عليهما حكراً على ذوي الخبرة والإختصاص أو الجوق الموسيقي المصاحب. وبالنسبة لي لم أستطع حل هذا الإشكال طوال أكثر من أربعة عقود، فلا داعي لإضافة إشكال جديد والتباس جديد. إن الفرق الحكمتية الرسمية أو غيرها لا تفعل سوى تكرار مواويل حكمتية.