المرأة والبنى الفكرية في المجتمع
فلاح علوان
الحوار المتمدن
-
العدد: 6911 - 2021 / 5 / 28 - 01:20
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
ملاحظة: توصلت الى النتائج التي أعرضها في المقال، عبر دراسة تيارات النسوية، والنسوية في العراق والمنطقة، وقد مهدت النقطة التي أعتبرها رئيسية في المقال، الى تعميم البحث على البنى الأيديولوجية السائدة في المجتمع عموماً. وقد إتسع نطاق البحث، بحيث أصبح العنوان بحاجة الى تغيير ليلائم المقال، ولكني أبقيت على المقدمة والعنوان، كون التوصل الى موضوع المقال جاء من خلال بحث النسوية أصلاً. هناك بعض المفاهيم، التي ما زالت بحاجة الى النحت والصياغة، وربما اضطررت الى التكرار أحياناً لتوكيد أو التركيز على نقطة ما زالت قيد الشرح والصياغة.
-المقدمة-
يرتبط وضع المرأة العام وموقعها الثانوي في المجتمع، إذا جاز القول، بالبناء الفوقي، وليس بالإستغلال المباشر القائم على أسس إقتصادية وقانونية، كما هو الأمر في إستغلال العمال في المصانع وفي المشاريع. حيث تتعرض الطبقة العاملة للظلم عبر الإستغلال الرأسمالي للعمل المأجور في الإنتاج، أي ما يدخل ضمن البناء التحتي. ويجري وضع هذا الإستغلال في قوانين وتشريعات، وتبنى السياسات والنظام السياسي على أساسها. أما ما يخص موقع المرأة الإجتماعي، وإعادة إنتاج وتكريس أوضاعها، أي العوامل التي ينجم عنها وضعها وموقعها في المجتمع، فهي ترتبط بالبنى الأيديولوجية الفكرية.
إن البناء الفوقي القائم في مجتمع مثل العراق وبلدان ما يعرف بالعالم الثالث، يعود الى مراحل تاريخية سابقة، أي هي بنى عهود الإقطاع والأنماط الآسيوية وشبه العبودية، وقد جرى بناء النظام السياسي على أساسه وعبر تكريسه. وحيث إن البناء الفوقي هو البنى الفكرية، وحيث أن الأفكار السائدة هي أفكار الطبقات السائدة، فإن هذه الطبقات تستخدم و تبقي على الأفكار التي تطابق وجودها ومصالحها، أو تبررها. إن إدامة أفكار الماضي، أفكار المراحل الغابرة وتقاليدها، هي جزء من سياسة الطبقات السائدة، لأن مصالحها تتطلب ذلك، ولأن هذه البنى الفكرية تفرض "معقولية" ما هو سائد على المجتمعات، أي تقوم بالتبرير الفكري والأخلاقي والديني للنظام السياسي والبنى القائمة.
إن البناء الفوقي يتغير بتغير البناء التحتي لكي يطابق القاعدة المادية، ويتغير البناء التحتي أما بتطور القوى المادية بشكل ثوري يغير الأساس الإقتصادي، أو بالتحويل الفوري للمجتمع عبر الثورة. أما البنى التي تنتمي الى مراحل تاريخية سابقة، والتي يجري تكريسها في النظم الحالية، فإنها لا تتعرض لمثل هذا التغيير، بسبب مجموعة عوامل تاريخية وذاتية، كما إنها لا تتبدل بتبدل النظم السياسية، كونها ليست نتاجاً لها.
إن النظم الحاكمة المعاصرة، تبقي على بنى الماضي، ما لم تتعارض مع نظام الربح والهيمنة الطبقية، كونها وسيلة بيدها لإدامة سيطرتها، حيث تتضمن أشكال القسر وتحصيل الفائض بأساليب غير إقتصادية، وهي تتضمن العبودية كذلك. فالعمل المنزلي بشكله المتوارث وبالمعنى الواسع، وخاصة في المجتمع الريفي والقبلي، هو نوع من العبودية، أو إنه يتضمن درجة من العبودية، وإن كانت أقل حدة ووضوحاً في العائلة الأحادية.
يتضمن البناء الفوقي القائم، أعرافاً تشبه العبودية في أكثر من جانب فيما يخص المرأة، كالموقع الثانوي، الواجبات المتوارثة، العمل الواجب وليس الإختياري، غياب التمثيل السياسي، أو الدور السياسي كفاعل في التاريخ وليس كتابع.
قام النظام السياسي في العراق وبتنظيم إمبريالي إستعماري، على البنى العشائرية، التي تشكل الذكورية والتسلط والمراتب الصارمة غير القابلة للتبدل، أعمدته وأسسه. وتواجه هذه البنى المرأة مباشرة في حياتها اليومية، مثلما تواجه المدنية وتتعارض معها. فيما جرى إقامة نظام مدني برلماني وحكومة رسمية، في مركز العاصمة وفي مراكز بعض المدن الرئيسة، وبمقدار ما يتطلب ربط السوق الداخلية بالإقتصاد الإمبريالي، وإقامة روابط دولية على أساس متطلبات السوق العالمية.
لا يمكن للإمبريالية، أي القوى الرأسمالية القائدة في السوق العالمية، إدامة سيطرتها الإقتصادية على العالم بدون خلق وتعميق التباين في التطور الإقتصادي، وإبقاء أقاليم جغرافية بكاملها في مراحل ما قبل الحضارة والمدنية وما قبل الدولة. هذه الأشكال من الهيمنة، أي الهيمنة الإمبريالية، هي ما يديم سيطرة الأشكال الفوقية ما قبل الرأسمالية في البلدان المتأخرة، بينما هي تعيش في مرحلة الإستغلال الرأسمالي.
ومع اكتساب العشائرية وظيفة سياسية أعلى من موقعها التقليدي، يجري تضخيم شكليات العشيرة الى ما هو أبعد من الحدود القصوى، لأن الشكليات والمراسيم هي الأطار الذي يحفظ شكل العشيرة وقوامها، الذي لم يعد يأتي من عناصرها الداخلية.
إن التحديث في المجتمعات التابعة، الشرقية أو العالم ثالثية، قد حصل نتيجة الإندماج بالسوق العالمية العصرية، وبمقدار ما يتماشى التحديث مع متطلبات حركة رأس المال والتراكم الرأسمالي. وفي حال تجاوز التحديث الحدود التي تتعارض مع التقسيم العالمي للعمل، وتقسيم النفوذ وتقاسم الأسواق العالمية، يصار الى إرجاع المجتمعات التي تجرأت على المضي في التحديث أبعد مما هو مسموح، الى عهد ما قبل الصناعة، ويجري تدمير مدن بأكملها وتحويل بلدان الى مخيمات لاجئين.
لم تحصل الثورة الإجتماعية في البلدان التابعة، بل حصل تغيير الانظمة الحاكمة، من ملكية الى جمهورية، أو حصلت إنقلابات. ولم يحصل تطور صناعي يهز اُسس الروابط القبلية والتقليدية. كما إن دور الطبقة العاملة الصناعية وموقعها الإقتصادي، لم يؤهلها لزعامة التغيير السياسي والإجتماعي في هذه البلدان. فيما جرى الإبقاء على البنى التقليدية والصناعات التقليدية، ومنع التطور الصناعي، بتدخل مباشر من الإمبريالية عبر تقسيم العمل العالمي. إن العشائرية هي بناء فوقي وليست بقايا عادات أوتقاليد.
ومن هنا فالنظر الى البنى الفكرية القائمة في المجتمعات التابعة على أنها من مخلفات الماضي، وإن التطور التقني والمدني كفيل بالتخلص منها بإعتبارها عادات ضارة، هو تصور غير مادي، إنها ليست بقايا أو مخلفات، أو مظهر من مظاهر نقص في مستوى التطور، إنها البناء الفوقي بالذات، والذي يتعين النضال ضده.
ليس لدى البرجوازية الحاكمة في المجتمعات التابعة، بناء فوقي قائم على قوى الإنتاج المادي الرأسمالي، أو البناء التحتي المعاصر، بالمعنى الذي نعرفه عن المجتمع الرأسمالي. البرجوازية، أو الطبقات المهيمنة في الدول التابعة، هي نتاج البنى الفوقية التي أصبحت إطاراً أيديولوجياً للنظام السياسية، وليس البناء الفوقي نتاجاً لتطور البنى التحتية كأساس أو قاعدة مادية.
نشأت هذه البرجوازيات مع التأسيس الحديث للدول التابعة، وهي تضع قدماً مع الإمبريالية الإستعمارية، وقدماً في العلاقات السابقة للرأسمالية والأشكال الممثلة لها، والتي عن طريقها أقامت نظامها السياسي. إن زوال هذه الأشكال من العلاقات، هو زوال البرجوازية الحاكمة في العراق والبلدان المماثلة بشكلها الراهن، ومن المنطقي إنها، أي البرجوازية، لن تقدم على عمل بهذا الإتجاه، لا من حيث رغبتها أو عدمها، بل بسبب من عدم قدرتها، ومن طبيعتها هي بالذات.
إن إبقاء البنى الفوقية القائمة من مرحلة ماقبل الرأسمالية له مبرره الإقتصادي والسياسي، ويجب النظر اليه في سياقه التاريخي، وحسب الضرورات التي تمليه، لا على إعتباره وضعاً طارئاً يجب إصلاحه عبر تنبيه النظام السياسي الى نواقصه أو تخلفه. إن القوى التي تتطلع للثروة والتحكم، تستند على البناء الفوقي في شكل البنى التقليدية كأيديولوجيا، أكثر مما تستند على قدراتها الاقتصادية والسياسية.
حتى في حالة حصول ثورات عنيفة تطيح بالنظم السياسية، يعيد البناء الفوقي السابق الذي لا يستجيب للتغيير الثوري، تنظيم نفسه واستعادة النظام كما حصل في مصر وتونس. إنها عودة الى ما هو أبعد من الوضع الذي قامت الثورة ضده، إنه أكثر من ثورة مضادة، إنه إعادة تكريس قوى الماضي البعيد.
البنى العشائرية هي بناء فوقي ولكن بلا أيديولوجيا عامة، لذا يجري تجميع وترميم أيديولوجيا برجوازية رثة، هي خليط من العرقية البدوية والدين والوطنية، في توليفة يغلب عليها الطابع القسري والقمعي بوجه المجتمع، لتكريس السلطة بيد أضيق الفئات. ويجري الاستناد الى إحدى أركان الأيديولوجية وتضخيمها حسب متطلبات المرحلة أو الظرف التاريخي. ويجري تصوير القبلية والدين على أنها أسس حفظ كيان المجتمع، وبدونها يتعرض المجتمع بالكامل الى الإنهيار، أي إن البرجوازية تصور إمكانية إنهيار نظامها السياسي على أنه خطر إنهيار المجتمع.
والأشكال الأيديولوجية المفروضة على المجتمع، تساهم في خلق تناقض دائم في المجتمع والنظام السياسي، وتساهم الى حد بعيد في إغتراب الإنسان وضياعه أكثر، وقسره على التماهي مع أشكال لا تنتمي الى عصره، ويتخذ هذا الشكل من التعسف أبعاداً اكثر قتامة وشدة بالنسبة للمرأة. ويمكن فهم وضع المراة على أساس الأوضاع التاريخية للمجتمع المعني، وموقعه في النظام الرأسمالي. من هنا نلاحظ إن نظرية الذكورية، كأصل للإضطهاد، تصطدم بالوقائع التي تكشفها البنى الإجتماعية، والأساس التاريخي وليس الجندري للإستغلال. كما إن العديد من المتبنين للمنظور الطبقي لتفسير التاريخ، يحيلون وضع المرأة الحالي وموقعها الثانوي الى الإستغلال المباشر للعمل المأجور، والى تدني مستوى أجور النساء في العمل. وهذا الطرح لا يفسر وضع المرأة خارج المعمل أو المشروع، والتي تعاني الإستغلال والقهر غير الإقتصادي. في حين يسعى البعض الى "توحيد" المنظورين للخروج بتصور أدق، ولكن دون جدوى، بسبب الإنطلاق من منظور غير تاريخي.
إن الإنطلاق من منظور غير تاريخي وغير مادي، يقود الى إستنتاجات نظرية خاطئة، وبالتالي معالجات سياسية خاطئة كذلك أو لا تتوافق مع جدل العملية التاريخية، وبالنتيجة تبقى خارج حركة الواقع وتقتصر على النشاطوية.
في العائلة، وخاصة في البيئة الريفية أو العشائرية، يتجلى أوضح ما يكون التعبيرعن وحدة البناء الفوقي والبناء التحتي، أو بعبارة أدق البناء الفوقي في الممارسة اليومية بالإرتباط مع البناء التحتي. وهذه المسألة شكلت أحدى نقاط الخلاف في النسوية العالمية، في الحوارات التي جرت حول إعتبار العائلة بناءاً فوقياً أم بناءاً تحتياً.
مع استمرار شكل شبه عبودي للإستغلال، يصبح المساهمون في هذا الشكل أكبر بما لا يقاس من فئة مالكي العبيد القدامى، إذ يجري تقسيم العمل شبه العبودي، أو البطريركي على ملايين العائلات، ويصبح لكل بطريركي نصيب. وهذا مايجعل القاعدة التي يقف عليها هذا التنظيم واسعة جداً، وغير معزولة في فئة محددة. ومن جانب آخر، إن رب الاسرة ليس مالك عبيد، والعمل الاسري الحالي هو للاسرة وليس لمالك عبيد خارجي، وهذا ما يساهم في إضفاء التعقيد والغموض أكثر، على الموقع الفعلي للمرأة في الاسرة المعاصرة . إن دوام الأشكال الأيديولوجية الموروثة من عهود ما قبل الرأسمالية لا يخص المرأة فقط، بل إن الطبقة العاملة تقع تحت تأثيره السياسي مباشرة.
لا يمكن تحرر الطبقة العاملة بدون التحرر من هذه الأشكال شبه العبودية المتوارثة، إذ تشكل عائقاً أمام التطور السياسي للطبقة العاملة، وبالنتيجة لا يمكن تحرر المرأة والمجتمع. إن البرجوازية الرثة المتخلفة لا يمكنها لعب دور ثوري في تغيير تلك البنى. إذن فإن دوام وضع المرأة على ما هو عليه، هو دوام وإستمرار الإستغلال الطبقي والمجتمع الواقف على حافة الخراب والحرب، والإنسان المستلب، مقابل السلطات والمتسلطين المتمظهرين بأشد المظاهر البراقة.
هذا الواقع هو ما يجعل قضية المرأة مستعصية، عند المطالبة بحل قضية المساواة والتحرر في إطار المجتمع الشرقي القائم، والذي يرتكز على بنى أخلاقية ودينية وقيمية تعود الى مراحل تاريخية سابقة، يجري إعتمادها وترسيخها كجزء من ديمومة الكيان السياسي واستمراره، وبالتالي استمرار هيمنة قوى بعينها وتحكمها بالسلطة والثروة.
لا تحويل لهذه المجتمعات بدون تغيير بناها ونظامها السياسي، إن تحليل هذه البنى غير ممكن من خلال التشهير والذم، إنه يتطلب بلوغ أعمق جذورها التاريخية، وأدق الأشكال التي تتواجد من خلالها.
النضال ضد البنى التقليدية الموروثة
النضال ضد البناء الفوقي هو النضال ضد السياسة في جوهرها وأساسها، أي كعلاقة بين الطبقات، وسيكتسب النضال طابعه السياسي ليس من خلال المطلبية والنضال الإقتصادي المباشرفقط، بل من خلال النضال ضد الإمبريالية، في محتواها الطبقي وسياستها، التي كانت أساس ومصدر بناء النظم السياسية القائمة في الشرق وإدامتها. إن هذا يتطلب النضال المباشر ضد هذه النظم. هذا الفهم وهذا المنظور للعلاقات، ولنقل هذا المنطق، سيفرض أشكال النضال الموافقة، ولن يجدي إختراع أشكال نضالية إختيارية بدافع الثورية والحركية.
النضــال الإقتصــادي
إن حجم الإنتاج الصناعي وتأثيره في الإقتصاد، في العراق والبلدان المماثلة، محدود جداً، عدا القطاع الإستخراجي. وهذه المحدودية، تقيد الى حد بعيد، قدرات العمال في لعب دور سياسي إنطلاقاً من موقعهم الإقتصادي. وتقوم السلطات الحاكمة بخلق فوارق بين مستوى أجور ورواتب عمال القطاعات الفعالة والمؤثرة في الإقتصاد، مثل النفط والكهرباء، مما يقلص الى حد بعيد المطالب الإقتصادية لهم، وبالتالي يتراجع دورهم في النضال الإقتصادي، وبالنتيجة يتقيد دورهم السياسي في النضال الطبقي.
الفئات الأبرز في الإحتجاج ضد السياسة العامة اليوم، هم ضحايا السياسة الإقتصادية، وليس القسم الفعال من الطبقة العاملة، مثل الباحثين عن فرص عمل، الفئات المهمشة والمحرومة سكان العشوائيات. وينصب نضالهم المطلبي بإتجاه البحث عن فرص عمل، وتصبح قضيتهم نهباً للتيارات الحاكمة والمهيمنة بغياب ممثل سياسي للطبقة العاملة.
إن الإنطلاق من مقولة البناء التحتي والبناء الفوقي وإستخدامها كمنطلق للتحليل والإستنتاج، وليس كموضوع للدراسة بمعزل عن تجسمه في العلاقات اليومية في المجتمع، يعني دفع التحليل المادي التاريخي للمجتمع خطوات الى الأمام في مجال البحث، وتحول التحليل وإستخدام المنطق الديالكتيكي الى ثقافة شعبية وليس تخصصية. وهذا بحد ذاته تطوير النضال النظري حد الصدام المباشر اليومي، بوجه التصورات غير التاريخية وغير العلمية عن المجتمع.
النضال الحقوقي للحركة النسوية
إن التعديلات القانونية فيما يخص المرأة، هي منجز، وهي جزء من الإصلاحات، وهي تتحقق عبر النضال والضغط المتواصل. ولكن تطبيق هذه التشريعات يكاد يقتصر على نطاق سيطرة القانون، أي مركز العاصمة، ومراكز بعض المدن، ويكون تأثيرها محدوداً، ولا تشمل المجتمع بالكامل.
إن إقرار تشريعات جديدة في صالح المرأة ليس إقراراً بالمساواة والتحرر، فالتشريعات التي تصدر هي إجراءات حمائية، وتعني إن ثمة ميادين في المجتمع ما زالت المرأة بحاجة الى الحماية منها. مثل قوانين منع التحرش، منع التمييز في الأجر، منع التمييز على أساس الجندر، منع جرائم الشرف أو العار، قوانين الإجهاض، قوانين الأمومة، كلها تعني إجراءات حمائية للمرأة ووضع هذه الإنتهاكات أو الأحرى الأفعال في إطار قانوني، ولن تعني المساواة أو التحرر في المجتمع.
فعلى سبيل المثال إن تشريعات العمل تتضمن نوعاً من الحماية للعمال، ولكنها لا تعني المساواة بين رب العمل والعامل، إنها تعني وضع نزاعات العمل الناجمة عن الصراع بين رب العمل والعامل، في إطار القانون ولا تعني إنهاء الصراع الطبقي، أو التقسم الطبقي للمجتمع.
إن العديد من الأسئلة تطرح نفسها بإلحاح، إذا ما تبنينا هذه التصورات عن الصراع في المجتمع.
لماذا لم يستطع نضال جماهيري طوال عقود، إحداث تغييرات جدية في النظم السائدة؟
ألم تكن نضالات الجماهير تواجه قلب النظام السياسي؟ وهل كنا نصارع طواحين الهواء فيما مضى؟
كيف تستطيع البنى القديمة، ممارسة الإستغلال اليوم، باعتبارها وسيلة بيد النظام السياسي الحالي؟ كيف يمكن صياغة وسائل النضال بوجه هذه البنى بشكل يقود مباشرة الى مواجهة السياسة الإقتصادية والنظام السياسي؟ بحيث يمكن إنخراط جماهير واسعة من الجموع المتضررة من التنظيم الإقتصادي الرأسمالي بصورته القائمة؟ وتطرح المسألة بوضوح هنا، ما هي وسائل هذه الجماهير في تمثيل نفسها سياسياً وتنظيم نضالها؟ وكيف يمكن تحقيق الإرادة السياسية لهذه الملايين؟
النضال الإقتصادي سيستمر في العديد من القطاعات وهو جزء من النضال الطبقي، والنضال الحقوقي من أجل الإصلاحات سيستمر كذلك. ولكن تأثير البناء الفوقي المعارض للتطور والإصلاح، يقف بوجه أي نضال وأي تغيير. لذا يتعين صياغة برامج تعتمد على تحليله الى عناصره الأولية، لإزالة الصنمية، ولتجريد البرجوازية من أهم أسلحتها الأيديولوجية.
هذا ما سيتم تناوله بصورة شاملة في تفاصيل البحث.