رد على مداخلة الدكتور مظهر محمد صالح بخصوص الموازنة
فلاح علوان
الحوار المتمدن
-
العدد: 6068 - 2018 / 11 / 29 - 21:33
المحور:
الادارة و الاقتصاد
نشر الدكتور مظهر محمد صالح موضوعا بعنوان مداخلة، حول تراجع اسعار النفط، والموجود على صفحة الحوار المتمدن على الرابط :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=619394
جاء في المداخلة " انخفضت اسعار النفط وخسر العراق قرابة ٢٠ دولار من المعدلات السعرية للبرميل الواحد المنتج مبتعداً عن المستويات السعرية التي بلغها في الاشهر الماضية. بمعنى اذا مااستمر الحال هكذا سيؤدي الى خسارة عائدات مالية تقارب ٢،٥ مليار دولار شهرياً مما يقتضي اعادة هيكلة توقعات الايرادات في موازنة العام ٢٠١٩"
وقد ورد في نص الموازنة المشار اليها وفي الفصل الثاني النفقات والعجز.
"المادة 2 ثانيا :
بلغ اجمالي العجز المخطط للموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2019 (22873365557) الف دينار( اثنان وعشرون ترليون وثمانمائة وثلاثة وسبعون مليار وثلاثمائة وخمسة وستون مليون وخمسمائة وسبعة وخمسون الف دينار) ويغطى هذا العجز من الوفرة المتحققة من زيادة اسعار بيع النفط الخام المصدر او زيادة صادرات النفط الخام ومن الاقتراض الداخلي والخارجي باستثناء القروض الممولة من جهات اجنبية للمشاريع المدرجة ضمن جدول الفجوة الوارد بتمويل العجز ومن مبالغ النقد المدورة في حساب وزارة المالية الاتحادية. انتهى الاقتباس. وهناك جدول يوضح الفقرات والحسابات ازاءها."
في جلسة حول الموازنة، وقبل تراجع اسعار النفط، تحدثنا بوضوح وفي حديث مسجل يمكن متابعته على الرابط: https://www.facebook.com/968092163258999/videos/267493080629715/UzpfSTEwMDAwNTA3ODMxMjAyNjoxMTAyMDA4NjE5OTc4NDA1/?id=100005078312026&epa=SEARCH_BOX
عن كون هذه الفقرة هي مراهنة ولا يمكن بناء موازنة وتوجيه اقتصاد بلاد بكاملها على اساسها. وبالتالي فان ممثلي العمال قد شخصوا قبل خبراء الاقتصاد والمالية الحكوميين خطر بناء موازنة بهذه الصورة. وقد جرى هذا الحديث بالطبع بعد كشف مضمون الموازنة الاقتصادي والسياسي، وكونها ترجمة للسياسة الاقتصادية المخططة والمرسومة، والمتطابقة مع متطلبات توجيه الاقتصاد من قبل المؤسسات الرأسمالية العالمية اي البنك الدولي وصندوق النقد. وان الحكومة ومجمل النظام السياسي في العراق شركاء في رسم هذه السياسة لا ضحايا او مخدوعين.
ان الموازنة تكشف عن توجيه موارد البلاد باتجاه تكريس جهاز حكومي ، وبناء مؤسسات النظام السياسي وتأمين جهاز كبير اداري وامني، مقابل انعدام وجود سياسة تشغيلية، وعدم وضوح البرامج الاجتماعية، وعدم وجود اي دليل، عى ان التخصيصات المالية سيتم صرفها في الاوجه المنصوص عليها في جداول الموازنة. وقد تم بناء الموازنة بطريقة بدائية تتيح امكانية الاستيلاء على الاموال المخصصة وعدم القدرة على متابعة الاداء والانجاز.
وقد نشر تقرير مطول يشيد بالموازنة ويتحدث عن نجاحها، ومن الواضح انه مكتوب من طرف الحكومة او داعمي سياسة الحكومة والموجود على الرابط التالي:
https://iraqenergy.org/product/iraqs-2019-draft-budget-law-analysis-report/
اعده كل من:
روبرت تولست Robert Tollast وياسر المالكي Yesar Al-Maleki وهاري استيبانيان Harry Istepanian باللغة الانكليزية.
يقول كاتبو التقرير ان من معايير نجاح الموازنة الحالية هو نجاحها في تخفيض اعداد العاملين في القطاع العام من 3.03 الى 2.88 مليون. وهذه خطوة ضمن مخطط وشروط صندوق النقد والبنك الدولي. وبالتالي فان الموازنة في شكلها الحالي غير قابلة للاصلاح ولا للتعديل، انها ترجمة لسياسة كارثية، سياسة نهب وخصخصة وهيكلة قطاعات بكاملها.
لقد شخصنا خطر المراهنة على ارتفاع اسعار النفط، وكارثة التمويل بالعجز في بلد يصدر 3.880 ثلاثة ملايين وثمانمائة وثمانون الف برميل نفط يوميا. وقد برهنت الوقائع ان تشخيص ممثلي العمال هو الصائب مقابل اخصائيي الاقتصاد البرجوازيين الحكوميين.
ان الدكتور مظهر محمد صالح هو مستشار السياسات المالية في العراق، وكان بأمكانه الاعتراض على صياغة الموازنة بالشكل الحالي.
والان وقد انخفضت اسعار النفط، وانهار حلم سد العجز بارتفاع الاسعار. ماذا سيحصل حسب توقعات الاقتصاديين المحترفين؟ وهل يمكن توقع الحل من حكومة وسياسيين غارقين في سياسة الاستيلاء على المال العام وترصيده باسمائهم في البنوك العالمية؟ ما هي السياسة او الاجراءات التي يراها الدكتور مظهر محمد صالح، سبيلا لمواجهة الازمة والسياسة الكارثية؟
هناك سبيلان؛ الاول هو تشديد السياسات التقشفية، بيع الممتلكات العامة، زيادة الضرائب والرسوم، تصفية الشركات العامة وبيعها، وخلق بطالة مليونية اضافية، المزيد من القروض من البنوك العالمية، خلق سياسة تضخمية بتخفيض سعر صرف الدينار لغرض تخفيض الاجور الحقيقية.. وهكذا.
هذا السيناريو متوقع من الحكومة اذا ما استمر تراجع اسعار النفط. وستكون نصائح الاقتصاديين الحكوميين بهذا الاتجاه او قريبة منه. وهذا ليس بالحل، بل هو كارثة، كارثة على المجتمع، وتأمين عوائد مالية لانقاذ الاقتصاد المتهالك ذو التوجه الرأسمالي في العراق.
الحل الاخر هو السياسة المخالفة لكل هذا التوجه، وبما ان هذا التوجه هو رأسمالي مطابق لليبرالية الجديدة المتشددة ازاء الانفاق العام والخدمات العامة، والمعادية لكل تصنيع وتطوير بنى وتوسيع التشغيل. وعليه فان السياسة التي نقصدها هي السياسة الاشتراكية.
ربما سيعترض البعض بالقول بخيالية او عدم واقعية هذا الحل، ولكنها الحقيقة.
ان اتخاذ تدابير تدخلية وتدابير تركيز الممتلكات العامة والقطاع العام بيد الدولة، هي ليست تدابير اشتراكية بالطبع. الاشتراكية ان تكون السلطة بيد طبقة اخرى وينظم الانتاج والتوزيع بطريقة اخرى. ولكن التدابير المشار اليها هي سبيل ايقاف التداعي وتحميل الطبقات الكادحة اعباء لا يمكن احتمالها. وحتى هذا الخيار لن تسلكه الحكومة، مالم تصبح تحت ضغط الحركة الشعبية المقاومة للخصخصة وتطبيق شروط البنك الدولي وصندوق النقد.
وفي وضع شبه كارثي كهذا، فان تداعياته خلال السنوات القادمة لا يمكن التنبؤ بها. ومن المؤكد ان الازمة لا يمكن حلها في اطار التنظيم الرأسمالي. ولكن احباط وافشال السياسة الحالية والتراجع عنها، هو خطوة باتجاه بلورة وعي اشتراكي عام في المجتمع. لقد ناضل العاملون في القطاع العام ضد الهيكلة والخصخصة، وبالتالي ضد السياسة الحكومية التي بدأت نتائجها الكارثية بالظهور، وناضل المعطلون عن العمل والعاملون في ما يعرف بالعمل الهش precarious work من اجل تعديل اوضاعهم. وناضل فقراء المدن ضد السياسة التقشفية وتراجع الخدمات، ونظمت اعتصامات كبيرة امتدت لأسابيع، ولكن كل هذه الحركات او اغلبها قد غاب عنها الافق الاشتراكي وربط الاوضاع البائسة بسياسات حكومية رأسمالية مرسومة ومخططة، ولجأ أغلب فعالي وقادة الحركة الى الأستعانة بالمسؤولين والثقة بالوعود، مما قاد الى تراجعها.
وحتى لو عادت اسعار النفط للارتفاع فان الطريقة التي تمت صياغة الموازنة وفقها، تؤمن تدفقات نقدية الى البنوك والمصارف الرأسمالية عن طريق الاقتراض، وفوائد القروض ستبتلع كل العوائد، وسيجري تركيز وترسيخ السياسات المالية النيوليبرالية. والموازنة لا يمكن ترقيعها باضافة بند او حذف آخر، انها عصارة سياسة مقصودة ممنهجة.
ان بناء سياسة اشتراكية في مواجهة السياسات المالية والاقتصادية الحكومية، هو ما سيفرض التراجع على الحكومة. وكل ما في الموازنة وما في السياسة الاقتصادية الحالية، بحاجة الى النقد من وجهة نظر اشتراكية. وان ملايين المتضررين من هذه السياسة المالية والاقتصادية الرأسمالية لا سبيل امامهم سوى تبني سياسة الطبقة العاملة، اي الأشتراكية.
فلاح علوان
29-11-2018