من يوميات الانتفاضة. الجمعة الدامية 04-10-2019
فلاح علوان
الحوار المتمدن
-
العدد: 6380 - 2019 / 10 / 15 - 00:57
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
هتف المتظاهرون " الشعب يريد إسقاط النظام" وهتفت بنادق الحكومة، النظام يريد قتل الشعب، وقد شرع النظام بالقتل بلا تردد.
إن المطالبة بتغيير النظام من قبل الشعب هو حق، خاصة إذا كان النظام قد بلغ من الفساد والتردي مبلغاً، أما قتل الناس فهو جريمة، خاصة وإنه مع سبق الإصرار. الشعب معه الحق، والحكومة تمارس الجريمة.
منطقيأَ أصبحنا أمام المعادلة التالية الحق في مواجهة الجريمة، وأي تحريف أو تلاعب أو تأويل هو مساندة للحكومة المجرمة.
كان الشباب يندفعون بعد حمل رفاقهم الذي يسقطون برصاص القناصة والرماة، ويتعالى هتافهم وتتقاطر الجموع جحافلاً في مشهد ربما تراه مرة واحدة أو مرتين في حياتك. عندها تذكرت عبارة وردت في كراس يوثق مجازر أيلول 1970، بعنوان " يوميات فدائي" تقول " فجأة يفقد الموت معناه".
أحسست بمعنى هذه الجملة فوراً، فقد الموت معناه، ولم يعد يرعب الشباب وجموع المتظاهرين، لقد أصبح التحدي هو التقليد.
صاح أحدهم إثر رشقة رصاص " صيروا يم الحايط" وناداني شاب "عمو تعال يم الحايط". لابأس، أصبحت الآن عمو ، بعد ان كنت بالامس القريب طفلاً أستمع الى قصص عن الحرس القومي وهو يقتل الناس في الشوارع.
بينما كنا نحتمي بالجدران العالية إثر إشتداد إطلاق النار صحت "هذا عادل عبد المهدي حرس قومي" لم يتفاعل معي الشباب كثيراً، وأدركت إن أغلبهم لا يعرف الحرس القومي، وبادر رجل في أواخر الخمسينات من العمر مؤيداً وموضحاً بطريقته "هذا حرس ثوري". كانت جملته بليغة وعصرية، وكان أسلوبي التعبوي ساعتها إنفعالياً ومحدوداً.
كان المكان الممتد من "مول النخيل" عند تقاطع شارع فلسطين حتى شارع محمد القاسم حيث ينتشر القناصة والرماة، يموج بعشرات الآلاف، كان هذا هو صوت الشعب الفعلي، مقابل صوت الرصاص. في حين إكتضت مقتربات ساحة التحرير من جهة الخلاني ومن جهة شارع النضال وشارع السعدون بالجموع الزاحفة نحو التحرير، والتي حال بينها وبينه العسكر المدجج بالسلاح من كل الصنوف، حسب ما روى شهود.
مسيل دموع مسيل دماء.
كان أحد الشباب يوصي الآخرين بلبس الاقنعة تفادياً للغاز المسيل للدموع، وإستخدام الببسي لغسل الوجه بدل الماء، فجاءه الجواب " بعد ما كو ( لايوجد) مسيل دموع، هسه ( الان) مسيل دماء".
كان أصحاب "التكتك" يتقدمون حتى حدود الإلتحام مع القوات الأمنية، لينقلوا المصابين والقتلى، كانوا جسورين بصورة مذهلة.
أكثر من خمس ساعات متواصلة من إطلاق النيران، من القتل المتواصل، لم تخمد التظاهرة، رغم الاعياء الذي أصاب الكثير. حينها يمكن للمرء أن يفهم كيف يكون صاحب البندقية هو الخائف، والأعزل صاحب الهتاف هو المتحدي.
كان العديد من المتطوعين قد أحضروا الماء، وبكميات وفيرة، بل فائضة، وحملت العديد من السيارات الطعام، وجرى توزيع أكثر من وجبة وأكثر من صنف من الطعام. لم يجع أحد ولم يعطش أحد، ولكن قتل وجرح الكثير.