قبل عام من الآن -1-


فلاح علوان
الحوار المتمدن - العدد: 8263 - 2025 / 2 / 24 - 23:38
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

إن الظهور الواسع للحركة العمالية اليوم في العراق، وتجاوز المطلبية المقتصرة على المستحقات، والوقوف بوجه السياسيات الإقتصادية ورفع شعارات تطالب بالمساواة بين الموظفين في سلم الرواتب، مع غياب الحركات او الأحزاب العمالية، هو مؤشر على عدم إرتباط هذه المنظمات بالحركة، وإن هذه المنظمات تقف بمعزل عن الصراع الطبقي والنضال الطبقي. وقد كشفت الحركة العمالية الدائرة منذ بضعة سنوات هذه الحقيقة بوضوح. إن السبب في ضعف اليسار أو الأحزاب العمالية وإبتعادها عن الحركة لا يعود الى نواقص تنظيمية أو قلة كوادر وما الى ذلك، ولا يعود كذلك الى نقص خبرات المنظمات اليسارية في مجال قيادة النضال العمالي المباشر. لقد أثبتت الوقائع إن ضعف اليسار يكمن في "برجوازيـ"ته.
إن أساليب اليسار وتصوراته وشعاراته وبرامجه واشكال قياداته في العراق اليوم، أقرب للبرجوازية الصغيرة بكثير منها الى الحركة العمالية. إن اقساماً من اليسار لا ترى في مواجهة العمال للهيكلة والخصخصة نضالا طبقيا بوجه رأس المال. وحيث إن النضال الطبقي لا ينتظر تطور هذا الحزب وهذه الفرقة أو المجموعة اليسارية أو تلك لحين التعرف على القضية وإبتكار سياسة تجاهها، فإن الحركة تعبر عن نفسها بإمكاناتها الذاتية وبمستوى تطورها الواقعي.
قبل عام من الآن عقد جمع من النقابيين مؤتمراُ رفع شعار " التصدي للخصخصة والسياسات الرأسمالية وسيلة الطبقة العاملة لتحقيق أهدافها ومصالحها" وقد كانت على ما يبدو، المرة الأولى التي يرفع فيها نقابيون شعاراً يتصدى صراحة للسياسات الإقتصادية للحكومة، بهذا الوضوح وهذه المباشرة.
تعود بدايات رفع هذا الشعار وتبني سياسة عمالية بوجه سياسات الخصخصة والهيكلة الى بضعة أعوام خلت. فقد واصل جمع من القادة العماليين والنقابيين وخاصة ممن كان يعمل خارج إطار النقابية الرسمية أو النقابية المرخصة، أي من العاملين في القطاع العام، تنظيم احتجاجات وتجمعات واسعة ضد العديد من الإجراءات الحكومية التي كانت تستهدف ايقاف الشركات أو تعطيلها، وكذلك الإجراءات التي كانت تطال المنتسبين الرافضين لتلك السياسات وتتسبب في معاقبتهم.
خلال مرحلة الإحتجاجات الممتدة طوال سنوات، كان العاملون في القطاع العام، وعلى الأخص العاملون في شركات وزارة الصناعة، قد طوروا أشكالاً تنظيمية فيما يخص قضيتهم، وشرعوا بتنظيم اجتماعات تحضيرية منتظمة وكانوا قد أعلنوا منذ سنوات إن مواجهة الخصخصة والهيكلة لا تخص العاملين في شركات وزارة الصناعة فقط، بل انها قضية عامة تخص مجمل الطبقة العاملة وعموم المجتمع. لقد تخطى العمال في هذا الميدان النضال المطلبي الذي امتد لسنوات، وقد توصلوا الى ان تلك الإجراءات الحكومية هي مظهر لسياسة حكومية تهدف الى تصفية القطاع العام واعادة توزيع الثروة بين اقطاب السلطة والمسؤولين والمتنفذين. وارتفعت مطالب العمال لتتصدى للسياسة التي تقف وراء حرمانهم وتهديد وظائفهم.
عمدت الحكومة الى وقف التعيينات في القطاع الحكومي لعدة سنوات، وهو ما حفز موجة متواصلة من الإعتصامات والتجمعات المطالبة بالتوظيف. واصبحت أعداد الخريجين الباحثين عن فرص العمل تتصاعد عاماً بعد عام بسبب دخول جموع جديدة الى ميدان البحث عن فرص العمل كل عام، وعدم توظيف خريجي السنوات السابقة.
الى جانب تجمعات وإعتصامات الخريجين المطالبين بالتوظيف، والمعطلين المطالبين بالتشغيل، تصاعدت حركة واسعة تضم العديد من القطاعات الحكومية تطالب بتعديل سلم الرواتب ورفع مستويات المعيشة. وقد امتازت هذه الحركة بسعتها وشمولها للعديد من القطاعات ولجموع واسعة من الموظفين في عموم البلاد. تواصلت تجمعات وتظاهرات موظفي القطاع الحكومي، وأخذت حركة سلم الرواتب تتصدر مشهد الإحتجاجات.
وهنا بدأ ما توصل اليه العمال كإستنتاج وتوقع، يتجسم في التحاق اقسام من الطبقة العاملة في النضال بوجه سياسات البنك الدولي وصندوق النقد والتي تتبناها الحكومة. ولكن النضال بوجه سياسة حكومية هو عمل له طابع سياسي الى جانب كونه نضال نقابي بالمعنى الضيق للكلمة أو بالمعنى المطلبي. أي إنه نضال لا يخص فئة أو قطاع بعينه من العمال ولا يتوقف عند حدود إطار علاقات العمل، بل نضال طبقي يتطلب توحيد نضال الإقسام المنخرطة في مواجهة السياسات الإقتصادية. وهذا لا يمكن الإجابة عليه من خلال تجميع أفراد أو مجاميع أو دمج مجموعة من الأنشطة، على الرغم من الأهمية التنظيمية أو التعبوية لذلك، بل يتم من خلال تبني الجموع فهماً طبقياً شاملاً، أي تبني تصورات موحدة حول الطابع الطبقي للمواجهة، وحول سياسة رأس المال في العراق وآثارها، ودور السلطة في ما يواجهه المجتمع.
فمع اتساع مواجهة طبقية من هذا النوع، وبروز مهمة توحيد نضال أقسام واسعة من الطبقة العاملة، لا يعود النضال المطلبي أو النقابي هو الإطار القادر على توحيد نضال شامل على مستوى البلاد. أي هنا تبدأ مهمة الممثل السياسي للطبقة العاملة أي منظمتها أو حزبها السياسي.
إن ما يقوم به العاملون في القطاع العام خلال السنوات الماضية، يشكل من حيث مضمونه نضالاً طبقياً متقدماً، فهو يمثل لحظة الصدام بين الطبقة العاملة وسياسة رأس المال في شكل النهج النيوليبرالي الذي تنتهجه الحكومة كجزء من السياسة العالمية للرأسمالية. إنه نضال يحمل في طياته نواة اشتراكية، وإن لم تكن قد تبلورت بشكل تيار واضح. ومن جانب آخر فإن الطابع الإشتراكي لهذا النضال غير مرتبط، ولا حتى قريب من تصورات ونفوذ المجاميع والأحزاب اليسارية في العراق. إنه نتاج التطور الذاتي للتناقض بين مصالح رأس المال وجموع الشغيلة. وعلى الرغم من إن العمال لا يرفضون أي تأييد من أي فرقة أو مجموعة، وانهم يستقبلون لافتات الأحزاب والمنظمات الداعمة، الا أن الدعم والمشاركة في التظاهرات من قبل البعض ليس هو الجواب على متطلبات الحركة.
لقد كان رفع مؤتمر اتحاد المجالس والنقابات العمالية شعار مواجهة الهيكلة، هو محاولة لبناء سياسة عمالية طبقية بوجه سياسة رأس المال.
وسأعود لهذه المسألة لاحقاً.
وبالمناسبة، خلال كتابة هذا المقال برزت حركة عمالية واضحة في سوريا بوجه الهيكلة وسياسات الخصخصة التي شرعت الحكومة الحالية بفرضها منذ الساعات الاولى لوصولها الى القصر الرئاسي. مما يؤكد إن سياسات الهيكلة والخصخصة هي السمة المميزة للقوى الصاعدة المرتبطة بالرأسمال وخاصة في شكله الإمبريالي الغربي. - يتبع

____