لماذا تعلمت إسرائيل من حروبها ولم نتعلم؟


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 8108 - 2024 / 9 / 22 - 20:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


سبق لأمير البيان شكيب إرسلان أن طرح السؤال عن أسباب تقدم الغرب وتخلف المسلمين وحاول، بناء على طلب الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية، أن يقدم جواباً. في مقالة لاحقة سنستعين بأمين معلوف وآخر إصداراته"متاهة الضائعين" لنساهم في تقديم إجابة على سؤال النهضة الإرسلاني، فيما ستهتم هذه المقالة بالبحث عن إجابة على إحدى متفرعاته، لماذا تستخلص إسرائيل من الحروب دروساً مستفادة ونكتفي نحن باستخلاص الدروس المغلوطة؟
إسرائيل هزمت مرة واحدة يوم أرغمت على الانسحاب من الأراضي اللبنانية تحت ضربات مقاومة مسلحة دشنتها"جمّول" في السادس عشر من أيلول 1982، ثم صادرتها قوى متحدرة من الإسلام السياسي واحتكرت الاحتفال بتحرير الأراضي اللبنانية من رجس الاحتلال عام 2000
بعد التحرير، حقق حزب الله عام 2006 إنجازاً عسكرياً بتضليله العدو في شبكتي الأنفاق والهاتف. لكنه ارتكب خطأ مزدوجاً. وجهه الأول أنه جرب تحويل المقاومة إلى حركة تحرر وطني. إذا كانت مقاومة الاحتلال حقاً شرّعته القوانين الدولية، فالتحرر الوطني من"الاستعمار والصهيونية والإمبريالية" أو الشيطان الأكبر يخضع لموازين القوى في الصراع الدولي.
الوجه الثاني من الخطأ أن الحزب التقط من أبعاد الانهيار السوفياتي معنى السقوط الاقتصادي وغاب عنه سقوط أبعاد أخرى من بينها شعار التحرر الوطني، بعد أن لم تعد قضية فلسطين كافية كمشجب يعلق عليه ورثة تصدير الثورة أحلامهم اليسارية وترهاتهم الدينية.
إسرائيل تعلمت من حرب تموز 2006 أن الحرب مع مجموعات مسلحة ليست كالحرب مع الجيوش. راحت تعد العدة لتثأر من هزيمتها فاهتمت برصد تحركات الأفراد عدة وعدداً وتمكنت، بالعلم والتكنولوجيا والمراقبة والتعقب الاستخباري، من التصويب على أهدافها بكل دقة في الليل كما في النهار، ومن إصابة الأفراد في سياراتهم أو على دراجاتهم أو داخل غرف نومهم، في قرى الجنوب والبقاع وعلى الطرقات، وأصابتهم داخل الأحياء المكتظة في المدن وضواحيها حتى لو ابتعدوا في المسافات إلى ضواحي طهران.
كما أنها راحت ترسم خرائط شبكة الأنفاق كما تُرسم الخرائط الجيولوجية، أما ما استعصى عليها رسم خريطته فدمرت وأبادت كل ما فوقه حجراً وبشراً، غير مكترثة بما قد يصيب المساكن وساكنيها والمدارس والمستشفيات والمؤسسات الإنسانية والعاملين فيها، ولم يردعها عن جرائمها ومجازرها لا رأي عام عالمي ولا القوانين الدولية.
شبكة الهاتف الأرضي أشعلت فتيل انفجار في بيروت، ولم تخمد ناره إلا بانقلاب على الدستور في مؤتمر الدوحة. من ناحية أخرى، بات سهلاً على الذكاء الاصطناعي أن يرصد أحلام النائمين في أسرتهم وفي الغرف المغلقة. فضلاً عما سبق، ترددت أخبار خلال المواجهات بين الجيوش عن أجهزة الرصد في طائرة الأواكس أو في القواعد العسكرية البريطانية في قبرص القادرة على متابعة كل الحوارات في الهاتف الأرضي في لبنان.
من أجل ذلك قررت الحكومة الاسرائيلية الاستثمار في هذا القطاع لتغدو أكبر مصدر للشرائح الإلكترونية المستخدمة في الهواتف المحمولة والحواسيب في العالم، فيما اهتمت أنظمة الاستبداد في بلادنا بتوظيف هذه الانجازات العلمية في رصد تحركات المعارضين وكم أفواههم.
بدت استراتيجية الأنفاق في غزة كما لو أنها مصممة لحماية القيادة وحدها أياً تكن الخسائر التي يمكن أن يدفعها الشعب. هذا من تقاليد القوى "الثورية" العربية التي تقيس النصر بسلامة القيادة، والتي تضع في أولوياتها القبض على السلطة ولو على حساب الوحدة الوطنية، وحدة الشعب والدولة.
كارثة تفجير آلاف الأجهزة التي أصابت مقتلاً من بعض حامليها من مجاهدي حزب الله وأصابت آخرين بعيونهم أو بأيديهم وأرجلهم لاقت تعاطفاً وتضامناً أنسانيين من الشعب اللبناني على اختلاف مكوناته الدينية والإيديولوجية والحزبية، غير أن حزب الله ألبس التضامن الإنساني لبوساً سياسياً وأصر على عدم الاعتراف بدور الوحدة الوطنية في صنع الانتصارات ولم يكترث للمناشدات الداعية إلى وقف الحرب والعودة إلى جادة الحياة الدستورية.
لعل قول عماد الدين أديب يفسر حالة الأمة حين يرى أن الممسكين بالسلطة في أماكن الصراع "لا يؤمنون حقّاً بعمليات التسويات والتعايش لأنّهم يعتقدون بأنّ استمرار الصراع، مهما طال الزمن ومهما كانت فاتورة الخسائر، أقلّ خطراً على مناصبهم ". ينطبق قوله على كل من ينظر إلى الحروب بعين التطرف.
إن التطرف يجعل من القضية العادلة، التي يدور حولها الصراع في منطقتنا، قناعاً تختفي خلفه عوامل تفجير أخرى، من بينها استبداد الأنظمة والأحزاب، ويعيد بلدان المنطقة إلى ما قبل عصر النهضة.
جواباً على سؤال المقالة واستباقاً لسؤال النهضة يمكن القول إن أساليب القتال وعدته المعتمدة في مواجهة الوحشية الصهيونية لن تفضي إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، وأن الإيديولوجيا ستعلن استسلامها، عاجلاً أم آجلاً، في معركتها غير المتكافئة مع العلم.