رئيسان من نتاج الثورة
محمد علي مقلد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8228 - 2025 / 1 / 20 - 11:42
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
المجلس النيابي انتخب رئيساً، مؤكدة رئاسته، للجمهورية، ورئيساً للحكومة مؤجلة رئاسته حتى تشكيلها. صحيح أن الانتخابات النيابية الأخيرة جددت، بهذا المجلس، للمنظومة الحاكمة ومنحتها الأغلبية المطلقة والقدرة على تعليق الدستور بتأويلات مغلوطة واجتهادات محددة الأهداف واستخدام مفرط للسلطة، لكنها أنتجت ظاهرة جديداة لم تشهدها المجالس النيابية اللبنانية منذ تأسيس الجمهورية، ليس أهم ما يميزها فوز بضعة عشر نائباً أطلقت عليهم صفة التغييريين.
ما يميز هذه الظاهرة أيضاً وجود بضعة عشر آخرين من نواب الأمة يمكن حسبانهم في خانة التغييريين من غير أن يحملوا الصفة والإسم، والأهم هو أن الانقسام بين موالاة ومعارضة داخل المجلس النيابي حمل مضموناً جديداً لم يسبق لأي انقسام سابق أن عرفه من قبل. الموالاة التي فاز رئيسها بأغلبية صوت واحد والمعارضة التي اصطفت كلها خلف شعار الدولة والدستور.
كثر شككوا في تسمية ما حدث في 17 تشرين ثورة وحسبوه انتفاضة، والثلاثي الحاكم حسبه عملاً تخريبياً، لكن أحداً لا ينكر أن شعار الدولة والدستور هو من نتاج تلك المرحلة. قبله كان للانقسامات معايير أخرى، العداء لإسرائيل، العلاقات المميزة مع سوريا، الامتيازات الإيرانية داخل نظام الممانعة وأدواته، المقاومة، العلاقة بالمحيط العربي، فضلاً عن الاختلاف في فهم مصطلحات الاستعمار والغرب. في ظل الثورة صار شعار الدولة والدستور هو معيار كل المعايير.
كثر اعتقدوا أن الثورة ماتت لأن حركة الشارع توقفت والنواب التغييريون تفرقوا وتمادى منتهكو الدستور بتعطيل مؤسسات الدولة، لكننا أصرينا على اعتقادنا بالحدس أن الثورة حية وهي في مرحلة الكمون، وأكدنا ذلك في جميع مقالاتنا المنشورة ومنها هذه المقتطفات:
بتاريخ 5-11-22،قلنا إن "انتفاضة الاستقلال في لبنان هي من صنف حركات التحرر الوطني، لأنها ضد "عدو" خارجي. أما الثورة فهي، بالتعريف، ضد "عدو" داخلي. هذا ما تجسد في الثورة الفرنسية ضد استبداد أنظمة السلالات وفي كل الثورات المشابهة والمشتقة منها، ومن بينها الثورة اللبنانية وثورات الربيع العربي التي واجهت استبداد الجمهوريات الوراثية وأنظمة الانقلابات العسكرية"
في 11-1-2023 قلنا إن لبنان "يعيش مخاض التغيير. لا القديم مات ولا الجديد اكتملت ملامحه. الآلام كثيرة والمواجهة صعبة. لبنان شعباً ودولة وثورة في خضم التحديات. أولها التمادي في تأجيل انتخاب رئيس للجمهورية. كلما تأخر الانتخاب يوماً تأخر حل الأزمة أشهراً. هذه حال بلد اختارت الثورة فيه أسلوب التغيير تحت سقف الدستور".
في 17-4-24 قلنا "عاجلاً أم آجلاً ستنتهي معركة المشاغلة مع إسرائيل، وستكون الشيعية السياسية أمام خيارين، إما الاستدارة نحو الداخل لتستخدم فائض قوتها في معارك سياسية خاسرة، إما الاستجابة لنداءات اللبنانيين الداعية إلى الالتفاف حول مشروع الدولة والالتزام بأحكام الدستور والانخراط في عملية إعادة بناء الوطن. الخيار الثاني وحده ينقذ الثنائي والطائفة الشيعية من مصير شبيه بما فعلته المارونية السياسية بنفسها وبالمسيحيين في لبنان". كان ينبغي أن نضيف، شبيه أيضاً بمصير الحركة الوطنية اللبنانية وما فعلته بجمهورها وبكل فكرة التحرر الوطني من استعمار غير موجود أصلاً.
المجلس النيابي ذو الأغلبية الممانعة أذعن لخيار التغيير وانتخب رئيسين للجمهورية والحكومة يحمل كل منهما برنامجاً، من بين بنوده ووعوده كل ما كانت قد طالبت به الثورة، وخلاصته الانتقال من المحاصصة إلى دولة القانون والمؤسسات واحترام الدستور وتحصين السلطة القضائية وحماية استقلاليتها، كسبيل لإخراج الوطن من الجحيم الذي رماه به ثلاثي الحكم في أسوأ العهود الرئاسية على الإطلاق.
لم تأت الثورة بأغلبية نيابية لكنها شكلت نموذجاً ومثالاً لاحترام الدستور والقوانين حتى في ظل صخب الشوارع والساحات، وطالبت بتطبيق النظام لا بإسقاطه وفضحت، أمام الرأي العام المحلي والدولي، المنظومة الحاكمة التي فقأت عيون الثوار واعتدت على متظاهرين مسالمين، وأقفلت كل أبواب الحلول للأزمات التي تسببت بها.
للمرة الثانية بعد مبادرتها الرئاسية أطلقت الأقلية الضئيلة من نواب التغيير مبادرة حكومية وصارت كرة الثلج تكبر حين تلاقت مع المتنورين من أهل المجلس النيابي ومع الدعم الدولي والعربي. سقطت المبادرة الأولى في ظروف محلية وإقليمية غير مؤاتية، ونجحت الثانية بعد هزيمة معسكر الممانعة وعموده الفقري نظام الاستبداد البعثي في سوريا.
الدرس المستفاد من الفشل والنجاح يعني أن على نواب التغيير إعادة تموضعهم ليشكلوا مرجعية سياسية للثورة التي استعادت وهجها مع عهد استقوى بها وتستقوي به.