الإذعان بعد فوات الأوان


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 8144 - 2024 / 10 / 28 - 19:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


في سنوات النكبة، وبالتحديد في عام 1948 عقد مؤتمر قمة عربية في مصر بدعوة من الملك فاروق. مشروع التقسيم تم رفضه رسمياً والقبول به عملياً مع بقاء الضفة الغربية وقطاع غزة خارج حدود الكيان الصهيوني. كل فلسطين أو لا شيء منها. أجماع على التمسك بعروبة الأرض المغتصبة، وإضمار الخشية، بحسب شارل رزق، من ترسيم حدود الدولة الفلسطينية على حساب دول الطوق.
هزيمة حزيران 1967 حذفت المشروع من الوجود باحتلالها كامل أرض فلسطين، ومؤتمر الخرطوم أجمع على اللاءات الثلاث، لا صلح مع إسرائيل، لا تفاوض معها ولا اعتراف بها وطالب بالعودة إلى حدود مشروع التقسيم. قبل قمة فاس بالمغرب التي انعقدت بعد احتلال بيروت وخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إلى تونس، كان أنور السادات قد افتتح كسر اللاءات وحيداً ودشن عملية تطبيع دفعت مصر ثمنها عزلة مؤقتة عن محيطها العربي.
اتفاق الطائف أرغم الحركة الوطنية اللبنانية والميليشيات الأخرى، على تسليم سلاحها إلى الجيش اللبناني، وحرب الخليج الأولى جرت حركة التحرر الوطني العربية إلى الاصطفاف بالنظام المرصوص خلف الجيش الأميركي في الحرب على عراق صدام حسين، والدول العربية إلى المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام تحت شعار، الأرض مقابل السلام. ما يعني العودة إلى مشروع التقسيم وحل الدولتين.
التراجع عن لاءات الخرطوم احتاج إلى ربع قرن من الهزائم. أما مشروع التقسيم فقد احتاج إلى خمسة وأربعين عاماً من النضال تمكن الشعب الفلسطيني خلالها من أن ينتزع قراره المستقل بقيادة منظمة التحرير، مع برنامج عنوانه "إقامة دولة على أي شبر يحرر من أرض فلسطين".
في الأول من تموز 1994 دخل ياسر عرفات إلى فلسطين ودخلت معه كل التنظيمات الموافق منها على اتفاق أوسلو والمعترض. في 14 حزيران 2007 قررت حماس الانفصال عن الدولة الفلسطينية وأسست دويلة لها في غزة.
في 7 تشرين الأول 2024 أطلقت حماس الطوفان لإقامة دولة على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس. بعد عام على الطوفان توافق حماس على العودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل الطوفان، وتوافق على حل الدولتين ولو من دون الأقصى، ولكن بعد فوات الأوان، أي بعد أن لم تعد غزة كما كانت عليه.
حصل الأمر ذاته في لبنان. في المرة الأولى حين قررت إسرائيل انسحاباً جزئياً من لبنان، رفضت قوى الممانعة ذلك وطالبت بانسحاب كامل أو تستمر المقاومة. وحين قررت انسحاباً كاملاً انزعجت الممانعة لأن النظام السوري يفضل بقاء الجنوب اللبناني محتلاً أسوة بالجولان، أي مادةً للمساومة وذريعة لاستمرار الاستبداد.
في المرة الثانية، وفي اليوم التالي على حرب الطوفان قرر حزب الله الدخول في معركة الإسناد. وبعد عام انتهك الطرفان قواعد الاشتباك. عاد حزب الله إلى إسلوب المنظمات الفلسطينية القديم، أي القصف من بعيد، فيما أمعنت إسرائيل في ارتكاب جرائمها قتلاً وإبادة وتدميراً واغتيالاً. صار لا مانع لدى قوى الممانعة من وقف إطلاق النار وعودة الأمور إلى ما كانت عليه وتنفيذ القرار 1701 الصادر قبل عشرين عاماً.
منذ النكبة حتى طوفان الأقصى وحرب الإسناد، نختار الدخول في المعركة من غير الإعداد لها. الرفض المسبق والموافقة المؤجلة. إنها استراتيجية الإذعان بعد فوات الأوان.