الكورد، مشكلة أم قضية


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 8243 - 2025 / 2 / 4 - 10:16
المحور: القضية الكردية     

تساءلت أمام ضيفي الشيوعي القادم من كردستان العراق، كيف يمكن لمن يتحمل الإسلام ألا يتحمل العروبة؟ امتقع لون وجهه وبدت عليه علامات الاشمئزاز والغضب، كما لو أنني أسأت إليه وإلى قضيته. كان ذلك في مطلع هذا القرن. أيقنت عندها أننا، على امتداد خمسين عاماً مضت، كنا نفهم القضية الكردية على غير ما يفهمونها، وأن منطلقاتنا للتضامن معهم لم تكن متطابقة مع منطلقاتهم.
حق تقرير المصير لم يكن، في نظرنا، حقاً مطلقاً بل حق مرتبط بطبيعة النظام. كنا مع القضية الكردية لأنها مرفوعة في وجه نظام الاستبداد البعثي. كنا معها في كردستان العراق لأن رافعي رايتها هناك كانوا "تقدميين يساريين" أو على الأقل من حلفاء الاتحاد السوفياتي، ولم تكن تعنينا كثيراً في البلدان الثلاثة الأخرى، إيران وتركيا وسوريا، ولم نحمّل أنفسنا عبء السؤال.
الاشتراكية مفتاح صالح لفتح جميع الأقفال ولحل كل الأزمات. في التعليم كما في الزراعة، وحتى القضية الفلسطينية، لا يكون الحل إلا في أفق اشتراكي، وكفى ستالين المناضلين مشقة البحث والتفكير، فقد قدم لهم نموذجاً لحل قضية الأقليات القومية، وعملوا على تعميمه.
هي قضية في نظر أصحابها ومشكلة في نظر أهل النظام وأهل العروبة. لكنها، على اختلاف التسميات، ظاهرة قديمة في التاريخ متحدرة من التنوع اللغوي والعرقي والإتني والقبلي، ربما لم يسمح لها الاستبداد في الحضارات الدينية الإقطاعية، الخراجية بتعبير سمير أمين، بأن تتجلى كقضية ولا حتى كمشكلة، لأن الحاكم المثالي يرفع فوق باب القصر عبارتين تختصران القيم السياسية السائدة، "الملك لله" و"العدل أساس الملك".
في الحضارة الرأسمالية برزت الحرية كقضية في حد ذاتها، فتبدل سلم القيم واحتلت الحرية الصدارة، حتى قيل، "وما نفع الخبز من غير الحرية"؟ مع الثورة الفرنسية انهارت الأمبراطوريات والممالك وولدت الجمهوريات والدساتير وحقوق الإنسان الفرد ومصطلح الشعب، ثم بعد أقل من قرنين، حق الشعوب في تقرير مصيرها.
خرائط جغرافية جديدة رسمت، وكيانات وأوطان تأسست، وقاموس لغوي جديد لم تعد تأتلف مفرداته مع أنظمة الاستبداد، قديمها وجديدها، حيث لا حريات فردية ولا حقوق تقرير مصير، و لا دول دينية، باستثناء إسرائيل الدولة اليهودية في فلسطين، واختلطت الأعراق واللغات واللهجات والألوان، وبات التنوع من خصائص الحضارة الجديدة التي تعترف بحق الاختلاف وترعاه وتنظمه تحت سقف القانون وفي رحاب الديمقراطية.
الدول الناشئة في المنطقة العربية الإسلامية، وخصوصاً تلك المتحدرة من تركة الرجل المريض، هي الأكثر استعصاء على الديمقراطية، وفيها تم توزيع المنطقة التي تسكنها أغلبية كردية على دولتين لم يخمد بينهما نزاع ممتد من قرون، تركيا وإيران، ودولتين مستحدثتين بعد الحرب العالمية الثانية ومحكومتين بأعتى أنظمة الاستبداد السياسي، العراق وسوريا.
في ظل التحولات التي شهدتها هذه المنطقة ولا سيما مع ثورات الربيع العربي التي استبدلت بناء الاشتراكية بسن الدساتير، ومع انهيار نظامي البعث في سوريا والعراق وانهيار الاشتراكية ومفهوم التحرر الوطني، ومع نجاح الضغوط الغربية على تركيا لمنعها من تنفيذ حكم الإعدام بحق الزعيم الكردي التركي المسجون عبدالله أوجلان، هل يمكن للقضية الكردية أن تشحن بمضمون جديد يأخذ بعين الاعتبار هذه المتغيرات الجذرية ويرسم خارطة طريق جديدة لحل قضية التنوع من داخل الوحدة في دولة المواطنة، دولة القانون والمؤسسات والديمقراطية؟