عن ( المصرى الظالم المظلوم خاسر الدنيا والآخرة )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 8065 - 2024 / 8 / 10 - 18:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

السؤال :
حضرتك قلت إن المصرى مظلوم وهو أيضا ظالم . وهو يخسر الدنيا ويخسر الاخرة لكنك لم تأت ببرهان على ذلك .
الاجابة
أولا :
1 ـ مسكين ذلك المصرى قليل البخت، قليل البخت في الدنيا وفي الآخرة أيضاً .! يتحمل ظلم الحاكم ويهتف له ولا يجد له عند الحاكم فى مقابل ذلك إلا الاستهانة والنكران ، ويقوم المصرى المسكين بالرد على ذلك بطريقته الخاصة ، يستغيث بالأولياء والصالحين أو ما يسميهم " بأهل الله " ويقف أمام الأضرحة والقبور المقدسة يطلب منهم رفع الأذى ، وربما كتب مطالبه فى ورقة ورسالة وأودعها عند الإمام الشافعى أو عند "السيدة "فهى "رئيسة الديوان " "وأم العواجز" و" ندهة المنضام " . والمصرى حين يفعل ذلك يعيش على وهم كاذب، بأن الظلم سينقشع ، ويكتفى بالأمل وينشد مواويل الصبر ،ويأمل أن يقوم الصبر بحرق الدكان طبقاً للمثل الشائع ، ولكن يظل الدكان عامراً بالظلم ،فييأس المصرى من الدنيا ويتمنى أن يكون صاحب حظ في الآخرة ، إذ ليس معقولاً أن يكون قليل البخت في الدنيا والآخرة ،ولكنه لايعرف أنه أضاع نفسه فى الآخرة أيضاً حين استغاث بغير الله ، وحين طلب المدد من الموتى الذين صاروا تراباً ، وحين قال عن الأولياء الذين يقدسهم أنهم " أهل الله " !!
2 ـ هل لله سبحانه و تعالى أهل ؟
إن الأهل هم الزوجة والأولاد فهل يصح أن يقال ذلك على الله سبحانه وتعالى وهو الأحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ؟ ، وكل المصريين والمحمديين يحفظون سورة : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) )! ! . لقد حفلت عشرات الآيات في القرآن الكريم بنفى أن يكون لله سبحانه وتعالى ولد ، والله سبحانه وتعالى يقول عن ذاته : ( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) الأنعام ). والصاحبة هى الزوجة . وقال الجن المؤمنون ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) الجن ) ومع أننا نقرأ هذه الآيات كثيراً، ومع أننا ننفى باللسان أن يكون لله سبحانه و تعالى ولد أو زوجة أو أهل إلا أننا نقف أمام الأضرحة المقدسة نستغيث بأهل الله ونهتف قائلين: مدد يا أهل الله ، ونعتقد أن لهم تصريفاً وجاهاً وتحكماً في ملك الله ،ونخدع أنفسنا فلا نطلق عليهم لقب الآلهة ،مع أننا نصفهم بصفات الآله الواحد جل وعلا ونعتبرهم أهل الله الذين يتحكمون في الدنيا والآخرة .. ومن يدعى العلم والمعرفة فينا يقول أن أهل الله هم المتحكمون فى الباطن ، أما حكام الدنيا فهم أصحاب دولة الظاهر، وعلى هذا فالمصرى المسكين ضائع بين أهل الباطن وأهل الظاهر ، تظلمه الحكومة فى الظاهر ، وتخدعه مملكة أهل الباطن بمشايخها واعوانها المستفيدين من الأضرحة والقائمين على صناديق نذورها، وبين أولئك وأولئك يفقد المصرى أمواله وكرامته ودنياه وآخرته. بوّاب العمارة التى كنت أسكن فيها فى المطرية كان فلاحا سابقا طيب القلب . وقع فى مشكلة ، فذهب الى ضريح الحسين ، وشكى له باكيا يقول : ( مش حأقولّك حاجة ) إنت عراف كل حاجة . أنا بأرمى حمولتى عليك وانت إتصرّف ) . جاء بعدها وحكى لى موقنا أن الحسين سيتصرف ..
3 ـ إذا أردت أن ترى الخشوع على حقيقته فانظر إلى المصرى وهو يقف أمام مقصورة الضريح المقدس .إنه يؤدى صلاة كاملة خاشعة ، يقف خاشعاً قانتاً كأنه يقف أمام الله تعالى يصلى ، ثم تراه في تلك الوقفة أمام الضريح يقرأ الفاتحة، ثم يركع بأن ينحنى يقبل زجاج المقصورة ويتنسم عبيرها المقدس، ثم يجلس ليلثم و( يبوس ) الأعتاب ، والمثل الشعبى المصرى يقول " إللى يبوس الأعتاب ما خاب!!" ثم يجلس وقد أسند رأسه للمقصورة يشكو حاله وهو يعتقد بأن المدفون في الضريح يعلم ما في خلجات نفسه ، وقد يتلو القرآن في جلسته ويتهجد بالأوراد ، إذن هى صلاة كاملة وعبادة تامة ، فيها القيام ،والركوع والسجود والجلوس للتشهد ، وفيها الفاتحة وقراءة القرآن والدعاء والاستغاثة .
والفارق الوحيد بين صلاة المصرى لله سبحانه وتعالى وصلاته أمام الضريح : أن المصرى حين يصلى لله جل وعلا الصلوات الخمس ـ إذا كان يصليها ـ فإنه يشغل عقله بكل شئ عدا الصلاة وتنطلق أفكاره حول كل شئ وربما فى المعاصى ، ويكتفى بآداء الحركات في الصلاة وينطق الفاتحة والتكبير والتسبيح والتشهد كأنه آلة دون أن يعقل شيئاً مما يقول ، أما حين يقف ضارعاً متوسلاً أمام الضريح فهو يقرأ الفاتحة في خشوع ، وينهال تقبيلاً وتقديساً على زجاج المقصورة وقماش الضريح ، ودموعه تسبقه وقلبه ينتفض وجوارحه ترتعش ، وخوفه هائل وأمله في صاحب الضريح عظيم ..! ! وبعدها يعود وقد أحس بالراحة والإنشراح واعتقد أن الفرج قريب .
ومع ذلك فالظلم باق ومستمر ومنتشر ... لأن المصرى – وهو المظلوم – قد ظلم رب العالمين حين وقع في الشرك وعبادة الأولياء والأضرحة، وليس مهماً إن كان يفعل ذلك بحسن نية وعن طيبة قلب ، لأن الطريق إلى الجحيم مفروش دائماً بالنوايا الحسنة ... وكان يكفى المصرى أن يقرأ القرآن بعلم وتعقل وتدبر ليتأكد أن الشرك ظلم عظيم .
4 ـ أن تخسر دنياك فهذا شىء فظيع .. أن تخسر آخرتك فهذا أفظع . أنها الخسارة الحقيقية التى تخسر فيها نفسك وأهلك وتكون خالدا فى عذاب الجحيم . إقرأ قوله جل وعلا :
4 / 1 : ( وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنْ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) الشورى )
4 / 2 :( قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) الزمر )
أخيرا
ألا يكفى للمصرى المستضعف بؤس الدنيا وخسارتها ؟
تعليقات
سعيد على :
لأن الطريق إلى الجحيم مفروش دائماً بالنوايا الحسنة !
حفظكم الله جل و علا و سما بقلمكم آفاق الفكر و عُمق الوجِد .. في كتابات الدكتور أحمد حفظه الله و بين السطور و خلف الكلمات تجد حِكم عظيمة و عناوين تصلح لبحوث و رسائل علمية .. أقف مذهولا لعبارات و جُمل و كلمات ليست كالكلمات .. الدكتور أحمد خسرته مصر .. و فاز هو بحب مصر .
شكرا ابنى الحبيب استاذ سعيد على ، واقول :
لا فارق بين المصريين المستضعفين وغيرهم فى كوكب المحمديين . المستضعفون تابعون للمستكبرين فى الدنيا ، ويوم القيامة سيكونون معا فى الجحيم يتلاومون ويتلاعنون ، وسيلعن المستضعفون سادتهم وكبراءهم . أكابر المجرمين قد يفوزون فى الدنيا جاها وسلطة وتسلطا وثروة . ولكن المستضعفين يخسرون الدنيا والآخرة . يا حسرة عليهم . المؤسف أنهم ضدنا مع اننا نشفق عليهم .