في ذكرى ثورة 23 يوليو المصرية ،جمال عبد الناصر والحركة النقابية
جهاد عقل
الحوار المتمدن
-
العدد: 8046 - 2024 / 7 / 22 - 18:48
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
مقدمة
وفق مختلف الدراسات التي تطرقت للحركة النقابية المصرية بأن اوائل نشاطاتها بدأت في العقد الأخير من القرن التاسع عشر ، لكن بدايات تنظيمها وفق الأنماط النقابية بدأت في اوائل القرن العشرين ، وعندما نذكر ذلك فالموضوع لا يشمل الإتحاد العام لنقابات عمال مصر ، فقد تأسس هذا الإتحاد مع تنامي قوة ثورة 23 يوليو / تموز 1952، وبالتحديد في العام 1957 . وذلك في 30 كانون الثاني عام 1957 من أجل الحفاظ على الحقوق والمكاسب التي حصل عليها العمال بعد ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، وعمل الاتحاد العام لنقابات العمال على تأسيس النقابات الفرعية والاتحادات المحلية التابعة له.
سبق وتعرفت على بعض النشاطات النقابية المصرية من خلال دراستي لتاريخ الحركة النقابية العربية الفلسطينية ما قبل النكبة ، ونمو علاقات متبادلة ما بين النقابيين الفلسطينيين والمصريين في ذلك الزمن . موضوعنا في هذه العُجالة هو الحركة النقابية العربية المصرية في ظل ثورة 23 يوليو 1952 وبالتحديد في ظل حكم القائد الراحل جمال عبد الناصر ، فقد كانت بداية العلاقات فيها تعثر مع قيادة تلك الثورة ، قبل تولي الرئيس جمال عبد النصر الرئاسة ، بل قيادة الثورة ،وقيام قيادة الثورة في قمع حراك عمالي في كفر الدوار .
لكن الرئيس جمال عبد الناصر وفور توليه الرئاسة ، غيّر تلك الأجواء وإعتبر الطبقة العاملة والنقابات العمالية رافد هام للثورة ومشاريع التأميم والقضاء على قوى الإقطاع والرأسمالية من جهة ، وكون الطبقة العاملة هي القوى التي يقع على عاتقها حماية الثورة وتنفيذ مشاريع التصنيع للجمهورية العربية المصرية من جهة أخرى
.
ظهر ذلك التلاحم في العلاقات ، في المهرجانات الخطابية التي نظمها عبد الناصر وقيادة الثورة في احتفالات الأول من أيار من كل عام ، وطرح الفكر الإشتراكي الداعم للطبقة العاملة وللفلاحين ، واعتبارهم أهم قوة لتحقيق ذلك الفكر والوقوف بقوة في عملية افشال مؤامرات قوى الإقطاع والرأسمالية ومعها القوى الإمبريالية الأجنبية التي كانت تحاول ضرب ثورة 23 يوليو عامة والقائد عبد الناصر خاصة بفكره ومن أجل افشال مشاريعه الثورية .
" عهد ناصر العصر الذهبي للحركة العمالية"
هذا ما صرح به المؤرخ النقابي المصري جمعة حسن جمعة وأحد مؤسسى نقابة الصناعات الهندسية فى مصر ، في مقابلة له مع "الوطن" وأضاف في تلك المقابلة:”إن ثورة 23 يوليو 1952 قضت على إهانة العامل المصرى، لافتاً إلى أن نسبة البطالة وصلت لـ46% في عهد الملك فاروق، الذي كان الاقتصاد في عهده قائماً على الاحتكارات الرأسمالية الأجنبية”.(1)وأضاف في المقابلة نفسها :”لقد حرص الزعيم جمال عبد الناصر، عقب ثورة 23 يوليو 1952، على تفجير ثورة حقيقية سياسية واقتصادية واجتماعية، ليس في مصر فقط بل في المنطقة العربية كلها، وتم التوسع في التصنيع، وكان مدركاً أن مصر بنهضتها الصناعية بجانب نهضتها الزراعية تستطيع أن تمتلك قرارها، وأن تصبح من الدول الكبرى، وسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بكل جوانبها، وكان للعمال والفلاحين النصيب الأكبر منها، بالإضافة إلى إنشاء قلاع صناعية كبيرة عملت على القضاء على البطالة وزيادة فرص العمل.”(2).
وفق العديد من الدراسات يجري تأكيد ما قاله هذا النقابي المؤرخ ، خاصة وأنه عايش تلك الفترة كعامل وكنقابي وواكب مختلف التغيرات التي قام بها الرئيس جمال عبد النصار ورفاقه ، في دعم طبقة العمال والفلاحين واقرار مشاريع انشاء الصناعات الكبرى والمتطورة وتوزيع الاراضي على الفلاحين ضمن مشروعه لتطوير الإنتاج الزراعي لكي يصل الى مرحلة الإكتفاء الذاتي للشعب المصري ، بل ومصادرة الفائض من خلال مشاريع استصلاح الأراضي ايضاً.
وعن فترة حُكم الملك فاروق ووضع العمال والاقتصاد يقول جمعة حسن جمعة في المقابلة نفسها :” لقد كان الاقتصاد المصري في تلك الفترة قائماً على الاحتكارات الرأسمالية الأجنبية، التي كانت في أيدي العشرات، وكانت نسبة البطالة قد وصلت بين المصريين لـ46%، مع غياب واضح للعدالة الاجتماعية فى توزيع ثروات الوطن، حيث بلغت نسبة الفقر والأمية 90%"(3)،ويؤكد أن العمال كانوا يخضعون للاستغلال من قبل قوى رأس المال ، مثل العمل 12 ساعة يوميا ، وفقدان مختلف الحقوق التي تشمل الضمان الإجتماعي ، وعجر النقابات عن مقاومة هذا الإستغلال ، بسبب قمعها من قبل السلطة وتحديد صلاحياتها ، الأمر الذي تغيّر في عهد الثورة ، خاصة في عهد الرئيس عبد الناصر .
الثورة جاءت لتحرر العمال من الإهانة والإستغلال
من جهتها قامت القوى المعادية للثورة والتابعة للإمبريالية ، في شن حملة معادية للثورة واصلاحاتها ،بما في ذلك في المجال النقابي ، في محاولة منها لإفشال الثورة ، وتحطيم التطور الإقتصادي وعملية التصنيع والإنتاج الزراعي / لكن علاقة عبد الناصر بالعمال والنقابات كانت وثيقة بحيث كانت الصخرة التي تحطمت عليها تلك المؤامرات ، وعن تلك العلاقة يقول المؤرخ النقابي جمعة حسن في رده على سؤال بهذا الخصوص :” العمال أول الفئات التي رحبت بالثورة، فلقد جاءت لتحررهم من الإهانة والذل وساعات العمل المتواصل دون مقابل ودون إحساس بالكرامة، ولكن رغم وجود ثورة في البلاد إلا أنه لم يحدث توقف لمصنع أو شركة أو تعطيل لماكينة صناعية في مصر، ويُعتبر العمال من أكثر الفئات التي استفادت من الثورة، خاصة أن من بين المبادئ التي قامت عليها الثورة، العدالة الاجتماعية، التي كان يعانى العامل والفلاح من غيابها قبل الثورة”(4).
عبد الناصر جاء من طين هذا الشعب وشعر بمعاناة العامل والفلاح
وعن علاقة الرئيس عبد الناصر وقيادة الثورة بالعمال أكد جمعة بأنها :” كانت علاقة ذات طابع خاص، فعبد الناصر جاء من طين هذا الشعب، ولذلك شعر بمعاناة العامل والفلاح، وكان مؤمناً بحقوقهم، ولذلك أصبح عهده هو العصر الذهبي للطبقة العاملة، فمنذ اليوم الأول وعبدالناصر أراد أن تكون مصر عظيمة، وليست العظمة مقتصرة على أشخاص بعينهم، ولا على من يمتلكون الأموال وقتها، ولكنه أرادها عظيمة لكل فئات الشعب العاملة والفلاحين، وإرادته كانت بارزة في أن تنتج مصر أكلها وملبسها، واحتياجاتها، إيماناً منه بأنه لا توجد دولة قوية دون أن تملك اقتصادها وإرادتها، والحقيقة أن الدولة في عهد عبد الناصر كانت تتجه بقوة نحو الاشتراكية والاقتصاد الموجّه، لذا حرص على إنشاء المؤسسة الاقتصادية عام 1957، والتي تُعتبر النواة الأولى للقطاع العام المصري ، ولا يمكن نسيان القرار التاريخي عندما قرر ناصر أن يكون 50% من أعضاء مجلس الأمة ومجالس الإدارات والمنظمات الشعبية للعمال والفلاحين، كما أن ناصر هو أول من أدخل الثقافة العمالية، وتم في عهده إنشاء المؤسسة الثقافية العمالية بموجب القرار رقم 2253 في ديسمبر 1960، وفي 16 أكتوبر 1961 احتفل بافتتاح المؤسسة وبدء نشاطها بدورات التثقيف العمالي”.(5)
عبد الناصر يرفع صوت العمال والعدالة الأجتماعية بقوة
نعي جيداً أن هناك من ينتقد ثورة تموز 1952 وقائدها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، فيما يتعلق بالحركة العمالية ، ومنهم قوى راديكالية مصرية من جهة وحركة الإخوان المسلمين من جهة أخرى ،ومعهم العديد من الباحثين التابعين للتيار النيوليبرالي ، لكن هؤلاء كانت انتقاداتهم بالأساس ناجمة عن معاداة جارفة للثورة عامة ولعبد الناصر خاصة ، الا أن قوة المد الثوري التي قادها عبد الناصر أظهرت تلك الإنتقادات بأنها باهته وهشة ، ففي خطاب الرئيس جمال عبد الناصر الطويل بعيد العمال ، الأول من أيار عام 1966 أمام عمال مصر ، والذي طرح من خلاله النقاط المحورية في الثورة الإشتراكية التي قادها نقتبس ما يلي :”احنا فى تحولنا الاشتراكى بنعتمد على تحالف قوى الشعب العاملة، معنى الشعب العامل إيه؟ الشعب الذى يعمل كل فرد فيه.. الشعب الذى يجمع أبناءه.. اللى كل واحد فيهم بيعمل جهده من أجل رفع مستواه، ومن أجل تحقيق مستوى طيب من المعيشة له، ومن أجل رفع مستوى بلده، ومن أجل رفع مستوى المعيشة فى بلده، الشعب العامل هو المجتمع المتخلص من الاستغلال بكل أشكاله.. بكل ألوانه، الاستغلال الاقتصادي أو الاستغلال الاجتماعي، الشعب العامل هو المجتمع الذي تتكافأ فيه الفرص للجميع، التعليم للجميع والمجانية للجميع، كل واحد حسب جهده، وكل واحد حسب عمله، وكل واحد حسب اندفاعه من أجل خدمة وطنه. الشعب العامل.. الشعب المتحرر من كل المستغلين، الشعب العامل، هو مجتمع الأسياد، لا مجتمع السادة والعبيد (تصفيق) كل واحد بيكون سيد فى بلده، العامل لا يشعر أنه عبد للآلة ولا يشعر أنه عبد لرأس المال، العامل لا يشعر أن جهده يأخذ منه القليل علشان بالكاد يقدر يعيش، وباقي جهد عمله يروح للرأسمالي أو للاحتكاري، علشان يجمع الملايين وعلشان يستثمر من جديد ليجمع من جديد الملايين”.(6) وأضاف في الخطاب نفسه :” النهارده احنا نتحول إلى مجتمع اشتراكي.. مجتمع اشتراكي كل وسائل الإنتاج ملك للشعب العامل، إذن لن يكون هناك بعد أن تقدم الشعب بالاسترداد ما هو حق له في بلده وسيطر على الإنتاج ثم طور هذا الإنتاج بجهود خارقة، لن يكون هناك استغلال...”(7) وأضاف :”كل واحد لازم يشعر بالفخر ان احنا نجحنا في كل الخطوات اللي مشينا فيها من أجل التحول الاشتراكي، ومن أجل العدالة الاجتماعية؛ قضينا على دولة الإقطاع، قضينا على دولة رأس المال، قضينا على الرأسمالية الفاسدة، قضينا على عملاء الاستعمار، وقضينا على أعوان الاستعمار، ثم سرنا في طريق إذابة الفوارق بين الطبقات، سيطر الشعب على وسائل الإنتاج، وفى نفس الوقت قضى الشعب على الملكية الإقطاعية، وحدد الملكية الزراعية، وفي نفس الوقت أعلن الشعب ميثاقه.. ميثاق قوى الشعب العاملة، وفى نفس الوقت سار الشعب ليحقق الاشتراكية التي هي الكفاية والعدل، ليحقق لنفسه الكفاية بالعمل في كل ميدان. الشعب يقدم المال ويقدم العمل..."(8)،
وبجرأة القائد اكد ان المسيرة من أجل القضاء على الفوارق الطبقية ما زالت جارية وقال:”هل أزلنا - أيها الإخوة - أو هل أذبنا الفوارق بين الطبقات النهارده؟ هل قضينا على الاستغلال قضاء كامل؟ لأ.. احنا لسه بنعمل على أن نحقق هدفنا الكبير الاشتراكية، العدالة الاجتماعية، تكافؤ الفرص بين الناس. تنجلي الرجعية لتحارب الاشتراكية والاستعمار يحارب الاشتراكية، مين بيحارب الاشتراكية؟ الاشتراكية إيه؟! الاشتراكية معناها إن مافيش استغلال سياسى ولا اقتصادى ولا اجتماعي، وكل الناس زي بعض فيه تكافؤ فرص”(9).
في الختام لقد استطاعت قوى رأس المال والإمبريالية والرجعية المصرية تحطيم هذا الصرح الإشتراكي الثوري الذي أسسه جمال عبد الناصر كقائد لثورة 23 يوليو 1952 ، مستغلة نزاعات قادها انور السادات بين قيادة الثورة ،وسرعان ما أعاد مصر الى أيدي القوى الرأسمالية والاقطاعية ويكفي أن نذكر هنا ان معطيات العام الحالي تؤكد ان نحو 60 بالمئة من سكان مصر البالغ عددهم نحو 106 ملايين نسمة يعيشون تحت خط الفقر أو بالقرب منه.
أما بالنسبة لما آلت عليه أوضاع الحركة النقابية ، فهناك انتقادات واسعة على قياداته اليوم ، يصف وضعها الباحث الاسرائيلي المحاضر في الجامعة الامريكية بمصر البروفيسور جويل بنيين في مقابلة معه حول الاتحاد العام لنقابات عمال مصر اليوم بأن هذا الإتحاد "إحتكر" تمثيل العمال ، بوصفه التنظيم النقابي الشرعي الوحيد في مصر وذراع الدولة ...”(10)
هوامش
1– "الوطن" مقابلة اجراها حسام حربي مع جمعة حسن جمعة - الخميس 30 أغسطس 2018.
https://www.elwatannews.com/news/details/3623848
2- 5 : ن. م
6- من خطاب عبد الناصر في احتفال اول ايار - 1/5/1966
http://nasser.bibalex.org/data/website%20html/nasser/nasser--protect/website/0024/0053/0068/660501.htm
7- 9 :ن.م
10- جويل بينين – دراسة بعنوان - صعود عمّال مصر نشرت في 28 يونيو 2012
https://carnegieendowment.org/research/2012/06/the-rise-of-egypts-workers?lang=ar