هل حصار العمال الفلسطينيين ورقة اسرائيلية رابحة؟
جهاد عقل
الحوار المتمدن
-
العدد: 7882 - 2024 / 2 / 9 - 18:14
المحور:
ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي 2024: تأثير الحروب والصراعات المسلحة على العمال والكادحين، والحركة النقابية
مقدمة: الحركة الصهيونية، السيطرة على الأرض والعمل
منذ بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين كان شعاره هو السيطرة على الأرض والعمل، وحيثما نقرأ في مختلف ادبيات الحركة الصهيونية، نجد ان هذه القضية كانت محور السياسة الصهيونية، وهدفها الأساس، في السيطرة على كامل التراب الفلسطيني، ففي مقال لدافيد بن غوريون نشر في العام 1955 تناول فيه قضية السيطرة على الأرض والعمل ومختلف مناحي الحياة، بل هو وثيقة للفكر الصهيوني الاستيطاني التوسعي الذي ما زلنا نشاهده حتى يومنا هذا في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومما جاء في هذا المقال ما يلي :”إن الاستيلاء على الأرض لهذا الغرض ( أي اقامة دولة اسرائيل – ج.ع.) لا يتم من خلال الحقوق السياسية والضمانات الدبلوماسية، بل من خلال العمل الاستيطاني طويل الأمد، وتجذير الأرض وزراعتها، وفي العمل، وفي التجارة، وزيادة الممتلكات المادية والروحية، والتوسع الاقتصادي والثقافي. والموارد الثقافية، وترسيخ السكان في كافة فروع العمل والثقافة إلى درجة أنهم يشكلون أغلبية كبيرة وساحقة في البلاد. ومن الواضح إذن أن احتلال هذه الأرض، ليس من أجل الحكم والاستغلال، بل من أجل التمسك بها والاستيطان، ليس في المقام الأول مسألة قانونية سياسية، بل مسألة تسوية اقتصادية”. هنا نلاحظ تركيزه على قضية " السيطرة على الأرض والعمل"، وهذا ما نشهده من سياسة صهيونية منذ النكبة عام 1948، وحتى يومنا هذا، فقد شاهدنا المؤتمر الصهيوني لليمين الذي عقد مؤخرا والذي يدعو الى استعادة الاستيطان في قطاع غزة وتهجير سكانه منه.
كما نلاحظ ما يقوم به الاحتلال الصهيوني من زرع المستوطنات والمستوطنين في الاراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية وفي القدس العربية، كل ذلك تنفيذاً لما أقرته مؤتمرات الحركة الصهيونية والحكومات الصهيونية، من أجل السيطرة على كامل الأرض الفلسطينية.
وفي وثيقة تعود الى خطاب القاه بن غوريون في العام 1920 امام مؤتمر حزب العمال البريطاني أكد من خلالها أن حدود دولة اسرائيل يجب ان تشمل منطقة حوران السورية ونهر الليطاني اللبناني ونهر اليرموك الأردني، وفي خطابه هذا تحدث ان حدود ارض اسرائيل تشمل شرق الأردن أو المملكة الاردنية الهاشمية اليوم، أي ما نسمعه من رئيس حكومة اسرائيل اليوم وغيره أنه لا يمكن أن يوافقوا على اقامة دولة فلسطينية ما هو الا تأكيد لما جاء في صلب سياسة الحركة الصهيونية وحكومات اسرائيل أيضاً.
العمالة الفلسطينية والمخطط الصهيوني
منذ إقامة دولة اسرائيل في العام 1948، باشرت الحكومات الإسرائيلية في تنفيذ مخططاتها للسيطرة على الأرض العربية، أولا من خلال القيام بفرض حصار على المواطنين العرب الذين رفضوا الترحيل، ومن خلال الحكم العسكري الذي استمر حتى ما بعد العام 1967، والقيام بمصادرة الأرض أو فرض الضرائب الباهظة على المزارعين العرب لدرجة أن الزراعة لم تعد ضامنة لدخل يوفر العيش الكريم للعائلة، وفرض سياسة تصاريح العمل وبالمقابل تحويل القوى العاملة العربية الفلسطينية (المزارعين العرب)، قوى عاملة رخيصة الأجر، تعمل في الأشغال الشاقة، هذا المخطط نتج عنه تحويل القوى العاملة العربية، بل العمال العرب الى قوة عمل تعمل بالأساس في فرع البناء والزراعة وبعض الخدمات، ونتج عن ذلك ترك المصدر السابق الا وهو الزراعة، وبذلك تحقق للحكومة هدفها الا وهو السيطرة على معظم الأراضي العربية الفلسطينية، من جهة وضمان قوة عاملة بإجر أقل مما يحصل عليه العامل اليهودي في نفس المهن، ونجد أن هذا الأمر ما زال قائماً حتى يومنا هذا.
العمال الفلسطينيون في والمصيدة الصهيونية
بالإمكان القول ان هذه السياسة نفسها التي مارستها الحكومات الإسرائيلية – الصهيونية، بخصوص توفير قوى عاملة رخيصة للعمل الأسود في الاقتصاد الإسرائيلي، جرى تنفيذها بعد فترة وجيزة من احتلال الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة، اي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ووفق النمط نفسه، الا وهو فرض حكم عسكري أولا، ومن ثم البداية بتنفيذ سياسة العمالة الرخيصة، وتلقي تصاريح العمل من الحكم العسكري، جرى تنفيذه في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
لقد جرى ذلك في ظل تنفيذ الحكومات الإسرائيلية لمشروعها الصهيوني في السيطرة على الأرض والاستيطان فيها، من اجل تنفيذ بذور المشروع الصهيوني إياه الا وهو السيطرة على كامل الأرض الفلسطينية، من النهر الى البحر، في المرحلة الحالية، وفي الوقت نفسة ضربت الحكومات الإسرائيلية عرض الحائط في كل ما يتعلق بالقوانين الدولية بالنسبة لواجبها كقوة محتلة عليها تنمية الاقتصاد المحلي في الأراضي المحتلة وتوفير فرص عمل محلية، لكل عامل طالب عمل، لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع وغيره من انتهاك الاحتلال للقانون الدولي بالإمكان الاطلاع على دراسة الأمم المتحدة بعنوان : "دراسة شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية " الصدار عن لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الغير قابلة للتصرف - الأمم المتحدة 2023 (83 صفحة).
يجد العمال الفلسطينيون انفسهم في جميع الممارسات الاحتلالية القمعية، في مصيدة فقدان فرص العمل داخل اسرائيل، ومن هذه الممارسات حالات النزاعات العسكرية، بل ما تقوم به قوات الاحتلال من فرض حصار أمني، تحت غطاء "قضية امنية" أو "مقاومة الإرهاب" أو حالات الحرب على قطاع غزة، وبذلك يفقدون – أي العمال - مصدر رزقهم من ناحية ولا يحظون بأي تعويض مالي لأن القانون واتفاقيات العمل القائمة فيها استثناء لتلك الحقوق، وفي هذا الوضع وفي ظل فقدانهم لقسم كبير من أراضيهم – أن لم يكن كلها – (سوى عدد قليل منهم) يفقدون أي مصدر للدخل لإعالة عائلاتهم، وبذلك تتحقق السياسة الإسرائيلية التي جردتهم من جهة من أراضيهم، وبنت المستوطنات عليها، ولم تقم بالعمل على تنمية الاقتصاد المحلي وفق القانون الدولي بل قامت على تحطيمه من عدة جهات مثل منع بناء المصانع بحجة قضايا التخطيط والبناء، ومصادرة مصادر المياه والسيطرة على شبكة الكهرباء وتحطيم البنية التحتية بمنهجية..
القوة العاملة هي قوة نضالية ضد الاحتلال
لقد ثبت تاريخيا، في العديد من حالات الاحتلال العسكري لأراضي أو دول، أن القوة العاملة هي قوة نضالية، بل المحرك الأساسي للنضال ضد قوات الاحتلال، وهذا ما شهدناه وعشناه في الانتفاضة الأولى العام 1987 وما تلاه من القرن الماضي وما سمي بـ"انتفاضة الحجارة"، قبل الحرب على غزة.
مؤخراً وقبل الحرب على غزة شهدت قضية قوة العمل من الأراضي العربية الفلسطينية، من الضفة الغربية وقطاع غزة، عملية "فتح أبواب المعابر "، بل الحواجز العسكرية، ومنح تصاريح عمل لحوالي 140 الف عامل فلسطيني إن لم يكن اكثر من ذلك، هؤلاء العمال فقدوا مصدر رزقهم بعد فرض الحصار على المناطق المحتلة، منذ شهر اكتوبر الماضي، وأصبحوا جيش من العاطلين عن العمل.
بالمقابل وحقيقة أن الاقتصاد الإسرائيلي تلقى ضربة شديدة الوطيس، بفقدان هذه القوة العاملة المركزية، بل المحرك الأساسي للكثير من الفروع التشغيلية خاصة فرع البناء، لكن الجهات السياسة في حكومة اليمين بقيادة نتنياهو ما زالت تنظر الى هؤلاء العمال، في حالة الحرب القائمة بأنهم "قوى معادية"، بل هناك من يطلق عليهم "قوى ارهابية"، لذلك يجب عدم منحهم تصاريح عمل أو إعادتهم للعمل داخل إسرائيل، بالرغم من أن المستوطنين وبفضل قوتهم في الحكومة تم لهم ما طلبوه الا وهو إعادة عدد من العمال الفلسطينيين للعمل في مستوطناتهم الاحتلالية..
وأخيراً يبقى السؤال المركزي مطروحاً على الجهات الفلسطينية يسارها ويمينها، بما فيه الجانب النقابي، ما هو دوركم في احتواء أزمة هؤلاء العمال بأزمتهم هذه ؟، وما هي المخططات التي تم وضعها لمواجهة هذه الأزمات؟. لذلك ربما يكون الجواب لهذا الحصار المفروض على العمال في الأراضي المحتلة بأنه - حاليا - قد يكون ورقة رابحة إسرائيلياً، لكن للمدى البعيد أشك في ذلك.