في الذكرى ال 75 لرحيله: -شاعر القطرين- خليل مطران هو شاعر -كرميّ-|
جهاد عقل
الحوار المتمدن
-
العدد: 8038 - 2024 / 7 / 14 - 10:26
المحور:
الادب والفن
بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لرحيل الشاعر والكاتب اللبناني – المصري خليل عبده يوسف مطران، ولد في 1 تموز /يوليو 1872 – وتوفي في 1 حزيران/ يونيو 1949، أردنا أن نلقي الضوء على جانب هام من حياته الا وهو ارتباطه بفلسطين وكونه "كَرميّاً”.
عُرفَت فلسطين ما قبل النكبة قبلة للأدباء والشعراء والفنانين العرب من مختلف العالم العربي ، وعندما نقوم بالبحث في هذا المجال نستكشف أنه يكاد لا يكون كاتب او شاعر أو مثقف أو فنان أو فنانة من العرب ما قبل النكبة، الا وقام بزيارة فلسطين، خاصة مدنها، يافا وحيفا والقدس ونابلس وغيرها. وقد أبدع الشاعر العراقي بقصيدته "يافا الجميلة" عندما زار فلسطين في العام 1945 يومها وقال :"كلّ من لم ير فلسطين لم ير الجنة"(1).
شاعر القطرين في زيارة فلسطين
كغيره من الكتاب والشعراء العرب فإن الشاعر خليل مطران الملقب بشاعر القطرين نسبة لكل من لبنان مسقط رأسه ومصر مكان معيشته،زار فلسطين في نهاية شهر آب من العام 1925 حيث وصل الى مدينة يافا عروس البحر ومكمن الثقافة، وعن هذه الزيارة كتبت جريدة "فلسطين" في زاوية أخبار محلية ما يلي : ” اقام نادي الشبيبة الارثوذكسية حفلة تكريمية بعد ظهر نهار الاحد لحضرة شاعر القطرين خليل بك مطران دعا اليها كثيرين من وجوه البلدة وأدبائها، فتبارى الخطباء في بيان مآثر حضرة المحتفل به وخروجه عن القديم المبتذل في شعره وجمعه الى ملكة الشعر وموهبة النثر وشكروا لحضرته تكرمه بزيارة مدينتهم، ولما وقف ضيف يافا الكريم للرد على الخطباء ارهفت الآذان لالتقاط درر الفاظه وبعد أن تكلم عن الاتحاد وفوائده وابان ضرر الفوارق المذهبية القى بضعة ابيات حرض بها الشباب على طلب المجد، وشكر النادي والحاضرين على احتفائهم به ثم تلت هذه الحفلة الخطابية حفلة شاي اقامها النادي ايضا لحضرته في نزل الخواجا سليم بركات حضرها معظم من حضروا الحفلة الخطابية فدامت الى الغروب.
وقد علمنا ان حضرة الشاعر الكبير سيغادر ربوع فلسطين في هذا الاسبوع بعد ان يزور طولكرم عائداً الى القطر المصري صحبته السلامة”.(2)
وعن ذلك كتبت جريدة "الاتحاد العربي" الصادرة في مدينة طولكرم :”
شاعر القطرين
يوم الاحد الماضي وصل الى الثغر حضرة الشاعر الثائر خليل بك مطران الشهير بشاعر القطرين ترويحاً للنفس، ووصل معه الاستاذان خليل السكاكيني وعادل جبر وقد كان نادي الشبيبة الارثوذكسية على علم من هذه الزيارة فدعا الناس إلى حفلة خطابية اقامها في ناديه بعد ظهر يوم الاحد وقد أم باحة النادي في الوقت المعين رهط من الادباء والمتعلمين ووصل حضرة المحتفى به فقوبل بالتصفيق الحاد. ثم انبرى رئيس النادي فألقى كلمة ترحيبية، وعقبه بعض الخطباء فوفوا الشاعر الكبير حقه واظهروا صفاته واطنبوا بمديح شعره ونثره، ولما انتهوا وقف حضرة المحتفى به والقى كلمات عسجدية في الحث على الاتحاد واعقبها ببضعة ابيات من رائق شعره كان لها اجمل وقع في النفوس. ثم انفرط عقد الاجتماع في النادي والتأم بعد قليل في اوتيل بركات حيث اقيمت حفلة شاي لكثير من المدعوين دامت حتى الغروب وقطعت بفكه الحديث ولذيذه.
وقد دعي حضرة شاعر القطرين لزيارة طولكرم من قبل صاحب هذه الجريدة الذي كان آنئذ في يافا فلبى حضرته الدعوة وقد غادرنا صباح الخميس اليها وصحبه في سفره السيد عيسى العيسى صاحب جريدة فلسطين وسافر من يافا رهط من الادباء لمشاهدة احتفاء طولكرم بشاعر القطرين.
وقد علمت ان حضرته سيذهب من طول كرم الى مصر رأساً رافقته السلامة.".(3)
المطران في وادي حنين
واصلت جريدة فلسطين نقل أخبار شاعر القطرين فكتبت :" قضى حضرة شاعر القطرين خليل بك مطران بصحبة الاستاذان خليل سكاكيني وعادل جبر وصاحب هذه الجريدة ( عيسى داوود العيسى - ج.ع) ليلة الاربعاء الماضية في ضيافة حضرة الفاضل توفيق بك الغصين في وادي حنين(4)، وفي صباح الاربعاء زاروا حضرة الفاضل عبد الرحمن بك التاجي فكان اعجابهم بما يقومان به من الاعمال الزراعية كبيراً وتمنوا لو كان في هذه الامة كثير أمثالها فلا يضطر احد بعد ذلك بيع اراضيه”.
(5)
في قلقيلية
اتضح أن شاعر القطرين قبل سفره الى مدينة حيفا قد قام بزيارة كل من قلقيلية وطولكرم وعن ذلك كتبت "فلسطين": "وفي نهار الخميس مر ضيف فلسطين شاعر القطرين الكبير على قلقيلية في طريقه الى طولكرم فلقي حفاوة تليق بمقامه وتلا كثيرون الخطب والقصائد بين يديه فشكرهم على حفاوتهم وانشدهم بعض ابيات من الشعر كان لها احسن وقع على نفوسهم.(6)
وتحت عنوان " في طريقه الى طولكرم" كتبت "الاتحاد العربي" تصف زيارته الى قرية قلقيلية ما يلي: ”خرج اول أمس رهط من ألأدباء مع صاحب الجريدة لاستقبال شاعر القطرين خليل بك مطران وانزلوه في نزل كان أعده أهل القرية وهناك تبارى الخطباء معددين مزايا المطران شاكرين له تنزله لزيارة بلدتهم وبعد تناول المرطبات دعي للخطابة، من قبل اهل القرية صاحب هذه الجريدة فخطب خطاباً جميلاً عرّف فيه حضرة الضيف الى اهل البلد وعرّفه الى وجوهها وأعيانها.
ولما فرغ من خطابه نهض حضرة المحتفى به والقى خطاباً بليغاً ختمه بأبيات لطيفة نظمها خصيصاً لتلك القرية التي أعجب بنهضتها ومتانة أهلها ومن ثم ركب وأدباء طول كرم متون السيارات ووجهتهم طول كرم فوصلوها ظهر يوم الخميس وذهبوا تواً الى بيت سعادة رئيس البلدية حيث تناولوا طعام الغداء.
وقد كان للمطران بعدها حفلة جميلة في طولكرم لا يتسع المجال لوصفها وسنأتي على ذلك في العدد القادم ان شاء الله(7).
وكان قد القى قصيدة لقلقيلية خلال تلك الزيارة وعن ذلك كتبت "الاتحاد العربي" ما يلي:
في قلقيلية
"اشرنا في العدد الماضي الى زيارة شاعر القطرين خليل بك مطران لقلقيلية قبل طولكرم وقد سقطت كلمة (قلقيلية) اثناء تنضيد الحروف فلزم تصحيحه، وبهذه المناسبة ننشر فيما يلي القصيدة الجميلة التي نظمها شاعر القطرين وحيا بها تلك البلدة الناهضة وهذه هي:
في المخلصين سلام على بني القلقيلي
الصائنين حماهم بغير قال ولا قيل
الكائدين عداهم بكل فعل نبيل
الحاملين خفافاً عبء الوفاء الثقيل
البارزين السجايا بكل وجه جميل
المانحين العطايا فيها ضروب الجميل
نرى فلسطين منهم عرباً بخير قبيل
داموا ودامت علاهم فيها لجيل فجيل" (8)
في طولكرم
وعند وصول الضيف الكريم الى طولكرم وقد واكبه اليها بعض من ادباء الثغر (يافا)، نزل الجميع ضيوفاً في بيت رئيس بلديتها حيث تناولوا الغداء على مائدة جمعت اكثر من اربعين مدعواً ثم انصرفوا بعده الى مكان الاحتفال، فكان غاصاً بوجوه المدينة وادبائها يتقدمهم حضرات حاكمها ورئيس بلديتها وقاضيها الشرعي وحاكم الصلح فتعاقب الخطباء والشعراء في اظهار فضل المحتفل به على اللغة العربية وما له من المآثر الغراء وعرض عليه في الختام حضرة وصيفنا السيد سليم عبد الرحمن صاحب الدعوة لقب "مواطن" ولما انتهى الجميع وقف شاعر القطرين فشكر لأهالي طولكرم حفاوتهم واثنى على كرمهم وأخلاقهم، وتقبل منهم لقب مواطن بالافتخار ثم انشدهم ابياتاً كالدرر الغوال فاستعادوا اكثرها بين اصوات التصفيق والاستحسان وفي المساء بعد ما زار حضرته حديقة البلدية واعجب بها ركب القطار الى حيفا فسافر منها الى مصر في صباح الجمعة رافقته السلامة (9).
يُمنَح مواطنة شرف فيصبح "كَرميّاً"
نشرت جريدة "الاتحاد العربي " خبرا تفصيليا عن المهرجان الذي عقد في مدينة طولكرم وجرى خلاله تكريم شاعر القطرين بمواطنة شرف للمدينة ليصبح "كرمياً" جاء فيه ما يلي:
شاعر القطرين في طولكرم - نشرنا في العدد الماضي ما امكن عن وصول شاعر القطرين لطولكرم وها نحن نأتي على تفصيل الاحتفاء بالضيف الكريم:
بعد تناول حضرة الشاعر الكبير وبقية المدعوين طعام الغداء زاروا ادارة هذه الجريدة (الاتحاد العربي) فأعجبوا بإتقانها وترتيبها، وبعد أن أقاموا فيها بضعة دقائق ذهبوا الى محل الاحتفال الذي كان مزداناً بأفخم الزينات والاعلام العربية ترفرف فوقه، ومروا في طريقهم من تحت أقواس النصر المنصوبة أمام مكان الاحتفال، وما أن وطئت قدما حضرة المحتفى به المكان حتى علا التصفيق وتصاعد الهتاف وعزفت الموسيقى ترحيباً بالضيف الكريم.
وبعد قليل من الراحة اعتلى منصة الخطابة صاحب هذه الجريدة(10) وارتجل خطاباً ترحيبياً وقام بواجب تعريف المحتفى به للأهالي وتكلم عن منزلته في الشرق ومقدار تعلق القطرين بشاعرهما، وتبعه حضرة الشاب الاديب السيد علي الصالح أحد تلامذة الكلية الاسلامية بالقدس فألقى قصيدة عصماء كان لها أجمل وقع في نفوس الحاضرين بما فيهم حضرة المحتفى به الذي بشر الشاب بمستقبل حسن. وقام بعده السيد حسن الكرمي فأرتجل خطاباً بليغاً عدد فيه مزايا الشعراء ومنزلتهم عند الامم فقوبل خطابه بالاستحسان والإعجاب. وتبعه الاستاذ عدلي أفندي البيطار بقصيدة جميلة صفق لها الجميع. ثم دعي للخطابة الاستاذ القلقيلي(11)، فخطب خطاباً نال استحسان الجميع.
وخطب بعده السيد رشيد الرياحي مرحباً بالضيف الكريم. وكانت الموسيقى تعزف بألحانها الشجيّة بين كل خطيب وآخر.
ولما انتهى والخطباء نهض شاعرنا الكبير بين الهتاف والتصفيق والقى خطاباً جميلاً شكر فيه أهالي طولكرم والظروف التي ساعدته على زيارة فلسطين وأعقب خطابه بقصيدة عصماء نظمها خصيصاً لطولكرم، ولإلحاح الحضور كان يعيد كل بيت منها ثلاث مرات. ولما انتهى حضرته حيّته الموسيقى وصفق له الحاضرون.
وكان مسك الختام أن تكرّم حضرته بقبول لقب "مواطن" الذي عرضه عليه صاحب الجريدة بإجماع آراء الحاضرين وصار يدعو نفسه "كرمياً" وصفق له الحاضرون طويلاً لقبوله اللقب وعزفت الموسيقى وانتهت الحفلة.
وقد زار حضرته حديقة البلدية والمدرسة الزراعية ثم غادرنا الى حيفا مودعاً من قبل سعادة الحاكم ورئيس البلدية(12) ورهط كبير من الادباء على أن يسافر منها الى مصر رافقته السلامة في الحل والترحال.(13)
القصيدة التي القاها في طولكرم
تحت عنوان كتبته صحيفة الاتحاد العربي:
"درة من درر البيان"
هي القصيدة التي القاها شاعر القطرين خليل بك مطران في الحفلة التكريمية التي أقيمت له في طولكرم:
انا وجدنا وقد طال المطاف بنا في طولكرم رجال الطول والكرم
حياهم الله ما أحلى شمائلهم وما أجل الذي فيهم من الشيم
لا زالت القدوة الحسناء قدوتهم لقومهم بثبات الرأي والهمم
بصونهم ملكهم صانوا حقيقتهم(١) من أن ترى السادة الصياب في الخدم
هل مسقط الرأس مغن اذ نكون وما منا امرؤ في ثراه راسخ القدم؟
حق البلاد علينا كل تغذية في الطارئات من الاحداث والأزم
بالفعل نكمله لا القول نجمله وهل غناء عن الافعال بالكلم؟
نفديك بالمال والارواح يا وطناً شاعت مآثره الغراء في الامم
قد كنت منبثق الانوار من قدمٍ ولم تزل ملتقى الابصار من قدم
فاسلم وعزّ بأبناء غطارفة ما تستدنه بهم من رفعة يدمِ
بالحزم والعزم في حل ومرتحل وفوك ما يقتضيه الرعي للذمم
من يستجك والآساد رابضة؟ أن الثعالب لا تدنو من الاجم
خليل مطران(14
هوامش:
1- من تاريخنا الفلسطيني – جهاد عقل – جريدة الاتحاد 20/4/2019
2- جريدة فلسطين الثلاثاء ا يلول ١٩٢٥ ص٢
3- جريدة الاتحاد العربي، السبت ٥ ايلول ١٩٢٥
4- قرية وادي حنين - تقع بين يافا والرملة وهي من أغنى قرى المنطقة في العهد الفلسطيني تقع على اراضيها مستوطنة نيس تسيونا.
5 - جريدة فلسطين الثلاثاء ٨ ايلول ١٩٢٥ ص ٥
6- ن.م
7-الاتحاد العربي السبت ٥ ايلول ١٩٢٥
8- جريدة الاتحاد العربي السبت 12 ايلول 1925 ص2
9- جريدة فلسطين الثلاثاء ٨ ايلول ١٩٢٥ ص ٥
10 - صاحبها هو سليم عبد الرحمن الحاج ابراهيم
11- عبد الله القلقيلي -صاحب جريدة "الصراط المستقيم"
12- عبد الرحمن الحاج ابراهيم
13- جريدة الاتحاد العربي ١٢ ايلول ١٩٢٥- ص2
-14 جريدة الاتحاد العربي ١٩/٩/١٩٢٥ السبت الصفحة الاولى