تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) ينتقد: الانقلاب القضائي يحمل خطر تنامي الفساد
جهاد عقل
الحوار المتمدن
-
العدد: 7578 - 2023 / 4 / 11 - 09:13
المحور:
الفساد الإداري والمالي
نشرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تقريرها بخصوص الوضع الاقتصادي في اسرائيل، وذلك يوم الإثنين 3 نيسان الحالي، وجاء نشر التقرير بتأخير واضح خاصة وأن الخبراء انتهوا من إعداده منذ شهر كانون أول 2022، وتم نشر التقرير من مقر المنظمة، فقد سبق ونشرت صحيفة "كلكليست" بتاريخ 23 آذار 2023 بأن الوفد قرر عدم زيارة اسرائيل وعرض التقرير وفق ما هو متبع ومما جاء في خبر الصحيفة المذكور : "ضربة دبلوماسية أخرى: أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الأيام الأخيرة أنها "تؤجل" إطلاق التقرير نصف السنوي عن اقتصاد إسرائيل الذي كان من المفترض أن يتم في غضون أسبوع (2 أبريل) في إسرائيل - علمت بذلك "كالكاليست". و"أسقطت" المنظمة الإعلان عن الوفد، واكتفت بشرح أن سبب التأجيل هو "قيود الجدول الزمني".
تم التخطيط للحدث الاحتفالي لعدة أشهر، ومن النادر جدًا إلغاء مثل هذا الحدث في الدقيقة 90. كانت مسودة التقرير جاهزة منذ حوالي شهر - وسيتم نشرها على أي حال، حتى لو لم يكن هناك حدث إطلاق.في قلب الحدث - الذي يقام في إسرائيل كل عامين - هو وصول كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى إسرائيل، الدكتور ألبيرو فيريرا، المعروف بتعاطفه الكبير مع إسرائيل. وقالت مصادر مطلعة على التفاصيل إنه لا ينبغي استبعاد أن يكون "الرفض" مرتبطًا بشكل مباشر بالانقلاب الذي خططت له الحكومة".
الانقلاب القضائي وخطر تنامي الفساد
المقصود هنا بكلمة "الانقلاب" أي الانقلاب القضائي الذي تعمل حكومة نتنياهو على تشريعه، الأمر الذي أكد خبراء المنظمة بأنه سيؤدي إلى حدوث تبعات خطيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، خاصة تنامي ظاهرة الفساد، ويشير خبراء المنظمة بأنه "يُنظر إلى إسرائيل على أنها أكثر فسادًا من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكتبوا أن هناك حاجة حيوية لـ "استقلال القضاء والتوازنات القانونية" لتمكين النظام من محاربة الفساد وخلق معايير النزاهة العامة. التوصيات الملموسة للمنظمة هي زيادة الوصول إلى المعلومات العامة، أي لتعميق حرية المعلومات. إلزام جميع الوزراء وأعضاء الكنيست والقضاة بإعلان تضارب المصالح" (واينت 3-4-2023).
اسرائيل في المحل الثالث في الفقر والفجوات الاجتماعية
وأشار التقرير وفق ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية إلى أن اسرائيل تحتل المركز الثالث في مجموعة الدول التابعه للمنظمة خاصة وأن: "17.3٪ من الإسرائيليين يعيشون على أقل من نصف متوسط دخل الفرد، وفقط كوستاريكا والولايات المتحدة فوق اسرائيل. معدلات الفقر مرتفعة بشكل خاص بين الحريديم (36.2٪) والعرب (38.9٪)، ولكن حتى بين السكان العلمانيون وحدهم يبلغ المعدل 15.8٪ - أعلى بكثير من المتوسط في المنظمة التي يقف عند 11.6٪ فقط من الفقر في جميع السكان ومع ذلك، من المهم أن نأخذ البيانات بحذر، حيث أن هناك انتقادات أكاديمية لقياس الفقر – هذه هي صورة عامة" (ن. م).
التمييز في العمل
كما يتناول التقرير قضية التمييز في سوق العمل وعدم ضم الحرديم إليه ورفع نسبة العرب في هذا السوق، ويحذر خبراء المنظمة أنه اذا لم توضع سياسة واضحة وخطة متكامله تشمل تغيير جذري من أجل حل هذه القضية فسوف يكون لهذا الأمر تأثير سلبي على الموازنة والدين الحكومي الذي سيرتفع بشكل كبير في السنوات القادمة.
ويؤكد الخبراء في تقريرهم أن معاناة العرب في سوق العمل والتمييز ضدهم كبيرة، وعلى الحكومة اتخاذ خطوات فعلية تشمل جودة التعليم والتأهيل المهني، بما في ذلك ملاءمة المهارات المهنية إلى متطلبات سوق العمل، ويؤكد أيضًا أن ازدهار سوق التقنيات ما زال لا يشمل شريحة كبيرة من العرب والحرديم، خاصة وأن سوق هذه التقنيات يعود بالدخل الكبير على خزينة الدولة،"هناك فجوة كبيرة بين اليهود والعرب، وبين الحريديم والباقي عندما يتعلق الأمر باستخدام الإنترنت. في حين أن اليهود غير الأرثوذكس(الحرديم) يستخدمون الانترنت بنسبة 100٪ تقريبًا، فإن استخدام الانترنت في المنزل بين العرب يبلغ 75٪ فقط وبين الأرثوذكس (الحرديم) المتطرفين حوالي 45٪ فقط. تستخدم هذه المجموعات السكانية الانترنت بمعدلات أعلى عبر الهاتف أو الكمبيوتر لمرة واحدة فقط، ولكن بمعدل منخفض مقارنة بعامة السكان. بمعنى آخر: بين ذوي التعليم المنخفض، استخدام الإنترنت أقل من 75٪، وبين المتعلمين يقترب من 100٪".
"تم تخصيص فصل كامل من التقرير "للتعامل مع تحديات سوق العمل من أجل الحفاظ على التقدم في مستوى المعيشة". ويشير التقرير إلى تسريع اندماج الفئات السكانية ذات الألفة المنخفضة تاريخيًا بسوق العمل، التي من المتوقع أن تصل نسبتها من السكان إلى 50٪ في عام 2060 مقارنة بـ 30٪ اليوم، وهي ضرورية للنمو المستقبلي والاستدامة المالية للاقتصاد بأكمله.
بالإضافة إلى ذلك، فقد كتب أن تقليص الفجوات الكبيرة في الدخل في سوق العمل سيحسن تكافؤ الفرص ويعزز التماسك الاجتماعي. زادت المشاركة في سوق العمل خاصة بين النساء، لكنها ظلت منخفضة للغاية بين الرجال المتدينين والنساء من عرب إسرائيل. إن التوسع الإضافي في ائتمان ضريبة الدخل، خاصة بالنسبة لاثنين من المعيل، سوف يدعم العمال ذوي الأجور المنخفضة وسيكون حافزًا للعمل.
"الإصلاحات في دور الحضانة ودعم طلاب المدارس الدينية وشروط الإعفاء من التجنيد ستزيل الحوافز السلبية للرجال الأرثوذكس المتطرفين للمشاركة في سوق العمل. وستؤدي زيادة عدد دور الحضانة في السلطات العربية إلى تقليل الحواجز أمام مشاركة المرأة العربية"، كتب الاقتصاديون في منظمة البلدان المتقدمة (ده ماركر 3/4/2023).
بمقارنة دولية البنية التحتية سيئة في اسرائيل
يتناول التقرير العديد من القضايا المتعلقة بمختلف مركبات الاقتصاد الإسرائيلي، مثل قضية البنوك والتحذير من وضع سوق العقارات والقروض الإسكانية "تضخمت ديون الأسر والشركات في إسرائيل في العقد الماضي، لكن ديون الأسر، التي بلغت حوالي 43٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 22 يونيو /حزيران الماضي، لا تزال منخفضة بالمقارنة الدولية. البنوك مستقرة لكنها معرضة بشدة لقطاعات العقارات.كما أن محفظة الرهن العقاري العامة مستقرة أيضًا بالمقارنة الدولية، ولكن تم الاعتراف بزيادة في القروض الأكثر خطورة (نسبة الرهن العقاري إلى الدخل أكثر من 30٪). ويشير معدا التقرير إلى مركزية البنوك في إسرائيل، في إشارة إلى الاحتكاك المستمر بين الخزانة وبنك إسرائيل، لكن لا تحسم القضية وتختتم ببيان عام: "من المهم إيجاد توازن بين الابتكار المالي وتعزيز المنافسة وضمان استمرار استقرار وسلامة النظام المالي".
مثل مخزون البنية التحتية في اسرائيل، والذي يشمل الطرق والسكك الحديدية والمطارات، حوالي 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بحوالي 71٪ في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. هذا تشبيه تجريدي للغاية، لأنه من الصعب تقدير قيمة الطرق والسكك الحديدية بدقة، لكن هذه هي الطريقة الاقتصادية للقول إن حالة البنية التحتية في إسرائيل سيئة في المقارنة الدولية" (ن.م).
الإشارة إلى خطورة الوضع الصحي والخدمات الصحية
يشير التقرير إلى أن الخدمات الصحية تعاني من نقص في الأطباء، وأن في اسرائيل 2.07 سرير لكل ألف نسمة في المستشفيات، مما يؤدي إلى إشغال كافة الأسرة طيلة الوقت وتكاثر ظاهرة الازدحام، يضاف إلى ذلك النقص القائم في عدد الأطباء وعدم فتح الجامعات لطلاب الطب، "معدل خريجي الطب في إسرائيل هو الأدنى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهذا في وقت ينمو فيه السكان بأسرع معدل. تم حل مشكلة الأطباء من قبل الطلاب أنفسهم، وبدأوا الدراسة في الخارج، وبالتالي فإن حوالي 60٪ من الأطباء الجدد لم يدرسوا في اسرائيل، لكن هذا يخلق مشاكل أخرى. على سبيل المثال: في اسرائيل، تم مؤخرًا تشديد شروط دراسة الطب في بعض البلدان (أرمينيا وجورجيا ورومانيا) ونتيجة لذلك، لم تتمكن ثلث القوى العاملة الطبية الجديدة من الاندماج في اسرائيل. المشكلة خطيرة بشكل خاص في الضواحي، حيث يعتمدون بشكل شبه كامل على الطلاب المدربين في الخارج. توصية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هي زيادة عدد الطلاب للطب في إسرائيل ومنح المنح الدراسية للإسرائيليين الذين يدرسون الطب في الخارج في مدارس جيدة ومعتمدة (ن.م).
اقتصاد مستقر ولكن..
لفت انتباهنا أن خبراء المنظمة أكدوا على "متانة" الاقتصاد الإسرائيلي، لكنهم لم يغفلوا الثغرات القائمة فيه، والأخطار الكامنة له حاضرًا ومستقبلاً، خاصة في ظل الوضع السياسي القائم، لذلك لم يغفل خبراء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خطورة الوضع ونجدهم يحذرون بأن : "الوضع السياسي الحالي في اسرائيل قد يزيد من المخاطر على الاقتصاد"، هذه الملاحظة هي بيت القصيد في هذا التقرير، الذي لم نوافق على العديد من فقراته، خاصة تلك التي تتحدث عن فتح السوق والتخفيضات الضريبية لصالح من يملكون الثروات وغيرها من المواقف النيوليبرالية – الرأسمالية، كما من الصعوبة في هذا المقال تناول جميع القضايا بتفصيل كامل، إلّا أن ما نشره مختلف الخبراء المحليين يؤكد أن إسراع وزير المالية اليميني المتطرف بل المعروف بمواقفه المعادية للعرب، بالتهليل والمباركة لما جاء في التقرير، ما هو إلّا محاولة لنشر الضباب على حقيقة الخطر القائم على الوضع الاقتصادي والاجتماعي المحلي، ومن سيعاني أولاً من هذا الخطر الجماهير العربية الفلسطينيية، واضح أن قضية "الانقلاب القضائي" في حال واصل الائتلاف الحكومي تشريعه، سيكون له أثر سلبي كبير على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ويكفي أن نشير إلى ما نشر عن بنك اسرائيل هذا الأسبوع بأن قوى استثمار قامت بسحب 45 مليار شيكل من حسابتها في البنوك، فهل هذا المعطى يبشر يالخير؟ أم أنه إشارة لما هو آت من تدهور حقيقي في الوضع الاقتصادي في ظل حكومة اليمين المتطرف؟