سبع خواطر …


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 7952 - 2024 / 4 / 19 - 20:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

من التجارب التى عادت عليّ بفيضٍ من الخبرةِ والمعرفةِ إختيار حكومة أبوظبي (وليس "حكومة الإمارات") لي منذ عقدين من الزمان لأكون عضواً بمجموعةٍ عُهدَ لها بوضعِ وصياغةِ "فلسفة و سياسات التعليم" لإمارةِ أبوظبي. فقد عرفتُ وقتها الكثير جداً عن أفضلِ نظمِ التعليمِ فى زمانِنا. وبدون إطالةٍ ليس هنا موضعها ، فقد عكف أعضاءُ هذه المجموعة على دراسة أرقى ثلاثة نظمِ تعليمٍ فى عالمِنا وهى نظم التعليم الفنلندية ثم السنغافورية ثم اليابانية. وهى نظم تعليم لها أهداف فى مقدمتها “تنمية العقل النقدي” للتلاميذِ والطلابِ فى مقابلِ "التلقين" فى غالبيةِ نظمِ التعليمِ الشائعة فى العالمِ. تذكرتُ هذه الخبرة شديدة الأهمية وأنا أتابع فلسفة التعليم (بإفتراضِ وجودها) والسياسات والبرامج التعليمية فى معظم (إن لم يكن كل) الدولِ الناطقةِ بالعربيةِ. وللأسف ، فإن جل منظومات التعليم العربية لا تزال فى "عالم التلقين وإختبارات الذاكرة" ، ولا تزال بعيدةً عن أن تشابه نظم التعليم الفنلندية والسنغافورية و اليابانية التى (كما ذكرتُ) تتوخى "تنمية العقل النقدي". وبينما يعتقد البعضُ أن سببَ ذلك يرجع إلى عدم وجود قيادات تعليمية تعرف سلبيات المنظومات التعليمية (القديمة نسبياً) التى تستهدف "التلقين و إختبارات الذاكرة". فهناك آخرون يعتقدون أن هناك (ببعض المجتمعات) "إرادة-عدم-التغيير" لمعرفة المسؤلين بها بعواقب شيوع العقل النقدي بين أعدادٍ كبيرةٍ من الشعب. فهؤلاء يعتقدون أن شيوع ذلك سيوجد شعباً أقل قبولاً للأمر الواقع - وكاتب هذه الكلمات واحد من هؤلاء.



II.
فيما يتعلق ب "عقل وتفكير وآراء" أيّ إنسان ، هناك "مدخلات" و "مخرجات". "المدخلات" : هى المحصول المعرفي ونوعية التعليم ... أما "المخرجات" : فهى نوعية التفكير والآراء ... لذلك أتعجب من ذهول البعض من إختلاف آراء من إختلفت "مدخلاتهم" !



III.
منذ أيام وجهه لي سفير سابق لروسيا فى مصر سؤالاً عن سر التفاهم الكبير الذى بيني وبين عشرات الأشخاص الروس. وكان ردي كالتالي : أظنُ أن معرفتي بتاريخ روسيا وولعي بالأدب الروسي وكأنني متخصصٌ فى دراسته هما من أهم أسباب هذه الكيمياء الإنسانية.







IV.
عندما يسخر التاريخ ! عندما أسيرُ فى شوارعِ وضواحي العواصم الأوروبية ، أكاد أسمع ضحكات التاريخ ، وهى ضحكات ممزوجة بالسخريةِ ! ففى هذه الشوارع الكثير من الأدلةِ على ما سوف يحدث ! فالشعوب التى إحتلتها أوروبا فى الماضي أصبح أولادُها وبناتُها يهاجرون لأوروبا بالملايين ! ويمارسون السياسة ! ويقتربون فى بعض الحالاتِ من الأغلبيةِ البرلمانية (كما هى الحال فى بلچيكا والسويد) … ويطالبون بتطبيقِ الشريعة عوضاً عن القوانين الحالية الوضعية ! ومنذ سنوات كتبتُ : ترقبوا ما سوف يحدث فى بلچيكا ! التى هى عاصمة الإتحاد الأوروبي ! ومنذ أيام تابعتُ بيانات بعض الأحزابِ التى تمثل المهاجرين فى بلچيكا وهى تطالب بتطبيق الشريعة ! … فتخيلتُ أنني أسمع قهقهات التاريخ الساخرة !



V.
خلال السنة التى تلت صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيمِ فلسطين التاريخية (القرار رقم 181 الصادر يوم 29 نوڤمبر 1947) لدولتين : دولة عربية ودولة لليهود (إسرائيل) ،كان الماركسيون/الشيوعيون العرب مؤيدين لهذا القرار. وقد كتبتُ عن هذا الموضوع فى كتابي "تجربتي مع الماركسية". وهناك من قالوا أنهم فعلوا ذلك مسايرةً منهم للإتحاد السوڤيتي الذى كان من كبارِ المؤيدين لقرارِ التقسيم. وهناك من قالوا أن موقفَهم هذا نبع من خلوهم من العاطفةِ الدينية التى كان ولايزال لها كبير الأثر على عقولِ الكثيرين.



VI.
كمدرسٍ سابق (فى مستهل حياتي) للقانون ، و كدارس للقانون المقارن ، فإنني أندهش عندما يكرر البعض أن بلاداً مثل بريطانيا وإسرائيل "ليس عندها دستور". فالحقيقة أن "عندها دستور" ولكنه Uncodified Constitution أيّ غير موجود فى وثيقة واحدة Code وإنما هو مجموعة من القواعد العرفية التى يمكن معرفتها