الذكورية : جريمة البشر الكبرى
طارق حجي
الحوار المتمدن
-
العدد: 7717 - 2023 / 8 / 28 - 11:30
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لاشك عندي أن الذكوريةَ هى أكبرُ جرائم البشرية ، بل أنها تجيء عندي قبل "الحروب" ، لأن الأخيرةَ عرضٌ آخر من أعراضِ الذكوريةِ.
ومنذ أصبح الرجالُ يحققون "وفرةً" وبالتالي نشأت "الملكيةُ الخاصة" وهم يتبارون فى إبتكارِ تجلياتٍ جديدة وإضافية للذكوريةِ ولإحاطةِ النساء بمزيدٍ من القيودِ مع تفاقمِ صيّغ أخرى ل "علويةِ الذكر" و "دونيةِ المرأة".
وبينما كانت الذكوريةُ مجرد حالة مجتمعية وذهنية وثقافية فى معظم المجتمعات ، فقد تحولت فى منطقتِنا (الناطقة اليوم باللغة العربية) لصيغةٍ دينيةٍ وتم إدخال السماء فى موجباتِ فرض تجلياتِ الذكورية المختلفة. وتاريخ الشعوبِ اليهودية والمسلمة هو الشاهد الأكبر على ذكوريةٍ تدعمها بل وتطلبها السماءُ ! أما المسيحية ، فإن خلوها من مقابلِ الهالاخا (الشريعة اليهودية) فقد سهَّل فى العصور الحديثة تخلصها النسبي من بعضِ أبعادِ الذكورية المتأصلة عند اليهود وعند المسلمين …
وفى منطقتنا ، فقد كان لذهنيةِ بدو الجزيرة العربية التأثير الأكبر على العقلِ الجمعي لمعظمِ شعوب المنطقة. وقد أضافت هذه الذهنيةُ لثقافةِ المجتمع الذكورية الكثير جداً مما ضاعف علو الرجل وزاد (كثيراً) دونية المرأة على كافةِ الأصعدة القانونية والإجتماعية والثقافية.
وقد شهدت حقبةُ "مصر-محمد-عليّ" ( 1952/1805) تغيّرات إيجابيةً ملموسةً فى هذا المجال ، أيّ إنحسارٍ نسبيّ فى حدودِ ظاهرةِ ذكوريةِ المجتمعِ وتحسنِ مكانةِ المرأة. ثم جاءت الموجةُ الدينية خلال سبعينيات القرن الماضي فأوقفت هذه التغييرات النسبية. وقد واكب تلك الموجة الدينية تعاظمُ تأثير المؤسسات الدينية الإسلامية ، لاسيما فى ظل حقيقة أن خمس (20%) تلاميذ وتلميذات وطلاب وطالبات مصرَ منخرطون فى التعليمِ فى مدارسِ ومعاهدِ وكلياتِ تتبع المؤسسة الدينية. وتقديراتي أن عددَ هؤلاء (الذين يتعلمون فى جهاتٍ تتبع المؤسسة الدينية الإسلامية) هو أقل قليلاً من خمسة ملايين !
ومعلومٌ ، أن الدولة الوحيدة بين الدول الناطقة بالعربية التى ملكت الجسارةَ المطلوبة لإقتحامِ عرينِ هذه المعضلة هى تونس. أما الدول ذات الأغلبية المسلمة ، فقد تجاسرت منها دولتان فقط هما تركيا وتونس. وهو ما يؤكد أن مواجهةَ هذه الجريمة البشرية الكبرى إما أنها ليست ضمن أولويات نظم الحكم فى هذه البلاد ، أو أنهم يخشون عواقب مواجهة هذا الداء المهين للإنسانيةِ جمعاء.
وإقتحامُ عرين هذه المعضلة ليس مستحيلاً ، إذا توفرت الإرادة السياسية وتوفر لدى الحكومة/الحكومات خططاً محددة على مستويات :
* التشريعات والقوانين.
** البرامج التعليمية.
*** الخطاب الديني.
**** دور وزارة الثقافة الهام.
فلابد من غربلةِ التشريعات والقوانين لتغيير ما يُشارك منها فى تدعيمِ ذكوريةِ المجتمع.
ولابد من مراجعةِ البرامج التعليمية وجعلها حداثية بالمعنى الحقيقي.
ولابد من وضع خطةٍ تفصيلية لتنقيةِ الخطاب الديني مما يوطد ذكورية المجتمع. ففى ظل حقيقة تقول أن بمصرَ نحو ربع مليون مسجد وزاوية تُلقى فيها سنوياً قرابة 12 مليون خطبة جمعة ، لا يجوز إرجاء المواجهة مع أية جهةٍ رجعيةٍ.
أما دور وزارة الثقافة والذى هو "معدوم" حالياً ، فشديد الأهمية. فمن خلال نحو أربعة آلاف مركز شباب وقصر ثقافي يمكن إنجاز الكثير ، عند توفر النية.