نضال عمال فرنسا ضد خطة ماكرون للمعاشات التقاعدية!
توما حميد
الحوار المتمدن
-
العدد: 7507 - 2023 / 1 / 30 - 14:17
المحور:
ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي2023: دور وأهمية التضامن والتحالف الأممي للطبقة العاملة
قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطة المعاشات التقاعدية لرفع سن التقاعد لمعظم العمال في فرنسا من 62 سنة الى 64 سنة بحلول 2030 وزيادة سنوات الاشتراكات المطلوبة للحصول على معاش تقاعدي كامل الى 43 سنة. وكان ماكرون قد تقدم بهذه الخطة في 2019، ولكن وباء كوفيد-19 اجبره على تأجيل الخطة. يجدر الإشارة بان الحكومات الفرنسية قد حاولت مرارا تقويض نظام معاشات التقاعد منذ التسعينيات من القرن الماضي.
رغم كل الضجيج، الا ان الحجج التي تقدمها حكومة ماكرون والطبقة البرجوازية التي تمثلها، تستند على أسس محددة وهي ان هذه الخطة ضرورية لإنقاذ نظام التقاعد الفرنسي والحفاظ عليه في المستقبل في مواجهة زيادة شيخوخة السكان. علما ان نظام التقاعد الفرنسي يتكون من مجموعة من الأنظمة التي تستند على صب العمال نسبة معينة من كل راتب في ما يشبه حساب توفير يتم استثماره من اجل كسب الربح على المبلغ الأصلي. تستخدم مساهمات العمال لكل عام لتمويل معاشات تقاعد لذلك العام. على الرغم من ان حسابات نظام التقاعد متوازنة في الوقت الحالي ومن المتوقع أن تظل مدفوعات المعاشات التقاعدية مستقرة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، الا انه من المتوقع أن يشهد نظام التقاعد عجز في المستقبل، مما يعني ان الأموال التي توفر من مساهمة العمال الذين لا يزالوا يعملون ستكون اقل من الأموال التي ستدفع الى العمال المتقاعدين. لذا فان الدولة ستكون مجبرة على توفير الأموال من مكان اخر من اجل سد الفارق. وتقول حكومة ماكرون، ان رفع سن التقاعد ضروري نظرا للزيادة المطردة في متوسط العمر المتوقع. ويتحدثون بشكل مكثف عن العدالة بين الأجيال أي ان مساهمة الجيل الحالي يجب ان لا تترك عجز مما يشكل دين على الاجيال القادمة. لكن هذه الحجج هي سطحية وفيها مئة مشكلة ومشكلة وهي تعكس مصالح الطبقة الحاكمة.
من المتوقع أن يظل عجز نظام المعاشات التقاعدية في فرنسا تحت السيطرة نسبيًا خلال السنوات القادمة حتى من دون اجراء أي تغير على النظام.
فالعجز المتوقع في ميزانية نظام التقاعد تتحدث عنه الطبقة الحاكمة منذ 1991 ولم يحدث لحد الان وان حدث فسوف يكون عجز بسيط لا يتجاوز 12 مليار دولار في 2027 مثلا من اجمالي 381 مليار دولار من المعاشات التقاعدية المدفوعة. ويمكن ان يسد العجز بطرق أخرى مثل رفع بسيط في الضرائب المفروضة على الأغنياء والشركات الاحتكارية او زيادة مساهمات المعاشات التقاعدية على الرواتب العالية جدا، او قطعها من ميزانية الدفاع او تحسين الإنتاجية عن طريق تحسين التكنلوجيا او توظيف كبار السن الذين يؤدون العمل بشكل طوعي الخ. كما ان التصوير الذي يقدم بان متوسط العمر سوف يستمر بالزيادة الى الابد هو تصوير غير صحيح ففي الكثير من المجتمعات مثل أمريكا بدا متوسط العمر بالانخفاض بسبب ازمات النظام والاجهاد الذي يفرضه على الانسان. من جهة أخرى يعيش الفقراء حياة أقصر ولذلك ينتهي الامر بهم بدفع تكاليف تقاعد الأثرياء الأطول عمرا. ولهذا فان " الإصلاح" الحالي في نظام معاشات التقاعد سيضر بشكل غير متناسب بالعمال ذوي الأجور المنخفضة الذين لم يحصلوا على تعليم عالٍ، ودخلوا سوق العمل في وقت مبكر من الحياة والذين يؤدون اعمال بدنية شاقة.
ان المساواة بين الأجيال، هو خداع برجوازي، اذ لا تتذكر الطبقة البرجوازية أي نوع اخر من المساواة في المجتمع مثل المساواة بين الفقراء والاغنياء، ولكن يتذكرون المساواة بين الاجيال.
يجب ان نتذكر بانه عندما قام فرانسوا ميتران في عام 1982 بخفض سن التقاعد من 65 الى 60 عاما زاد متوسط العمر بمقدار ست سنوات. كما ان نسبة الفقر بين المتقاعدين في فرنسا أي اقل بكثير من نسبتها في دول اوربية أخرى مثل بريطانيا وألمانيا. فاذا كان رفاهية وسعادة وصحة الانسان هي المقياس، فان خفض سن التقاعد هو واحد من أفضل الإجراءات التي يمكن للمجتمع اتخاذها من اجل تحسين حياة الانسان.
ان كل ما يقوم به التقاعد هو تحرير الانسان من العمل المأجور وان الغالبية العظمى من المتقاعدين يستمرون في العطاء وفي خدمة المجتمع بشكل من الاشكال مثل العناية بالأحفاد والزراعة المنزلية والاعمال الطوعية.
لذا فان الهجوم على رفاهية الطبقة العاملة من خلال سن التقاعد هو خيار طبقي وسياسي.
ان مسالة رفع الحد الأدنى لسن التقاعد مسالة لا تخص فرنسا فحسب، بل هي جزء من حلول البرجوازية لمواجهة ازمة النظام الرأسمالي خاصة في الغرب. اذ قررت ألمانيا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا برفع الحد الأدنى لسن التقاعد إلى 67 خلال السنوات القادمة، وترفعه بريطانيا إلى 68.
ان خطة ماكرون هي هجوم اخر على ما تبقى من دولة الرفاه وعلى مكاسب الطبقة العاملة في الغرب وتأتي وسط تضخم مرتفع وتداعيات كوفيد-19.
ان المواطنين الفرنسيين يعون هذه الحقائق، لهذه الأسباب فان الاستطلاعات تشير الى ان على الأقل ثلثي الفرنسيين يعارضون هذه الخطة في حين تبين استطلاعات أخرى بان 4 من كل 5 مواطن فرنسي يعارضها.
وقد كان يوم 19 يناير يوم عمل للاحتجاج الجماهيري ضد هذه الخطة والذي شهد تظاهر بين 1-2 مليون شخص في اكثر من 200 مدينة فرنسية كجزء من الموجة الأولى من الاضرابات والتي شلت المواصلات العامة والمدارس وجزء كبير من الخدمات المدنية حيث اضرب حسب التقارير الحكومية ما يقارب من عامل من بين كل ثلاثة عمال في القطاع العام.
ومن المقرر ان يكون 31 يناير يوم احتجاج جديد آخر على عموم فرنسا وسيكون هناك أيام أخرى في شهر شباط.
ان قوة الاحتجاجات في فرنسا تأتي من حقيقية ان البروبغنتا البرجوازية وغسيل الدماغ هي ليست مطلقة بمعنى ان الجماهير لا تسمع وجهة نظر واحدة في المجتمع كما هو الحال في مجتمعات أخرى مثل أمريكا مثلا، بل تسمع الرواية البرجوازية والرواية المقابلة لها وحتى ان كانت على لسان نقابات. وهناك وعي طبقي وهوية طبقية في المجتمع الفرنسي. فحتى العمال الذين يصوتون لصالح احزاب اقصى اليمين مثل حزب الجبهة الوطنية العنصري بسبب مسائل مثل الهجرة وقضايا اجتماعية اغلبهم يرفضون خطة ماكرون. لهذا بشكل عام هناك تأييد شعبي للتظاهر والاضراب والاحتجاج في فرنسا في حين ان في دولة مثل أمريكا ان الموقف من الازعاجات وعدم الملائمة التي تأتي من الاضراب مثلا هو سلبي جدا.
ليس بخافي بان الطبقة العاملة في معظم انحاء العالم هي تحت ضغط هجمة البرجوازية من اجل تحميلها عواقب ازمة النظام. ان الصراع في فرنسا نفسها هو صراع دفاعي ضد تطاول الطبقة الحاكمة ورغم هذا يمكن للطبقة العاملة حول العالم التعلم من تجربة الطبقة العاملة في فرنسا واهمية النضال الاقتصادي والاصلاحي في رفع الوعي الطبقي وتحضير الطبقة العاملة في نضالها من اجل قلب هذا النظام الذي لم يعد يخدم الانسان. ان النضالات الاقتصادية والاصلاحية حتى عندما تكون دفاعية هي مهمة في حماية مكاسب الطبقة العاملة ورفع الوعي الطبقي وهي تعمل كدروس عملية تتعلم منها الطبقة العاملة في صراعها الطبقي ضد الطبقة الحاكمة.