توفيق أوضاع النقابات.. صراع من أجل الوجود
فاطمة رمضان
الحوار المتمدن
-
العدد: 5869 - 2018 / 5 / 11 - 10:40
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
يأتي عيد العمال لعام 2018 والحكومة، بالتعاون مع إدارة الشركات،مستمرة في حبس كل من يتجرأ من العمال ويحتج لطلب حقه. فقد تم القبض علي ستة من عمال شركة بسكو مصر يوم 25 أبريل، وذلك بعد أن تدخلت الشرطة لمنع العمال من دخول الشركة، ومنع الطعام عن حوالي 40 عامل من الوردية الليلية رفضوا الخروج من الشركة. جاء ذلك علي إثر اعتصام العمال للمطالبة بحقهم في الأرباح– وذلك في فرعي القاهرة والإسكندرية- التي امتنعت إدارة الشركة الأمريكية – التي اشترت الشركة (في عام 2015) – صرفهالأول مرة منذ سنوات بحجة عدم تحقيق أرباح. وقد سبق وأضرب عمال بسكو مصر في أكتوبر 2015 للمطالبة بالحد الأدنى للأجور، حيث ذكر العمال وقتها أن مرتباتهم تتراوح بين 600-800 جنيه شهرياً.
كما يأتي عيد العمال والقوي النقابية في مصر في مفترق طرق. فقد صدر قانون المنظمات النقابية برقم 213 لسنة 2017، وبعدها صدرت اللائحة التنفيذية للقانون بقرار من وزير القوى العاملة. كما صدر قراران آخران لوزير القوى العاملة، أحدهما باللوائح الاسترشادية للمستويات النقابية الثلاث، اللجنة النقابية أو النقابة المهنية، والنقابة العامة والاتحاد العام، كما نُشر في نفس عدد الوقائع المصرية قرار وزير القوى العاملة الخاص بمواعيد الانتخابات النقابية.
الغريب في الأمر أن عددامن النقابات التابعة للاتحاد العام شرعت في إيداع أوراق توفيق أوضاعها علي الرغم من إعفاء القانون لها بشكل صريح من ذلك، مما يجعلنا نتساءل فيما عساه يكون السبب وراء ذلك؛ هل هو الاجتماع السنوي لمنظمة العمل الدولية، والذي سوف يعرض أمر استمرار وضع مصر علي القائمة القصيرة للدول المنتهكة للحق في التنظيم من عدمه، كونها تميز ما بين النقابات التابعة للاتحاد العام والنقابات المستقلة التي أودعت أوراقها لدي القوى العاملة من قبل، وهو ما يعد انتهاك واضح لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 98 لسنة 1949، التي وقعت عليها مصر والتي جاء في المادة (2) منها “…. تعتبر من أعمال التدخل بالمعني المقصود في هذه المادة أية تدابير يُقصد بها الدفع إلى إنشاء منظمات عمالية تخضع لهيمنة أصحاب العمل أو منظماتهم، أو دعم منظمات عمالية بالمال أو بغيره من الوسائل علي قصد إخضاع هذه المنظمات لسلطان أصحاب العمل أو منظماتهم”. وإن كان هذا ليس الانتهاك الوحيد، فالقانون ولائحته التنفيذية بهما الكثير من المواد التي تنتهك الحق في التنظيم.
ربما يكون هناك أسباب أخرى يدعمها ما يتردد عن رغبة بعض نقابات اتحاد العمال في تأجيل الانتخابات النقابية لأنها لن تستطيع خلال مدة الـ60 يوماً من إصدار اللائحة التنفيذية، المخصصة لتوفيق الأوضاع بموجب القانون والتي تنتهي في 14 مايو، الاستعداد للانتخابات النقابية بعدها مباشرة. كما يتردد بأن النقابات التابعة للاتحاد العام تقوم بتوفيق أوضاعها بأعداد قليلة وليس بكل عضويتها، مما يعني أن من سيكون لهم حق الترشح والانتخاب هم العضوية التي وُفِقَت الأوضاع علي أساسها فقط وليس كل العضوية.
يبدو وكأن هناك صراعا ما بين اتحاد العمال ومديريات القوى العاملة، فقد طُرحت في الجمعية العمومية لاتحاد العمال مسألة رفض مديريات القوى العاملة استلام أوراق توفيق أوضاع اللجان الإدارية التابعة للاتحاد كونها لم تودع أوراقها لدي القوى العاملة، حيث قال جبالي المراغي رئيس الاتحاد ورئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب ” أقسم بالله العظيم، بفضل الله لن يُهدم اتحاد عمال مصر، ولن تضيع أسر موظفى الاتحاد، وبقوتنا ووحدتنا سننتصر، والدولة لن تسمح بهدم هذه المؤسسة العريقة”.والجبالي بجملته الأخيرة ينفي أي إمكانية لوجود صراع بين الدولة والاتحاد الموالي لها.
هناك الكثير من العمال في النقابات القاعدية للاتحاد العام يأملون في للنقابات وينتوون الترشح للانتخابات القادمة،حتى أن النقابات العامة حاولت وتحاول الحيلولة بينهم وبين ذلك. فمنذ أكثر من شهر حولت النقابة العامة للغزل والنسيج عددا من أعضاء اللجنة النقابية لشركة غزل قنا للتحقيق بنية فصلهم من النقابة، وذلك بهدف منعهم من الترشح، طبقاً لما ذكر هؤلاء العمال أنهم سمعوه من رئيس نقابتهم. كما أن أحد العاملين في بنك التنمية والائتمان الزراعي في أحد محافظات الوجه القبلي، والذي توجه لرئيس نقابته لطلب الشهاده كونه عضوا فيها ومسددا للاشتراكات، أخبره رئيس النقابة أنه سوف يعطيها له يوم فتح باب الترشح، وهي طريقة للتسويف وتضييع مواعيد التقدم للترشح. هذا بخلاف أن رئيس النقابة هو مدير إدارة وقائم بعمل رئيس قطاع، ناهيك عن أن القانون لم يمنع القائمين بالمراكز التكرارية من الترشح للمواقع النقابية. تري هل سيغامر أحد بعمله ويتصدى لأحد قيادات البنك سواء بالطعن علي ترشحه أو بالترشح أمامه علىرئاسة النقابة؟
تشترط اللائحة التنفيذية الكثير من المطالب والأوراق من النقابات التي تريد توفيق أوضاعها، حتى أن المطلوب منها أكثر من المطلوب من النقابات التي تؤَسس من جديد. يكفي عدم وجود ورقة واحدة من هذه الأوراقلكي يمتنع موظف القوى العاملة عن استلام أوراق النقابة. ولعل أخطر هذه الأوراق هي كشف بعضوية النقابة به كل المعلومات عن الأعضاء، ومعتمد من جهة العمل والتأمينات. فبالإضافة لكون شرط اعتماد الكشف من التأمينات يحرم العمال غيرالمؤمن عليهم من عضوية النقابة أثناء توفيق الأوضاع، نجد أن إدارات جهات العمل التي لا ترغب في وجود نقابات تزعجها وتطالب بحقوق العاملين بها، جاء هذا الشرط ليكون فرصة لها لحرمان العمال من نقابة تدافع عنهم.
في ظل هذه الاجواء نجد أن عددا قليلا من النقابات استطاع توفيق أوضاعه بدون أيه مشاكل، كما قامت الكثير من النقابات بتسليم أوراقها لمديريات القوى العاملة دون استلام وصل بإيداع الأوراق بالمخالفة للقانون، وذلك انتظاراً لرد الوزارة التي يرسلون إليها الأوراق مباشرة. فيما أعلنت الكثير من النقابات عن العقبات التي توضع أمامها لعرقلةإيداع الأوراق، سواء من قبل موظفي القوى العاملة، أو من إدارة الشركات التي يعملون بها والتي ترفض اعتماد كشوف عضوية النقابات، أو رفض وزارة التأمينات اعتماد الكشوف أيضاً.
هذا بخلاف ما ذكره بعض النقابيين – في بداية التقديم لتوفيق الأوضاع- من رفض مديريات القوى العاملة استلام أوراقهم، قائلين لهم “الأوامر اللي عندنا نوفق أوضاع نقابات اتحاد العمال الأول، وما ناخدشي أوراق من النقابات المستقلة”، و ما ذكرته رحمة رفعت، منسقة البرامج بدار الخدمات النقابيةعن ما نما إلي علمها من وجود تعليمات لموظفي القوى العاملة بعدم قبول اللوائح التي تضعها النقابات لنفسها، وإلزام النقابات باللوائح الاسترشادية التي وضعتها الوزارة.
ومن الأمثلة الفجة للعرقلة ما تعرضت له النقابة المستقلة لعمال “لينين جروب” بالإسكندرية، حيث طالب موظف القوى العاملة بأن يكون ضمن الأوراق برنت تأمين لكل عامل من عمالها علي حدة، وعندما تقدم أعضاء مجلس إدارة النقابة للتأمينات بكشوف العضوية، طلبت منهم مهلة أسبوع لمراجعتها، علماً بأنهم يدفعون مبلغ خمسة جنيهات عن كل عامل مقابل الختم. هذا بالإضافة لرفض موظف القوى العاملة الإيداع أيضاً لكون حساب النقابة بالبريد وليس بالبنك، رغم أن البريد جهه حكومية لجأت النقابة لإيداع أموالها بها وقت التأسيس بسبب رفض البنوك وقتها فتح حساب لها.
وقد تحدث سعد شعبان رئيس اتحاد عمال مصر الديمقراطي عن المشاكل التي وقعت أثناء إيداع أوراق 16 نقابة في 16 جراج لهيئة النقل العام، وكيف أن وزارة القوى العاملة استأذنت وهب الله والجبالي قبل قبول الأوراق، التي لم تُقبل سوى بعد الإعلان عن مؤتمر صحفي بالاتحاد الديمقراطي لفضح الانتهاكات.
وبالنسبة للنقابات المستقلة في قطاع البترول فحدث ولا حرج، خاصة وأن وزير القوى العاملة، قبل توليه مهام الوزارة،كان رئيس النقابة العامة للعاملين بالبترول، وكانت النقابات المستقلة التي تأسست في قطاع البترول شوكة في حلقه. فقد فضحته هذه النقابات وفضحت نقابته الموالية لإدارة الشركات عبر نضالها وتمكنها من تحسين أوضاع العاملين بهذه الشركات. لذا لم يكن من الغريب تعسف إدارات هذه الشركات بقيادات هذه النقابات، ومحاولة التخلص منهم. فقد اعتقل ياسر من نقابة غاز مصر عقب أحد الإضرابات، وبعد أن خرج من السجن تم فصله تعسفياً، كما نُقل الكثير من النقابيين المستقلين لشركات أخرى، ضمنهم ياسر رئيس نقابة صيانكو، وأخيرا نُقلت هند من نقابة بتروتريد، عقب دعوتها لاجتماع لبحث مسألة توفيق أوضاع النقابة المستقلة.
لذا لا غرابة في أن يفكر بعض النقابيين في هذه النقابات في الانضمام للنقابة العامة للبترول، معتقدين بأن في هذا حماية للنقابيين، مع إمكانية التوفيق الفعلي لأوضاع نقاباتهم التي يعتقدون أنه لا يمكن توفيق أوضاعها طالما ظلت مستقلة.
وعن محاولة عرقلة تأسيس النقابات المستقلة في قطاع البترول، حكي إسلام من إحدى هذه النقابات عن أنه توجه بعد إصدار اللائحة التنفيذية مباشرة لمقر وزارة القوى العاملة، وعندما سأل الموظف المسئول عن استلام الأوراق عن إجراءات توفيق الأوضاع، رد عليه “اللايحة لسه ما طلعتشي”. ولما كان مع إسلام نسخة منها، وعرضها عليه قال له الموظف “إحنا لسه ما جلناش أي قرارات باستلام الأوراق”. ولما توجه إسلام لمدير هذا الموظف، فوجئ بالموظف يحذر المدير بقوله “يا ريس دي نقابة مستقلة”. ولم يكتف”الريس” بذلك بل تبرع بإخبار إسلام بأن هناك حكم ضد النقابات المستقلة كونها غير قانونية، وأخرج له المخاطبة التي صدرت من مجلس الوزراء منذ أكثر من سنتين. هذا بالإضافة لرفض إدارة الشركة اعتماد كشف عضوية النقابةحتىالآن. وعندما توجه المسئولون عن النقابة للتأمينات في الألفي لاعتماد الكشف، قيل لهم بأنهم ليسوا الجهة المعنية بذلك، وأن عليهم اعتماد الكشف أولاً من الشركة، ثم التوجه لمكتب التأمينات التابع له الشركة لاعتماده منه.
رغم كل مساوئ القانون ولائحته التنفيذية واللوائح الاسترشادية التي تُقيد بشدةالحق في التنظيم، وتضع شروطا تعجيزية لممارسته، إلا أن صراعات يومية من قبل أعضاء النقابات المستقلةمع كافة الجهات الحكمومية وإدارات جهة العملتوحي بأنه ما زال هناك جزء حي يقاوم ويحاول توفيق الأوضاع علي هذا القانون ولوائحه؛ وأن الأجهزة المختلفة، وعلي رأسها وزارة القوى العاملة، تحاول أن تضع المزيد من العراقيل أمام بعض النقابات وتسهل الأمر لنقابات أخرى، مما قد يفسر ما يقال عن محاولة الحكومة الظهور كونها لا تعرقل عمل النقابات أمام منظمة العمل الدولية، ولكن ليس كل النقابات. وقد يسفر هذا عن تأسيس عدد من النقابات، وربما عدد قليل من النقابات العامة التي كانت مستقلة.
لكن السؤال هو، ما هي نوعية النقابات التي سيسمح لها بالتواجد في ظل هذه القيود؟ هل ستكون نقابات مناضلة تدافع عن حقوق العمال، أم ستكون نقابات تابعة للحكومة وللأجهزة المختلفة وعلي رأسها الأمن؟هل من الممكن أن تكون هناك حرية لتأسيس النقابات وحريتها في ممارسة دورها في الدفاع عن حقوق أعضائها في ظل أجواء سياسية قمعية؟ كيف تستطيع هذه النقابات الدفاع عن حقوق أعضائها في ظل التقييد الشديد في شروط الإضراب الوارد في اللوائح الاسترشادية، وفي ظل وجود قوانين تجرم هذا الحق، وفي ظل القبض على من تسول له نفسه استخدام ذلك الحق؟
كل هذه أسئلة سنعرف اجاباتها خلالالشهور والسنوات القادمة، ولكن الأكيد هو أن الصراع الطبقي من أجل الحق في التنظيم، وصراع العمال من اجل حقوقهم،خاصة في ظل تضائل أجورهم مع نسب التضخم المرتفعة، لن يتوقف؛ ربما خفت بعض الشئ، ولكنه سيعاود الصعود مرة أخرى.
كما أنه من الواضح أن ما حدث خلال الثماني سنوات الماضية من حراك ومحاولة تأسيس نقابات تعبر عن العمال وتدافع عن حقوقهم – ورغم كل محاولات التكسير سواء في القيادات العمالية في المواقع المحتجة، أو في قيادات النقابات المستقلة – قد خلخل الأرض تحت أقدام الاتحاد الحكومي. فرغم كل محاولات السيطرة والهيمنة ووقوف الحكومة بأجهزتها المختلفة بجانب القيادات القديمة، سواء من خلال التمديد لهم في مقاعدهم النقابية أو من خلال إدخال الكثير منهم في مجلس النواب عبر قوائم “في حب مصر”، إلا أن الوضع النقابي لن يعود للخلف.فقيادات الاتحاد العتيق يبدو أن القلق قد تملكهم حتى أن رئيس الاتحاد الحكومي قيل أنه يمر علي مديريات القوى العاملة ليطلب منهم عدم قبول أوراق النقابات المستقلة، خاصة في مجال النقل البري. وهذه مرحلة مختلفة عما سبق، حيث كانوا يجلسون مطمئني البال، معتمدين علي الحكومة والأجهزة الأمنية في الحفاظ علي مقاعدهم، مقابل الولاء التام لهم. فهل غيرت هذه الأجهزة رأيها بشأنهم وتفكر في استبدالهم بقيادات أخرى جديدة، لذلك تفتح المجال بعض الشيءلعدد من النقابات؟
عنوان هذه المرحلة هو الصراع من أجل الوجود. الجديد في الأمر أن النقابات العتيقة أصبحت طرفا في هذا الصراع، وليس النقابات المستقلة الوليدة وحدها.
بالاحمر