الدولة تضع قانون لحظر التنظيم
فاطمة رمضان
الحوار المتمدن
-
العدد: 5063 - 2016 / 2 / 2 - 11:20
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
ماذا تقول إذا أصبحت يوما فوجدت أن الحكومة قد وضعت قانوناً يشترط لتكوين حزب أن لا تقل عضويته عن 30% من الشعب المصري، أي أن يكون لدي الحزب 30 مليون مصري أعضاء لديه لكي تعترف به الدولة كحزب ؟
هذا ليس محض خيال، وإنما هذا ما وضعته وزارة القوي في مسودة قانون أسمته "المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم"، والتي نصت المادة 6 من هذه المسودة علي "يشترط لتأسيس نقابة عمالية ألا يقل عدد مؤسسيها عن 30% من إجمالي عدد عمال المنشأة، وبحد أدني ثلاثمائة عامل علي الأقل وللعاملين في المنشآت التي يقل عدد عمالها عن هذا العدد الاشتراك مع غيرهم من العاملين بالمنشآت الآخري داخل ذات المدينة والتي يشملها ذات التصنيف المعياري للحرف والمهن. ويصدر الوزير المختص قراراً بالتصنيف المعياري للحرف والمهن التي يتم تأسيس النقابات العمالية وفقاً له"
يعني ذلك أنه إذا قرر 4 آلاف عامل من عمال شركة غزل المحلة عمل نقابة فلن يستطيعوا، ولن تعترف بهم الدولة ممثلة في وزارة القوي العاملة- التي أعادت لها المسودة الوصاية الكاملة علي نقابات العمال، وسوف نفصل في مقال آخر أشكال الوصاية مع باقي مسالب القانون- ، وذلك كونهم أقل من 30% من عمال الشركة.
ربما قال قائل وما المشكلة فذلك سوف يضمن أن يتم تأسيس نقابات قوية ومرغوبة من قبل العمال. الرد علي ذلك عبر النظر لنسب مشاركة العمال في النقابات في العالم كله، فالبرازيل بما لها من تاريخ في تأسيس النقابات، وكذلك كتجربة من تجارب التعدد النقابي الهامة نسبة مشاركة العمال في النقابات بها حوالي 23%، أما بيرو فنسبة مشاركة العمال في النقابات لا تزيد عن 10%.
ودعنا لا نذهب بعيداً، تعالي نري بالإحصائيات الحكومية ما هي نسبة مشاركة العمال في النقابات الرسمية الوحيدة و التي كانت العضوية فيها إجبارية لوقت قريب.
يقدر حجم قوة العمل في مصر بحوالي 27 مليون فرد، يقدر عدد المشتغلين في نهاية يونيو 2013 بـ 23.6 مليون مشتغل، 71% منهم يعملون بالقطاع الخاص، ونحو 23% في الحكومة، والباقي 4.4% في قطاع الأعمال العام، والقطاعين الاستثماري والتعاوني 2%. نصيب القطاع الخاص غير المنظم 46% من أجمالي المشتغلين، و75% من أجمالي العاملين بالقطاع الخاص[1]
طبقاً للإحصائيات فقد كان عدد أعضاء الاتحاد العام لنقابات عمال مصر في عام 2012 حوالي 3 مليون عضو، أي أن نسبة المشتركين في النقابات التابعة للاتحاد العام لنقابات عمال مصر حوالي 13% فقط من المشتغلين، ما يقرب من نصفها في النقابة العامة للزراعة والصيد ونسبة العضوية حوالي 5.7% من أجمالي المشتغلين بها.
هذا في القطاعات المسموح فيها للعمال بتأسيس نقابة ، فقد استبعدت الكثير من القطاعات أصلا من سريان القانون عليها، فكما رئينا فإن 46% من المشتغلين يعملون في القطاع الخاص غير المنظم، هم قد حرموا تماما من حق التنظيم فقد نصت المادة 2 من المسودة علي أن "تسري أحكام هذا القانون علي كل من يعمل لدي صاحب عمل.." وأكد علي استبعادهم عندما لم يذكر العاملين لحسابهم والحرفيين والعاملين غير المنتظمين والموسميين، كما حرمت مسودة القانون العاملين بالخدمة المنزلية و أصحاب المعاشات من حق التنظيم أيضاً إذ لم تذكرهم فيمن يسري عليهم القانون.
كما جاءت المسودة خالية من ذكر العاملين المدنيين بالداخلية والجيش والإنتاج الحربي، كفئات يسري عليها القانون، واختتمت هذه المادة بعبارة "ويستثني من تطبيق أحكام هذا القانون رجال القضاء والقوات المسلحة ورجال الشرطة".
وكل هذه الفئات كانت مشمولة في كل مسودات قوانين النقابات السابقة بداية من قانون الحريات النقابية الذي حصل عليه توافق من قبل كل الأطراف ووافق عليه مجلس الوزراء في عام 2011 ورفضه المجلس العسكري عندما كان يحكم آنذاك، وصولا إلي المسودة التي نوقشت في عهد تولي كمال أبو عيطة لوزارة القوي العاملة، مروراً بالمسودة التي نوقشت أيام حكم الأخوان المسلمين.
معني هذا استبعاد نصف المشتغلين من الحق في تأسيس نقابات لأنهم ليس لديهم صاحب عمل محدد، بالإضافة إلي العاملين المدنيين في الشرطة والجيش والصناعات الحربية في الوقت الذي تتوسع فيه المؤسسة العسكرية في أنشطتها الاقتصادية في شتي المجالات، بالإضافة إلي أصحاب المعاشات البالغين 38% من إجمالي المشتغلين.
ولم لا فنقابة أصحاب المعاشات التي تأسست بعد الثورة – رغم كل مشاكلها- هي من يقف ويفضح كل سياسات وزيرة التضامن، وهي المنوط بها الدفاع عن حقوق أصحاب المعاشات واستعادة موال التأمينات المنهوبة. وبعد الثورة أيضاً ثار الموظفين المدنيين بالشرطة ووقفوا لأول مرة ليعبرون عن استيائهم من استعبادهم من قبل ضباط الشرطة. وبعد الثورة وجدنا نقابات للعمالة الغير منتظمة –بكل ما بها من مشاكل- ترفع صوتها بالمطالبة بحقوق أعضائها وأن لم تصل من القوة لفرض هذه المطالب إلي الآن.
في الحقيقة أن مشكلة هذه المسودة لم تعد في حظر التعدد النقابي وبالتالي حصر العمال في تنظيم واحد أصبح تابع لكل الأنظمة الحاكمة في كل العصور- والذي جهر بعدائه للعمال بل وللشعب المصري كله في أثناء 18 يوم اعتصام في التحرير والميادين العامة عام 2011، واتهام رئيس الاتحاد ووزيرة القوي العاملة وقتها بالاشتراك في موقعة الجمل- بل المشكلة أصبحت في وجود أي تنظيم للعمال أصفراً كان أو أحمراً، فلم يعد النظام الحاكم يرغب في وجود أي شكل من أشكال التنظيم وسط العمال.
أنه بحق وبدون أي مبالغة قانون حرمان العمال من حقهم في التنظيم.