تعديل قانون النقابات: الحكومة تحتفظ برجالها


فاطمة رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 5259 - 2016 / 8 / 19 - 09:47
المحور: الحركة العمالية والنقابية     


بينما ينتظر عمال مصر منذ أكثر من ست سنوات صدور قانون جديد للنقابات يعطيهم الحق في التنظيم بحرية وبدون تدخل من أحد، ويقنِّن أوضاع النقابات المستقلة التي أنشؤوها بعيدًا عن الاتحاد الحكومي، صدر قانون61 لسنة 2016، والذي يمدُّ الدورة النقابية للاتحاد الحكومي ويسمح لقياداته القديمة بالبقاء في مواقعهم النقابية بعد الوصول لسن المعاش، ويتجاهل النقابات المستقلة تمامًا.

كان الإعلان عن موافقة البرلمان على تعديل قانون النقابات قد أثار جدلًا مصحوبًا بالعديد من التساؤلات، منها إن كان التعديل الموافَق عليه هو المرجو والمنتظر لتقنين وضع النقابات المستقلة، أم هو التعديل المعتاد الذي قد نسمع به وقد لا نسمع، حيث تقوم السلطة التشريعية بإصدار قانون يمدُّ للاتحاد العام لنقابات عمال مصر عشية انتهاء المد السابق؟ وإذا كان الاحتمال الثاني، فما أهميته بالنسبة للحكومة والبرلمان للدرجة التي دفعت رئيس البرلمان لتهديد الأعضاء المتغيبين بتطبيق لائحة المجلس عليهم، وأن يخبرهم بمعلومات مغلوطة حول أهمية القانون، لتجنب العقوبات التي ستقع على مصر إن لم يُقرُّ.

فقد طالعتنا جريدة الأهرام بأنه بعد جدل كبير، بسبب عدم توافر نسبة الثلثين المطلوبة للموافقة على القانون، وافق مجلس النواب في جلسته يوم الثلاثاء الموافق 19-7-2016، بأغلبية 399 عضوًا ورفض 15 وامتناع 6، على تعديلات القانون رقم 35 لسنة 1976 بشأن تعديل بعض أحكام قانون النقابات العمالية.

وأشارت الجريدة لأن الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب كان قد حذر في بداية الجلسة من مغبة عدم التصويت على تعديلات قانون النقابات العمالية، وأشار إلى أن منظمة العمل الدولية تهدد بتوقيع عقوبات على مصر لعدم وجود تمثيل للنقابات العمالية بالمنظمة بسبب عدم إصدار القانون، كما أشار إلى أن عدم الموافقة على قانون النقابات العمالية يعرِّض مصر لبعض العقوبات في المحاكم الدولية الخاصة بالنقابات العمالية، وقال إنه سيطبق الجزاءات البرلمانية وفقًا للائحة الداخلية لمجلس النواب، على أعضاء مجلس النواب المتغيبين عن الحضور.

هذا وقد صوّت عددٌ من نواب البرلمان برفض هذه التعديلات خلال إحدى الجلسات التي لم يكتمل فيها النصاب، لرؤيتهم أنها تأتي بالفعل لخدمة أشخاص ونواب بعينهم، خاصّين بالذكر جبالي المراغي رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب ورئيس اتحاد العمال الذي يكمل الستين في فبراير المقبل، ومحمد وهب الله وكيل لجنة القوى العاملة وأمين عام الاتحاد العام للعمال، ويكمل الستين في سبتمبر المقبل.

وأكد النواب المعترضون على أنه لا داع للاستعجال في تعديل بعض مواد القانون لضمان استمرار نواب بعينهم في التنظيمات النقابية، خاصة وأن مجلس النواب بصدد تلقي مشروع قانون جديد للنقابات العمالية.

قانون النقابات: أداة النظام الدائمة للسيطرة على الاتحاد
منذ إصدار القانون 35 لسنة 1976، جرى تعديله 11 مرة، ضمنهم سبع مرات منذ عام 2011 وحتى الآن، وكانت التعديلات السبعة من أجل مد الدورة النقابية لمجالس إدارة المنظمات النقابية التابعة للاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وتراوحت مدد المد بين ستة أشهر وسنة. وكان ضمن هذه القوانين السبعة، قانونان شملا، بجانب التمديد للاتحاد، تعديلًا لبعض أحكام القانون 35 لسنة 1976، وهما القانون 97 لسنة 2012 والذي أصدره محمد مرسي، واستطاع بموجبه الإطاحة برجال مبارك في مجلس إدارة الاتحاد العام، ممن تعدوا سن الستين بمراحل، والاستعاضة عنهم بتابعين للنظام، سواء ممن ينتمون لجماعة الأخوان المسلمين، أو بآخرين ممن كانوا بالاتحاد ويسهل تطويعهم.

أما القانون الثاني الذي عُدِّل مع المد فهو القانون الحالي، 61 لسنة 2016، والذي يعيد الوضع لما كان عليه قبل تعديل مرسي.

ولم يكن قد تبقى من أعضاء مجلس إدارة الاتحاد العام الحالي في بداية الدورة النقابية 2006-2011، والتي أُعلنت نتيجتها في عدد جريدة "الوقائع المصرية" رقم 269 في 28 نوفمبر 2006، سوى جبالي محمد جبالي، رئيس الاتحاد الحالي، ورئيس لجنة القوى العاملة بالبرلمان.

فقد حُلَّ مجلس إدارة الاتحاد بعد الثورة مباشرة بقرار وزير القوى العاملة والهجرة أحمد حسن البرعي رقم 187 لسنة 2011، وذلك تنفيذًا للأحكام القضائية كما جاء بالقرار. وتشكلت، عوضًا عنه لجنة لإدارة أعمال الاتحاد تكونت من عدد من النقابيين اليساريين السابقين، وعدد ممن يمثلون الإخوان المسلمين، ومن الوجوه المحسوبة على الثورة وقتها، وذلك لحين إجراء الانتخابات النقابية بالقرار رقم 188. بعد أشهر من عمل اللجنة حَلَّت فيها عددًا من النقابات العامة وشكلّت لجانًا إدارية لها.

وفي اليوم المقرر لحل عدد من النقابات العامة، ضمنها النقابة العامة للنقل البري، والتي كان رئيسها جبالي محمد جبالي، قام اﻷخير مع عدد من السائقين بمنع اللجنة الإدارية من دخول الاتحاد، ما أدى لخروج عدد كبير من اليساريين من اللجنة، ثم عقدت القيادات المتبقية من اللجنة، ومن ضمنها قيادات الأخوان، مع عدد من قيادات الاتحاد القديمة، جمعية عمومية لمجلس إدارة الاتحاد بدون إجراء انتخابات، لا في النقابات العامة ولا في اللجان النقابية، وشكلوا بناء عليها مجلسًا لإدارة الاتحاد. مع تطبيق قانون 97 لسنة 2012 (الذي أصدره مرسي) أُخرج كل من تجاوز سن الستين من مواقعهم النقابية، واستُبدل بهم آخرون مرضي عنهم من قبل خالد الأزهري وقت كان وزيرًا للقوى العاملة.

ثم أعيد تشكيل مجلس إدارة الاتحاد أثناء تولي كمال أبو عيطة وزارة القوى العاملة في 2013، مستبعدًا كل العناصر المنتمية للإخوان أو القريبة منهم، إلى أن أعيد التشكيل عقب إزاحة أبو عيطة من الوزارة مع حكومة حازم الببلاوي، وأودع قرار إعادة التشكيل الذي اتخذته وزيرة القوى العاملة ناهد العشري لدى القوى العاملة برقم 121 لسنة 2014 وتحت عنوان "إيداع أوراق إعادة تشكيل مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر".

الحقيقة أن تعديل مرسي قد خدم الكثير من قيادات الاتحاد الحالية، والتي ما كان لها أن تكون موجودة في مجلس إدارة الاتحاد لولا إزاحة الوجوه القديمة التي تعدى وقتها الكثير منهم السبعين سنة من عمره.

وفيما يخص التعديل الأحدث لقانون النقابات، فقد أعاد القانون 61 لسنة 2016، المادة23 من قانون النقابات، والتي كان قد حُذفت من قبل مرسي، وتنص على أن "يحتفظ العامل المتعطل بعضويته في النقابة العامة إذا كانت قد انقضت عليه سنة على الأقل في عضوية النقابة، ويُعفى في هذه الحالة من سداد اشتراك النقابة خلال مدة تعطله، ويجوز لمن أحيل للتقاعد بسبب العجز أو الإحالة إلى المعاش لبلوغ السن القانونية الاحتفاظ بعضويته في النقابة العامة، بشرط اشتراك النقابة. ويجوز لمن أحيل للمعاش لبلوغ السن القانونية والتحق بعمل داخل التصنيف النقابي الذي تضمنه النقابة العامة دون فاصل زمني، الحق في الانتخاب أو الترشح للمنظمات النقابية. وفي جميع الأحوال يستكمل عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية مدة الدورة التي انتخب فيها".

وقد نوقش القانون الذي تقدم به 88 نائبًا من نواب المجلس، وأحيل للجنة القوى العاملة، والتي قدمت تقريرها الأول بتاريخ 12 مايو 2016، وجاء فيه أن لجنة القوى العاملة قد اختارت جبالي المراغي، مقررًا أصليًا للجنة التي تناقش التعديل، والعضو محمد وهب الله مقررًا احتياطيًا لها فيه أمام المجلس، والاثنان لهما مصلحة شخصية كما سبق وذكرنا، مع غيرهم من أعضاء الاتحاد ممن قاربوا على سن الستين، من هذا التعديل.

لم تكن هذه المشكلة الوحيدة في تقرير اللجنة، فقد وردت بالتقرير معلومات مغلوطة مثل ما جاء في مقدمته "الأحكام التي تم تعديلها بموجب قرار الرئيس مرسي ظلت منضبطة ومعمول بها منذ صدور القانون 35 لسنة 1976، ولم تكن موضع تحفظ أو استياء قبل حكم جماعة الأخوان المسلمين وحتى إجراء تلك التعويضات."

وهذا رغم أن المادة 23 المضافة في التعديل، كانت في القانون 35 لسنة 1976 تنص على حق المتعطلين والمحالين للمعاش، في استمرار عضويتهم في النقابة، مع منعهم من التصويت أو الترشح في الانتخابات. بينما أجاز التعديل بالقانون 12 لسنة 1995 لمن أحيلوا إلى المعاش –دون المتعطلين- والتحقوا بعمل داخل التصنيف النقابي الذي تضمه النقابة العامة دون فاصل زمني، الحق في الانتخاب أو الترشح للمنظمات النقابية.

وأتى التعديل بالقانون 12 لسنة 1995 في الوقت الذي أرادت فيه الحكومة تمرير سياسات الخصخصة، بما يتبعها من تشريد للعمال وإجبارهم على المعاش المبكر، وانتقاص حقوق من تبقى في العمل منهم، كما أن الحكومة وقتها كانت تنوي إصدار قانون العمل 12 لسنة 2003 الذي انتقص من حقوق العمال في القانون السابق عليه، وغيرها من السياسات التي كان لابد للحكومة من ضمان ألا يقوم الاتحاد بدور في الاعتراض عليها، وكان المخرج بالتالي هو الاحتفاظ برجالها في الاتحاد ممن تعدوا سن الستين.

وقد ظهر ذلك بجلاء في الانتخابات النقابية في الدورتين التاليتين بعد تعديل 95، حيث كانت الانتخابات يُعدُّ لها بالتعاون بين أصحاب اﻷعمال وقيادات الاتحاد العام والحكومة، ممثلة في وزارة القوى العاملة والهجرة و أجهزة الأمن. وكانت تصريحات وزير القوى العاملة آنذاك في الاجتماعات السرية بين هذه الأطراف الثلاثة تؤكد أنه لن يسمح لمعارضي الدولة ومعارضي سياسات التحول الاقتصادي دخول النقابات، وأن الدولة حريصة على استمرار قيادات التنظيم النقابي الموجودة بالفعل في السيطرة والانفراد به حرصًا على الاستقرار والأمان، وخوفًا من القفز إلى المجهول، كما طُلب من قيادات الاتحاد صراحة في الاجتماع معهم يوم 11-8-2001 التوقف عن التصعيد فيما بينهم لأن الحكومة "عايزة الاتحاد بشكله الحالي دون استبعاد أي من عناصره”.

كما أكد الوزير أنه المسؤول عن حل كل المشاكل التي قد تعترض أيًا من القيادات النقابية في الترشح والانتخاب والاستمرار في مواقعهم رغم أن أغلبهم لا تنطبق عليهم شروط الترشح للانتخابات، لتجاوزهم سن المعاش، أو لشغلهم وظائف في الإدارة العليا في أعمالهم. ويُقدَّر عددهم بحوالي 160 قيادة في قمة التنظيم النقابي في الاتحاد والنقابات العامة، بحسب ما ورد في كتاب "نقابات بلا عمال وعمال بلا نقابات.. عن الانتخابات العمالية دورة 2001/2006" لصابر بركات وخالد علي، والصادر عن اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية.

وفي انتخابات الدورة النقابية 2001-2006، أعلن الفوز بالتزكية الكاملة لـ 13 نقابة من الـ 23 نقابة عامة، والتزكية بعد التصفية في أربع نقابات أخرى، كما أن مجلس إدارة الاتحاد أعلن نجاحه بالتزكية قبل إجراء الانتخابات، التي لم تنعقد إلا في عدد محدود من المقاعد وفي ست نقابات فقط.

يُبقي تعديل القانون الحالي للنقابات على القيادات النقابية التي وافقت على دستور ينتقص من حقوق العمال، والتي أعلنت تأييدها للسيسي رغم القوانين التي تحرم العمال من حقها في الإضراب والتظاهر السلمي، وهي قيادات قبلت عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور على عمال القطاع الخاص، و ساهمت بقوة في تمرير قانون الخدمة المدنية في البرلمان رغم احتوائه على نفس المشاكل التي كانت في القانون الذي سبق ورفضه البرلمان، هذه القيادات التي ينتظر منها النظام الحاكم أن تكون سندًا للحكومة وأصحاب الأعمال في إقرار قانون العمل البديل للقانون 12 لسنة 2003 ، وقانون التأمينات وغيرها من ترسانة القوانين التي تسحب البقية الباقية من حقوق العمال.