العمال والإرهاب
فاطمة رمضان
الحوار المتمدن
-
العدد: 4875 - 2015 / 7 / 23 - 20:48
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
في وسط زحمة حرب الإرهاب وعمليات القبض والقتل العشوائي، وفي وسط عمليات التخوين لكل من لا يسبح بحمد الدكتاتور، لم يعد أحد يتحدث أو حتى يفكر في كم فم بات جوعان؟ وكم طفل حرم من حقه في التعليم لأن أبويه لم يعودا يستطيعا تحمل نفقات تعليمه حتى في مدارس الحكومة السيئة؟ ولا كم مريض مات لأنه لا يملك ثمن الدواء؟
هل فكر المدافعون عن الدكتاتور وزبانية التعذيب في عدد العمال الذين يحرمون من حقوقهم يوميًا تحت سمع وبصر النظام الحاكم؟ هل فكر أحدهم في عدد العمال الذين يحرمون من أجرهم بالكامل أو يفصلون من عملهم يوميًا؟ هل فكر هؤلاء في أن من يمارس التعدي على حقوق العمال وظلمهم، هم أصحاب الأعمال الشرفاء الوطنيين الذين يدفعون لصندوق "تحيا مصر"، لذا ليس هناك لدى النظام الحاكم ما يضير في أن يفعلوا ما يشاءون بالعمال، بل تسن لهم القوانين التي تساعدهم على ذلك.
هل وضع أحد من هؤلاء المدافعين عن النظام العسكري نفسه مكان أب كان يعمل ويتقاضى أجرًا لا يكفيه زوجته وأولاده لمنتصف الشهر، ولكنه فجأة وجد نفسه حتى دون هذا الأجر الضئيل، لا لشيء سوى أن صاحب العمل قرر ذلك؟ هل سأل أحدهم نفسه من أين لهذا الأب ما يدفع به إيجار السكن الذين يأويهم؟ أو من أين له بالمال الذي يشتري لهم به ما يسد جوعهم. هل سأل أحدهم نفسه كيف سيدفع هذا الأب لأبنائه مصاريف المدارس، أو دروس الثانوية العامة لمن وصل أبناؤهم لهذه المرحلة؟ هل سأل أحدهم نفسه ماذا ستفعل الأم التي فصلت أو فصل زوجها من العمل عندما يطالبها أبناؤها بأن تشتري لهم ملابس العيد مثل بقية أقرانهم؟ هل سأل أحدهم نفسه ماذا تفعل هذه الأسرة إذا مرض أحد أفرادها ولا يوجد في المنزل أي نقود؟
السؤال الأهم هو: هل ما يحدث من فصل وتشريد وإغلاق للمصانع والشركات وأكل حقوق العمال هو ما سيبني مصر، ويجعلها أد الدنيا؟ وهل إسكات أصوات العمال حتى وهم يذبحون هو الحل؟ ولمصلحة من كل هذه الجرائم التي ترتكب في حق الشعب المصري كله وفي القلب منه العمال المصريون؟
هل تكميم الأفواه، والإجراءات الاستثنائية التي توسعت فيها السلطة بحجة محاربة الإرهاب، حتى بتنا نرى الاختفاء القصري للشباب والشابات الثوريين، والقتل في وضح النهار، بل وإعلانه، هو ما سيبني مصر؟
نحن لا نتكلم عن أحداث من وحي الخيال، بل نتكلم عن أحداث يومية، سوف نذكر منها ثلاثة أمثلة فقط:
فشركة "مصر إيران" للغزل والنسيج، والتي يعمل بها 3200 عامل في مصنعي الشرقية والسويس، توقفت عن العمل بسبب عدم وجود أموال لشراء المواد الخام، كما قامت إدارة الشركة ببيع الماكينات وأدوات الإنتاج وجزء من أراضي الشركة. هذا بخلاف مديونة الشركة للتأمينات بـ 30 مليون جنيه، وكذلك مديونتها لشركة الغاز والكهرباء.
3200 عامل يعيشون الآن وأسرهم دون أجور، ورفضت وزيرة القوى العاملة والهجرة صرف 75% من أجورهم الأساسية من صندوق الطوارئ رغم أن هذه هي وظيفة الصندوق.
ولم يتوقف العمال منذ سنوات عن الاحتجاج ضد تخريب وتخسير الشركة المتعمد، بل قاموا بتقديم بلاغات وشكاوى للمسؤولين يطالبونهم بمحاسبة الفاسدين القائمين على إدارة الشركة، منها بلاغ للمستشار أحمد عبد الحليم- المحامي العام لنيابات السويس- في عام 2013، يطالبونه بالتحقيق فى بلاغات مقدمة من قبلهم خاصة بالفساد في الشركة، ويطالبونه بحماية المال العام من الإهدار الذي وصل إلى مئات الملايين- على حد وصف البلاغات والشكاوى التي تقدموا بها.
والغريب في الأمر، أن النقابة العامة لعمال الغزل والنسيج التابعة للاتحاد الحكومي، لم يشغلها كثيرا ما يتعرض له العمال بقدر ما اهتمت بالتطبيل للحكومة، وتحذيرها من الاستغلال السياسي لمشكلات العمال، لمجرد أن بعض القوى السياسية أعلنت تضامنها مع العمال وحقوقهم.
كما يعاني عمال الزيوت المتكاملة بالسويس وعددهم 480 عاملًا من محاولة إغلاق الشركة منذ مارس 2015، ولولا احتجاجهم الذي اضطر وزارة القوى العاملة لصرف 75% من أجورهم الأساسية من صندوق الطوارئ، لكانوا بلا أي دخل منذ ذلك الحين.
هذا بخلاف 5 شركات لاستصلاح الأراضي تابعة للدولة متوقفة منذ سنوات، و لم يتقاض عمالها أجورهم منذ نوفمبر 2013، ضمنهم الشركة العقارية المصرية، يعمل بها أكثر من 1200 عامل، ظلوا دون أجور 9 أشهر إلى أن قرروا الاعتصام في الشارع أمام الشركة القابضة لاستصلاح الأراضي في أبريل 2015، رغم مخاطر وجودهم في الشارع في ظل قانون التظاهر، واستخدام الرصاص الحي ضد زملائهم في الإسكندرية، فإنهم لم يجدوا طريقًا آخر، وقد أثمر اعتصامهم وقتها عن صرف جزء من أجورهم المتأخرة، ووعود بتشغيل الشركة، لا نعرف إن كانت ستتحقق أم لا؟
ضمن الخمس شركات أيضًا شركة مساهمة البحيرة، والتي يعمل بها 4 آلاف عامل، ويعاني عمالها منذ نوفمبر 2013 أنهم يعيشون دون أجور، ويطالبون بتشغيلها؛ فقد رفضت أيضًا وزيرة القوى العاملة والهجرة الاستمرار في صرف جزء من أجورهم من صندوق الطوارئ.
صندوق الطوارئ الذي تتكدس فيه المليارات– لا نعرف حجمها وكأنها هي الأخرى أسرار عسكرية-، ويعيش العمال أشهرًا وسنوات دون أجور، صندوق الطوارئ الذي يتقاضى أعضاؤه- من موظفين ونقابيين "صفر"، وعلى رأسهم وزيرة القوى العاملة والهجرة- مئات الآلاف سنويًا مكافآت، ويحرم العمال من حقهم في بضع مئات شهريًا يعيشون وأسرهم منها.
فقد تقدم رئيس المجلس المصري لحقوق العمال والفلاحين، حسام فودة، بالبلاغ رقم 11012ضد وزيرة القوى العاملة والهجرة ناهد عشري، لمخالفتها قرار تشكيل صندوق الطوارئ للعمال، وجاء في الخبر أن الوزيرة وأعضاء مجلس إدارة الصندوق يتقاضون سنويًا 750 ألف جنيه مكافآت. كما ذكرت وزيرة القوى العاملة والهجرة في حوار لها مع "اليوم السابع" أنها تبرعت لصندوق "تحيا مصر" بـ 2.5 مليون جنيه، وفي الحقيقة لم تقل لنا الوزيرة- التي لا تقوم بفعل شيء للعمال الذين يفصلون ويشردون وتنتقص حقوقهم- من أين لها بالملايين حتى تتبرع بأكثر من 2 مليون جنيه وهي موظفة بوزارة القوى العاملة منذ البداية؟
كل هذا ويُطالب العمال بالصبر، لأننا نحارب الإرهاب، فليقولوا لنا على ما يصبر العمال على الموت جوعًا ومرضًا، أو على ضياع مستقبل أبنائهم بعد أن أصبحوا في الشارع.
تُرى هل الإرهاب هو التفجير والقتل فقط؟ والإرهابي هو من يقوم بذلك؟ أليست سرقة حقوق العمال إرهابًا! أليس فصل آلاف العمال وتشريدهم وتجويعهم وأسرهم إرهابًا! أليس حرمان الملايين من المصريين الفقراء من مقومات الحياة الأساسية إرهابًا!
أليس رجال الأعمال الذين يرتكبون الجرائم في حق العمال إرهابيين! أليست الحكومة التي تسكت على ما يفعلون بالعمال بل تصدر لهم القوانين التي تساعدهم على فعل ذلك دون أية مساءلة قانونية إرهابية! أوليست الحكومة التي ترهب العمال بشتى الطرق، حتى لا يطالبوا بحقوقهم إرهابية! أوليس النقابيون الصفر الذين يخونون العمال إرهابيين! أوليست الوزيرة التي لا تقوم بمهام عملها كوزيرة للقوى العاملة، بل وتحرم العمال من حقهم في إعانة هزيلة من صندوق الطوارئ المكدس بالمليارات، تنفق مكافآت لها والمحاسيب. ولكي تثبت ولاءها لمن أتى بها للكرسي عبر التبرع لصندوق "تحيا مصر" إرهابية!
لكل من يتحدث عن محاربة الإرهاب، اتسقوا مع أنفسكم ودافعوا عن الحرب ضد الإرهاب بشكل حقيقي في كل أشكاله أيًا كانت، ولنحارب الإرهابيين الذين يسرقون وينهبون، يفسدون ويخربون ويحرمون الشعب المصري من مقومات الحياة الأساسية والذين يمهدون التربة للإرهابيين الذين يقتلون ويفجرون.