العمال ونقاباتهم ينهون عام 2012 بأحكام وقف الفساد وعودة الشركات
فاطمة رمضان
الحوار المتمدن
-
العدد: 4023 - 2013 / 3 / 6 - 08:06
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
عندما ينتهي عام بمحاولة قتل شاب في ميدان التحرير، لينضم لآلاف الشباب الذين يصابون ويتعرضون لعاهات مستديمة من أجل أن تصبح مصر الثورة لأبناءها بحق. هذا الشاب الذي نتمني له أن يبقي معنا لكي نكمل ثورتنا حتي يتحقق شعارها "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية"، ولا يلحق بموكب الشهداء الذي لم ينقطع منذ 25 يناير وحتي الآن، فما عسانا أن نشعر ونحن نستقبل عام جديد؟
عندما ينتهي عام بتعيين 90 عضوا في مجلس الشوري ( شمل فيما شمل قيادات من الحزب الوطني والمتهمين في موقعة الجمل وغيرها ممن منعهم الدستور من المشاركة في الحياة السياسية) والذي أحيلت إليه سلطة التشريع بحكم الدستور. الدستور الذي شابت كتابته والاستفاتاء عليه، الكثير من عناصر التزوير وعدم الشرعية بداية من تشكيل اللجنة التأسيسية -والتي مُنعت المحكمة الدستورية بالقوة من أداء عملها تخوفاً من الحكم بعدم شرعية وقانونية تشكيل هذه اللجنة، حدث ذلك عن طريق مليشيات إسلامية تحت سمع وبصر رئيس الجمهورية وكل أجهزة الدولة- انتهاء بمحاولات التزوير في الاستفتاء، فما عسانا أن نأمل في العام الجديد؟
عندما نري ونسمع بالقوانين التي تجهز لكي يمررها مجلس الشوري، وعلي رأسها ما سموه "بقانون تنظيم التظاهر"، وفي الحقيقة هو قانون لمنع ليس فقط التظاهر، وإنما كل أشكال الاحتجاجات، وبعد نشره في كافة الصحف تقريباً يخرج علينا من يقول من قال إننا سوف نناقش هذا القانون، فما عسانا أن نتوقع للعام الجديد؟
إن العام المنقضي حفل بالكثير من المعارك بين من يريدون استكمال الثورة، ومن يريدون القضاء عليها، وربما اختلط الحابل بالنابل فأصبح من كان في خندق الثورة بالأمس هو من يقود الحرب لوقف استكمالها اليوم بعد أن وصل لمقاعد السلطة، كما اختلط الحابل بالنابل عندما أتي رجال النظام القديم ليقفوا في نفس الخندق مع الثوار، وليس لكونهم ثوريين ويريدون استكمال الثورة، بل لأنهم يكرهون الإخوان المسلمين، ويكرهون الثورة أيضاً.
ولكن الشئ المضئ في وسط كل هذا الظلام، وفي وسط كل هذا اللغط الكثير، أن العمال يستكملون مسيرتهم التي بدأوها قبل 25 يناير، والذين كانت إضراباتهم عنصراً مهماً أدي إلي إسقاط الديكتاتور مبارك، هذا ولم يتوقف العمال يوماً عن استكمال هذه المسيرة. مسيرتهم من أجل حقوقهم المنهوبة قبل الثورة وحتي الآن. كذلك استكمال مسيرة محاربة الفساد والفاسدين والتي يدفعون دائما فاتورتها غالية في بلد ما زال فيها الفساد مستشرياً ومسيطراً. فالفساد وأكل الحقوق منظومة واحدة، العمال يستكملون مسيرتهم بشتي الطرق، بالإضراب والاعتصام والتظاهر، وكذلك بالقانون.
ما يثلج الصدر حقاً هو أن العام المنقضي بكل ما فيه لم يبخل علينا بأخبار مفرحة، أخبار انتصار العمال في معاركهم القضائية ضد الخصخصة والفساد، وحصولهم علي أحكام قضائية ببطلان هذا البيع، أو التأجير (بالنسبة للموانئ)، حتي لو كان هذا ضد مصالحهم المباشرة. تعالوا معاً نري الحكمين اللذين حصلت عليهما نقابات العمال قبل يومين من إنقضاء العام، وفيما يلي بعض هذه الأحكام:
- فقد صدر يوم السبت 29 ديسمبر 2012 حكم من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية ببطلان عقد تأجير ثلاثة موانئ بالدخيلة والإسكندرية للشركة الصينية. ويعيد هذا الحكم للدولة مئات الملايين، وذلك لكون عقد التأجير قد صدر بالأمر المباشر، ونص علي تأجير المتر المربع بثُمن ما قدره القرار الوزاري، حيث أنه تم تأجير الموانئ الثلاثة للشركة الصينية مقابل انتفاع للمتر المربع بواقع 3 دولارات لمدة 25 عاما، إلا أن القرار الوزارى رقم 142 ينص على مقابل انتفاع 24 دولارا للمتر المربع.
علينا أن ننظر في هذا الأمر لعدة نقاط، النقطة الأولي وهي من الذي رفع هذه الدعوة التي تعيد للدولة مقدراتها، الذي رفع هذه الدعوي هي النقابة المستقلة للعاملين بشركة تداول الحاويات بالأسكندرية والبالغ عدد عمالها 3 آلاف عامل، واستندت النقابة في الدعوة لتضرر العمال من هذا العقد، وذلك لكونه قد أضاع علي شركة الحاويات 41% من إيرادتها بعد تحويل الرصيف للشركة الصينية، والتي لم تقم بإضافة أي خطوط جديدة، أي أن العمال متضررون من هذا التعاقد بشكل مباشر في عملهم بالشركة.
الأمر الثاني وهو هذا العقد من هم أطرافه؟، أطرافه هم رئيس هيئة الميناء سابقاً، ورئيس الشركة القابضة للنقل البحري (وعضو لجنة سياسات الحزب الوطني)، وعن الشركة الصينية أحمد عبد العظيم لقمة، والذي ذكر العمال أنه الغطاء المعروف لجمال مبارك في استثماراته في مصر، وعلينا أن نتذكر أن أحمد عبد العظيم لقمة هو صاحب شركة انتاج الاسبيستوس الشهيرة منذ ما يقرب من عشرة سنوات، والذي تسبب في قتل عدد من عمال الشركة وإصابة الكثير منهم بأمراض السرطانات، بسبب استخدامة للاسبستوس الممنوع دولياً، ولولا وقوف العمال وإضرابهم واعتصامهم بالشركة لما تم الكشف عن هذه الجريمة، ولما صدرت القرارات من رئاسة الوزراء وقتها بمنع استخدام الاسبيستوس في التصنيع.
ربما قال من يقرأ هذا الكلام:" طيب ما إحنا عارفين أنه أيام مبارك كان فيه فساد كثير، والناس بتنظف دلوقتي"، هرد واقول في الحقيقة أن العمال في شركة الحاويات بيحاربوا الفساد من وقتها، وبعد الثورة أسسوا نقابة مستقلة للتعبير عنهم والدفاع عن حقوقهم، وهذه النقابة تُحارب من الإدارة الفاسدة، وأن العمال بقيادة نقابتهم المستقلة قد أضربوا للمطالبة بمحاربة الفساد، والمطالبة بعودة الأرصفة للدولة، فكان جزاؤهم في 23 سبتمبر 2012 (أي في ظل حكم محمد مرسي) الحبس لخمسة من قيادات النقابة لمدة 3 سنوات وذلك بتهمة التحريض علي الإضراب، والفصل من العمل وغرامة عشرة آلاف جنيه لكل منهم.
والسؤال الآن هل هذه الأحكام القاسية علي عمال مارسوا حقهم في الإضراب للمطالبة بمحاربة الفساد والفاسدين، كان لمصلحة مصر ومن أجل عجلة الإنتاج المزعومة؟، أم من أجل حماية الفاسدين وإبعاد أعضاء النقابة الذين يفضحونهم من عملهم بل وحبسهم وتغريمهم؟، تري من الذي يبني، ومن الذي يهدم؟؟
- الحكم الثاني والذي صدر في نفس اليوم، من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، وقضي ببطلان خصخصة الشركة المتحدة للتجارة، وإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء بالموافقة علي بيع 98% من أسهم الشركة إلي اتحاد العاملين المساهمين، وكان البيع في عام 2002، السؤال الأول هو من الذي رفع القضية، الإجابة رئيس نقابة العاملين بالشركة وأحد أعضاء اتحاد العاملين المساهمين، وهي نقابة تابعة لاتحاد عمال مصر، ولكن لا الاتحاد ولا النقابة العامة للتجارة والتي كان رئيسها طرف أساسي في صفقة بيع شركة عمر أفندي الفاسدة طرفاً في القضية. وفي الحقيقة أن هذه معركة بدأتها اللجنة النقابية منذ سنوات، كان أحد محطاتها مايو 2010 عندما رفعت النقابة مذكرة لمحمود محيي الدين وزير الاستثمار وقتها يطالبون فيها بالعودة للقطاع العام، وأرسلوا نسخة منها إلي محمد وهب الله رئيس النقابة العامة لعمال التجارة، ذاكرين فيها أن الشركة منذ الخصخصة حققت خسائر قدرها 6 مليون و 139 ألف جنيه حتي أول فبراير 2010، وأن هذا يؤثر علي مستقل 290 أسرة هم أسر العمال بالشركة. والغريب في الأمر أن ترسل النقابة العامة لوزيرة القوي العاملة ووزير الاستثمار واتحاد العمال في شهر يناير 2011، تطلب منهم التحرك بتوفير مرتبات العمال، وإعادة هيكلة الشركة وفتح باب المعاش المبكر للعمال، وتحذرهم من أن ترك الأمر يؤدي إلي أن يلجأ العمال للقضاء لحل اتحاد المساهمين.
وفي الحقيقة أن هاتين الشركتين ليستا الوحيدتين اللتين وقف عمالهما، سواء بقيادة نقاباتهم الشريفة، أو بقيادة العمال أنفسهم هي من حاربت الفساد فهناك نقابة عمال غزل ميت غمر، وعمال ألمنيوم نجح حمادي، ....، وهناك عمال أكثر من خمس شركات حصلوا علي أحكام بعودة هذه الشركات للقطاع العام، منها المراجل البخارية، وغزل شبين، وطنطا للكتان، وعمر أفندي.....
من هاتين التجربتين نستطيع أن نستنتج أن نقابات العمال، عندما تكون معبر حقيقي عن العمال مرتبط بهم يدافع عن مصالحهم، فهو بالضرورة يدافع عن مصالح الشعب المصري كله، سواء كانت هذه النقابات نقابات مستقلة أو نقابات قاعدية تابعة لاتحاد العمال، ولكن المشكلة في النقابات التابعة لاتحاد العمال يتم الآن تثبيت الهيكل الهرمي الفاسد، ويتم المحافظة عليه كما هو وتقويته من قبل رئاسة الجمهورية والنظام الحاكم لكي يكون أداتهم وسط العمال، والمشكلة أن تثبيت وتقوية قيادات الهرم تأخذ من حقوق النقابات القاعدية، وتضعفها، وتضيق فرص وجود نقابات حقيقة تابعة لهذا الهيكل البيروقراطي الفاسد.
المسألة الثانية هي محاربة النقابات العمالية وخصوصا القاعدية منها تحت مسميات تعطيل عجلة الانتاج، وفي الحقيقة أن الفساد الذي يمارسونه والذي تكشفه القيادات النقابية الشريفة هو الذي يعطل عجلة الانتاج ويزيد البطالة وغيرها، ولعل أجمل ما يمكن أن أختم به هذا المقال هو ما أتي في حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري التي حكمت ببطلان بيع شركة المتحدة للتجارة:" من أن سياسات الخصخصة وسبل تنفيذها كان لها تأثير خطير على الاستثمار والبطالة وإهدار المال العام وشيوع الفساد ثم على سيطرة رأس المال الأجنبي وتأثيره على متطلبات حماية الأمن القومي المصري، فقد أثرت سياسة الخصخصة على الاستثمار بقطع الطريق على تنفيذ استثمارات جديدة؛ حيث تحولت الاستثمارات إلى تمويل تداول أصول قائمة فعليا، وهو ما دفع الاقتصاد إلى الجمود والركود، وأهابت المحكمة حكومة ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وطالبتها بأن تضع ذلك محل الدراسة والاهتمام بها سعيا نحو مجتمع العدالة الاجتماعية وحماية المال العام وتحفيز الاستثمار الجاد العامل على المشاركة في النهضة الاقتصادية ومحاسبة كل من أسهم في تجريف الاقتصاد القومي."