سياسة الحكومة.. إهدار حقوق العمال سواء في الدستور أو القوانين
فاطمة رمضان
الحوار المتمدن
-
العدد: 4314 - 2013 / 12 / 23 - 10:31
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
عندما نرى التناقض في كلام عبدالفتاح إبراهيم، رئيس اتحاد عمال مصر، في المؤتمر الصحفي الذي أعده خصيصًا ليقول للعمال قولوا نعم للدستور، والآتي نصه «على الرغم من أنه لا يوجد في مصر مسؤول يريد أن يسعى لتحقيق مصالح العمال، وأن لجنة الدستور أهدرت حقًا دستوريًا في تمثيل العمال في البرلمان، وعلى الرغم مما تعرّض له العمال من تغوّل على حقوقهم إلا أننا نطالب بالتصويت بنعم على الدستور».
وعندما يقول كمال أبوعيطة للعمال إنه طالما لا توجد الكيانات المدافعة عنالعمال فلن يأخذوا حقوقهم، ثم يقول لهم قولوا نعم لدستور لا يوفر لهم حق التنظيم.
وعندما نسمع من شركاء الأمس في النضال من الليبراليين واليساريين بأنه علينا أن نقول نعم للدستور، وذلك لاحتوائه على بعض التحسينات في بعض المواد التي تؤثر على كل العاملين بأجر، كالواردة بخصوص الصحة أو التعليم أو التأمينات، وهي تحسينات إذا ما قارناها بدستور 2012، أما إذا سألنا أنفسنا، هل هي تُحقّق طموحات الشعب المصري والعمال المصريين بعد ثورة؟ فسوف نجدها غير مرضية تمامًا، غاضّين النظر عن تدهور حقوق العمال عن دستور الإخوان، ومستهينين بوجود المحاكمات العسكرية للمدنيين، وليس لديهم مشكلة في جعل مؤسسة الجيش دولة فوق الدولة.
لكل هذا، نجد أن مسألة نقد الدستور من منطلق حقوق العمال التي كان من المأمول أن تتحقق، هي مسألة أكثر تعقيدًا وأكثر صعوبة من معركة نقد دستور 2012.
ولكون صياغة الدستور لا تنفصل عن كل ما يحدث على أرض الواقع، فحق التنظيم يجب أن يحجم بداية من الدستور لصالح الاحتكار للاتحاد الأصفر، وتقييد حقوق التظاهر والإضراب، وتقييد كل حقوق العمل والأجر وغيرها لصالح الدولة القمعية وأصحاب الأعمال، لذا علينا ألا نغفل محاولة الحكومة ورجال الأعمال صبغ اتحاد عمال مصر، الذي سبق وحكم عليه العمال بالإعدام، بكونه ممثل العمال الوحيد، وإعلانهم المستمر عن أنهم لا يرضون بغيره بديلاً، كما يجب أن نضع في اعتبارنا قوانين تجريم الإضراب والاعتصام والتظاهر رقم 107 لسنة 2013 وقبله ق34 لسنة 2011، ولا يجب أن نغفل مطالبة أصحاب الأعمال الواضحة الحكومة بالتعديل في قانوني العمل والتأمينات، للتقليل من التزاماتهم تجاه العمال، لكي يوافقوا على حد أدنى للأجور في القطاع الخاص، والأهم أن نرى توجّه الحكومة في ذلك الاتجاه، أي أن سياستهم تنفّذ على الأرض، والمطلوب تغطيتها بغطاء الدستور، لا أكثر ولا أقل.
فيما يلي ما نراه من إهدار لحقوق العمال في مسودة تعديل الدستور:
1- حقوق منتقصة عن الدستور السابق منها حق التمثيل بنسبة 50% عمالًا وفلاحين، والتي كانت موجودة لمرة واحدة في م229 التي تم إلغاؤها في دستور 2012، كما تمّ إلغاء م227 والخاصة بإنشاء المجلس الاقتصادي الاجتماعي، والذي كان دوره كما كان في ديباجة المادة «يقوم على دعم مشاركة فئات المجتمع في إعداد السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتعزيز الحوار الاجتماعي»، وكان أخذ رأي هذا المجلس من قِبل المجالس التشريعية إلزاميًا، وإن لم يكن الإلزام يشمل تنفيذ رأيه إلا أن وجود المجلس في حد ذاته وتمثيل العمال والفلاحين به بنسبة50%، كان بمثابة البوتقة التي تناقش فيها القضايا على المستوى القومي، وهم يثبتون بذلك أن الكلام الفضفاض عن كفالة الدولة لحقوق العمال- مثل التفاوض الجماعي الواردة في م13- هو مجرد كلام مرسل لا وجود له داخل الدستور نفسه.
2-الحق في التنظيم والإضراب والتظاهر:
بخصوص حق التنظيم الوارد في م76، فعلى الرغم من التحسن بشأن قصر الحل للنقابات الذي كان موجودًا بالدستور السابق، على مجالس الإدارات فقط بحكم قضائي.
إلا أنّ بقية حقوق التنظيم قد أصبحت أسوأ مما كانت عليه في دستور 2012، حيث تم إهدار حرية تأسيس النقابات والاتحادات والتعاونيات، التي كانت تبدأ بها م52 في دستور 2012، كما حرم العاملين المدنيين بالشرطة والجيش من حق التنظيم النقابي، عندما أورد «ولا يجوز إنشاء أي منها بالهيئات النظامية». واستمرّ حرمان العمال من حق تأسيس نقاباتهم بالإخطار والتي وردت بالنسبة للأحزاب والجمعيات، في المادتين م74، م75، بالإضافة لبقاء المواد التي تتحدث عن التعددية الحزبية والسياسية دون ذكر للتعددية النقابية م5.
وبخصوص حق الإضراب، استمرّ تقييد الحق بالقانون، م15 «الإضراب السلمي حق ينظمه القانون»، وهو جزء من نص م64 من دستور 2012، والمشكلة في إحالة تنظيم الحق للقانون، أن القانون يأتي ليس لتنظيمه بل لإهداره، ولنا في قانون العمل الحالي مثال، إذ إنه رغم إباحته لحق الإضراب إلا أنه وضع عليه قيودًا تجعله شبه مستحيل، يكفي أن نذكر أن آلاف الإضرابات التي قام بها العمال منذ عام 2006 وحتى الآن لم ينطبق عليها شروط القانون سوى على حالتين فقط، وهما طنطا للكتان وبريللي، ومارس العمال هذا الحق رغم عدم قانونيته. هذا بالإضافة إلى م73 التي تتحدث عن حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهر، بإخطار على النحو الذي ينظمه القانون، ومن الجدير بالذكر أنه قبل أن يتم التصويت على الدستور أصدر رئيس الجمهورية قانون 107 كما رأينا والذي يقيد أكثر مما يسمح ويغلظ العقوبات.
3- حقوق العمل والأجر:
حدث تحسن طفيف فيما يخص العمل الجبري الوارد في م12، بأن تمّ قصره على الخدمة العامة وبمقابل عادل، ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل.وإن كان في ذلك نفسه مشكلة، بمعنى أن المجندين سواء في الجيش أو الشرطة والذين يعملون في المشاريع الاقتصادية والإنتاجية للمؤسستين العسكريتين، سوف يجبرون على ذلك العمل، وهو ما لم يجبروا على التجنيد من أجله، كما أن عملهم هذا سوف يصب في النهاية في ميزانية ليس من حق أحد مناقشتها سوى مجلس الدفاع الوطني، م203.
وبقيت نفس إشكاليات الدستور المراد تعديله، والمتمثلة في عدم وجود إلزام حقيقي للحكومة بحق العمل، ولا عن إعانة بطالة، وفيما يخصّ حظر الفصل التعسفي م13، خصوصًا في ظل إضافة جملة «على النحو الذي ينظمه القانون».
بالنسبة للأجور، على الرغم من الكلام الفضفاض عن ضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة، وبحد أقصى في أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر، وكل ذلك وفقًا للقانون م 27، إلا أن هناك تعمدًا لعدم التحديد لبعض الحقوق والذي يؤدي إلى إهدارها، ومنها:
أولًا: هناك مشكلة في الكلام عن الحد الأدنى دون وضع معايير لهذا الحد، يكفي سلة السلع الأساسية من مسكن وملبس وتعليم وعلاج وترفيه، طبقاً للاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر. فكما رأينا سابقاً أحد وزراء مبارك قبل 25 يناير مباشرة، كان يرى أن أقل من 200 جنيه هو حد أدنى كريم، وجماعة الإخوان المسلمين بعد إزاحة مبارك كانت ترى الــ700 جنيه حدًا أدنى لحياة كريمة، والحكومة الحالية تمنّ علينا بحد أدنى للدخل شامل حصة التأمينات 1200 جنيه للعاملين في الحكومة، وأصحاب الأعمال يرونه مبلغاً كبيراً على عمال القطاع الخاص.
ثانيًا: بخصوص الحد الأقصى وعدم الربط بينه وبين الحد الأدنى بنسبة ثابتة، يجعلنا ندور في نفس فلك التفاوت الكبير الآن، فالكلام الآن عن استثناءات لبعض القطاعات والوزارات من الحد الأقصى، كذلك عمل حد أقصى داخل كل هيئة على حدة، كلها تصبّ في بقاء الوضع كما هو رغم كونه غير مخالف لمادة الدستور بهذا الشكل.
ثالثًا: قصر الحد الأقصى للأجور على أجهزة الدولة فقط، على اعتبار أن القطاع الخاص عليه أن يقبل بالحد الأدنى ولا يجب فرض الحد الأقصى عليه، مسألة غير صحيحة، وذلك لأن عدم وجود حد أقصى للأجور في القطاع الخاص يؤثر على حقوق العمال في الأرباح وربما في استمرار العمل نفسه.
مؤخراً، طالب عمال فاركو للأدوية بحد أقصى للأجور بالشركة، وذلك لأن أصحاب الشركة يأتون بأقربائهم وأصدقائهم للشركة ويعطونهم عشرات الآلاف كأجور دون عمل، مما يؤثر على أرباح الشركة، وبالتالي على حق العمال في الأرباح.
رابعًا: أعتقد أن نقل الحد الأدنى للأجور من باب الحقوق إلى باب مقومات الاقتصاد، مسألة لها مغزي في الدستور.
خامسًا: أتت م43 لتتحدث عن نصيب العاملين في إدارة المشروعات وأرباحها ولم يقل لنا ما هي هذه النسبة، والتي كانت قبل عام 1991 25% من الأرباح للعاملين، ثم خفّضت بعدها لـ10%، والآن في معظم الحالات يمتنع أصحاب الأعمال عن إعطاء العمال حقّهم في الأرباح، ولدينا من الأمثلة الكثير، فهل هذا تمهيد لتخفيض هذه النسبة؟
4-هناك بعض المواد التي لا تندرج تحت حقوق العمل، ولكنها تؤثر بشكل مباشر على العمال وعلى علاقات عملهم، منها م204 الخاصة بالمحاكمات العسكرية والتي سوف يتضرر منها العمال كمواطنين، ثم كعمال في المؤسسات الاقتصادية التابعة للجيش، خصوصًا بعد تعرض عمال أحد المصانع الحربية من قبل للمحاكمات العسكرية، بسبب ممارسة حقهم في الإضراب، وكذلك قصر اعتبار من يمتنع عن تنفيذ أحكام القضاء جريمة على الموظفين العموميين فقط م100، مما يجعل العمال يستطيعون مقاضاة رئيس الوزراء ويحبسونه، مما يضطره لتنفيذ أحكام القضاء الخاصة بهم، ولا يستطيعون مقاضاة أصغر صاحب ورشة لتنفيذ أحكام حصلوا عليها، سواء بحقهم بالعودة للعمل بعد الفصل التعسفي أو حقوق الأجر وغيرها من الحقوق.
5-في الوقت الذي كانت فيه ديباجة الدستور ضنينة في شرح حقوق العمال وتدقيقها، وجدنا تكرارًا لحماية حقوق أصحاب الأعمال، فقد ورد في أكثر من سبع مواد للدستور عن تشجيع الاستثمار وجذبه، وتأكيدات على حرمة فرض الحراسة أو مصادرة الممتلكات أو الأموال إلا بقانون أو حكم قضائي، م27، م28، م35، م36، م40... ولم يقولوا لنا في ظل إغلاق أكثر من أربعة آلاف مصنع وتشريد العمال، ماذا نفعل وكيف لا يكون من حق الدولة مصادرته وإعادة تشغيله؟ وفي ظل سرقة أموال البنوك بعد الاستفادة بكل الحوافز والإعفاءات والهروب بها للخارج ماذا نفعل؟ وهو في ذلك يسير على نهج أسوأ من دستور 2012 فيما يخص حقوق العمال. فهل يستطيع أحد بعد كل ذلك أن يقول لعمال قولوا نعم لهذا الدستور الظالم؟