لماذا يقول العمال «لا» للدستور؟
فاطمة رمضان
الحوار المتمدن
-
العدد: 3941 - 2012 / 12 / 14 - 08:48
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
مسودة الدستور التي بين أيدينا والتي يطلبون منا الذهاب للاستفتاء عليها يوم السبت القادم، لم تكتف بكونها استمرارا لسياسات مبارك، بل إن بها ملمحا مهما خاصا بالتراجع حتي عن حقوق العمال القليلة التي كانت موجودة، مثل نسبة تمثيل العمال والفلاحين في مجلس الشعب. كذلك تعمل المسودة على إهدار مكتسبات العمال ما بعد الثورة، وأهمها حق التنظيم دون تدخل من أحد، والعمل على إضعاف النقابات المستقلة التي تكونت بعد الثورة، والحرص علي الحفاظ علي اتحاد عمال مصر ببيروقراطيته وبنيته الهرمية حتي يظل أداة النظام داخل الطبقة العاملة، كذلك عودة التوسع في المحاكمات العسكرية علي عكس ما نأمله جميعاً، وهو محاكمة المدنيين أمام محاكم مدنية وليست عسكرية. وفيما يلي نماذج لأهم المواد الكارثية في دستور «الإخوان» بالنسبة للعمال وحقوقهم..
إهدار المسودة للحق في العمل
اعتدت نصوص مسودة الدستور بصورة واضحة علي حق العمل. فقد تم ذكره في مادة واحدة وهي المادة 64 والتي تحفل بالعديد من النواقص نبينها فيما يلي: فلا يوجد إلزام للدولة بتوفير العمل لكل مواطن. ولم ينص على إعانة بطالة للمتعطلين، وهو ما يعد مخالفاً لكل المواثيق الدولية والاتفاقيات التي وقعت عليها مصر. ولم تعتد المسودة علي حق من لا يجدون عملاً فقط، بل اعتدت علي حق من يعملون أيضاً، فقد أجازت الفصل بقانون. وكلنا يعرف أن قانون العمل الحالي قد مكن أصحاب الأعمال من الفصل بشكل متعسف للغاية، وبالذات في الحالات التي يمارس فيها العامل حقه في نشاط نقابي أو في الإضراب أو غيره من الأنشطة التي تندرج تحت النشاط النقابي. كما أجازت المسودة عمل الأطفال حتي في سن التعليم الإلزامي طبقاً لما ورد في المادة 70. والأخطر من هذا أنها تفتح الباب واسعاً أمام تقنين العمل الجبري، رغم محاولات القضاء عليه في العالم كله. فإذا نظرنا لعمل المجندين في الجيش في المؤسسات الاقتصادية - والتي ليس من حقنا معرفة شيء عنها، بعد أن تم تأمين ذلك في مسودة الدستور بل حرمان البرلمان المنتخب ومجلس الشوري المنتخب من الاطلاع عليها- فهل هذه خدمة أخري لجنرالات الجيش؟؟!! وينطبق الأمر نفسه على المجندين في الأمن المركزي، ولعل أبرز القضايا هذه الأيام هي قضية اتهام العادلي في قضية «سخرة المجندين». ويلمس هذا النص كذلك موقف المصريين الذين يعملون في دول الخليج، والذين يعتبر عملهم تحت ولاية الكفيل بمثابة عمل جبري.
تكريس المسودة لعدم عدالة الأجور
إن منظومة الأجور في مصر منظومة ظالمة، لدرجة أنها معيقة حتي للتنمية، وقد أتت مسودة الدستور لتربك الوضع وتجعله أكثر تعقيداً. فبالرغم من المطالبات العمالية منذ سنوات بوضع حد أدني للأجور يكفي سلة الاحتياجات الأساسية من مسكن وملبس وتعليم وعلاج وترفيه. فإن م14 من المسودة لم تضمن ذلك. كما أن المسودة قد قصرت تطبيق الحد الأقصى علي أجهزة الدولة فقط، مع السماح بالاستثناء بناء علي قانون وهو ما يهيئ الوضع لاستمرار منظومة الفساد القائمة، ويزيد من الفجوة في الأجور. كذلك فإن النص على ربط الأجر بالإنتاج في الحالة المصرية يفتح الباب واسعاً أمام زيادة التعسف ضد العمال، ويؤدي إلي حرمانهم من أجورهم في الحالات التي يذهب فيها العامل للعمل ويكون مستعداً له، بينما صاحب العمل هو من يعطل العمل. وفيما يخص الأرباح علي الرغم من كون المسودة قد أقرت حق العمال في الأرباح، إلا أنها لم تنص نسبة معينة، مما يعرض حق العمال للانتقاص من الناحية الفعلية.
انحياز المسودة للمستثمرين
ورد في نص مسودة الدستور أربع مواد وهي أرقام 21 و24 و29 و30 تؤكد جميعاً صيانة الملكية الخاصة وحظر وعدم جواز فرض الحراسة أو نزع الملكية أو التأميم أو مصادرة الأموال إلا للصالح العام وبموجب قانون ومع التعويض العادل مقدماً. ففي ظل الوضع الحالي المرشح للتفاقم، تُغلق المصانع بالمئات ويُشرد مئات الآلاف من العمال، وُحرم العمال من أجورهم لشهور بل لسنوات. وفي معظم الحالات يكون المستثمر قد انتفع بكل الامتيازات والإعفاءات، وقد يكون مديناً للبنوك العامة بالملايين. فهل ننحاز لحق العمال المصريين والشعب المصري فنسترد ما سرق منه؟ أم ننحاز للسارق؟
إهدار المسودة لحق العامل في التقاضي
إن الانتقاص من استقلالية القضاء، أو الانتقاص من ضمانات حماية المحامين مثلها في ذلك مثل الانتقاص من حماية الصحفيين ضد الحبس، وجميعها تؤثر تماماً علي العامل وحقه؛ سواء في التقاضي عندما لا يبقي أمامه طريق غيره، أو الإعلام الذي يساعده في نشر قضيته. ولكن هناك ضررا مباشرا علي العمال ورد في نص المادة 79، التي قصرت العقوبة على الموظف العام فحسب في حالة تعطيل تنفيذ الأحكام. إذ إن العمال كثيراً ما يحصلون على أحكام من القضاء برد حقوقهم المسلوبة، ولكنهم يعجزون عن تنفيذ هذه الأحكام لغياب ما يلزم صاحب العمل على الانصياع لهذا الحكم.
إهدار المسودة للحق في التنظيم والممارسة الديمقراطية
تسفر المواد المقترحة في مسودة الدستور عن اعتداء واضح علي حق العمال في تأسيس نقاباتهم بحرية، وكذلك حق غيرهم من الفلاحين والصيادين والحرفيين والمهنيين. فعلي الرغم من نص المادة 52 من المسودة علي أن حرية إنشاء النقابات والاتحادات والتعاونيات مكفولة، إلا أنه لم يتطرق لطريقة إثبات تأسيس النقابات، مما يجعل مصيرها معلقاً في الهواء بغير غطاء شرعي، فقد أسقط جملة «بمجرد الإخطار»، والتي وردت في المادة 51 الخاصة بالجمعيات والأحزاب. ومن غير المفهوم حرمان النقابات مما حظيت به الجمعيات والأحزاب، اللهم إلا إن كان الغرض هو تقييد التنظيم النقابي، وإعاقة إثباته القانوني. وبينما اعترفت المسودة بحق التعدد للأحزاب والجمعيات الأهلية، وأوردت في متن الدستور مرتين ما يفيد بذلك، ففي ديباجة الدستور (صفحة 3)، وفي المادة 6، لم تتطرق بأي صورة لحق التعدد النقابي، وكفالته، ومن أثر ذلك أن يسود تفسير ضيق يمنع العمال من حرية تنظيم عملهم النقابي علي نحو تعددي حر. كما تجيز المادة 52 حل النقابات بحكم قضائي، وهو ما يهدد الحرية النقابية، ويمثل تعدياً واضحاً علي معناها، بما يمثل ردة عما كان في دستور 1971 الذي قصر الحل فقط على مجالس الإدارات دون النقابات نفسها، إذ إن الحق في حل النقابة يخص أصحابها من العمال وجمعيتهم العمومية، وليس لأي سلطة أو جهة أخري أياً كانت. وعلاوة على ما سبق فإنه من الواضح أن الدولة والقائمين علي صياغة المسودة كانوا حريصين على الإبقاء على اتحاد عمال مصر كما هو ببنيته النقابية الهرمية والتي تعاني الكثير من المشاكل، والتي أدت إلي تحول هذا الاتحاد لأن يصبح ممثلاً للدولة وليس العمال. وكان لافتاً أن صدر القانون رقم 97 لسنة 2012 والخاص بتعديل بعض أحكام القانون رقم 35 لسنة 1976 بإصدار قانون النقابات العمالية، والذي تم نشره في الجريدة الرسمية يوم 24 نوفمبر. وأتت المادة 236 من مشروع الدستور لتحصن هذا القانون من الإلغاء. ومن هنا فإن ثمة ميلاً واضحاً إلى إضعاف النقابات المستقلة التي نشأت بعد الثورة، وفي المقابل الحرص على تقنين وضع اتحاد عمال مصر، والحرص علي بقائه بنفس البناء الذي يتعارض مع فكرة الحرية النقابية أساساً. ثمة انتهاك واضح آخر لحق العمال في ممارسة الإضراب السلمي كما ورد واضحاً في المادة 64 من المسودة، والتي نصت علي: «.. والإضراب حق، وينظمه القانون»، وعهدنا بقانون العمل أنه وضع شروطاً للإضراب جعلته من الناحية العملية والمستحيل سواء. ولولا أن العمال المصريين لم يلتزموا بهذه الشروط المجحفة، لما رأينا إضرابات ولا اعتصامات مطالبة بالحقوق.
افتئات المسودة علي حقوق التمثيل المكتسبة في المجالس التشريعية
لقد حرم العمال والفلاحون من حق كان مستقرا لهم بصفتهم الطبقات الأضعف في المجتمع وهو نسبة الـ 50% «عمال وفلاحين» في المجالس التشريعية، إلا لمرة واحدة وهي الانتخابات التالية للدستور مباشرة فقط كما جاء في المادة 229، ويعد هذا تراجعاً عما كان في دستور 1971. أما عن تعريف مسودة الدستور للعامل فقد جاء فضفاضاً وعاماً للغاية بالنص مما يتيح لرؤساء مجالس الإدارة والمديرين والوزراء أن ينتحلوا تمثيل العمال، دون أن يعبروا عن مصالحهم بحق.
تعريض العمال للمحاكمات العسكرية
ورد في المادة 198 أن «القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها.. ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة، ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري الأخرى..» تمثل هذه المادة خطراً مباشراً علي العامل مرتين، فمرة كمواطن عادي نظراً لشديد غموضها، واتساع ما يمكن اعتباره «إضراراً» بالقوات المسلحة، فقد يذهب أحدهم لحضور مناسبة ما في دار مناسبات أو فندق مملوك للقوات المسلحة، ثم يطرأ حادث كشجار أو عراك يتم بناء عليه محاكمة الشخص محاكمة عسكرية بنص المادة. ويضر النص مرة أخرى بالعمال العاملين في المصانع الحربية والمنشآت التابعة للقوات المسلحة، والتي تتراوح تقديراتها ما بين 25% و40% من الاقتصاد القومي المصري. إذ من الممكن وبسهولة أن تنطبق عليهم هذه المادة، خاصة أنه قد سبق أن حوكم منذ ما يقرب من سنتين عمال المصانع الحربية أمام المحاكم العسكرية عندما مارسوا حقهم في الإضراب