أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - السببية تنفى وجود وفعل الإله !-تأملات إلحادية(9)















المزيد.....


السببية تنفى وجود وفعل الإله !-تأملات إلحادية(9)


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 5187 - 2016 / 6 / 8 - 17:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- فى السببية - جزء ثان
- تأملات إلحادية – جزء تاسع.
- نحو فهم الوجود والحياة والإنسان (51) .

هى رؤى فكرية وخواطر ومواقف تشاكس الإيمان بالإلحاد , هى تأملات تخوض فى الثوابت والأفكار الصنمية والرؤى المغلوطة التى صارت تابوهات ومسلمات بدون أى منطق فكرى يلازمها , أردت صياغتها فى تأملات موجزة بعدة سطور بغية أن يصل مضمونها بشكل سريع ومؤثر ولتفتح المجال أمام آفاق العقل لإختبارها والإبحار فيها .. أعتذر عن دسامة المحتوى فهكذا طبيعة كتاباتى , أو قل رغبة دفينة فى تدوين كل ما يجول فى دماغى قبل إنقضاء الحياة .
فى هذا الجزء سأتناول مشهد غريب غير معتاد , فإذا كان منطق السببية هو المنقذ والمنفذ للمؤمنين بفكرة الإله لمحاولة إثبات وجوده , فهذه السببية هى التى ستشكك فى وجوده وفعله , لينقلب السحر على الساحر .!

- أقوى استدلال عند المتدينين على وجود الله التعاطى مع قانون السببية الذي يبنون من خلاله فرضيتهم بوجود إله مُسبب , لتتراوح الأمور بين محاولات إلتفافية فى التعاطى مع المنطق مع الرؤية الإيمانية وقد تناولت فى الجزء الأول ( مغالطات بالجملة فى مفهوم السببية ) فضح الرؤى المغلوطة والتحايل فى التعامل مع السببية , أما ما يتعلق بالإيمان فلا يعدو سوى كونه تهيؤات نفسية يقع على عاتق أطباء وعلماء النفس التعامل معه .

- سؤال من خلق الله ليس السؤال الوحيد الذى يقوض منطقهم وسببيتهم بالرغم من منطقيته فهو يتعامل مع منطق السببية الذى يتكأون عليه بلا تفريط ولا إستثناء إلا أن رد المؤمنين عليه فى منتهى السذاجة والطفولية بالقول : لا يصح السؤال عن سببية الخالق لتجعله مخلوق أى أن المُجيب أقر أن الإله خالق بينما نحن نبحث فى إدعاء بأن هناك إله وخالق .. ذكاء غريب !.

* لن تمر الأمور بدون خربشة .. منطق السببية ينفى وجود إله .!
- يتكأون على مبدأ السببية لإثبات وجود الله وبالرغم أن منطق السببية لم يسعفهم ولم يتيح لهم إثبات وجود إله على غرار البعرة من البعير , كونها قراءات وتقديرات إنسانية مُختزلة مُتعسفة تبتعد عن الحقيقة , فالأمور فى أفضل أحوالها
لا تزيد عن دليل إستقرائى ناتج عن الملاحظة وقراءة المشهد واستنتاجه وفق حالة معرفية ونفسية خاصة , لذا فقد تكون قرائتنا للمشاهد قراءة خاطئة فلا تنتج أى علاقة بالحقيقة .. ورغماً عن ذلك فلا سبيل لإثبات وجود الله إلا عن طريق السببية , ولكن السببية لن تتركهم فى حالهم طالما إرتموا فى أحضانها لتقوض المنظومة الإيمانية بالكامل فى طريقها .!! أعزى هذا أن السببية منطق إنسانى مبنى على إستدلالات مادية فأن تسقطه على فكرة غير محددة المعالم والملامح فلابد أن ينقلب السحر على الساحر .!

- لماذا لايمكن أن يكون الله هو السبب الاول؟. لأنه بناء على قانون السببية لابد ان تكون هناك رابطة بين المُسبِب والمُسبَب أى بين السبب والنتيجة , فاذا كانت نظرية الانفجار العظيم صحيحة فلابد من وجود علاقة بين الله وبين الانفجار العظيم لا بإعتباره مسؤولاً عن إشعال فتيل الانفجار فقط بل بإعتباره سبباً مستمراً لكل حالة من حالات الكون الذي خلقه , وهكذا فإن الله سيكون مرتبطاً بوجود مادة الانفجار وحدوث الانفجار نفسه وتداعياته , ولكن الله في الفكر والفلسفة الدينية لابد أن يكون معزولاً عن الموجودات خارجاً عن الزمان والمكان بينما الإنفجار الكبير فى الزمان والمكان , ومن هنا لن تكون هناك أى صلة بينه وبين الانفجار العظيم , بمعنى آخر أن العلة لابد أن تكون مجاورة لمعلولها , ووجود الإله خارج الزمان والمكان معناه إنفكاك السَبب عن المُسبب بينما لايمكن ان تنفك العلة عن معلولها .

- هناك تكلفة عالية لابد ان يدفعها المؤمن الذى يعتمد السببية , فتعميم السببية ستدفع الأمور إلى القول بالجبرية أي أن الإنسان مُسير في أفعاله وليس حر الإرادة بل لن توجد له أى إرادة ليتحول إلى كيان مُبرمج ينفذ ما خَطه الله ! .. فإعتماد السببية لإثبات وجود الإله وإعتباره عله أولى غير مَعلولة ستحتم ظهور الجبرية , فأفعال الإنسان نتيجة سبب وهذا السبب تسبب من عِلة أخرى حتى نصل إلى عِلة أولى غير معلولة هى الله .
طالما ترفعون شعار بأن لكل حدث من مُسبب , فهذا يعني أن أي فكرة تطرأ على دماغ الإنسان لا بد لها من مُسبب أدى لخلق الفكرة وتنفيذها وهذا صحيح ولن نختلف عليه .. ولكن هذا السَبب تسبب في وجوده عِلة أخرى , وهكذا حتى نصل إلى حالة من إثنتين إما أن تنتهي تسلسل العلل المُسببة للفكرة إلى علة أولى غير معلولة كما تؤمنون فلا يوجد علة قبلها , وهذا يعنى أن نهاية سلسلة المُسببات ستكون فى يد الله وهذا سيقودنا إلى الجبرية فأنت مُجبر أن تسلك هذا السلوك لأن مُسبب الأسباب يريد ذلك , وإما لا تنتهى سلسلة المُسببات للفكرة عند العلة الأولى ولكن المؤمن لن يقبل بأن يمتد سبب السلوك الإنسانى إلى اللانهاية فهذا معناه سقوط فكرة وجود خالق فبالأمكان حدوث الكون بلا سبب !.
إن إنحزت للحالة الأولى بحتمية العلة الأولى التى لا يوجد من قبلها علة فقد وصلت للجبرية وبالتالى فلا معنى للإختبار والمحكمة الإلهية والجنه والجحيم , فالشرير لن يفعل شراً إلا بسبب الفكرة التي جاءت في رأسه والتي بدورها وُجدت عن طريق أسباب سابقة متسلسلة كثيرة بدأت من العلة الأولى .. رغم حرج هذا المشهد لدى المؤمنين فهو الأقرب لهم فلنتذكر أنهم يؤمنون بأن هناك إله يضل من يشاء , ويهدى من يشاء ولا يوجد مشهد او فعل خارج إرادته ومشيئته .
عندما نحلل ونفسر السلوك وأسبابه وفقا للسببية , فالقاتل لن يستحق جهنم لأن الأسباب التى سيرته مَخْلوقة مُسَببة لتحتشد وتترابط لتحقق فعل مرصود من السَبب الأول الذى رتبه ليحقق قدره ومشيئته وعلمه المُسبق , فالمُسبب الأول رتب الأحداث والأسباب هكذا ليصير إطلاق الرصاص فى إطار تحقيق المعرفة والقدر الإلهى .
عليك أن تختار بين أمرين لا ثالث لهما إما أن تتنازل عن إطلاقك وتعميمك للسببية وبالتالي فلا تستطيع إثبات وجود الله بها , وإما أن تثبتها وتعممها على كل شيء وعندها لا يحق للإله أن يُثيب أو يَعذب بإعتباره العلة الأولى التى سببت الأسباب ليجعل المؤمن مؤمناً , والكافر كافراً , والضال ضالاً.
إعتماد السببية ستؤدى حتما إلى الجبرية سواء أكانت هذه الجبرية من كيان عاقل مفارق أو من الطبيعة الماثلة لعيوننا .

- السببية تفقد الإله ألوهيته فهو لا يستطيع فعل شئ إلا بسبب وهذا يعنى أنه تحت قيد المُسببات , فلو أخذتك العزة بالإله لتقول أنه قادر على فعل الأشياء بلا مُسببات فقد نزعت عنه الحكمة والترتيب ونزعت عنه المشيئة والإرادة ووضعته فى خانة العبثية والفوضوية .

- لو سألنا لماذا خلق الله الكون فى لحظة زمنية محددة ولم يخلق قبلها أو بعدها فلا يتصور أحد أننا أمام سؤال سفسطائى ليقول لو خلقه قبل أو بعد ستتوقف أيضاً وتسأل لماذا سبب الخلق فى تلك اللحظة دون غيرها.. نعم سنسأل دوماً هذا السؤال ولكن يبدو أن حضرتك لا تدرك عمق هذا السؤال الذى سينفى الخلق والإله .
عندما نقول لماذا سَببَ الله خلق الكون في هذه اللحظة بالذات دون سواها ولم يخلق في اللحظة السابقة أو اللاحقة فهذا له مغزى عميق , فمعنى عدم وجود قبل الخلق يعنى أن كل اللحظات الزمانية تكون متشابهة بلا أى فوارق ليكون نسبة الفعل فى كل منها متساوياً فلا تمييز لتلك اللحظة عن غيرها لتتميز ليكون تميزها دافعاً لصدور سبب وفعل الخلق عندها .
دعونا نبسطها أكثر فمعنى أن الله خلق الوجود فى لحظة معينة فإما تكون بحكمة أو عبث , فسيقول المؤمنون بالطبع لحكمة وماخلقنا عابثين , وهذا هو المُفترض من إله كلىّ الحكمة والتقدير لذا سنهمل الخلق بعبثية وبدون قصد ليكون إختيار لحظة معينة تكون سبباً للخلق تم بحكمة وتقدير , أى أن الله إختار الظرف المناسب فتكون لحظة الخلق قبلها أو بعدها خاطئاً , فالظرف المناسب هو إختيار من عدة ظروف متباينة وهذا يعنى ان الظروف خارج الله ليفاضل بينها ويتحين الفرصة المناسبة للخلق , وهذا يعنى أن الله يخضع للظروف المستقلة عنه ليتعامل معها ويقوم بدراستها وإختيار اللحظة المناسبة للإقدام على عملية الخلق مع عدم إغفالنا أن اللحظات متشابهة .!
إن عدم إقدام الله على الخلق قبل لحظة الخلق يعنى أنه كان عاجزاً ثم صار قادراً وهذا ينفى الألوهية ويجعله تحت رحمة الظروف وما يُتاح منها وما يتوفر , ولو قلنا بأن الله متحرر من الظروف وأنه خلق بدون توافر ظروف مناسبة للخلق كونه غير خاضع لها فهذا يعنى أن سَبب ولحظة الخلق غير مُرتبة وجاءت بلا تفكير وبدون باعث لها أى أننا أمام فعل عشوائى وهذه الفكرة ستلتقى مع الملحدين فى عدم غائية الوجود كما تنزع عن الله فى المقابل أى حكمة وتقدير وتدبير.
خلاصة القول أن الخلق مستحيل كفعل بواسطة الإله كمسبب , فإما هو إختار لحظة الخلق ليقع تحت طائلة الظروف القاهرة ليختار اللحظة المناسبة وهنا سيفقد ألوهيته , أو يكون الخلق بلا حسابات وترتيبات وقيود ليصبح شئ عبثى وهنا سيفتقد الحكمة ليدخل فى دوائر العبث .

- الإله بحكم وصفه بالمطلق واللانهائى والكامل لا بد وأن يكون متعالى على الزمن , أى لا تنطبق عليه قواعد البداية والصيرورة والنهاية كأى شئ خاضع للزمن , وهذا يعنى أنه لا يمكنه أن يتواجد فى أى زمن ما .!
هذا التعالى على الزمن يتناقض مع كونه سبب فعل الخلق الذى يرجعونه إليه , لأن فعل الخلق لا يتم إلا فى لحظة فى الزمان , هذه اللحظة تقسم الزمان لما قبلها وما بعدها , فمفهوم السببية الذى يعللون به خلقه للكون يتطلب مفهوم الزمان حيث المُسببات أو المُؤثرات أو المُنتجات تسبق تأثيراتها من الأسباب زمنيا , فلا معنى للسببية إذن من دون الزمن , فإعتباره خالق الكون يعنى أنه خاضع للزمن وفى علاقة لا تنفصم , لذا القول بأنه غير خاضع للزمن هو كلام لا معنى له يناقض نفسه , فبما أن فعل الخلق حادث أى لحظة فى مجرى الزمان ، فلكى تحدث هذه اللحظة ينبغى عبور الأزلية أولا أى قطع مقدار لا نهائى من الزمن , وهى استحالة منطقية واضحة , لا ينقذها سوى أن المادة التى تشكل منها الكون الحالى أزلية أبدية لا مخلوقة غير قابلة للفناء وهى كذلك بالفعل .

- يقال ان الله غير خاضع للأسباب فلا يوجد سبب يُشكل سلوك الله , ولكن كيف يغضب ويثور وينتقم ويرحم .. فهل هذه الأشياء يفعلها الله بلا سبب .؟! فإذا كانت بسبب فإنه خاضع للمُسبب ومُنفعل معه وهذا هو الحادث بالفعل وفق القصص الدينية أى أننا أمام إله منفعل خاضع للفعل لينتج رد الفعل , وإذا كان ينفعل بلا سبب فهذا يعنى العبثية والهذيان بعينه لتنفى المُسبب العاقل وتصب فى خانة المُسبب الغير العاقل .

- مقولة "الله مُسبب المُسببات والأسباب" تخضع لنفس هذه الرؤية النقدية , فكونه مُسبب الأسباب ليضع لكل مُسبب ما يناسبه من سَبب فلا يستطيع أحد القول أن المُسببات عشوائية لا يَحكمها ترتيب وحكمة فهذا يعنى العبثية , فأن تكون المُسببات ذات ترتيب فهذا يعنى ان الله محكوم بنظام لا يستطيع ان يحيد عنه لتكون الأمور منطقية وذات هدف وغاية ,وهذا يُفقد الإله ألوهيته وحريته عندما يكون محكوماً ومقيداً بالتعاطى مع حيز معين من المُسببات القاهرة لا يحيد عنها.

- إن المؤمن يتكلم عن نظام متكامل مكون من جزأين أحدهما المُسبب والآخر السَبب , فلا يصح أحدهما دون الآخر , لذا فهذه الرؤية وضعت الاله الكامل كجزء من نظام موضوع ليكمل به هذا النظام .. فكيف يكون الكامل جزءاً من نظام , لتتقوض هكذا مقولة الإله الكامل .!

- الصنعه تدل على الصانع , والصانع هنا كامل لن ينتج مصنوعات فاسدة , ولكن الكون غير مكتمل تشوبه الكثير من الأخطاء مثل النيازك وإنفجار نجوم وتصادم مجرات والثقوب السوداء , بل الإنسان نفسه يعتريه النقص والخلل الشديد , فالمشوهين والمعاقين والأوبئه والأمراض التي تفتك بالبشر ووجود أعضاء ليست بذات كفاءة أمثلة على ذلك , فكيف يخلق الكامل المطلق صنعه ضعيفة مليئه بالأخطاء .

- القول بالخلق من عدم بالرغم من إستحالتها وهراءها إلا أنها تنفى السببية , فلا مكان للسببية بالرغم أن المؤمنين يعتنون بمنطق السببية أشد الإعتناء , فالمُسبب هنا لا شئ .!

- السببية لن تشفع لإله الأديان بمعنى أننا لو تصورنا فرضاً أن هناك إله خالق فما الذى يُحتم أن يكون عادل ورحيم ومنتقم وغفور ألخ , فليس هناك أى علاقة بين الخالق والمُريد , فحسب فكر الألوهيين مثلا فهو خالق فقط كفنان يرسم لوحته وليس لديه رغبة فى الرصد والتدوين والثواب والعقاب , إذن لن تجد علاقة وفق السببية أن يكون الخالق مُريد وعادل ورحيم ألخ , فلا توجد أى علاقة أو منطق سوى القفز وتلبية حاجات نفسية , أراها هى التى رسخت فكرة وجود إله لتجد قائل يقول أتريد أن يفلت الظالم والشرير من العقاب الإلهى , فهنا جعلنا الإله يفى بحاجتنا للعدل والإنتقام .

* البحث فى أسباب الخلل .
- فكرة المُسبب ككيان شخصانى , مقولة تعنى إفتراض وجود واعى ذو إرادة وهدف وتخطيط فى كيان لا مادي لتقود إلى شخصنة الإله , وهذه الشخصنة مُسلمة بالنسبة للمؤمنين وفق كتبهم وتراثهم , فكل السرد الدينى يعطينا وعى بإله مادى مجسم لديه وجه ويد وساق ويرضى ويغضب وينتقم مثلا لكن سنتغاضى عن ذلك لنجد الفكر الدينى يبنى فرضياته على مغالطة منطقية فجة تعتمد على إسقاط الفعل العاقل على أى مشهد وجودى , فطالما الإنسان عاقل ينتج نظاماً كالصناعة مثلا , فنظام كالكون لابد أن ينتجه كائن شخصاني عاقل وهو ما يُدعى بالإله الذي يصبح بمثابة الصانع ولكن فى هيئة خارقة عظيم القدرات والجلال .
وجه المغالطة في هذا القياس الفاسد أن حكم البعض لا يسري على الكل بالضرورة والعكس صحيح , فليس وجود نمط علاقة محدد يستدعى إسقاطها على الكل , فإذا كنا نرى الحرارة والنار ناتجة من حك عود كبريت فليس معنى هذا على الإطلاق أن تكون كل النيران والحرارة ناتجة عن عود كبريت فقط .
لا يجوز تعميم صفات البعض على الكل أو إسقاط مشهد سببى على كل المشاهد ومن هنا يكون الزعم بأن كل نظام يحتاج وجوده لمُسبب شخصانى هو زعم فاسد ومُتعسف فلا يصح القول بأن المجموعة الشمسية التى نراها نظام صادر من كائن مشخصن كالإنسان الذى ينتج بنايات , وهذا ما سنتناوله بالتفصيل لاحقاً فى جزئية المصمم والتصميم .
عجزنا المعرفى عن إدراك مُسببات بعض ما نراه من أنظمة وموجودات لا يبرر منطقياً تعميم السبب البشرى على هذه المشاهد فكما ذكرنا ان الحرارة والنيران ليست مصدرها الوحيد حك عود من الكبريت .

- ظن الانسان القديم بوجود ترابط سببي ينتج الظواهر والأحداث وذاك عن طريق الاستقراء السطحي الذى تلحف بالسذاجة والجهل والتعجل مما دفعه لإيجاد سبب للظواهر الطبيعية فظن أن إنفجار بركان أو تدمير زلزال مقترن بكونه شرير أو بوجود شر فى محيطه وأن هذا إنتقام إلهى نتيجة ذلك , لنعلم بعد ذلك أن هذا الإستقراء خاطئ .. الغريب والطريف ان هناك بشر مازالوا يتعاملون مع هذه القراءة الخاطئة , فمازالت مصائب وكوارث الدنيا لوجود الخطيئة والشر بيننا .. الغريب والطريف أن المؤمنين مازالوا يتعاملون مع هذه القراءة الخاطئة .

- سبب ظهور فكرة الإله المشخصن هى قراءة مغلوطة للمشهد الوجودى يهيمن عليه أحاسيس ذاتية لإنسان لم يعى حكم قصور معارفه بأن هناك فعل تحويلى ومؤثر فى الأحداث خارج عن نطاق الفعل العاقل لذا تصور هو وأحفاده أن أى مشهد وجودى ذو حركة وتأثير نتاج كيان يماثله فى العقل والإرادة تم تسميته الإله , وهذا بالفعل حل سهل للعقل البشري تمليه عليه العادة بتحقيق التجانس لمُسببات الأشياء المعلومة والمجهولة وتنسجم مع رؤية الإنسان الذاتية كإعتقاده بالتميز وأنه محور الوجود .

- التعامل مع الأسباب والمشاهد بأنسنتها تعكس نرجسية الإنسان وإحساسه بالعظمة حيال ذاته علاوة على جهله , فتملي عليه تلك العظمة الذاتية أن يستنسخ ذاته المتضخمة بإسقاطها على الأشياء من حوله ليحصل على عدة صور لها في مرآة الوجود تزيده إحساساً بالزهو وأنه مَالك الوجود , فيكون كل موجود هو نتاج كيان شبه إنساني مماثل له , فإن كان الكون عظيماً فسبب عظمته أن هناك ذات عظيمة خارقة تماثله فى المضمون وتزيد عنه فى القدرات لتنتجه .
هذه النظرة تم تعميمها من الإنسان ككائن مادى عاقل على أى وجود فلابد من وجود كيان عاقل ما يهيمن عليها حيث يرى إن كل فعل لأى كائن مادى آخر لابد وان يكون له هدف وإرادة ووعى ما , لنرى أن بداية الفكر الإنسانى فى التعامل مع الأشياء هو رد الفعل تجاه الشئ , فالطفل والإنسان البدائى يرفصان الحجر الذى يتعثران فيه ويعتبرانه مسئولاً عن تعثرهما , ومازلنا نفعل هذا الأمر حتى الآن بركل الكرسى أو الطاولة عندما نصطدم بها .. ثم تطورت هذه الفكرة فأصبح الهدف والإرادة والوعى لدى كائن أو كائنات أعلى تماثله فى المضمون لتحرك الأشياء وتسبب ما تحدثه من تأثيرات فهى تملك ما يملكه الإنسان من وعى وإراده وغايات إلا إنها مطلقة وقادرة فيصبح الإله هو من وضع الحجر وقشرة الموز فى طريقنا لنتعثر ! .. الطريف أن المؤمنين مازلوا يعتقدون بهذا .!

- نحن لا يعنينا البحث عن البسيط بينما تتحرك السببية فى نطاق المُعقد والمُتغير والمتطور , فنحن لا نسأل عن سبب قطعة حجر ولكن سيعنينا السؤال عن سبب الكمبيوتر والسيارة , ويرجع هذا إننا شاهدنا الحجر منذ أن وعينا الوجود كما هو دون أن يعتريه التغيير , ولكن لم نشهد تطور كائن حى أو خلق بمنظور المؤمنين , فالبسيط المُدرك ليس فى حاجة للبحث له عن سببية بينما تتحرك السببية أمام غموض المركب الذى لم نشهد مراحله وليس لدينا ثقافة عنه .

- الإنسان عندما يعجز عن فهم المعقد نتيجة جهله وقلة معارفه فهو لن يترك نفسه فريسة للحيرة والجهل , فسيبحث عن إجابة سريعة ولو مُتعسفة حتى لو إضطر لحرق مراحل كثيرة بدم بارد ليجلس نافخاً صدره بعدها أو يحظى على نوم هادئ .

- نحن لا نعتنى بالسببية إلا فيما يخص حاجاتنا ورغباتنا , وبمعنى أدق ما يتحرك فى دوائر اللذة والألم .. لن نعتنى بالبحث عن سبب إنهيار نجم فى السماء يعادل مليون مرة حجم الأرض ولكن سنهتم ونبحث عن سبب إنفجار انبوبة غاز , ففى الأولى خرجت الأمور عن نطاق الألم والحاجة فلينهار النجم وليذهب فى ستين داهية , بينما إنفجار انبوبة غاز ستدخلنا فى دوائر الألم .

- الواقع المادى ينتج مشاهده بدون سبب ..أى أن الأشياء تكون فى إطار وجودها المادى لنستقبلها بوعينا فلا نتعامل مع الوجود كصور تمر أمامنا بل نوجد علاقات مع المشاهد المادية حتى تجد لها مكان فى الوعى فنربط هذه المشاهد ببعضها من خلال إيجاد علاقات خاصة هى السببية , فتبلد الغيوم نذير لسقوط الأمطار فلا تكون الغيوم فى ذهننا كمشهد مستقل ولا الأمطار كذلك ليتكون الوعى الإنسانى من خلال عمليات الربط تلك .. أى أننا نخلق العلاقات بين الأشياء من خلال السببية وفقا لإدراكنا وحظنا من المعرفة والذكاء بل نمتلك قدرات خيالية تسوقها حالة نفسية تجاه الاشياء مثل مسببات التفاؤل التشاؤم .

- الوجود المادى غير معنى أن يُصدر لنا مشاهد مرتبطة ببعض بل نحن من نحاول إيجاد علاقات فيما بينها قد نصيب أو نخطأ وهذا يتوقف على قراءتنا للمشهد وزواية رؤيتنا وكلما اقتربنا أكثر من العلاقات المادية بدون أن نقحم تصورات ليست من المادة أمكن ان نجد سببية اكثر ديمومة .

- نتصور أن النجوم لها سبباً ووظيفة أن تكون مصابيح وهداية للملاح , فهل هى كذلك .. هل نجوم أكبر من حجم الشمس عبارة عن مواقد نووية بحجم مليون مرة حجم الارض وظيفتها ان تكون نقط مضيئة فى السماء أو ترشد ملاح فى رحلته الصحراوية او البحرية .؟!
نحن تواجدنا لنرى النجوم من زاوية كونية لتظهر لنا كنقاط مضيئة فبحثنا لها عن وظيفة ومعنى لنسقط رؤيتنا ورغبتنا فى ايجاد غاية ووظيفة ومعنى .. بمعنى أن الإنطباع عن النجوم أنها نقط مضيئة لم يأتى من تراصها على بعد هذه المسافات العظيمة لتتأجج لتصل لعيونك كمصابيح زينة فهذا تصور خاطئ , فأنت الذى تواجدت فى زواية من الكون أتاح لك هذه الرؤية لتخلق إنطباعك الخاص .

- كذا دوران الارض حول محورها أمام الشمس كسبب لحدوث النهار والليل , وكذا دوران االارض حول الشمس لتمنحنا فصول السنه الأربعة لنذهب فى فصل الصيف إلى المصايف , فحركتها هى توازنها وبقاءها فلو لم تكن تسير هكذا ما تواجدت فى الأساس ولم يكن للحياة أن تتواجد ليذهب احد إلى أماكن الإصطياف ..عندما تهيأت الظروف لوجود حياة على الأرض تواجدنا فى نهاية المشهد لنعطى الليل والنهار والصيف معنى.. هذا المشهد ليس ذو إعتناء وترتيب من الأرض أو الشمس أو إله يمد يده ليحركها حول محورها , فحركة الأرض حول محورها هو لإتزان الأرض ذاتها وكون هذه الحركة واجهت الشمس لتنتج الشروق والغروب على وجهى الكرة فهو أتى هكذا فلو لم تدور الارض فلن تكون مكاناً يستقبل الحياة ولن يأتى من يقول انظر إنها تدور حتى تنتج لنا النهار والليل .. الغريب أنه لم يسأل نفسه لماذا كانت تدور قبل وجود الحياة على الأرض .. هى حركة وظاهرة مادية بحته كونك إستفدت منها وخلقت لها معنى فهى غير معتنية بمعناك فأنت تواجدت فى المشهد فقط وكونت إنطباع ومعنى .

- إن البذرة مكونة من أجزاء مرتبطة بما حولها من مفردات الواقع فإذا كانت الظروف البيئية ملائمة فإن ألأجزاء الأكثر إستعدادا في البذرة للنمو سوف تنمو بطريقة تحددها ماهيَة البذرة , وبعد النمو تصبح لدينا نبتة ثم شجرة تتعشق بمفردات الواقع , فهي مُسبَبة من عوامل ومُسبِبة لعوامل أخرى مفتوحة , فلا نجد في كل هذا أي دور أو مكان للإله إلا عند المؤمنين بفكرة الله الذين يستغلون جهل الإنسان أو قل جهلهم بأسباب الأشياء في الواقع فيحشرون الإله مكان هذه الأسباب المجهولة ليدخلونه في سلسلة أسباب الواقع بصورة غير شرعية .

- من الأهمية بمكان إدراك أنه لا يوجد فصل بين السبب والنتيجة , فالسبب سيكون نتيجة والنتيجة ستكون سبباً فى جدلية دائرية لا تنكسر حلقاتها فالأمطار نتيجة تبخر ماء البحار والأنهار التى ما تلبث أن تسقط على البحار والأنهار ثانية .

- كلما إزداد الإنسان علماً وإدراكاً للوجود كلما تضاءلت فكرة الإله المشخصن , فالأمطار التى كانت تعزى للإله هى ظاهرة طبيعية ندركها الآن , والزلازل التى كان يُعتقد انها من تأثير دك الإله الأرض بقدميه عند غضبه هى حركة صفائح الأرض فى لحظة عدم توازن , والمرض الذى كان روح شريرة هو لفيروس مادى , وقشرة الموز التى إنزلق عليها فكسرت ظهرك هو مشهد عشوائى غير معنى .. الغريب والعجيب بأن هناك من يعتقد بقدرية قشرة الموز .!

-إذا كان العلم هو وسيلتنا الوحيدة لفهم الوجود , فالعلم يصف الطبيعة ولا يفسرها .. العلم غير مَعنى بسؤال لماذا الذى يسأل على الغاية فهو لن يقدم هنا إجابة لأن المادة غير واعية وليست لديها غاية وخطة تريد تقديمها .
تقدم الإنسان مرهون بقراءة المادة ووصفها وتحليلها والتعامل معها وفقا لحالتها بدون اضافة أشياء ليست منها .. نحن نقول بأن الحجر يسقط على الأرض بسبب الجاذبية فهو رصدنا للمشهد ولكن لا يصح القول لماذا الجاذبية تشد الأشياء للأرض فهنا نحن أمام كينونة المادة وسماتها فليست لديها غاياتها وخططها بمعنى أن الجاذبية هى سمة وهوية وإتزان المادة

لا أعلم هل نجحت فى إذابة جبال الجمود والإلتباس والمغالطة أم لا , ولكن لا أتصور بعد هذا البحث من سيقفز ليقول بيقين أن الإله خالق الكون فهو هنا لم يقرأ ولم يستفد شيئا كونه وضع العربة أم الحصان هذا إذا كان الحصان حياً لم يمت .

دمتم بخير وإلى جزء آخر من تأملات إلحادية .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغالطات بالجملة فى مفهوم السببية-خواطر إلحادية(8)
- تنبيط (4)-سخرية عقل على جدران الخرافة والوهم
- أيهما منطقى - تأملات إلحادية (7)
- منطق إله أم فكر بشرى عدائى إقصائى
- تأملات لادينية-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
- إنها فكرة ومنظومة ضارة-تأملات إلحادية
- شيزوفرانيا على زهايمر-تناقضات فى الكتابات المقدسة
- وهم الخلق والخالق (2)- تأملات إلحادية
- وهم الخلق والخالق(1)- تأملات إلحادية
- تأملات إلحادية(3)-نحو فهم الوجود والحياة والإنسان
- إيمانكم غلط ووهم – مشاغبات فى الإيمان
- بماذا تفسر-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- تأملات إلحادية (2) - إشكاليات منطقية
- تأملات إلحادية-نحو فهم الوجود والحياة والإنسان
- الرد على مروجى الاعجاز البلاغى فى القرآن(2)
- ستة مشاهد من التخلف -لماذ نحن متخلفون
- الرد على مروجى الاعجاز البلاغى فى القرآن(1)
- هل ؟!- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
- تنبيط (3)-سخرية عقل على جدران الخرافة والوهم
- حاضنة الإرهاب والتطرف المسكوت عنها


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - السببية تنفى وجود وفعل الإله !-تأملات إلحادية(9)